- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3676
خامنئي يركز على "التهديدات الخارجية" وليس مطالب الاحتجاجات
في محاولة لحشد الإيرانيين حول العلم، ركز المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خطابه الأخير على "المؤامرات الغربية" المفترضة، مشيراً إلى أنه ليس لديه خطط وشيكة لتقديم تنازلات كبيرة للمتظاهرين.
غالباً ما يستخدم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خطاباته ليُظهر للجماهير المحلية والأجنبية مقاربته للأحداث الجارية. ففي 26 تشرين الثاني/نوفمبر، تحدث أمام جمهور من قوات "الباسيج" - الفرع شبه العسكري لـ «الحرس الثوري الإسلامي» المسؤول عن فرض الأمن الداخلي وتعزيز الثقافة الإسلامية و "الثورية". وفي الآونة الأخيرة، لعبت "الباسيج" دوراً بارزاً في قمع الاحتجاجات الجماهيرية التي هزت البلاد منذ أيلول/سبتمبر، مما دفع الكثيرين إلى الافتراض بأن التصريحات التي أدلى بها خامنئي أمامهم ستركز على الاضطرابات. وبدلاً من ذلك، كرس معظم خطابه للترويج لـ "قيم الباسيج" في المجتمع الإيراني وتكرار مزاعم "المؤامرة الغربية" ضد البلاد. ولم يدلِ سوى ببعض التصريحات العابرة بشأن الاضطرابات، واصفاً المتظاهرين بـ "مثيري الشغب" و"المرتزقة" الذين يحاولون مساعدة الولايات المتحدة في الضغط على إيران.
التهديدات الخارجية مقابل التهديدات الداخلية
من الواضح أن موضوع المعركة العالمية بين الجمهورية الإسلامية وعدوها الرئيسي أمريكا، قد ميز العديد من خطابات خامنئي على مر السنين. ولكن هذه المرة، يتناقض تركيزه الرئيسي على التهديدات الخارجية بشكل حاد وغير متكافئ مع الاضطرابات الداخلية العميقة التي تظهر جلياً في شوارع إيران.
ومن وجهة نظر المرشد الأعلى، تتصدى إيران لمؤامرة غربية متعددة الأوجه تهدف إلى فرض الهيمنة على الشرق الأوسط والحفاظ عليها. من هنا، كرس جزءاً كبيراً من خطابه لسرد تاريخ المظالم الإيرانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بدءاً من عهد الرئيس ترومان. وتشمل هذه "الوعود التي لم يتم الوفاء بها" التي قدمتها واشنطن في عدة مناسبات، "اتفاقية الجزائر" لعام 1981 (التي أنهت أزمة الرهائن في السفارة) والاتفاق النووي لعام 2015 (المعروف أيضاً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»). وفي ظل عدم الموثوقية المزعومة للولايات المتحدة، خلص خامنئي إلى أن واشنطن لن تقوم بتسوية النزاعات إلا إذا دفعت طهران "فدية" تتجاوز خطوطها الحمر.
على سبيل المثال، اتهم خامنئي المفاوضين الأمريكيين بتغيير أهداف تخصيب اليورانيوم بشكل متكرر: "أولاً، يقولون "أوقِفوا التخصيب بنسبة 20 في المائة"، ثم "التخصيب بنسبة 5 في المائة"، ثم يطالبون بوقف الصناعة النووية بأكملها". ولكنه أكثر قلقاً بشأن المطالب الأمريكية المزعومة التي تتجاوز القضية النووية، مثل تغيير الدستور الإيراني، وإلغاء "مجلس صيانة الدستور" غير المنتخب التابع للنظام، وإيقاف "الصناعات الدفاعية". وفي إشارة إلى احتمال إجراء مفاوضات مستقبلية مع واشنطن، قال إن «خطة العمل الشاملة المشتركة الثانية» ستؤدي إلى "تخلي إيران تماماً عن وجودها الإقليمي"، في حين أن «خطة العمل الشاملة المشتركة الثالثة» سترغم النظام "على عدم إنتاج أي أسلحة استراتيجية أو مهمة". وخلص إلى أن أي إيراني وطني - حتى المواطنين الذين يعارضون الحكومة - لن يخضع لمثل هذه الرشاوى.
إن فكرة خامنئي بأن تقديم التنازلات لن يؤدي سوى إلى زيادة شهية الولايات المتحدة لمزيد من التنازلات ليست جديدة. على سبيل المثال، عندما اقترح البرلمانيون الإصلاحيون التفاوض على اتفاق نووي منذ عام 2003، انتقدهم علناً، مؤكداً أن واشنطن لن تتوقف عن الضغط على المسؤولين الإيرانيين إلى أن يتخلوا عن الإسلام، والجمهورية الإسلامية، والحوكمة الشعبية، مما يتيح فعلياً للغرب السيطرة على البلاد. وقد كرر هذه الفكرة مراراً وتكراراً منذ ذلك الحين.
