- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3670
خارطة الطريق النووية الإيرانية لعام 2019: تجاوُز حدود «خطة العمل الشاملة المشتركة»
مرّت ثلاث سنوات منذ بدء تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إلّأ أن ثمار الاتفاق النووي لم تُلَبِّ توقعات إيران العالية المستوى. لذلك، اشتدّت معضلة طهران: هل عليها تصعيد الوضع والرد بقسوة لردع الضغوط الأمريكية، أو كبح نفسها لمنع ظهور تحالف غربي موحد ضد إيران؟ وهل يكون ذلك النهج الأخير مستداماً في حين لم ينتج عنه إلا تعويضات اقتصادية محدودة من أوروبا حتى الآن؟
في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، لمّح أمين "المجلس الأعلى للأمن القومي" الإيراني علي شمخاني إلى أن صبر إيران حول هذه الأمور بدأ ينفد، وإلى أن فرصة أوروبا قد "انتهت". ومع ذلك، يبدو أن النظام قد تجنب التصعيد الحاد في سبيل إيجاد حل وسط - وهو ردع الغرب من دون فسخ الاتفاق. ففي 22 كانون الثاني/يناير، دافع مدير "منظّمة الطاقة الذرّيّة الإيرانية"، علي أكبر صالحي، عن قرار البقاء في الاتفاق، لكنّه عدّد أيضاً خطواتٍ نووية مختلفة يتّخذها النظام لبعث "الرسالة الضرورية". وشدد على أن هذه الأنشطة ممكنة لأن "المحادثات النووية تركت الكثير من الخروقات في الاتفاق لتستغلّها إيران"، تماماً كما فعلت مع الاتفاقات والقواعد الدولية الأخرى.
المناورات الإيرانية النووية القادمة
إن «خطة العمل الشاملة المشتركة» هي وثيقة تتألف من 159 صفحة وتعرِض شبكةً معقّدة من القيود مع العديد من الثغرات وأوجه الغموض الفنية. وبالنظر إلى سجل طهران في استغلال هذه الثغرات، يمكن أن تتوقع الحكومات الأجنبية أن يتّخذ النظام الخطوات التالية نحو تعزيز نفوذه.
التشديد على حاجته إلى وقود المفاعلات المُثرى [المخصَّب] بنسبة 20 بالمائة. إن تخصيب اليورانيوم لكي يحتوي على 20 في المائة من النظير الانشطاري اليورانيوم-235 يمثل معلماً حاسماً في الحصول على اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لصنع أسلحة نووية. وتستخدم إيران أيضاً اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20 في المائة لتغذية "مفاعل طهران للأبحاث" حيث تُنتج النظائر الطبّيّة - ما يشكّل أحد مصادر الاعتزاز للبرنامج النووي المدني في البلاد.
وبموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يُحظر على إيران حاليّاً التخصيب إلى نسبة 20 في المائة وكان عليها تصدير مخزونها القائم من هذا اليورانيوم إلى روسيا. ومع ذلك، يسمح الاتفاق أيضاً للنظام باستيراد كميات صغيرة منه تكون خاضعة لعمليات تفتيش دولية من أجل إنتاج أقراص [أو أوتاد] الوقود. وقد تأمل إيران في تبرير خرقٍ مستقبلي لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» بإعلانها أن العقوبات الحالية تمنعها من الحصول على هذه المادة، مدّعيةً أنها بحاجة إلى إنتاج اليورانيوم المخصَّب بنسبة 20 في المائة بنفسها لتلبية احتياجاتها.
وفي الآونة الأخيرة، تعمّد صالحي استخدام لهجة غامضة للإعلان عن أن إيران "تعمل على" تصميمٍ محدَّث لوقود المفاعلات الخاص بها. كما أشار إلى أنه في حين لا يحتاج النظام إلى التخصيب لنسبة 20 بالمائة في الوقت الحالي، فقد يختار تخزين اليورانيوم بهذا المستوى إذا لزم الأمر.
