- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2673
خبرة تحوّلية: فهم انخراط «حزب الله» في سوريا
"في 11 آب/أغسطس خاطب نداف بولاك وحنين غدار منتدى سياسي في معهد واشنطن بمناسبة نشر دراسة جديدة باللغة الإنجليزية بعنوان "تحوّل «حزب الله» من خلال تدخله في سوريا". وبولاك، كاتب الدراسة وزميل "ديان وجيلفورد جليزر فاونديشن" السابق في المعهد، يعمل حالياً كمحلل لمكافحة الإرهاب في "رابطة مكافحة التشهير". وغدار هي زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" الافتتاحية في المعهد ومديرة تحرير سابقة للنسخة الانكليزية لموقع NOW الإخباري في لبنان. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما".
نداف بولاك
على الرغم من التقارير المكثفة عن انخراط «حزب الله» في سوريا، إلا أنه لم يتم إيلاء اهتمام كبير بالخبرة التي اكتسبتها الميليشيا هناك أو بالعواقب التي تواجهها في بلدها لبنان. فوحدة «حزب الله» في سوريا (والتي غالباً ما يشار إليها من قبل المحللين الإسرائيليين باسم "القيادة الشرقية لـ «حزب الله»") تَنشر في أي وقت كان ما بين 5000 و 8000 مقاتل من "القوات الخاصة" المعروفة بـ"كتيبة الرضوان"، والقوات الدائمة المؤلفة من كافة الوحدات، ومن المقاتلين بدوام جزئي ("عناصر التعبئة") والمجنّدين الجدد الذين خضعوا لتدريب سريع على القتال لمدة 60 إلى 90 يوماً - في ما يعتبر تطوراً غير مسبوق. غير أن مقاتلي «حزب الله» ليسوا كبش فداءٍ يُرسَلون طُعمةً للمدافع، بل إنهم غالباً ما يقودون المعارك ويتولّون إمرة الميليشيات السورية والإيرانية في القتال.
ويبدو أن هذا الانخراط العميق في سوريا يؤثّر على النهج العام الذي يتبعه التنظيم في تخطيط عملياته العسكرية وتنفيذها. فوفقاً لدراسة أعدّها ضابطٌ في جيش الدفاع الإسرائيلي في عام 2014، من المرجّح أن ينتهج «حزب الله» استراتيجية قتالية أكثر هجوميةً في أي حربٍ مستقبلية مع إسرائيل بهدف تقصير مدة الصراع. ولكن بغض النظر عمّا إذا كان التنظيم ينفذ في الواقع مثل هذه الاستراتيجية، ليس هناك شك في أن بعض من قدراته العسكرية قد تحسنت بشكل ملحوظ. فقد تعلّم كيفية استخدام طائراته بدون طيار على نحو أكثر فعالية، فضلاً عن الاستفادة بشكل أفضل من صواريخه القصيرة المدى، وتنفيذ عمليات هجومية معقدة.
وفي الوقت نفسه، أدت الحرب في سوريا إلى تراجع شعبية «حزب الله» لدى الشيعة في لبنان وخصوصاً حين أدّت الضغوط المالية إلى تخفيض الرواتب وتقليل الخدمات الاجتماعية. ورداً على ذلك، وصف التنظيم هذا الصراع بالحرب الضرورية ضد التطرف السني، حيث استغل زعيمه حسن نصرالله المخاوف الطائفية الواسعة النطاق ولم ينفك يذكّر بالحاجة إلى تأمين الحماية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») و «جبهة النصرة» - الجماعة المنضوية تحت تنظيم «القاعدة». بالإضافة إلى ذلك، أن استمرار «حزب الله» بتمويل قاعدة الدعم التابعة له، فضلاً عن عدم وجود بدائل من مؤسسات الدولة أو منظمات أخرى، قد ضَمن استمرارية الدعم الشعبي له على الرغم من تراجع شعبيته.
وهناك ثلاث نقاط مهمة حول مستقبل «حزب الله»، يجب تذكرّها: (1) سوف يبقى التنظيم ملتزماً بالقتال إلى جانب إيران ونظام الأسد في سوريا، (2) إن الحرب قد رسّخت مكانته ضمن "محور المقاومة"، و (3) إن التحسينات التي شهدتها إمكانياته ستنتقل على الأرجح إلى الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط. وبعبارة أخرى، إن التنظيمات التي تدرّبت على يد «حزب الله» أو راقبت تكتيكاته حتى قبل الحرب السورية - مثل الميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، والمنظمات الفلسطينية كـ «حماس» و«الجهاد الإسلامي» - من المرجح أن تعمل على دمج تكتيكاته الجديدة في عملياتها الخاصة في السنوات المقبلة.
