- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف يهدد الجناح العسكري لـ «حماس» المصالحة مع «فتح»
قبل بضعة أيام، اجتمعت حركتا «فتح» و «حماس» بالإضافةً إلى 11 فصيلاً فلسطينياً آخر لإجراء محادثات في القاهرة من أجل وضع الصيغة النهائية لعملية المصالحة السياسية الوطنية التي من شأنها إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة. وتمثّلت المسألة الشائكة الرئيسية التي هيمنت على المحادثات في احتكار استخدام القوة. فزعيم «فتح» ورئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس يصرّ على وجود "سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد"، في حين تسعى حركة «حماس» إلى الحفاظ على جيشها المسلّح وجناحها الإرهابي حتى وإن كان من المزمع أن تسلّم «حماس» زمام السلطة في غزة إلى «فتح» و"السلطة الفلسطينية" يوم الجمعة المنصرم. وقد رفض عباس صراحةً أن تتشبّه حركة «حماس» بما يسمى بنموذج «حزب الله»، الذي يشارك بموجبه حزب مسلّح في السياسة وينضمّ إلى الحكومة مع احتفاظه في الوقت نفسه بميليشيا مدججة بالسلاح ومستقلة إلى حدّ كبير. لكن من الواضح أن «حماس» تفضّل هذه الصيغة.
غير أنه من خلال احتفاظ «حماس» بجناحها العسكري، تعرّض الحركة نجاح اتفاق المصالحة للخطر، مما جعل تغيير الوضع الراهن بحلول يوم الجمعة المنصرم مستبعداً إلى حدّ كبير. وستواصل الحركة التحريض على العنف في المنطقة، وربما تقرّب غزة في نهاية المطاف من موجة العنف المقبلة.
تاريخ من العنف
يُظهر خطاب حركة «حماس» وأفعالها على مدى الأشهر القليلة الماضية التزام الحركة المتواصل بما يسمى "المقاومة المسلحة"، حيث أنها تواصل على سبيل المثال بناء الأنفاق التي تحفرها لأغراض هجومية من قطاع غزة إلى إسرائيل. وقد دمرت إسرائيل العديد من هذه الأنفاق بعد التصعيد الأخير في عام 2014، إلا أن «حماس» لا تزال ملتزمةً بإعادة بناء شبكة أنفاقها داخلياً، أي ضمن قطاع غزة، وتحت الحدود المصرية والإسرائيلية على السواء (حيث تخدم الأولى أغراض التهريب والثانية تنفيذ الهجمات). ووفقاً لتصريحات مسؤولين إسرائيليين في عام 2016، تقوم «حماس» بحفر أكثر من ستة أميال من الأنفاق باتجاه إسرائيل كل شهر، وغالباً ما تكون تحت بنية تحتية مدنية.
وفي الأول من حزيران/يونيو، كشفت "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" ("الأونروا") النقاب عن نفق تمّ حفره تحت المدارس في مخيّم المغازي للاجئين في قطاع غزة. وفي الشهر الماضي، تمّ اكتشاف ممر إضافي تحت الأرض أسفل مدرسة أخرى تابعة لـ "الأونروا" في غزة.
وفي آب/أغسطس، كشف "جيش الدفاع الإسرائيلي" نفقاً يمر تحت مبنى سكني بالقرب من مدرسة ومركز طبي وآخر تحت منزل عائلة يقع شمالي غزة حيث يعيش العضو الناشط في حركة «حماس»، عمر محمد محمود حمد، مع أسرته.
وفي أيلول/سبتمبر، توفّي 3 مقاتلون من حركة «حماس» في انهيارات منفصلة للأنفاق، جميعهم في غضون خمسة أيام. وقد وقعت إحدى الحوادث على طول الحدود بين غزة وإسرائيل. ووفقاً لأحد المصادر، قُتل ما لا يقل عن 20 مسلح من حركة «حماس» في حوادث مماثلة خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي الآونة الأخيرة، قصفت إسرائيل نفقاً بنته حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين» الإرهابية يمر عبر غزة وينتهي بالقرب من "كيبوتس كيسوفيم" الإسرائيلي. وقد لقي عدد من أفراد «حماس» و«الجهاد الإسلامي في فلسطين» مصرعهم خلال الهجوم. ومنذ ذلك الحين، انتشلت إسرائيل 5 جثث عائدة إلى حركة «حماس» من النفق.