معرفة العدو ومواجهته
في جزء آخر من الخطاب، اعتبر خامنئي أنه نظراً لتواجد الجمهورية الإسلامية في قلب الشرق الأوسط ذي الأهمية الجيوسياسية، فإن طبيعتها الثورية تعيق "السياسات الاستعمارية" الغربية. لذلك، خلصت الولايات المتحدة إلى ضرورة إضعاف إيران من خلال استهداف حلفاء النظام الإقليميين في العراق ولبنان وليبيا والصومال والسودان وسوريا، وذلك لتحقيق الهدف النهائي القائم على تدمير "العمق الاستراتيجي لإيران" وإسقاط النظام. ويتمثل رد خامنئي على هذه المؤامرات الغربية المزعومة بـ "المقاومة" و"الصمود"، وهو ما أكده من خلال استشهاده بسجل الجنرال الراحل قاسم سليماني في هزم جهود الهيمنة الأمريكية في العراق ولبنان وسوريا.
ولكن لمواجهة الغرب بشكل كامل، يعتقد خامنئي أنه ينبغي على الإيرانيين معرفة عدوهم أولاً وتحديد تكتيكاته. لذلك، عاد في خطابه بشكل موجز إلى الاحتجاجات، مذكراً جمهوره من أعضاء "الباسيج" بأن المتظاهرين الذين يقاتلونهم في الشوارع ليسوا سوى عملاء لـ "الغطرسة العالمية"، وهي التسمية الرمزية التي يطلقها النظام على الولايات المتحدة وحلفائها. بعبارة أخرى، يحاول اليوم الإيرانيون الذين دفعوا دون جدوى باتجاه تسويات أوسع مع الغرب في الماضي "إثارة الشغب وترديد الشعارات". وحث جمهوره على فهم الكيفية التي يحاول بموجبها العدو "السيطرة على عقول" الإيرانيين لكي "يُسلّموا البلاد بكل سرور". وعلى وجه التحديد، ادعى أن "تقديم أخبار كاذبة على القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي" أصبح إحدى الاستراتيجيات الرئيسية للعدو.
لامبالاة حقيقية أم مجرد واجهة؟
كزعيم ديني، غالباً ما يستخدم خامنئي المراجع الإسلامية لدعم مزاعمه. ففي هذا الخطاب، اختتم بتلاوته آية قرآنية ترفض التسوية: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (سورة العمران، 139). ووفقاً للتقاليد، كان الهدف من هذه الآية تشجيع جيش النبي محمد بعد هزيمته في "غزوة أحد". فغالباً ما استشهد المسؤولون الإيرانيون بهذه المعركة لتوضيح ضرورة توخي اليقظة ضد الأعداء وعدم الاستسلام للتجربة، كما فعلت عناصر الجيش المهزوم عندما تجاهلت أوامر النبي وتركت مراكزها بحثاً عن الغنائم. وفي خطاب ألقاه خامنئي عام 1997، أعلن أن "حياتنا كلها مثل غزوة أحد"، موضحاً أنه إذا "تحركت إيران بشكل جيد"، فسيُهزم العدو، ولكن إذا تخلت عن حذرها وسعت وراء الغنائم، فهي التي ستُهزم. وينطبق هذا التشبيه على الوضع اليوم أيضاً.
هل يعتقد خامنئي حقاً أن الوضع الداخلي اليوم يمكن إدارته وأنه لا حاجة إلى إصلاح السياسة الخارجية أو الداخلية؟ من الصعب الجزم، لكن خطابه الأخير يوحي بأن الإجابة هي نعم. فالنظام يواصل استخدام "الاستراتيجية ذاتها" لمواجهة التحدي الحالي على الأرض، من دون تكثيف أدواته القمعية القاسية أساساً، ولكن من دون اقتراح تنازلات مجدية أيضاً.
ومع ذلك، تقترب البلاد بسرعة من سلسلة مناسبات هامة قد تزيد من حدة الاحتجاجات وتتطلب من النظام إعادة التفكير في مقاربته. المناسبة الأولى هي يوم الطالب في 7 كانون الأول/ديسمبر، تليها عدة أيام لإحياء الذكرى الثورية بدءً من 9 كانون الثاني/يناير، عندما تُكرم إيران خلالها انتفاضة قُم ضد الشاه عام 1978. ويمكن التأكيد على أمر واحد: سيستمر التركيز على المواضيع الوطنية والقومية بينما يحاول النظام حشد الجمهور حول العلم وتسليط الضوء على مخاطر إضعاف الدولة في زمن المخططات "الاستعمارية" الخارجية.
عومير كرمي هو زميل زائر سابق في معهد واشنطن.