- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف سيفاجئنا نتنياهو مرة أخرى؟
ما أن اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" - الأسبوع الماضي - قراره المفاجئ بتوسيع الائتلاف الحاكم، حتى فاجأته الردود العالمية الغاضبة، ليس بسبب ضمه حزب "الحمائم" برئاسة "يتسحاق هرتسوغ"، بل حزب "الصقور" المتشدد برئاسة "أفيغدور ليبرمان". وقد وصف الصحفي في جريدة نيويورك تايمز "توم فريدمان" هذا التفكير المنطقي ممتعضاً من التحول في الاتجاه الذي اتخذه "نتنياهو" واصفاً إياه كنهاية "عملية السلام" وبداية صراع وتشرذم أبدي يمزق الدولة الواحدة "إسرائيل- فلسطين".
وأما على المستوى الداخلي، فقد كانت ردود الفعل الإسرائيلية سلبية أيضاً إلى حد بعيد، حيث ركزت كثيراً على مسألة التنصيب غير الرسمي لـ "ليبرمان" وتوليه ملف الدفاع بدلاً من "موشيه يعلون" وزير الدفاع المعتدل. وحتى الصقور التي تتمتع بقدر من الاحترام، اصطفت جهاراً مع "يعلون" ضد "ليبرمان"، مثلما فعل "موشيه آرينز"، الذي شغل منصب وزير الدفاع إبان الحكومات اليمينية في فترة الثمانينيات. وأنا شخصياً أيضاً، أفضل كثيراً "يعلون" على "ليبرمان"، كما أفضل بقوة أكبر وجود حكومة إسرائيلية وسطية نسبياً على حكومة يمينية دينية ضيقة جداً.
بيد، هناك عنصراً مهماً وحاسماً، غائب في هذه المسألة، ألا وهو رد الفعل العربي فيما يخص هذه المناورة السياسية الأخيرة لـ "نتنياهو"، مع استثناء الرد الفلسطيني الذي اتسم بنبرة قوية، حيث جمع خطاب حركة «حماس» بشكل نموذجي بين الرفض والتفاخر والعدوان، في حين تبنت السلطة الفلسطينية اتهاماتها المعتادة الأكثر معقولية ضد "تعنت" إسرائيل. وبصورة أقل توقعاً، تستمر مصر باستضافة وفود إسرائيلية رفيعة المستوى، في حين دعت الأردن إسرائيل إلى المساهمة في صندوق الاستثمار الوطني الجديد التي أقامته المملكة. أما فيما يخص الجانب السعودي، فرغم كون الأمير "تركي الفيصل" خارج الحكومة السعودية، إلا أنه من المؤكد تقريباً أنه يعمل بقبول رسمي من قبل تلك الحكومة، حيث يواصل اجتماعاته علناً مع نظرائه من كبار المسؤولين الإسرائيليين. وهناك دولة أخرى غير عربية في المنطقة، هي تركيا التي تواصل العمل بشكل علني على إصلاح علاقاتها مع إسرائيل، بعد أن جُمدت هذه العلاقات تقريباً في أعقاب النكسة الشديدة التي سببتها حادثة السفينة "مافي مرمرة" عام 2010.
إن هذا الرد العربي والتركي غير المهتم بإجراءات "بنيامين نتنياهو"، يطرح سؤالاً جوهرياً، وهو: ما هي الأسباب الكامنة وراء الرغبة الرسمية على ما يبدو في استمرار الجانبين العربي والتركي في الحفاظ على تعاملهما بشكل ودي للغاية مع إسرائيل، مع التجاهل التام لقضية تعيين "ليبرمان"؟ يبدو أن الإجابة تتمثل جزئياً في عدم انشغال العرب والأتراك - هذه الأيام - بالاحتلال الإسرائيلي، بل بالمشاكل الداخلية والخارجية الخاصة بهم، ابتداءً من الحرب الأهلية في سوريا وانتهاءً بإيران. وجزئياً أيضاً ـ على صعيد أكثر إيجابية - يمكن القول إن تلك المشاكل تدفع بعض العرب إلى التفكير ملياً في إحياء مبادرة السلام العربية المتوقفة منذ فترة طويلة مع إسرائيل، بغض النظر عن تفاصيل السياسة الداخلية المنقسمة لتلك الدول. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن "توني بلير" - بعد وقت قصير من إعرابه عن خيبة أمله من عدم تعيين "هرتسوغ" في مجلس الوزراء الإسرائيلي - كرر وجهة نظره - بعد عودة "ليبرمان" للسلطة - بأن العرب على استعداد للتحرك الآن نحو السلام مع إسرائيل على مراحل. وبعبارة أخرى، حتى قبل الوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، كان "ليبرمان" قد أعلن سابقاً عن تقديره لـ "مبادرة السلام العربية". ويقيناً، لا يتوقف النقاد من الإشارة إليه بأنه شخصية معروفة بتعليقاتها العدوانية المتهورة ضد العرب سواء في مصر، أو غزة أو الضفة الغربية، أو حتى داخل إسرائيل. لكن على عكس العديد من زملائه في الحكومات السابقة، كان "ليبرمان" قد أعلن سابقاً عن دعمه الراسخ لجهود السلام التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري". وحتى أنه أعلن سابقاً أنه شخصياً سيكون على استعداد لإخلاء منزله في مستوطنة "نوكديم" في الضفة الغربية.
