- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3714
خيبات أمل الشباب والعنف في الضفة الغربية
ساعَد ضعف قبضة "السلطة الفلسطينية" على أراضيها، إلى جانب ظهور جيل شاب محبط من قادته السياسيين، في تسريع الحلقة المفرغة للهجمات الفلسطينية وعمليات القمع التي يقوم بها "الجيش الإسرائيلي".
يتصاعد العنف مجدداً في الضفة الغربية، ويبدو أن الأسباب الداخلية الرئيسية التي أدت إلى هذا التصعيد تكمن في تداخُل اتجاهين بارزين خلال العام الماضي على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. أولاً، أصبح المزيد من جيل الشباب الفلسطيني محبطاً وخائب الأمل من وضعه المحلي. ثانياً، أدت أزمة الشرعية التي تعاني منها "السلطة الفلسطينية" منذ فترة طويلة إلى منعها بشكل متزايد من فرض سيطرتها على مناطق أساسية. وكانت النتيجة المزيد من الحافز والفرص للعنف.
خيبات أمل الشباب
تتراوح أعمار ما يقرب من ثلث السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية بين 15 و 29 عاماً. ونشأ جيلهم بعد الانتفاضة الثانية، مما يعني أن معظمهم لم يواجه رد إسرائيل الأمني الشديد ضد تلك الانتفاضة - وهو عامل يميل إلى ردع الفلسطينيين الأكبر سناً عن المشاركة في المقاومة المسلحة. علاوة على ذلك، وبسبب تعثُّر عملية السلام منذ فترة طويلة والمستويات العالية من الفساد المحلي، يفتقر هذا الجيل إلى أفق سياسي واضح ولا يثق بشدة في القيادة القائمة.
كما يعاني الشباب الفلسطينيون من ارتفاع معدل البطالة، لا سيما بين أوساط المتعلمين. أما الذين يجدون عملاً، فغالباً ما يضطرون إلى القبول بوظائف لا تتطلب مهارة وبأجور منخفضة، خاصة بالمقارنة مع العمال غير المهرة الذين يعملون في إسرائيل.
وأصبح الاغتراب السياسي العميق هو القاعدة أيضاً، إذ استنتج الكثير من الشباب أن قيادة "السلطة الفلسطينية" لا تكرّس جهودها لتحسين ظروفهم الشخصية والاقتصادية. على سبيل المثال، أعرب 84.9٪ من المستطلعين في الضفة الغربية في دراسة أجريت في تموز/يوليو 2022 عن اعتقادهم بأن الشباب الفلسطيني لا يزال لديهم تطلعات سياسية كبيرة. ومع ذلك، فقد ترك الفساد والمحسوبية وهيكليات القيادة المركزية لهذه الفئة العمرية فرصاً ضئيلة للوصول إلى الرتب العليا الخاصة بالفصائل التابعة لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، ناهيك عن بلوغ مناصب في السلطة. وبالتالي، وافق 66.2٪ من المستطلعين في الضفة الغربية على الرأي القائل بأن عضوية الشباب في مثل هذه الفصائل شهدت "تراجعاً كبيراً".
ولهذا الاغتراب تداعيات استراتيجية وعملية على حدٍ سواء. فمن الناحية الاستراتيجية، أصبحت الأفكار التي تم الترويج لها في عهد الرئيس محمود عباس، أي حل الدولتين، والمقاومة اللاعنفية، والدبلوماسية، والتنسيق الأمني مع إسرائيل، منافية لإرادة معظم الشباب الفلسطيني. ووفقاً لاستطلاع أُجري في حزيران/يونيو 2022، تؤيد أغلبية الشباب حالياً العودة إلى المواجهة المسلحة والانتفاضة. وتُعزى هذه الاتجاهات جزئياً إلى واقع انجذاب الشباب الفلسطينيين بشكل كبير لمنصات التواصل الاجتماعي حيث ينتشر التحريض على العنف.
أما من الناحية العملية، فيبدو أن المزيد من الشباب الفلسطينيين ينخرطون في عمليات منفردة أو يشكلون/ينضمون إلى فصائل مسلحة جديدة. ففي استطلاع حزيران/يونيو المذكور أعلاه، وافق 69٪ من المستطلعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 22 عاماً على عبارة "إن الهجمات التي ينفذها فلسطينيون غير منتسبين لجماعات مسلحة معروفة داخل إسرائيل تساهم في المصلحة الوطنية لإنهاء الاحتلال". و"الجماعات المعروفة" هي ميليشيات «حماس» و «الجهاد الإسلامي في فلسطين» و حركة «فتح».