تعزيز مشروع الدفع النووي البحري الإيراني. منذ عام 2012، اقترحت طهران بأنها قد تحتاج إلى إنتاج سفن وغواصات تعمل بالوقود النووي لأن العقوبات أرغمت أسطولها البحري على البحث عن مصادر بديلة للوقود. وقد تتضمن تصميمات النظام لمثل هذه المحركات مفاعلاً مزوّد بيورانيوم عالي التخصيب (أربعة من الأساطيل الستة في العالم التي تمتلك مفاعلات لأغراض الدفع النووي تستخدم يورانيوم عالي التخصيب). وحالياً، تحظر «خطة العمل الشاملة المشتركة» على إيران إنتاج يورانيوم عالي التخصيب لأغراض الدفع النووي.
وفي العام الماضي، بدأت طهران بإعادة التأكيد على المشروع في أعقاب سياسات الضغط التي يتبعها الرئيس ترامب، بتقدمها خطوة إلى الأمام من خلال تنبيه "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بشأن قرارها "الذي تم اتخاذه فيما يتعلق بالتشييد لأغراض الدفع النووي البحري في المستقبل." ويقيناً، أنها أخبرت الوكالة أنه لن يتم إشراك أي مرفق في المشروع للسنوات الخمس القادمة؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن أي جهود من هذا القبيل ستواجه عقبات اقتصادية وفنية هائلة. بيد، بإمكان طهران الاستمرار في استخدام المشروع لردع الغرب دون خرق الاتفاق - على سبيل المثال، عن طريق تغيير إعلانها لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بين عشية وضحاها، والإعلان أنه سيتم إحراز تقدم ملموس في هذا المشروع في المستقبل القريب.
اتخاذ جميع الخطوات المسموحة لإعادة تشغيل البرنامج النووي وبسرعة. منذ تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» للمرة الأولى، أشار المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً إلى إحدى توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي لإعداد برنامج نووي للنهوض سريعاً إذا ما انسحبت إيران من الاتفاق. إلا أن صالحي حدد هذه الجهود في الملاحظات التي أدلى بها في 22 كانون الثاني/يناير، موضحاً أن "منظّمة الطاقة الذرّيّة الإيرانية" قامت بالتحضيرات اللازمة لاستئناف التخصيب بقدرة أكبر، وأنها ستخزّن أكثر من ثلاثين طنّاً من الكعكة الصفراء في منشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان. ثم تابعت إيران تعهّدها الأخير في الثلاثين من كانون الثاني/يناير الحالي - وهي خطوة حاسمة نحو ضمان امتلاكها ما يكفي من المواد الخام إذا انهار الاتفاق. ولكن في الوقت نفسه، من المحتمل أن تواجه طهران تحديات فنية كبيرة في إعادة تشغيل البرنامج، على غرار التحديات التي واجهتها قبل «خطة العمل الشاملة المشتركة».
كما طمأن صالحي وسائل الإعلام الإيرانية بأن طهران خدعت الغرب عبر استيراد أنابيب معدنية مشابهة لأنابيب مفاعل "أراك" التي تمت تعبئتها بالإسمنت بموجب الاتفاق النووي - وهو تنازلٌ انتقده المتشددون كثيراً في ذلك الوقت. ويبدو أن هذه المشتريات تمت قبل تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لذلك فهي لا تشكّل خروقاتٍ على الرغم من انتهاك روح الاتفاق. وفي الواقع، أشار صالحي إلى أن طهران قد أَبلَغت "الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة" عن الأنابيب الجديدة (ولا تذكر وثائق الوكالة المتاحة للجمهور هذه المسألة).
لدى صالحي سجل حافل في تقديم ادعاءات تدعو إلى الشك، ومع ذلك، على "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وأجهزة الاستخبارات الأجنبية أن تدرس تصريحاته بعناية. كما لا بد من إثارتها في الاجتماع المقبل الخاص بـ"اللجنة المشتركة"، وهي الهيئة المسؤولة عن مناقشة قضايا تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة».
