- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
خطاب ترامب في الرياض يضع المسؤولية على عاتق الحكومات المسلمة لحثها على مكافحة الإرهاب
خطاب الرئيس ترامب في الرياض في 21 أيار/مايو أمام قادة 50 دولة ذات أغلبية مسلمة سينطبع في الأذهان لما لم يقله. فعوضاً عن مهاجمة "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، كما فعل مراراً وتكراراً خلال حملة الانتخابات الرئاسية، سلّط ترامب الضوء على الصراع ضد "التطرف الإسلامي" و "الإرهاب الإسلامي"، مميزاً بالتالي صراحةً بين الإيمان الإسلامي والإيديولوجية السياسية الإسلامية الاستبدادية - التي غالباً ما تكون عنيفة.
غير أن خطاب الرئيس عكس انقساماً أكثر عمقاً. فمن خلال التركيز على الحكومات الإسلامية بدلاً من الشعب، والتركيز على الإرهاب بدلاً من الظروف الأوسع [التي تعيشها منطقة] الشرق الأوسط والتي تحفز على التقلبات والعنف، خالف إستراتيجيات سلفيْه القائمة على إشراك العالم الإسلامي.
وبالفعل، اختلف خطاب ترامب عن مقاربة الرئيس السابق باراك أوباما التي عملت على مدّ يده إلى العالم الإسلامي في اللهجة والهدف على حد سواء. وبينما ألقى أوباما خطابه في القاهرة في حزيران/يونيو 2009 متوجهاً إلى الجمهور المسلم، شاكراً على وجه الخصوص "شعب مصر"، ولكن ليس الحكومة المصرية على استضافته، ركّز ترامب بشكل مباشر على الحكومات ذات القيادة المسلمة.
وافتتح كلمته بتقدير حار لمضيفيه من العائلة المالكة السعودية، وبعدها أتى طوال كلمته على ذكر العديد من الحكومات المختلفة بالإسم شاكراً إياها على تعاونها مع واشنطن.
كما تخلى ترامب عن تردّد أوباما في ما يتعلق بكلمة "الإرهاب". فبينما حرص أوباما على تجنب هذا المصطلح في خطابه في القاهرة، معتقداً على ما يبدو بأن ذلك سيؤدي إلى إهانة جمهوره المستهدف من المواطنين المسلمين الذين اعتبروا المصطلح مسيّساً، فقد ذكر ترامب "الإرهاب" إلى جانب بدائله النحوية 31 مرة. وهذا أمر منطقي نظراً لأن القادة المسلمين الذين يستمعون إلى خطاب ترامب يعتبرون أن الجماعات مثل تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» هي جماعات "إرهابية". وفي حين حاول أوباما إظهار احترامه للعقيدة الإسلامية من خلال إضافة عبارات من الدين الإسلامي ("السلام عليكم") والمراجع القرآنية إلى خطابه، امتنع ترامب عن ذكر أي مصطلحات ونصوص إسلامية. وبدلاً من ذلك، أطلع الحضور من القادة المسلمين على ما يريده منهم قائلاً وبأشد العبارات: "إن تحقيق مستقبل أفضل ممكن فقط إذا قامت دولكم بطرد الإرهابيين والمتطرفين. أطردوهم".
وبطبيعة الحال، فإن تركيز ترامب على مكافحة الإرهاب ليس بالأمر الجديد - وإن كان هناك أي شيء، فقد كان ذلك أكثر ما ركّزت عليه السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. لكن بخلاف أسلافه، لم يربط ترامب الإرهاب الإسلامي بأي ظروف محددة في العالم الإسلامي. كما لم يربط ترامب التطرف العنيف بـ "الاستعمار الذي حرم الكثير من المسلمين من الحقوق والفرص"، أو "الحرب الباردة حيث غالباً ما تمّت معاملة الدول ذات الأغلبية المسلمة على أنها وكيلة"، أو بـ "الحداثة والعولمة" التي "دفعت بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معادياً لتقاليد الإسلام"، كما فعل أوباما في خطابه في القاهرة عام 2009.