كما واصلت حركة «حماس» خططها المالية غير المشروعة التي ترمي بشكل خاص إلى تمويل عمليات إرهابية وغيرها من الأنشطة المسلحة. وفي أوائل آب/أغسطس، كشفت "وكالة الأمن الإسرائيلية"، أو "الشين بيت"، النقاب عن خلية تبييض أموال تابعة لحركة «حماس»، حوّلت ما يقرب من 200 ألف دولار إلى الخليل منذ أوائل عام 2016. وكان ساعيان من حركة «حماس» مقيمان في الخليل يسافران إلى تركيا، ويجمعان آلاف الدولارات من عميل للحركة يقيم في تركيا يُدعى هارون نصر الدين. وبعدها، كان الرجلان يسعيان إلى الاستفادة من المال لشراء سلع تجارية وبيعها في الخليل، مستخدمان الأرباح الناتجة عن هذه المبيعات لدفع رواتب كبار عناصر «حماس» في الضفة الغربية وعملاء تمّ إطلاق سراحهم من السجون.
وفي وقت لاحق من آب/أغسطس، كشفت وكالة "الشين بيت" والشرطة الإسرائيلية شبكة تحويل أموال تابعة لحركة «حماس» كانت تنقل المال من قطاع غزة إلى عائلات في القدس الشرقية منذ عام 2015 على الأقل. وخلال الغارة، صادر المسؤولون أموالاً نقدية وهدايا تناهز قيمتها 28 ألف دولار من سبع عائلات في القدس الشرقية، جميعها لديها أولاد نفذوا هجمات إرهابية لصالح «حماس» أو بدعم منها. ومنذ عام 2015، حوّلت «حماس» أموالاً وهدايا تتجاوز قيمتها 36 ألف دولار إلى أُسر في القدس الشرقية. ومن بين الأشخاص الذين تلقوا هذه الأموال حسن مهاني، والد أحد المراهقين الذين نفذوا في عام 2015 عملية طعن إسرائيلييْن في "بيسغات زئيف"، مما أسفر عن إصابة فتى يبلغ من العمر 13 عاماً بجروح بالغة. ومن بين المتلقين الآخرين عائلة طارق أبو عرفة، الذي تورّط في خطف وقتل المواطن نخشون فاكسمان الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية في عام 1994.
ولا تزال إيران أيضاً تمثّل إحدى وسائل الدعم الأساسية لحركة «حماس»، حيث تمدّها بالمساعدات المالية والمادية على السواء. ووفقاً لرئيس الاستخبارات العسكرية في "جيش الدفاع الإسرائيلي" هرتسي هاليفي، تزوّد إيران حركة «حماس» بأموال تتراوح قيمتها بين 60 و70 مليون دولار سنوياً، بالإضافةً إلى التدريب والأسلحة. وفي أواخر آب/أغسطس، أشار يحيى السنوار، القائد العام لحركة «حماس» في قطاع غزة، إلى إيران باعتبارها "الداعم الأكبر لـ "كتائب عز الدين القسام" من حيث المال والأسلحة"، ووصف العلاقات بين إيران وحركة «حماس» بـ"الممتازة". وبعد مرور شهر على هذا التصريح، أفادت وكالة "الشين بيت" بأن «حماس» كانت تبني قاعدة في لبنان من أجل تعزيز وترسيخ روابط الحركة بـ"المحور الشيعي" الإيراني.
وبالفعل، قاد صالح العاروري، النائب الجديد لرئيس المكتب السياسي في حركة «حماس»، وفود أعضاء الحركة للاجتماع بكبار القادة في إيران مرتين خلال الأسابيع القليلة الماضية. وخلال الزيارة الأولى، أكّد العاروري أن «حماس» لن تقطع أبداً روابطها بإيران وأن "حضورها في إيران يمثل الرفض الفعلي" لأحد الشروط المسبقة التي فرضتها إسرائيل من أجل إجراء محادثات مع «فتح» في القاهرة. وفي 4 تشرين الثاني/نوفمبر، حضر وفد من حركة «حماس» جنازة والد قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني.
وبينما يتقرّب قادة حركة «حماس» من إيران، تردّد أن الوكيل الأبرز لطهران، أي "حزب الله"، منح بدوره الحركة الضوء الأخضر للمضي قدماً في اتفاق المصالحة، متوقعاً أن يساهم الاتفاق في تعزيز سيطرة «حماس» في غزة وزيادة فرصها للاستيلاء على الضفة الغربية. وبالفعل، تعهّدت «حماس» يوم الاثنين الماضي بتوسيع أنشطتها العسكرية في الضفة الغربية. وفي هذا الإطار، قال القيادي البارز في حركة «حماس» خليل الحية إن الأسلحة التي يستخدمها الفلسطينيون حالياً في قطاع غزة ستُنقل إلى الضفة الغربية، مشيراً إلى أن "هذا السلاح لن يُمَس، فهو لا يقبل القسمة ولا النقاش، وسيتمّ نقل هذا السلاح إلى الضفة الغربية لمقارعة الاحتلال". وهذه ليست المرة الأولى التي يدعم فيها «حزب الله» توسّع حركة «حماس» إلى داخل الضفة الغربية. ففي أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/سبتمبر 2000، عزز "حزب الله" بشكل كبير دعمه إلى «حماس» وجماعات إرهابية فلسطينية أخرى.
وعلى الرغم من عجز حركة «حماس» عن شنّ أي هجمات كبيرة ضد إسرائيل منذ أيار/مايو، إلّا أنّها تواصل التحريض على العنف، وتثني على الهجمات المنفذة ضد الدولة اليهودية، كما تستعد للصراع المستقبلي معها.
وفي منتصف تموز/يوليو، قُتل عنصرين من الشرطة الإسرائيلية على أيدي ثلاثة إرهابيين قرب "باب الأسباط" في القدس. وفي أعقاب الهجوم، دعت «حماس» إلى المزيد من العنف ضد إسرائيل ونظمت تجمعاً احتفالياً في قطاع غزة. وبعد أسبوع، قُتل ثلاثة إسرائيليين طعناً في منزلهم في الضفة الغربية على يد مراهق فلسطيني تابع لحركة «حماس». وقد وصفت هذه الأخيرة العمل بـ"البطولي". ورداً على هذه الاعتداءات، اعتقل "الشين بيت" و"جيش الدفاع الإسرائيلي" 25 عنصراً من حركة «حماس» خلال مداهمة في الضفة الغربية، من بينهم عدد من كبار الأعضاء المنتمين إلى جناح الحركة في الضفة الغربية. وبعد أربعة أيام فقط على عملية الطعن، دعت «حماس» إلى "يوم غضب" في الضفة الغربية وقطاع غزة رداً على إبقائها على لائحة الاتحاد الأوروبي للإرهاب.
وعلى الرغم من أنه لم يتمّ إطلاق سوى ثلاثة صواريخ باتجاه إسرائيل منذ أيار/مايو، مقارنةً بالآلاف في عام 2014، أعلن "جيش الدفاع الإسرائيلي" في آذار/مارس أن حركة «حماس» طوّرت صواريخ قصيرة المدى أكثر قوة، وتواصل تعبئة ترسانتها استعداداً للتصعيد المقبل مع إسرائيل. وبالفعل، أعاد يحيى السنوار التأكيد في الأسبوع الماضي على نوايا «حماس» بخوض حرب وتدمير الدولة اليهودية قائلاً: "الزمن الذي تناقش فيه حركة «حماس» مسألة الاعتراف بإسرائيل قد ولّى والنقاش الآن متى ستمسح حركة «حماس» إسرائيل... لن تمرّ دقيقة من ليل أو نهار إلا وستزيد قوّتنا وسلاحنا".
