- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف ستستفيد روسيا بفضل كارثة بايدن في أفغانستان
Also published in 19FortyFive
يشكّل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تحديات لروسيا، ولكنه يمنح فرصاً لبوتين أيضاً. وسواء اعتقد القادة الروس حقاً أن "طالبان" ستتحول إلى حركة مسؤولة أم لا، فمن المرجح أن تتم مكافأتها بمزيد من النفوذ الدولي والإقليمي على حساب واشنطن.
انسحاب الرئيس جو بايدن من أفغانستان هو خطأ أخلاقي واستراتيجي كارثي سيحدد إرثه. كما أنه سيعقد تركيزه على المنافسة مع القوى العظمى، الصين وروسيا. وفي هذا الصدد، قال فيودور لوكيانوف، مستشار بوتين للسياسة الخارجية ومحرّر المجلة المؤثرة "روسيا في الشؤون العالمية": "لا يمكنك إلقاء اللوم على روسيا لشعورها بقليل من العجرفة بشأن ما يحدث في كابول". وفي الواقع، تُظهر ردود فعل وسائل الإعلام الروسية التي تديرها الدولة غبطة علنية. وأعلن أحد المحللين السياسيين الروس في البرنامج التلفزيوني الحكومي الروسي "60 دقيقة" أن "أمريكا لم تعد مهمة"، مضيفاً أن على روسيا أن تواصل "خنق الولايات المتحدة بهدوء".
ويقيناً، أن الانسحاب الأمريكي يشكّل تحديات لروسيا، ولكنه يمنح فرصاً لبوتين أيضاً. فهو يسعى، أكثر من مكافحة الإرهاب، إلى إضعاف البنية الأمنية الليبرالية التي قادتها الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لصالح رؤيته لعالم متعدد الأقطاب. وبالنسبة لبوتين، فإن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يضعف هذا الهيكل، ويترك فراغاً لا خيار أمامه سوى ملئه. وتواجه روسيا خلال رئاسة بوتين العديد من المشاكل، ولكنّ انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان بعد هزيمته عام 1989، وانهياره وخسارة "الحرب الباردة" بعد فترة وجيزة ليست واحدة منها. وفي الواقع، إن بوتين، الذي كانت تلك الفترة هي السنوات التكوينية الأولى بالنسبة له، رغب دوماً في الثأر.
وفي حين كان انهيار الاتحاد السوفياتي مأساة بالنسبة لبوتين حيث عنى ذلك فقدان السلطة والمكانة، إلّا أنه استخلص أيضاً عدداً من الدروس الرئيسية. فعلى عكس أسلافه السوفييت، ركّز بوتين على الواقعية أكثر من الأيديولوجية لتحقيق أهدافه. ومنذ توليه مقاليد السلطة قبل أكثر من عشرين عاماً، مد باستمرار جسور التواصل مع الجميع في الشرق الأوسط، سواء الحكومات أو حركات المعارضة الرئيسية لها. وطبّق نموذجاً مشابهاً لأفغانستان، حيث لعبت موسكو لعبة مزدوجة لسنوات. كتبتُ عن ذلك في عام 2017 بعد زيارة قمتُ بها لأفغانستان، البلد الذي عملتُ فيه في السنوات السابقة مع مقاول عسكري أمريكي.
صحيحٌ أن بوتين دعم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان منذ البداية، لكنّ دعمه كان مشروطاً في النهاية. وهكذا في عام 2009، ضغطت موسكو على قيرغيزستان لإغلاق "قاعدة ماناس الجوية" التي كانت تلك البلاد تؤجرها للولايات المتحدة. لقد كان الوجود الأمريكي في آسيا الوسطى يقلق موسكو، على الأقل بقدر ما يقلقها تهديد "طالبان". ولم يريد بوتين وجود قواعد أمريكية في تلك المنطقة، التي لطالما اعتُبرت تاريخياً "نقطة الضعف" بالنسبة لروسيا. وعلى مر السنين، عملَتْ موسكو على بناء نفوذها في أفغانستان ليس لاعتبارات أمنية فحسب، بل بهدف إضعاف الغرب وحلف شمال الأطلسي أيضاً.
