يمكن الآن نشر «قوات الحشد الشعبي» في سوريا، وبتفويض من الحكومة العراقية للمرة الأولى، وقد يتم الآن تسريع العديد من الأنشطة القتالية عبر الحدود تحت غطاء أنشطة الإغاثة من الزلزال.
أتاح الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/فبراير فرصاً كثيرة أمام «الحشد الشعبي» العراقي للانتشار في المناطق السورية المتضررة، وذلك بموافقة الحكومة العراقية بعد أن كان تواجد هذه القوات في سوريا يتم في السابق دون أوامر قانونية من القائد العام للقوات المسلحة العراقية، كما يقتضي "الدستور العراقي"، وتسلسل القيادة، ومدونة الانضباط العسكري. أما اليوم، فقد فتح الزلزال فرصة كبيرة أمام «الحشد الشعبي» للعمل بشكل علني في سوريا من جهة، وأمام إيران من جهة أخرى، لنقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان داخل قوافل المساعدات.
وسارعت «قوات الحشد الشعبي»، بقيادة كلٍّ من فالح الفياض، المدرج على قائمة انتهاكات حقوق الإنسان الأمريكية، ورئيس أركان «الحشد الشعبي» عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، المصنّف على قائمة الإرهاب الأمريكية، إلى إطلاق حملة مساعدات إنسانية لسوريا تحت تسميات مختلفة، منها "سيدة الشام زينب" و"بعثة الإغاثة العراقية". وفي حين يتولى أبو فدك إدارة عمليات المساعدة، حيث تم إرساله إلى سوريا للإشراف المباشر على جهود الإغاثة، يعمل على تسهيل القوافل على الجانب العراقي من الحدود قاسم مصلح، قائد عمليات الأنبار في «الحشد الشعبي»، الذي اعتقله المسؤولون العراقيون في عام 2021 فيما يتعلق بمقتل ناشط على يد عناصر في "كتائب حزب الله" في عام 2020.
وعلاوةً على الطريق المشروع الذي فتحه الزلزال، عمد المسؤولون في «الحشد الشعبي» و "المقاومة" على استغلال الكارثة للتأثير على الحملات الدعائية في وسائل الإعلام العراقية والإيرانية على حدٍّ سواء. ففي حلب، عُثر على لافتة تشكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني و«الحشد الشعبي» وأبو فدك "على دعمهم الشجاع للشعب السوري". وقد نشر «الحشد الشعبي» المئات من عناصره الذين أنشأوا مستشفيات ميدانية ومطابخ ومراكز للتبرع بالدم على الأرض (الشكل 1)، مع الإشارة إلى أن مركبات المساعدة غالباً ما حملت مزيجاً من أعلام «الحشد الشعبي» وجمهورية العراق. وعملت وسائل الإعلام الإيرانية على التعظيم من شأن مساعدات «الحشد الشعبي» من خلال الإشادة بجهوده، في دلالة وثيقة على احتمال وجود تنسيق على مستوى الإعلام والرسائل بين طهران و«الحشد الشعبي». ومن جهتها، وصفت وسائل الإعلام التابعة لـ «الحشد الشعبي» جهودها بأنها واجب ديني من السلطات في النجف لدعم جيرانها السوريين، مستمدةً الشرعية من المؤسسة الدينية الشيعية غير التابعة لـ "المقاومة".
وفي 10 شباط/فبراير، التقى أبو فدك بالرئيس بشار الأسد وسط الأنقاض في حلب (التي نتج بعضها عن الزلزال وبعضها الآخر نتيجة تدمير الأسد للمدينة في السنوات السابقة). (الشكل 2). وبعد ذلك سافر إلى اللاذقية حيث التقى بالمحافظ وأبلغه بآخر المستجدات حول جهود الإغاثة التي تبذلها «قوات الحشد الشعبي». ولاحقاً التقى أبو فدك بوزير الإدارة المحلية حسين مخلوف، أحد كبار مساعدي الرئيس الأسد للشؤون المحلية، الذي قدم لأبو فدك كتاب شكر ودرعاً فخرياً، تقديراً للمساعدات التي قدمها «الحشد الشعبي» لسوريا (الشكل 3). وعكست زيارات أبو فدك تلك التي قام بها قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإيراني» إسماعيل قاآني، الذي أرسلته حكومته أيضاً للإشراف على جهود الإغاثة.
وفي 16 شباط/فبراير، التقى رئيس هيئة «الحشد الشعبي»، فالح الفياض، ببشار الأسد شخصياً (الشكل 4). ووفقاً لبيان لـ «الحشد الشعبي» حول الاجتماع، نقل الفياض رسالة من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تعهّد فيها بالتزام العراق بدعم سوريا. وكان الفياض قد شغل لسنوات منصب المبعوث العراقي الفعلي إلى سوريا. وتقدّر "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أنه ما زال يشغل هذا المنصب في عهد رئيس الوزراء العراقي الجديد.
وفي حين يتعاطف بعض العناصر العاديين في «الحشد الشعبي» وبحق مع الشعب السوري ويقدمون مساعدات ذات قيمة حقيقية، فإن قيادة "المقاومة" في «الحشد الشعبي» - التي تتألف من إرهابيين ومنتهكين لحقوق الإنسان المدرجين على قائمة العقوبات الأمريكية - وشركاءهم الإيرانيين يستخدمون على الأرجح الزلزال لتحسين تنسيقهم عبر الحدود بشكل كبير مع الأسد و«حزب الله» اللبناني، وإضفاء الشرعية على أنفسهم داخل العراق. من هنا، يتوجب التدقيق عن كثب في المواقع والعمليات الخيرية لـ «قوات الحشد الشعبي» في سوريا.