- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3942
خارطة طريق لوقف إطلاق النار الدائم في لبنان
يُعتبر أمن الحدود مسألة تتعلق بسيادة الدولة في المقام الأول، لذلك يجب على المجتمع الدولي الضغط على المسؤولين اللبنانيين لاتخاذ خطوات سياسية وأمنية ضرورية حتى قبل محاولة التفاوض على شروط وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
بعد أسبوعين من العمليات العسكرية والاستخباراتية المكثفة التي نفذتها إسرائيل في لبنان، فقد "حزب الله" شيئاً أكثر أهمية من القادة والأسلحة - فقدَ شرعيته. ومن خلال فشله في حماية قياداته السياسية والعسكرية العليا، أو حماية قاعدته الأساسية في الطائفة الشيعية، أو تحقيقه النصر الذي وعد به لمحور "المقاومة" بقيادة إيران، تخلى الحزب عن حقه المزعوم في حمل السلاح تحت الذريعة المشكوك فيها بشكل متزايد لحماية البلاد. وعلى العكس من ذلك، لم يؤدي ربط مصير لبنان بالحرب في غزة إلا إلى جرّ البلاد إلى صراع مدمر أدى بالفعل إلى نزوح أكثر من مليون مواطن لبناني.
ومع انهيار أسطورة "حزب الله" الذي لا يقهر وبسرعة، انفتح فراغ هائل أمام المجتمع الشيعي في لبنان ورعاته في إيران. ولتجنب منح الجهات المعادية الوقت والقدرة على سد هذا الفراغ وبناء نسخة جديدة من "حزب الله"، يجب على بيروت وشركائها الدوليين ملء هذا الفراغ بسرعة ببنية سياسية قوية ومستقلة. يتعين القيام الكثير من هذا البناء حتى قبل تحقيق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، أو تأمين الحدود مع إسرائيل، أو المضي قدماً في تنفيذ "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701"، الذي طال انتظاره. وتشمل خارطة الطريق لتحقيق هذا الهدف أربع خطوات رئيسية:
إعادة بناء الثقة المحلية في الجيش اللبناني. قبل أن يتمكن الجيش اللبناني من تنفيذ أهم بنود "قرار مجلس الأمن رقم 1701" بفعالية - ويشمل ذلك تأمين الحدود الجنوبية وضمان انتقال جميع قوات "حزب الله" شمالاً عبر نهر الليطاني - يتعيّن على الجيش استعادة ثقة الشعب، لا سيما الشيعة الذين يشكلون غالبية سكان الجنوب. ويعيش هذا المجتمع في حالة صدمة حالياً. فلم يخسر أحباءه وممتلكاته فحسب، بل فقد أيضاً حاميه ومعيله المفترض. وبالنسبة للكثيرين من الشيعة، كان الراحل حسن نصر الله زعيمهم الوطني وأب روحي لهم، في حين كان "حزب الله" درعهم ودولتهم الطائفية داخل الدولة. والآن، يجد الآلاف أنفسهم مهجورين في شوارع دمرتها الحرب دون أي ضمانات أو دعم من الدولة اللبنانية أو ما تبقى من "حزب الله".
وهنا يأتي دور الجيش اللبناني باعتباره المؤسسة القادرة على ملء الفراغ وطمأنة الشيعة بأنهم سيحظون بالحماية. يجب إيصال هذه الرسالة الآن، قبل أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في الجنوب. وإذا نجح الجيش اللبناني في هذه الحملة لبناء الثقة، فسوف يكون الشيعة أكثر استعداداً للعودة إلى الدولة اللبنانية الحقيقية. وعندئذٍ فقط سوف يحظى الجيش اللبناني بالشرعية الشعبية اللازمة للمرحلة الثانية، وهي: إعادة الانتشار جنوب الليطاني وتأمين البلاد حالما يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية. وفي غضون ذلك، يجب أن ينتشر الجيش اللبناني في المجتمعات خارج منطقة الحرب الرئيسية في الجنوب في أسرع وقت ممكن، وخاصة في الأماكن التي يتصاعد فيها العنف الطائفي، ويبدو من المرجح أن تتشكل فيها عصابات مسلحة.