تمجيد التطورات النووية الصغيرة. بالغ المسؤولون الإيرانيون في بعض الأحيان [في تضخيم] التحسينات النووية الطفيفة من أجل إقناع المتشددين والجمهور الأوسع بأن البرنامج يتقدم على الرغم من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي نيسان/أبريل 2018، كَشف النظام النقاب عمّا لا يقل عن ثلاثة وثلمانين مشروعاً نووياً جديداً خلال "اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية"، لكن معظمها كان غير ذي أهمية من منظور الانتشار النووي. وبينما تقترب إيران من الاحتفالات بالذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في شباط/فبراير، يمكن للمرء أن يتوقع إعلانات مماثلة تهدف إلى حشد الجمهور حول علم "المقاومة" النووية، بما في ذلك الادعاءات عن التحسينات في أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وافتتاح مناجم جديدة لليورانيوم، وخطط لبناء مفاعلات جديدة.
الخرق المتعمَّد لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال تجميع فائضٍ من المواد النووية "عن طريق الخطأ". في مقابلةٍ جرت في تشرين الثاني/نوفمبر مع "مجموعة الأزمات الدولية"، صرح دبلوماسيٌّ إيرانيٌّ رفيع المستوى لم يُذكر اسمه أنه "إذا ردّ النظام على الوتيرة البطيئة لتخفيف العقوبات من خلال الإفراط في إنتاج اليورانيوم المُثرى"، لكانت أوروبا أكثر فعالية في مساعدة طهران. ووفقاً لهذا المنطق، قد تقرر طهران اعتماد نهجٍ قاسٍ، بالضغط على أوروبا من خلال إنتاج فائضٍ من المواد النووية في حين تدّعي أنها فعلت ذلك دون قصد. وعلى عكس السيناريوهات السابقة، سيشكّل ذلك خرقاً واضحاً لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة».
فعلى سبيل المثال، يتعين على إيران الحفاظ على مخزونٍ لا يتجاوز 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 3.67 في المائة، ولكن إذا تجاوزت هذه الحدود عن عمد، يمكن أن تنسب مسؤولية المخالفة بشكلٍ قابلٍ للتصديق إلى الأخطاء التقنية الصغيرة الملازمة لعملية تخصيب اليورانيوم الحسّاسة والمعقَّدة. وبالمثل، فإن مخزونها من المياه الثقيلة المسموح به هو 130 طنّاً مترياً، لكن على خلاف القيود المفروضة على اليورانيوم، لا يشكّل هذا الحد سوى كميّةً تقديريةً، وقد تجاوزها النظام بالفعل في الماضي. وإذا انتجت طهران مرةً أخرى فائضاً من الماء الثقيل لمفاعلاتها، فيمكن أن تقدّم عدداً من الأعذار التقنية لتبرير هذه الهفوة. ومن شأن هذه المخالفات أن تضع أوروبا أمام معضلة: فهل يجب أن تبقى صامتةً حيال انتهاكات إيران الصارخة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» وتحافظ على الاتفاق، أو أن تردّ بقسوة (كما قال بعض المسؤولين الأوروبيين) وتخاطر بالتسبب بتصعيدٍ أوسع نطاقاً؟
التداعيات السياسية
على مدى العقود القليلة الماضية، طوّرت طهران بمهارة برنامجها النووي، من خلال التمسك بتقدم تدريجي وتقليص الخطوط الحمراء المتغيرة للمجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية المتمثلة في استغلال الثغرات وبناء سرد للمقاومة حول أنشطتها النووية قد تسببت أيضاً في صعوبات كبيرة للجمهورية الإسلامية ولشعبها.
وبناء على ذلك، فإن تعزيز الالتزام بسياسة حافة الهاوية النووية في الأشهر المقبلة قد يشكّل سيفاً ذا حدَّيْن بالنسبة لطهران. ففي حين كان المسؤولون الأوروبيون يتعرضون للإبتزاز بسبب تقارير عن أنشطة إيران الإرهابية والتجسسية في القارّة، فقد لا يتعاطفون بعد الآن مع موقف طهران أو يتسامحون مع ألاعيبها، حتى لو استمرّوا في التطلع إلى الحفاظ على الاتفاق. وكان الرئيس ترامب يتطلع إلى إعادة توحيد التحالف الغربي ضد إيران، كما يواجه النظام العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية في الداخل، لذا قد يتبيّن أن اتباع النهج القاسي على المدى القريب قد يضر بأهدافه.
عومير كرمي هو مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل" وزميل عسكري سابق في معهد واشنطن. وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط.