- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف حوّلت صحيفة "واشنطن بوست" قصة تبعث على الشعور بالارتياح إلى هجوم ضد إسرائيل
Also published in "تايمز أوف إسرائيل"
على الرغم من عدم قيام بعض الصحفيين بتخصيص الوقت للتحدث مع المسؤولين الإسرائيليين أو حتى التحقق من التفاصيل الأساسية على أرض الواقع، إلّا أنهم عمدوا على نشر مقال محرَّف بشدة أثار المزيد من التساؤلات حول السياسات التحريرية للصحيفة في زمن الحرب.
من المؤسف أن التقارير الإعلامية المغرضة عن الحرب بين "حماس" وإسرائيل أصبحت شائعة، لكنني لم أرَ قط قصة مثل مقالة "الواشنطن بوست" التي تحمل عنوان "حرب إسرائيل مع «حماس» تفصل الأطفال الفلسطينيين عن أمهاتهم". من الضروري التذكير هنا أن صحيفة "الواشنطن بوست" تعنون تغطيتها الإخبارية للنزاع "الحرب بين إسرائيل وغزة"، وهو قرار تحريري يشير ضمناً إلى أن إسرائيل في حالة حرب مع غزة، بدلاً من "الحرب بين إسرائيل و«حماس»" الأكثر دقة، وهو المصطلح الذي تستخدمه صحيفة "نيويورك تايمز"، غير المعروفة بتأييدها لإسرائيل.
ومن الجانب التحريري، تعرضت بالفعل مصداقية صحيفة "وودوارد آند بيرنشتاين" لضربة موجعة في مجال حرية التعبير عندما تراجعت تحت الضغط وسحبت رسماً كاريكاتورياً يمثّل إرهابياً من "حماس" يرتكب جريمة قتل جماعي، كان قد رسمه فائز بـ "جائزة بوليتزر"، لأنه كان "مثيراً للانقسام".
لذا، من غير المستغرب كثيراً رؤية هذا المقال المؤلف من 31 فقرة في قسم الأخبار. فما هو بيت القصيد؟ أنه تم فصل عشرات الأمهات الفلسطينيات عن أطفالهنّ الخدج بسبب الحرب، وتمت رعاية هؤلاء الأطفال جميعاً في مستشفيات لم يتم تحديدها في إسرائيل أو الضفة الغربية.
"المأساة" هي مصطلح يُستخدم كثيراً في النزاع الذي بدأ بقتل "حماس" لأطفال رضّع إسرائيليين واختطافهم، ومن اللافت أن هذا الواقع لم يُذكر في قصة عن الأطفال الرضّع وهذه الحرب، ولكن لا أحد يموت في هذه القصة. فهؤلاء الأطفال الرضّع الفلسطينيون جميعهم آمنون ومحميون. وفي الواقع، كان بإمكان الصحفيين أن يكتبوا قصة مختلفة تماماً - "رغم الحرب، إلّا أن أطفال غزة آمنون ومحميون في المستشفيات الإسرائيلية ومستشفيات الضفة الغربية" - لكنهم اختاروا التركيز على المحنة المزعومة للأمهات بدلاً من رفاهية الأطفال.
يستخدم كاتب هذه السطور عبارة "المزعومة" لأنه لم تُذكر في هذه القصة الطويلة، سوى أم واحدة باسمها الكامل وتم الاتصال بها هاتفياً في غزة. وفي الواقع، من غير الواضح ما إذا كان أي من الصحفيين قد غطى الأحداث انطلاقاً من غزة (تم نشر القصة في نابلس، وكان أحد المراسلين متواجداً في لندن).
يتم الاستشهاد بممرضات الضفة الغربية، ولكن القصة عن أمهات غزة لا تقتبس سوى أم واحدة. ومع ذلك، بطريقة ما، ومع عنوان نشر في نابلس، نشر المراسلون ما يلي: "أمضت الأمهات المحاصرات في غزة الشهر ونصف الشهر الماضي وهنّ يرتعدن خوفاً بينما تهتز الأرض على وقع الغارات الجوية الإسرائيلية وتطوّق القوات البرية شمال القطاع. وقد تم تدمير الغرف التي كان الأهل قد زينوها بشكل جميل لاستقبال أطفالهم حديثي الولادة. وطُمرت الملابس التي كان من المفترض أن يرتديها الأطفال الرضّع في أسابيعهم الأولى تحت الأنقاض". فكيف حصلوا على هذه المعلومات؟
ثم يبرز الواقع غير المريح المتمثل في تلقّي هؤلاء الأطفال العناية في إسرائيل. ومع ذلك، تتمحور القصة بأكملها حول وحشية سياسة إسرائيل المزعومة القائمة على حرمان بعض الأمهات من تصاريح العودة، ومنعهنّ من لم شملهن مع أطفالهنّ، ولكن لا يبدو أن المراسلين قد طلبوا حتى التعليق من المسؤولين الإسرائيليين، بحجة أن "الموظفين يخشون الأعمال الانتقامية من قبل السلطات الإسرائيلية". حقاً؟ أي نوع من الأعمال الانتقامية؟ هل قام المراسلون بتوثيق أي أمثلة على مثل هذه الأعمال الانتقامية؟ وهل سألوا عنها حتى؟
إنها فعلاً قصة غريبة. ففي حرب مليئة بالموتى، أخذت صحيفة "الواشنطن بوست" نبأً ساراً في الأساس عن أطفال خدج من غزة يتلقون العناية من أشخاص متعاطفين معهم من وراء خطوط العدو، بينما يحوم إسرائيليون شيطانيون فوق رؤوسهم، وحوّلته إلى قصة رعب. وفي معرض ذلك، قام المراسلون الذين ذكروا بدقة سلع وأغراض الأطفال التي كانت مبعثرة على الأرض في المباني المدمرة في غزة البعيدة، بتكرار اتهامات لم يتم التحقق منها بحق السلطات الإسرائيلية من قبل إداريين لم تُذكر أسماؤهم في مستشفيات لم تُذكر أسماؤها في مدن إسرائيلية لم تُذكر أسماؤها. وإذا لم تكن تلك افتتاحية إخبارية أحادية الجانب، فما علها تكون؟
روبرت ساتلوف هو "المدير التنفيذي - زمالة سيغال" و "رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش» لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" في معهد واشنطن. وتم نشر هذا المقال على موقع "تايمز أوف إسرائيل" بعد أن تم اقتباسه من موضوع موسع على موقع "تويتر/إكس" الذي نشره المؤلف في 20 تشرين الثاني/نوفمبر.