استعادة سيادة الدولة. لا يمكن للجيش اللبناني القيام بالكثير دون أوامر واضحة من الحكومة اللبنانية. ومع غياب رئيس للجمهورية في بيروت ووجود حكومة تصريف أعمال ضعيفة في السلطة، فلا يوجد من يستطيع اتخاذ القرارات الصعبة اللازمة. وإذا تُرك شركاء "حزب الله" مثل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري لوحدهم، فسوف يعملون ببساطة معاً للحفاظ على الوضع الراهن ومساعدة الحزب على العودة لممارسة دوره القديم. وتُظهر تصريحاتهم الأخيرة استعدادهم لاختيار رئيس للبلاد بعد أشهر من التأخير، إلا أنهم لا يزالون يتفاوضون كما لو أن الأسابيع القليلة الماضية لم تحدث، متجاهلين التدمير المستمر لقيادة "حزب الله".
وفي هذه البيئة، لا يمكن إلّا للضغوط الخارجية أن تجبر نبيه بري على عقد الجلسات البرلمانية اللازمة لاختيار رئيس للجمهورية دون أي اتفاقات أو شروط مسبقة. وسوف يحتاج ميقاتي إلى دفعة إضافية قبل أن يشعر بأنه مضطر علناً لإصدار أوامر إلى الجيش اللبناني لتسهيل هذه الجلسات - أي من خلال فتح طريق آمن للنواب للوصول فعلياً إلى مبنى البرلمان وممارسة مسؤولياتهم الديمقراطية دون خوف من ردود فعل عنيفة. وإذا تم تنفيذ هذه الخطوات بسرعة، فمن الممكن أن تظهر أغلبية تشريعية تدعم رئيساً جديداً يتمتع بسلطة تعيين رئيس وزراء مستقل. وفي المقابل، قد يتمكن رئيس الوزراء الجديد وبسرعة من تشكيل حكومة أقوى قادرة على التعامل مع التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ستحتاج إلى اهتمام عاجل بمجرد التوصل إلى وقف إطلاق النار، بما في ذلك إعادة الإعمار، والمساعدات الإنسانية، والإصلاحات الهيكلية، والجهود الرامية إلى تنفيذ القرارات الدولية (انظر أدناه).
توزيع المساعدات. أدى النزوح الذي سببته الحرب والانهيار المستمر للدولة اللبنانية إلى ترك أعداد هائلة من المدنيين في حاجة ماسة إلى الغذاء والمأوى والدعم الطبي. وإلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة، فإن الخيار الأفضل هو أن تقوم المنظمات الدولية والجهات المانحة الأجنبية بتوجيه مثل هذه المساعدات عبر الجماعات الشيعية المحلية التي لا ترتبط بـ "حزب الله". وبهذه الطريقة، يُمكن أن تُساهم عمليات توزيع المساعدات في تمكين بديل إصلاحي للميليشيا، بينما يتم سد الفراغ الذي خلفته خسائرها المتزايدة في القيادة.
إن هذه الجماعات البديلة موجودة بالفعل ولديها مصداقية كبيرة داخل مجتمعاتها الفردية. كما يتمتع العديد منها بالقدرات والإمكانيات اللازمة للعمل مباشرة مع الشيعة النازحين.