حنين غدار
أرسى «حزب الله» ثلاث ركائز أساسية لنشاطاته وهي: (1) إنشاء خدمات اقتصادية واجتماعية مستقلة في لبنان (على سبيل المثال، التعليم والإسكان)، (2) التشديد على "المقاومة" المتواصلة لتحرير الأراضي المحتلة (وهذا مفهوم مسروق من "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" التي أنشئت في ثمانينات القرن العشرين)، و (3) إحياء الذكريات الجماعية لاستشهاد الإمام علي، أول إمام شيعي، والتي تشكّل سياقاً مناسباً للدور السياسي والعسكري الذي يلعبه «حزب الله» في لبنان. ومن خلال إجادة التنظيم الربط بين هذه الركائز بحنكة، كان قادراً على تعبئة الشيعة تحت رايته بينما نجح أيضاً في التغلغل في مؤسسات الدولة والاقتصاد والسياسة.
وحين بدأ «حزب الله» تدخله في سوريا، تغيّرت أولوياته واستراتيجياته وخطاباته. أولاً، [بالمقارنة مع السابق] خصص نسبة أكبر بكثير من ميزانيته للإنفاق العسكري. وعلى الرغم من استمرار تمويله للخدمات الاجتماعية، إلا أن نسبةً أكبر منها قد وُجهت إلى العائلات والمؤسسات المرتبطة بالبنية التحتية العسكرية لـ «حزب الله»، وذلك في إطار الجهود التي يبذلها لدعم قواته.
ثانياً، أصبحت سياسة "المقاومة" ضد إسرائيل ثانوية مع تحوّل اهتمام التنظيم إلى النزاع السوري. وحالياً، يتردد «حزب الله» علناً في شنّ حربٍ على إسرائيل.
ثالثاً، تخلّى التنظيم عن خطابات "النصر الإلهي". فبعد أن كان «حزب الله» يُعتبر قوةً تحقق الانتصارات السريعة والحاسمة، أصبح اليوم قوةً تشحن إلى بلادها جثث "شهدائها" الذين لاقوا حتفهم أثناء القتال في حربٍ خارجية. فالقتال في سوريا لا يفسح الكثير من المجال أمام الانتصارات الإلهية، بل أن الخسائر في الأرواح والهزائم في حلب وغيرها توصف كـ "انتكاسات".
وفي الواقع، مع استحكام انخراط «حزب الله» في سوريا بعمق أكبر، تحوّلت المقاومة التي كانت تستقطب في السابق المتطوعين المتلهفين إلى مؤسسة من المقاتلين القلقين والمرهقين. ولم يعد المجندون يلبّون دعوةً ما، بل أصبحوا يلتحقون بوظيفة في الحرب السورية طمعاً براتبٍ شهري يتراوح بين 500 و1200 دولار وما يرافقه من منافع (على الرغم من أن التنظيم لم يعد قادراً على توفير تعويضات لعائلات "الشهداء").
واليوم استفاق الكثير من مقاتلي «حزب الله» من أوهامهم بشأن دور التنظيم في الصراع السوري، وأصبحوا مخذولين من غطرسة القوات الإيرانية الحليفة وافتقارها إلى الكفاءة العسكرية، ومن فساد الجيش السوري وضعفه. كما أنهم يقلقون من أن تنتقص روسيا من قيمتهم إذا كان ذلك يخدم مصالح موسكو في سوريا - ففي حين يرسل «حزب الله» المزيد من المقاتلين إلى سوريا، يعقد فلاديمير بوتين اتفاقيات مع تركيا وإسرائيل.
وفي غضون ذلك، ولّدت الحرب فجوة صارخة بين شيعة لبنان. والآن، حيث أصبح «حزب الله» يُعتبر على نحو متزايد، ميليشيا شيعية إقليمية وكونه منظماً على هذا النحو، وجد العديد من الشيعة أنه من شبه المستحيل إيجاد وظائف في المؤسسات السنية في لبنان ودول الخليج. وفي الواقع أن فرص العمل المتوفرة أمام اللبنانيين الشيعة على وجه الخصوص ضئيلة جداً خارج إطار الفرص التي يوفّرها لهم «حزب الله»، ولولا الانتشار الكثيف للتنظيم في سوريا لكان معظم سكان ضاحية بيروت الجنوبية عاطلين عن العمل.
وعلى الرغم من أن الصراع قد أثقل كاهل مقاتلي «حزب الله»، واستنزف المجتمع الشيعي اجتماعياً ومالياً، وعمّق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، إلا أن أبناء كبار المسؤولين في «حزب الله» يعيشون حياةً مزدهرة - وهذه ظاهرةٌ استثارت مشاعر الحرمان لدى العديد من اللبنانيين الشيعة. وفي الواقع، إن هذه الانقسامات الاجتماعية، بالإضافة إلى سقوط ثلاثة أرباع القادة الميدانيين للتنظيم [كضحايا في المعارك التي جرت] منذ حرب عام 2006، قد زادت من إرهاق المقاتلين والمدنيين الشيعة. وفي حين إن من شأن أي مواجهة جديدة مع إسرائيل أن تحيّي روح التضامن لدى «حزب الله»، إلا أن الأعباء الاجتماعية والمالية المترتبة عن الانخراط في حرب خارجية قد ألحقت أضراراً كبيرة على الدعم الذي يتمتع به التنظيم.
أعدت هذا الموجز إيميلي بورلينغهاوس.