المستقبل غير المؤكد للمصالحة
ورغم أنه كان لا يزال من المزمع أن تدخل المصالحة حيز التنفيذ من الناحية التقنية يوم الجمعة، إلا أنه وفقاً لوضعها الراهن، من الصعب تصوّر تحققها. فمن الواضح أن «حماس» لا تزال ملتزمة بأنشطتها الإرهابية في غزة، وفي الضفة الغربية أيضاً، مما ربما يشكل الأمر الأكثر إثارة للقلق لـ "السلطة الفلسطينية". وفي تشرين الأول/أكتوبر وحده، اعتقلت "السلطة الفلسطينية" أكثر من 50 عميلاً لحركة «حماس» في الضفة الغربية، بالإضافةً إلى اعتقال 130 عميلاً يتبعون لجماعات إرهابية أخرى مثل حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين». وليس من المستغرب أن تستمر "السلطة الفلسطينية" في الاعتقالات الجماعية لعملاء حركة «حماس» في الضفة الغربية، نظراً لأن العاروري كان العقل المدبر وراء المؤامرة الرامية إلى الإطاحة بـ"السلطة الفلسطينية" والاستيلاء على الضفة الغربية في عام 2014.
وتبعث أفعال حركة «حماس» وحدها رسالةً واضحة مفادها أن مواصلة الأعمال الإرهابية ستحظى بالأسبقية على أي اتفاق مصالحة، لكن في الوقت نفسه لم تسهم التصريحات الصادرة مؤخراً عن قيادتها سوى في إثارة المزيد من التساؤلات حول الاتفاق. فخلال هذا الأسبوع، وبينما كان وزراء الخارجية العرب مجتمعين في القاهرة، أصدرت حركة «حماس» بياناً أدانت فيه جامعة الدول العربية لتصنيفها «حزب الله» منظمةً إرهابية. ولا يُعتبر رد فعل الحركة مستغرباً، فتصنيف مماثل يطرح تحدياً أمام إصرارها على السماح لها بأن تتشبّه بنموذج «حزب الله». وكما أظهرت أفعالها الأخيرة، لا تزال «حماس» ملتزمةً بالحفاظ على جناحها المسلّح المستقل.
ولا ينعكس هذا الأمر إيجاباً على المصالحة أو على الاستقرار في المنطقة. ففي ظل غياب أي مصالحة بين الفلسطينيين، سيتدهور الوضع الإنساني في غزة من جديد بشكل حاد، علماً أن تفاقم الأوضاع على الأرض في غزة هو الذي دفع بحركة «حماس» إلى التفاوض في المقام الأول، ولكن في النهاية أعطت «حماس» الأولوية للحفاظ على ترسانتها على حساب تحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت حكمها. وفي الوقت الذي تغلي فيه سوريا، وتواجه فيه اليمن حرباً ومجاعة، وتعمّ الاضطرابات في العراق، وتنشغل الدول السنّية بعدوانية إيران في المنطقة، ستظل محنة سكان غزة ذات أولوية منخفضة إلى حد ما بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية في ظل الأزمات الأخرى الأكثر إلحاحاً في المنطقة. وإذ تفتقر حركة «حماس» إلى حلفاء يهبّون لنجدتها ودعمها، قد تشعر بالحاجة إلى إثارة صراع جديد مع إسرائيل لتصرف النظر عن فشلها في الحكومة وتبرّر مطالباتها بالاحتفاظ بسلاحها لحماية سكان غزة من إسرائيل.
ومن أجل أن تتحقق المصالحة فعلاً، ستضطر حركة «حماس» إلى التخلي عن سلاحها وقبول واقع أن "السلطة الفلسطينية" تحتكر استخدام القوة ضمن الأراضي الخاضعة لها. وفي معرض حديثه عن محادثات المصالحة في القاهرة، حذّر مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف "مجلس الأمن" الدولي من أنه في حال تعثّرت المحادثات، كما حصل في جهود المصالحة السابقة، "سيؤدي ذلك على الأرجح إلى صراع مدمّر آخر". ولسوء الحظ، إنه على حق. فرفض حركة «حماس» الإقلاع عن ممارسة الإرهاب سيقوّض بشكل شبه مؤكد الجهود الهادفة إلى تحقيق الهدوء في المنطقة، كما حصل في الماضي. وستكون النتيجة صراع آخر في غزة.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر - ويكسلر" ومدير "برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن. أفيفا واينستين هي مساعدة أبحاث في المعهد.
"فورين آفيرز"