ضمان تركيز السرد حول إسرائيل على التوغل وليس الغزو. بشكل عام، يُعتبر سد الفراغ الذي خلفته حالة الفوضى التي يعيشها "حزب الله" مسؤولية لبنانية، لكن إسرائيل لا تزال تلعب دوراً حيوياً من خلال ضمان عدم تحوّل توغلاتها العسكرية في الأراضي اللبنانية إلى احتلال. ويتذكر العديد من الشيعة بوضوح احتلال عام 1982، الذي عزز سردية "المقاومة" لـ "حزب الله" وشرّع عملياته العسكرية لعقود بعد ذلك. (ولكن) إذا تقدمت القوات الإسرائيلية بعمق كبير داخل لبنان أو قررت البقاء بعد إكمال عملياتها الحالية في الجنوب، فمن المرجح أن تؤدي إلى إحياء سردية مقاومة جديدة وتساعد في إعادة إنعاش "حزب الله"، الذي سيكون متحمساً لاستعادة شرعيته السياسية و"حقه" في الحفاظ على ترسانته العسكرية.
"«حزب الله» 2.0؟"
بطبيعة الحال، إن "حزب الله" قد يستخدم أسلحته وحلفائه لعرقلة كل عنصر من خارطة الطريق المذكورة أعلاه. ولكن في الوقت الحالي، لا يزال في حالة صدمة من الضربات الإسرائيلية المستمرة، الأمر الذي يفتح فرصة كبيرة لإطلاق العملية الدبلوماسية والسياسية قبل أن يتعافى الحزب من هذه الصدمة. ويخشى "حزب الله" بحق أن يؤدي فقدان ترسانته إلى تآكل هيمنته السياسية بشكل أكبر، ولكن حتى في هذه الحالة، لن يتم القضاء عليه تماماً من المشهد اللبناني. وهناك ثلاثة سيناريوهات على الأرجح لـ "«حزب الله» 2.0":
-
- تَحوّل بقايا القوات العسكرية لـ "حزب الله" إلى عصابات شوارع تضم آلاف المقاتلين المسلحين، المدعومين من مجتمع يشعر بالخوف والإذلال والفقر. وهذا من شأنه أن يشكل الوصفة المثالية للعنف الطائفي، مما قد يجعل لبنان أرضاً خصبة لمختلف الفصائل الجهادية الدولية التي تزدهر في مثل هذه النزاعات، خاصة في غياب المؤسسات الحكومية.
- رفْضْ النظام الإيراني التخلي عن "حزب الله" وإعطائه الأوامر "للحرس الثوري" الإيراني بالتركيز بشكل أكبر على إعادة بناء الميليشيا. ولا يريد "الحرس الثوري" الانخراط في القتال الدائر حالياً داخل لبنان، لكنه قد يتبنى نهجاً أكثر عملياً من خلال نشر ضباط إيرانيين على الأرض - على الأقل إلى أن يتم تدريب وتعيين جيل جديد من قادة "حزب الله". ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى خلق مزيد من التوتر مع إسرائيل، كما حدث عندما تم نشر عناصر من "الحرس الثوري" في سوريا المجاورة.
- ترْكْ إيران "حزب الله" بمفرده لإيجاد هويته الجديدة ومهمته الجديدة، في حين يثبت الجيش اللبناني استعداده وقدرته على احتواء العصابات المسلحة ومنع العنف الطائفي على نطاق واسع. وهذا هو الخيار المثالي، لكنه أيضاً الأقل احتمالاً، ومع ذلك فإنه يستحق المتابعة على أمل تجنب السيناريوهين الآخرين (أو مزيج منهما).
القرارات الدولية والأدوات الدبلوماسية
أصبح الحديث عن تنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701" كوسيلة رئيسية لإقامة ترتيب جديد على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية أمراً شائعاً. وفي الواقع، يبدو أن هذا الهدف قابل للتحقيق في ظل الضربات التي تلقاها "حزب الله"، إذا ما دفع المجتمع الدولي نحو قيام نظام سياسي جديد في لبنان وقدم الدعم للجماعات الشيعية غير التابعة لـ "حزب الله".