وبحلول أواخر عام 2007 على الأقل، فتحت موسكو خطاً للاتصال مع "طالبان" وانخرطت معها دبلوماسياً - الأمر الذي منحها شرعية أكبر. وقد أشار كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين والأفغان إلى أن الدعم تجاوز الدبلوماسية في وقت لاحق ليشمل توفير الأسلحة. وفي السنوات الأخيرة، زاد الانخراط الدبلوماسي العلني كثافة. ورسمياً، تُعد "طالبان" منظمة إرهابية في روسيا، ولكن منذ عام 2018، استضافت موسكو مسؤولين من "طالبان" لعدة جولات من محادثات السلام، التي حققت القليل من التقدم الملموس، إلاّ أنها أعطت موسكو فرصة لأن تظهر كمنظِّمة لمبادرة دبلوماسية كبرى لم تلعب الولايات المتحدة فيها دوراً رئيسياً. كما التقى المسؤولون الروس بشكل روتيني مع [ممثلي] "طالبان" في قطر على مر السنين.
ولا يزال موقف موسكو الحالي تجاه أفغانستان معقداً ولكنه يسلّط الضوء في النهاية على الأولويات المعادية لأمريكا. وفي الواقع، يعكس هذا الموقف تاريخاً طويلاً من ابتغاء المساعدة التي يقدمها الغرب والاستياء من التفوق الغربي. وفي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2020، قال بوتين: "أنا أؤمن حتى يومنا هذا أن وجود الأمريكيين في أفغانستان لا يتعارض مع مصالحنا الوطنية"، مضيفاً أن الانسحاب الأمريكي يثير عدداً من المخاطر بالنسبة لروسيا. ولكن في الشهر الماضي، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عناصر "طالبان" بأنهم أشخاص "عاقلون" قالوا إنهم لا يخططون لافتعال مشاكل في آسيا الوسطى وسيحاربون تنظيم «الدولة الإسلامية» "بلا هوادة". ورأى كونستانتين كوساتشيف، نائب رئيس "المجلس الفيدرالي الروسي" (مجلس النواب الأعلى)، خبراً واحداً ساراً من أفغانستان - وهو أن الولايات المتحدة "ليس لديها أي أساس لادعاء القيادة" فيما يتعلق بالتسوية في أفغانستان.
واقترح لافروف أنّ الوجود الأمريكي الجديد في آسيا الوسطى خارج أفغانستان سيجعل حلفاء الروس "رهينة للسياسة الأمريكية". وبالفعل، حذّر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الولايات المتحدة من نشر القوات الأمريكية في آسيا الوسطى بعد الانسحاب من أفغانستان. ومن جانبه، لم يتحدّث بوتين علناً بعْدْ منذ أن أعلن بايدن انسحاب الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، التقى بزعماء آسيا الوسطى و"مجلس الأمن الروسي"، كما أجرت [روسيا] تدريبات عسكرية على الحدود الأفغانية.
وحول ما إذا كان المسؤولون الروس يعتقدون حقاً أن "طالبان" ستتحول إلى صاحبة مصلحة مسؤولة فهي مسألة منفصلة. وقد أخبرني مؤسس «المعهد الأفغاني للدراسات الاستراتيجية» وأول مدير عام له، داود مراديان، قائلاً: "في قرارة أنفسهم، يدرك [الروس] عقم أمنيتهم، لكن لديهم مخططهم المعادي لأمريكا". ولكن في النهاية، فإن موسكو متهكمة إلى حد كبير. فإلى جانب تذوق الهزيمة الأمريكية، سيركّز بوتين على التأكد من أن كل ما يحدث لا يؤثر على مصالح الكرملين - ويجعله يظهر في صورة جيدة. وفي هذا السياق، قال زامير كابولوف، المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، الشهر الماضي إنه وبفضل الحوار الروسي المستمر منذ عدة سنوات مع "طالبان"، يمكن لموسكو الآن "أن تجري محادثات مع أي من القوات في أفغانستان" على عكس "الغربيين الفاشلين". وبالتالي من المرجح أن يركّز الكرملين مجدداً على الدبلوماسية وإبراز القوة العسكرية في المنطقة.
وعلى الرغم من أن العديد من المحللين توقعوا انزلاق روسيا في الدوامة السورية عندما تدخّل بوتين عسكرياً في أيلول/سبتمبر 2015، إلّا أنه سعى إلى إبقاء تدخله محدوداً - وفي الواقع، لتجنب التجربة التي مرّ بها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان على وجه التحديد. ويقيناً، إن أفغانستان ليست شبيهة بسوريا، لكنّ موسكو هي الآن في وضع أفضل للعب دور صانع السلام هنا أيضاً، وبينما يتشبث الأفغان اليائسون بجوانب الطائرات الأمريكية التي تغادر كابول بينما قال بايدن للجمهور الأمريكي إنه لا يندم على قراره، فإن نفوذ موسكو (على غرار نفوذ بكين) قد يزداد ببساطة بشكل افتراضي. فأي عالم سيكون ذلك.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومؤلفة الكتاب القادم "حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "19FortyFive".