- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
خطاب السيسي المعادي لإسرائيل: تصريحات جديدة ومشاكل قديمة
في 11 تشرين الأول/أكتوبر، ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطاباً بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، ذلك الصراع الذي يُشاد به بأنه انتصار مجيد على إسرائيل. وفي كل عام، يقوم عشرات المثقفين المصريين بكتابة المقالات الاحتفالية، ويعمل مذيعو نشرات الأخبار على استضافة جنود شاركوا في الحرب، وتقوم القنوات التلفزيونية ببث أغانٍ وأفلام تصوّر الأعمال البطولية للجيش المصري. وقد ظل هذا الاتجاه قائماً خلال السنوات القليلة الماضية على الرغم من الزيادة النسبية التي شهدها التعاون بين مصر وإسرائيل في مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، والتعامل مع حركة «حماس» في قطاع غزة. كما يتماشى مع النزعة العامة لدى وسائل الإعلام المحلية ضد إسرائيل - فخلال شهر رمضان الماضي في حزيران/يونيو، على سبيل المثال، استرسل أحد البرامج التلفزيونية المصرية في أوهام عن جاسوس إسرائيلي يُفترض أنه يدير فرعاً تابعاً لتنظيم «القاعدة» داخل مصر.
لكن خطابات الرئيس السيسي بشأن إسرائيل في بداية ولايته كانت تدور في الغالب حول السلام والتعاون والتقبّل. كما أن خطاباته الخمسة البارزة السابقة التي أحيت ذكرى الحرب قد ركّزت على العلاقة الخاصة بين الشعب المصري وجيشه، بالإضافة إلى التحديات الداخلية التي تواجه مصر وإسرائيل. أما هذا العام وللمرة الأولى منذ توليه الحكم، استخدم السيسي الخطاب كفرصة لتذكير الشعب المصري بالسبب في استمرار اعتبار إسرائيل عدوّتهم.
وعلى وجه التحديد، ادّعى أن الصراع بين البلدين قد تطوّر بدلاً من أن ينتهي. وفي حين أن جيشيهما لم يعودا يتقاتلان مباشرةً، لكن الصراع ما زال مستمراً. وفي هذا السياق، أشار السيسي في الأسبوع الماضي إلى أن "المعركة لم تنتهِ"، و"في الماضي، كان العدو معروفاً. أما اليوم فلم يعد كذلك، فالأعداء معنا وبيننا. لقد تمكّنوا من إيجاد عدو داخلنا يقتات من قتلنا وينمو بتدميرنا." وأضاف أن "جزءاً كبيراً من التحدي يقوم على بناء وعينا. وأنا أعتبر أن العدو الرئيسي هو الوعي غير الكامل، أو الوعي المزيف. وهذا يتطلب منا - ليس فقط على مستوى المثقفين والمفكرين ووسائل الإعلام، بل أكثر من ذلك - إدراكاً تاماً للواقع الذي نحن فيه".
وفي الواقع، تجاوب بعض الأفراد في وسائل الإعلام المصرية مع كلمة السيسي التي اتصفت بعدائية نسبية تجاه إسرائيل. ففي 12 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت صحيفة "الأهرام" التابعة للدولة مقالاً بعنوان "قنوات صهيونية لاختراق العقل المصري"، كرّر فيه الكاتب ملاحظات السيسي حول "التوعية"، مسهباً في شرح كيفية قيام إسرائيل كما يُدّعى بغسل عقول الشباب المصري لإظهارها بصورة الصديق المسالم من خلال الدعوة إلى التقارب بين الشباب "الصهيوني" والشباب المصري، على سبيل المثال. ووفقاً للمقال تهدف إسرائيل إلى تحقيق أمنها من خلال "زعزعة انتماء الشباب" و"كسر التعاطف مع قضية فلسطين".
ما الذي يحاول السيسي إنجازه؟
منذ وصوله إلى سدّة الرئاسة، وفي معرض انتقاداته للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، لطالما تحدّث السيسي عن هذه الحرب من الجيل الرابع، ولكنه أصبح يستخدم هذا الموضوع بشكل متزايد ضد إسرائيل أيضاً. ويقيناً، غالباً ما كان الزعماء المصريين السابقين يستخدمون الخطابات المعادية لإسرائيل من أجل تعزيز شرعيتهم في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية، ويستحثون من الرأي العام مواقف سلبية أعاقت التطبيع على مدى عقود من الزمن. بيد أن السيسي، وبخلاف أسلافه، يفتقر حتى إلى الشرعية الأساسية التي يمنحها السجل العسكري المشهود له. ولذلك فهو يحاول إقناع الجمهور بأن الوضع الراهن مشابه لما واجهته مصر خلال حروبها مع إسرائيل عام 1967، وبين عامَي 1968 و1970، وفي عام 1973 أيضاً.
ويدرك السيسي تماماً تزايد مشاعر الإحباط لدى الناس من الظروف الاقتصادية والاجتماعية المريرة في البلاد. ومن خلال استخدامه إسرائيل ككبش فداء، ربما يحاول تعبئة الجمهور للوقوف إلى جانب الجيش. وفي الآونة الأخيرة، كان «الإخوان المسلمون» والإرهاب خصومه الرئيسيين في البلاد. أما اليوم، ومع سياسات الاحتواء التام التي فرضها جهازه الأمني على «الإخوان» والانخفاض الملحوظ في عدد الهجمات الإرهابية، يبدو مقتنعاً بأن الأمة بحاجة إلى عدوٍّ أكثر تعقيداً لتبرير هيمنة الجيش على الحياة العامة بشقّها الاقتصادي أو غيره.
وأخيراً، يبدو أن السيسي نال مراده من المنظمات الصديقة لإسرائيل في الولايات المتحدة، التي ساعدته على تخفيف حدة العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس أوباما. وقد يشعر الآن أن شرعيته راسخة في واشنطن، فقد اجتمع به الرئيس ترامب عدة مرات ومنحه التقدير الذي كان يسمو إليه، مشيداً بجهوده في مكافحة الإرهاب في المنطقة. ومع ذلك، تواصل الصحف التابعة للحكومة انتقاد سياسات ترامب الإقليمية أمام جمهورها المحلي، مما يديم مسألة "حرب الجيل الرابع" من أجل تعزيز مزاعم السيسي بأن مصر بحاجة إلى البقاء حذرةً ومتيقظة.
توصيات السياسة
لا تزال القاهرة مكوّناً أساسياً في أي عملية سلام فلسطينية مستقبلية، ولكن الحملة الدعائية الكثيفة التي تشنها حكومة السيسي على إسرائيل تشكل حجر عثرة في الطريق. ينبغي على إدارة ترامب توجيه المزيد من الرسائل للتخفيف من حدة خطاب القيادة السياسية في مصر ضد جارتها الشرقية. فمثل هذه التصريحات لن تساعد الإدارة الأمريكية على الترويج لخطة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي هذه الرواية، إذا تُركت دون رادع، إلى تأجيج التوترات بين مصر وإسرائيل في أي وقت.
هيثم حسنين كان زميل "غليزر" في معهد واشنطن في الفترة 2016-2017.