ومع ذلك، ورغم أن "القرار رقم 1701" ضروري، إلّا أنه غير كافٍ. ففي جوهره، يُعد أمن الحدود مسألة تتعلق بسيادة الدولة. لذلك، يجب أن تستند الديناميكيات السياسية في لبنان بعد وقف إطلاق النار إلى تنفيذ وثائق رئيسية أخرى، تهدف إلى منع إعادة إحياء "حزب الله":
"اتفاق الطائف". على الرغم من عيوبه، فإن هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 1989 - والذي توسطت فيه المملكة العربية السعودية في الأصل للمساعدة في إنهاء الحرب الأهلية في لبنان، يتضمن عدة بنود تستحق تسليط الضوء عليها من قبل المسؤولين الأمريكيين، وخاصة إذا كانوا يريدون أن تستأنف الرياض دعمها الدبلوماسي والمالي السابق لبيروت. وتشمل هذه البنود أحكاماً تتعلق باستقلال القضاء، واللامركزية الإدارية، وقانون انتخابي غير طائفي، وتشكيل مجلس شيوخ. ومن الضروري تحديث لغة الاتفاق - على سبيل المثال، أكدت الوثيقة أن جميع الميليشيات ستكون منزوعة السلاح، ولكن "حزب الله" استُثني تحت شرط غامض يتحدث عن "اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي". وحتى قبل مناقشة هذه التعديلات، بإمكان السلطات البدء في تنفيذ المزيد من أحكام الطائف الحالية على الفور.
"قرار مجلس الأمن رقم 1559". يدعو هذا القرار الصادر في عام 2004 إلى "الاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي". كما يدعو إلى "تفكيك ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية" وبسط سيطرة الحكومة "على جميع الأراضي اللبنانية."
لقد كان نزع سلاح "حزب الله" أكبر تحدٍ للبنان والمجتمع الدولي لفترة طويلة. ومع ذلك، يفقد الحزب جزءاً كبيراً من ترسانته في النزاع الحالي. وبمجرد توقف القتال، قد تتاح للدولة فرصة فريدة لانتزاع السيطرة على الترسانة المتبقية وتسليمها إلى الجيش اللبناني. ومن المؤكد أن مثل هذه الخطوة ستواجه مقاومة، لكنها الطريقة الوحيدة لتمهيد الطريق لظهور "حزب الله" أضعف وغير شرعي في نسخته الثانية.
إن الخطوة الأولى هي اتخاذ القرار السياسي الصعب بنزع سلاح الحزب. وبعد ذلك، يجب على الحكومة المقبلة التأكد من أن البيان الوزاري الافتتاحي الذي يحدد سياساتها لا يضفي الشرعية على "حزب الله" من خلال تضمين عبارات مثل "الجيش والشعب والمقاومة" - وهي الصيغة التي ظهرت في مثل هذه الوثائق منذ عام 2008 على الأقل، والتي تمنح الحزب عملياً حرية كاملة في تعريف أنشطة "المقاومة" كما يشاء.
"قرار مجلس الأمن رقم 1680". هذا القرار - الذي تم اعتماده قبل اندلاع الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل عام 2006 - يدعو "سوريا إلى الاستجابة بشكل إيجابي لطلب لبنان بترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية". وهذا البند بالغ الأهمية اليوم لأن "حزب الله" لا يمكنه إعادة بناء ترسانته (من الأسلحة) دون استمرار تدفق الأسلحة والموارد من إيران عبر العراق وسوريا. ويتطلب وقف هذا التدفق دعماً دولياً لمبادرات حدودية أكثر صرامة مثل الجهود البريطانية لمساعدة الجيش اللبناني في حماية الحدود مع سوريا. وفي هذا السياق، لا يمكن تأمين الحدود مع إسرائيل بشكل كامل ما لم يتم تأمين حدود لبنان الأخرى أيضاً.
حنين غدار هي "زميلة فريدمان الأقدم" في معهد واشنطن ومشاركة في إنشاء خريطته التفاعلية التي تتبع الاشتباكات بين إسرائيل ولبنان.