أزمة الشرعية
بلغت "السلطة الفلسطينية" أضعف مستوى لها منذ عقدين، حيث أظهر استطلاع أخير أن 81٪ من الفلسطينيين ينظرون إليها على أنها فاسدة بينما يطالب 75٪ باستقالة عباس. وهذه القطيعة العلنية تقلل من قبضة "السلطة الفلسطينية" على أجزاء من الأراضي الخاضعة لسيطرتها الرسمية (أي المنطقة "أ" في الضفة الغربية). ففي جنين ونابلس وأجزاء من الخليل، لم يعد بإمكانها الحفاظ على النظام العام أو حتى توفير الخدمات الأساسية في بعض الحالات. وقد استغل أعداء حركة «فتح»، أي «حماس» و«الجهاد الإسلامي في فلسطين»، هذه الفوضى للتوسع خارج غزة، بينما كثّفت الأجنحة المسلحة التابعة لحركة «فتح»، أي «التنظيم» و «كتائب شهداء الأقصى»، أنشطتها أيضاً.
لقد خلق هذا الوضع ظروفاً مثالية للفوضى والعنف - لا سيما في مخيمات اللاجئين، التي تفيض بالأسلحة غير المشروعة والشبان المحبطين والعاطلين عن العمل، وغالباً أولئك الذين تركوا الدراسة. وظهرت فصائل مسلحة جديدة متعددة (مثل "عرين الأسد") في نابلس وجنين وطولكرم والمخيمات داخل رام الله. وكانت هذه الفصائل مسؤولة عن الكثير من تصاعد العنف ضد المواطنين الإسرائيليين و"الجيش الإسرائيلي". كما أنها تعارض "السلطة الفلسطينية" بشكل علني وتواجه قواتها الأمنية - على سبيل المثال، في أيلول/سبتمبر الماضي اندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين في نابلس و"قوات أمن السلطة الفلسطينية" عندما حاولت الأخيرة اعتقال ناشط محلي شعبي مطلوب من قبل إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تجنبت "قوات أمن السلطة الفلسطينية" تلك المنطقة وغيرها من محاور المسلحين مثل مخيم جنين.
وتتمتع هذه الجماعات بدعم شعبي كبير لأن العديد من الفلسطينيين لم يعودوا يثقون بـ "السلطة الفلسطينية" لحمايتهم من الغارات العسكرية الإسرائيلية وعنف المستوطنين اليهود. وبدوره، كثف "الجيش الإسرائيلي" عملياته في أعقاب هجمات هذه الفصائل، مما أوجد حلقة مفرغة يتجمع فيها المزيد والمزيد من الفلسطينيين وراء المسلحين. وعلى غرار مشاعر الشباب المذكورة أعلاه، فإن 65٪ من مجمل المستطلعين في الضفة الغربية يؤيدون في استطلاع حديث تشكيل المزيد من الفصائل المسلحة.
وأصبح إحباط الهجمات التي تشنها الفصائل الجديدة أكثر صعوبة في بعض الأحيان بسبب عدم وجود تسلسل هرمي واضح بينها. وبشكل عام، اقتصرت أهدافها على عناصر "الجيش الإسرائيلي" في الضفة الغربية، على الرغم من أن إسرائيل ادعت في أيلول/سبتمبر الماضي أنها أحبطت خطة فصيل "عرين الأسد" لمهاجمة تل أبيب. ودفع الغضب من فشل «حماس» و«فتح» في المصالحة والعمل معاً لتحسين ظروف الفلسطينيين، إلى ابتعاد الفصائل الجديدة عنهما - على الرغم من عدم تحديد درجة استقلالها فعلياً عن هاتين الحركتين القائمتين.
أما بالنسبة للأفراد، فقد كشفت المقابلات التي أجراها كاتب هذا المقال أن الفصائل الجديدة تتكون في الغالب من شبان تتراوح أعمارهم بين 17 و 25 عاماً، على الرغم من أن العديد منهم في منتصف الثلاثينيات من العمر. وعلى غرار العديد من زملائهم الفلسطينيين، أصبح هؤلاء النشطاء محبطين من "السلطة الفلسطينية" ويعتبرونها شريكاً فاسداً لإسرائيل. وبعضهم أعضاء سابقون في حركة «فتح»، والبعض الآخر من الأفراد السابقين لـ "قوات أمن السلطة الفلسطينية" أو لديهم عائلة مقربة في تلك القوات. وتتراوح أهدافهم من حماية الفلسطينيين إلى الحصول على الاعتراف، والانتقام من "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل، و/أو تسجيل مدفوعات جانبية من الجماعات المسلحة التي تنشرهم. وينظر العديد من الشباب الفلسطينيين إلى هؤلاء المقاتلين على أنهم قدوة، وغالباً ما يستخدمون صور القتلى كديكور.
وأدت جميع هذه الخصائص - أي عضوية شابة إلى حد كبير، وقدرة مثبتة على التعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورسالة رفيعة المستوى من أجل الوحدة الفلسطينية، والمقاومة المسلحة، وتحدي القيادة الفلسطينية الحالية - إلى جعل هذه الفصائل صعبة من الناحية السياسية على "السلطة الفلسطينية" وعلى قواتها الأمنية لجهة كبح جماحها دون المخاطرة بالعنف على نطاق أوسع. وفي الواقع، قام بعض كبار المسؤولين في "السلطة الفلسطينية" بتمجيد تصرفات هذه الجماعات في عدة مناسبات.