لقد كُتب التحليل السابق قبل أسبوع كامل من مراسيم التعيين الرسمية لـ "ليبرمان"، والتي تمت يوم الاثنين الماضي ـ الثلاثين من أيار/مايو، ومن المؤكد أن "ليبرمان" قام خلالها بإبداء وجهة نظر مواتية لـ "مبادرة السلام العربية". كما أن "نتنياهو" عبّر - ولأول مرة - عن ذلك الرأي، إلى جانب تجديد دعمه لمبدأ "حل الدولتين" لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي الواقع، يعمل حالياً كل من "نتنياهو" و"ليبرمان" في بيئة دبلوماسية أخرى ذات دينامية أكثر تناقضاً. فهناك بعض العرب وبعض الإسرائيليين الذين يحاولون شق طريقهم إلى الأمام، لأنهم يخشون من عدم كفاية، أو تعثر الجهود الخارجية للقيام بتلك المهمة. وحتى أكبر الانفراجات التاريخية التي عرفها السلام العربي الإسرائيلي في السابق، قد تحققت بهذا الشكل التهكمي على وجه التحديد. ففي عام 1977 ذهب "السادات" إلى القدس بعدما يئس - هو و"بيغن"- من المحاولات الفاشلة للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لعقد مؤتمر "جنيف" الذي كان يهدف إلى تحقيق سلام إقليمي "شامل"، وبدلاً من ذلك، قام الزعيمان - يومها - بصياغة اتفاق ثنائي ومصيري ناجح بينهما.
وبالسيناريو نفسه تقريباً، قام المفاوضون من منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليون - في سرية تامة بأوسلو عام 1993 - بإيجاد وسيلة للالتفاف حول المحادثات غير المثمرة التي كانت تجرى في واشنطن مع القادة الفلسطينيين المحليين. وفي كلتا الحالتين اتفق الطرفان على اتخاذ خطوات إيجابية كبيرة، ولكن دون محاولة حل كافة القضايا العربية الإسرائيلية في وقت واحد، وهي طريقة حسنة النية ولكنها عقيمة - وعادة ما يميل الأجانب إلى انتهاجها في كثير من الأحيان.
وربما يحدث مرة أخرى، سيناريو جديد من هذا القبيل في الوقت الحالي. فالحكومة الأمريكية تعمل - حالياً - على تضييع الوقت حتى انتهاء الانتخابات، لكنها تفكر بصوت عال في الإعلان عن خطاب رسمي، أو ربما استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي في نهاية هذا العام. إلا أن كلا الخيارين لا يحملان أي وعود حقيقية لتحقيق النجاح على الأرض. فالحكومة الفرنسية أشرفت على إدارة مشهد غريب يتعلق بمؤتمر السلام التحضيري بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عُقد في الثالث من حزيران/يونيو في باريس، ولكن، دون حضور أي من طرفي النزاع! وحتى أن بعض الدبلوماسيين الفرنسيين اعترفوا ـ سراً ـ بأن هذا المؤتمر يتعلق بالسياسة الداخلية الفرنسية أكثر من تعلقه بأي آفاق دبلوماسية حقيقية. كما من المفترض أن تصدر "اللجنة الرباعية الدولية" حول الشرق الأوسط (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، تقريراً آخر عن القضية في الوقت القريب، وقد لا يعدو الأمر كونه ورقة من سلسلة الأوراق التي ستغطيها الأتربة فيما بعد.
وحيث تواجه الحكومة المصرية هذه المبادرات الدولية المشؤومة، هناك عدة أسئلة تطرح نفسها، من بينها هل هناك عجب في أن تفكر هذه الحكومة حالياً - وفقاً لبعض التقارير - في عقد نوع من "القمة" العربية الإسرائيلية في القاهرة، وربما حتى من دون حضور أي من الفلسطينيين؟ ولماذا لا تكون هذه القمة فكرة جيدة، إذا ما شرعت جميع الأطراف في إجراء مباحثات إقليمية بناءة؟ والمقصود هنا هو أنه ينبغي علينا جميعاً تقليل الاهتمام بمسألة تعيين "ليبرمان"، وإيلاء اهتمام أكبر بالتحولات الجذرية الكامنة في المنطقة، حيث محكوم على الجميع بمن فيهم "ليبرمان" والعرب والأكراد والأتراك والإيرانيون العيش في هذه المنطقة.
وبطبيعة الحال، ووفقاً للتعبير البارز للرئيس "أوباما"، لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتبنى (وربما قد لا تتمكن من تبنّي) استراتيجية تقوم - عمداً - على القيام بـ "أشياء غبية" من أجل دفع العرب والإسرائيليين إلى التوصل بأنفسهم إلى حلول أكثر ذكاءً. فحجم المخاطر كبير جداً، ناهيك عن الإحراج. لذلك، ينبغي ألا نندهش كثيراً، إذا ما غيّر "نتنياهو" الآن اتجاهه فجأة، وانحرف نحو نوع من مبادرة للسلام، ثم حصل على رد فعل إيجابي من العرب. ويقيناً، اختار "نتنياهو" في الوقت الحاضر، تجنب القبول بأي تنازلات عامة فيما يخص قضية المستوطنات في الضفة الغربية. ومع ذلك، تُظهر ملاحظاته من مساء الاثنين إرادة واضحة للتغلب على تلك المعيقات، بحثاً عن حوار عربي - إسرائيلي جديد.
وختاماً، ومهما يكن من أمر، فإن تحقيق السلام الأبدي يبقى أملاً قائماً، إذ قد تصبح الأحلام في يوم من الأيام - حتى في الشرق الأوسط - حقيقة بالفعل.
ديفيد بولوك هو زميل "كوفمان" في معهد واشنطن ومدير "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"