كما لم يربط ترامب الإرهاب بغياب الديمقراطية أو الحرية داخل العالم الإسلامي، كما فعل الرئيس السابق جورج دبليو بوش مراراً وتكراراً في السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وفي الواقع، لم يتضمن خطاب ترامب عبارة "الحرية" أو "الديمقراطية" في أي قسم منه. وأشار الرئيس الأمريكي فى مرحلة ما إلى أهمية "تعزيز تطلعات وأحلام جميع المواطنين الذين يسعون إلى حياة افضل - بمن فيهم النساء والأطفال وأتباع جميع الديانات". ولكن خلافاً لما ورد في الخطابات الرئاسية السابقة حول هذه المسألة، لم يقترح أي سياسات أمريكية جديدة لتعزيز ذلك على صعيد المنطقة.
ولم يكن ذلك إغفال. فقد قال ترامب: "نحن لسنا هنا لإلقاء المحاضرات - نحن لسنا هنا لإلقاء المحاضرات، نحن لسنا هنا لنقول لأشخاص آخرين كيف يعيشون، أو ماذا نفعل، أو أن نكون، أو كيفية العبادة". وأضاف، "بدلاً من ذلك، نحن هنا لنقدم شراكة على أساس المصالح والقيم المشتركة لتحقيق مستقبل أفضل لنا جميعاً". لقد وضع خطاب ترامب الكرة مباشرة في ملعب الحكومات التي يقودها المسلمون: وقال لهم بطريقة فعالة، إن الأمر يعتمد عليكم لمحاربة الإرهاب، ومكافحة الإيديولوجية المتطرفة وتوفير حياة أفضل لشعوبكم لكي يُهزم الإرهابيون.
ومع ذلك، عرض ترامب مساعدة الحكومات ذات القيادات المسلمة على بدء هذه الجهود. وترمي عملية الشراء الجديدة التي أقدمت عليها السعودية في مجال الدفاع وأعلن عنها الرئيس في خطابه والبالغة قيمتها 110 مليار دولار إلى مساعدة السعوديين على الدفاع عن أنفسهم (واستحداث وظائف في قطاع الدفاع الأمريكي، كما أشار الرئيس أيضاً). ويمثّل "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف" الجديد، ومقره في الرياض، محاولة أصلية لمحاربة تعليم ووعظ الإسلام المتطرف. وأشار ترامب أيضاً إلى محاولات إدارته لإنشاء تحالف إقليمي أوسع من شأنه أن "يعزز الأمن والاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه"، على الرغم من أن هذا لا يزال عمل لم ينتهي بعد.
ولكن هل تؤتي إستراتيجية "تحركوا للدفاع عن أنفسكم!" ثمارها؟ هناك أسباب كثيرة للشكّ في نجاحها. وعلى الرغم من العديد من مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة و/أو المساعدات العسكرية لحكومات الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، إلّا أنّ هذه الأنظمة لم تتمكن من الدفاع عن أنفسها ضد الوكلاء الإيرانيين والجهاديين السنة، و يبقى "العمل البيني" ذو المغزى مع القوات الأمريكية بعيد المنال. وحتى لو بقيت المشاركة الأمريكية أكثر تركيزاً على العلاقات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، فإن الأمر سيستغرق سنوات عديدة لتشويه سمعة أيديولوجية المتطرفين الإسلاميين بشكل كامل، إذا كان ذلك ممكناً على الإطلاق. وبهذا المعنى، فإن أفعال ترامب تتجلى أكثر من أقواله: فبعد أربعة أشهر على توليه الرئاسة، ازدادت عمليات نشر القوات الأمريكية في المنطقة. وعلى الرغم من رغبته المتكررة في إنهاء الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، ستبقى القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء الخليج العربي في مكانها.
بعبارة أخرى، يرغب الرئيس الأمريكي في أن يتحرك شركاء أمريكا المسلمون لكنه يدرك على ما يبدو من تجربة أسلافه أن آمال واشنطن فيما يتعلق بالعالم الإسلامي غالباً ما تكون عقيمة.
إريك تراجر هو زميل "استير ك. واغنر" في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب "الخريف العربي: كيف ربح «الإخوان المسلمون» مصر وخسروها في 891 يوماً".
"نيويورك ديلي نيوز"