التداعيات السياسية
بما أن المزيد من التدهور في الضفة الغربية لن يؤدي سوى إلى زيادة الفرص لممارسة العنف، لدى الولايات المتحدة وإسرائيل و"السلطة الفلسطينية" مصلحة مشتركة قوية تتمثل في استعادة إمكانية الحكم والاستقرار. وتتمثل إحدى الخطوات الحاسمة في زيادة قدرة "قوات أمن السلطة الفلسطينية"، والتي يمكن أن تمكّن "السلطة الفلسطينية" من تحسين جهودها على جبهات متعددة مثل فرض سيادة القانون، والاستيلاء على الأسلحة غير القانونية، ورفع تكاليف تشكيل/الانضمام إلى الفصائل المسلحة، ومواجهة المسلحين والعصابات الإجرامية، ومواجهة «حماس» وخلايا «الجهاد الإسلامي في فلسطين» والمشاركة في محادثات مثمرة مع إسرائيل. ويمكن أن تساعد الحوكمة الفعالة أيضاً في تقليل الدعم العام للفصائل المسلحة.
وحالياً، يقود المنسق الأمني الأمريكي لإسرائيل و"السلطة الفلسطينية"، اللفتنانت جنرال مايكل فنزل، الجهود الرامية لمساعدة "السلطة الفلسطينية" على استعادة السيطرة على شمال الضفة الغربية. وعلى وجه التحديد، شجّع على زيادة الانخراط الأمريكي النشط في التنسيق الأمني بين القدس ورام الله، بالإضافة إلى التدريب الأمريكي الأردني المشترك لأفراد "قوات أمن السلطة الفلسطينية" (الذي يتم إجراؤه داخل المملكة) والإشراف الأمريكي على هذه القوات بعد انتشارها. والأهم من ذلك، تتناول خطة فنزل طرق تقليل الاحتكاك بين الفلسطينيين من جهة و "الجيش الإسرائيلي" والمستوطنين الإسرائيليين من جهة أخرى من خلال نشر وحدات "قوات أمن السلطة الفلسطينية" في المنطقة "أ" وتقليل نشاط "الجيش الإسرائيلي" بشكل كبير في تلك المنطقة.
وكانت القمة الأمنية الأخيرة التي انعقدت في العقبة بالأردن برئاسة الولايات المتحدة خطوة مهمة نحو تحسين الثقة في هذا الصدد، حيث وافقت إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" على وقف التحركات الأحادية الجانب خلال الأشهر الأربعة إلى الستة المقبلة. ومن المقرر عقد اجتماع متابعة في شرم الشيخ بمصر، في 17 آذار/مارس. ومع ذلك، سيواجه الطرفان صعوبة في الوفاء بالتعهدات المعلنة في مثل هذه التجمعات - فقد ضعف موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبل شركائه من اليمين المتطرف في ائتلافه السياسي، بينما يواجه عباس تحديات شرعية عميقة وتساؤلات عن الخلافة.
ويوضح الوضع الحالي أيضاً حدود إطار "السلام الاقتصادي"، الذي لا يشكل تدبيراً قابلاً للتطبيق على المدى الطويل لتلبية التطلعات الوطنية الفلسطينية أو منع العنف. لذلك، على الولايات المتحدة أن تكمل الفرص الاقتصادية من خلال تحديد طرقٍ تهدف إلى تجديد العملية السياسية بين إسرائيل و "السلطة الفلسطينية". وهناك حاجة أيضاً إلى تعاون إقليمي ودولي أوسع نطاقاً لتطوير الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين نوعية الحياة في الضفة الغربية، وضمان وصول الفلسطينيين بشكل أفضل إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز شرعية "السلطة الفلسطينية". وعلى وجه الخصوص، من الضروري التركيز بشكل أكبر على الصحة العامة والتعليم وتمكين المرأة والبرامج المهنية وفرص العمل داخل الضفة الغربية، وخاصة للأجيال الشابة.
وفي الواقع، يجب أن يشكل العدد الكبير من الشباب الفلسطيني المحرك الرئيسي لاقتصاد الضفة الغربية والسياسات الاقتصادية المستقبلية. ويحتاج هؤلاء الأفراد إلى المزيد من فرص العمل داخل الضفة الغربية، لكي لا يشعرون بأنهم مرغمون على البحث عن وظائف في إسرائيل أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة ضد "السلطة الفلسطينية". وعلى المدى الطويل، ستحتاج "السلطة الفلسطينية" إلى إشراك الشباب في النظام ومتابعة الإصلاحات الداخلية التي تعالج بجدية الفساد وانعدام الديمقراطية ومعدلات التأييد المنخفضة.
موران ستيرن هو زميل مشارك في معهد واشنطن وزميل غير مقيم في "مركز الحضارة اليهودية" بجامعة جورج تاون.