- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2506
كيف يعلّق سلفيّو مصر على السياسة؟
في 17 تشرين الأول/ أكتوبر أدلي المصريون بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي في عام 2013. ومن بين الأحزاب السياسية الكثيرة المدرجة على أوراق الاقتراع، كان «حزب النور» الجماعة الوحيدة ذات الانتماء الديني الواضح. ومع ذلك، فوفقاً لعدد 28 أيلول/ سبتمبر من صحيفة "الأهرام"، تحظر قواعد الانتخابات استخدام الشعارات الدينية من قبل الأحزاب السياسية. وقد جاء هذا التقييد بعد أن حظرت وزارة الأوقاف في آب/ أغسطس على خطباء المساجد التعليق على القضايا السياسية من على منابرهم.
وعلى الرغم من أن كل العيون كانت موجهة نحو «حزب النور»، إلا أن النفوذ السلفي في مصر هو أوسع بكثير وأعمق من المجال البرلماني. لذا فإن المسار المستقبلي لانخراط السلفيين في السياسة، على النقيض من جماعة «الإخوان المسلمين» التي سعت على مرّ العقود إلى اكتساب نفوذ سياسي، سيتأثر بالحد الأدنى بأداء «حزب النور» في الانتخابات.
وفي حين عبّر الإسلاميون الذين ينتهجون نهج «الإخوان المسلمين» عن طموحات اجتماعية وسياسية واضحة منذ مطلع القرن العشرين، انتقل السلفيون في أوساط علمية غير منظمة نسبياً وركزوا في خطاباتهم إلى حد كبير على الفقه والشريعة. وبدورها فإن اللغة والمنتديات السلفية، المادية والنصية، التي تم إنشاؤها منذ فترة طويلة، غالباً ما تقع خارج النطاق البرلماني. فهذه الخلفية التاريخية والخبرة المحدودة نسبياً التي يتمتع بها البرلمانيون السلفيون في الوقت الحالي، هي عوامل توحي بأن السلفيين قد يستمرون في الولاء لمسارهم خارج نطاق السياسة، وإن كان هذا الولاء محدوداً، بصرف النظر عما سيحدث مستقبلاً.
صياغة الرسائل السياسية والإعلامية
كونهم يشكلون مجموعة ملتزمة بإعادة فرض الإسلام - الذي تمت ممارسته ما بين القرنين السابع والتاسع كما يُزعم - غالباً ما يستشهد السلفيون بالطوائف والمفاهيم التي كانت شائعة في تلك الحقبة. فإذا أرادوا انتقاد توجه حالي على سبيل المثال، قد يشيرون إلى عدو ديني للطائفة السنية الناشئة من القرن الثامن. إذ أن هذا النهج يسمح للسلفيين بأن يكونوا متحفظين وأن يتجنبوا إثارة الشبهات حول التحريض الديني.
في عدد 21 آب/ أغسطس من مجلة "النبع الصافي" الأسبوعية التي تصدر عن قيادة «الدعوة السلفية»، والتي نشأ منها «حزب النور»، كتب المتحدث باسم الجماعة عبد المنعم الشحات، مقالاً بعنوان "السلفية ومناهج الإصلاح". وقد وصف في مقالته هذه شيخ الأزهر على أنه [من المذهب] "الأشعري" [في العقيدة]، أو عضواً في جماعة من أولى الجماعات الفقهية التي تعتمد على التفسير العقلاني بدلاً من القراءة الحرفية للنصوص المقدسة، وهاجم دعوة المفتي إلى "الاعتدال" واعتباره أن السلفية عبارة عن "أفكار وهابية متطرفة".
وفي العدد نفسه، كتب خالد الرحيم مقالاً حول الدلالات المختلفة لكلمة "الحزبية"، مشيراً إلى أن هذا المصطلح وارد على نطاق واسع في القرآن الكريم، بما في ذلك عنوان السورة الثالثة والثلاثين، وقد سلط الضوء على سياقات الكلمة الإيجابية والسلبية: وبشكل خاص في «حزب الله»، مقابل "حزب الشيطان". وبعد أن أورد الآراء المختلفة للعلماء السلفيين السعوديين حول الظروف المقبولة للمشاركة في الأحزاب السياسية، خلص الرحيم إلى أن كلمة "حزب" يمكن أن تستخدم في سياق غير سياسي (أي كـ "جماعة") لوصف أي شخص يروّج لقضية إسلامية؛ وقد يُسمح لهذا الشخص بالانضمام إلى حزب سياسي والدفاع عن الإيمان فقط في الحالات التي توجد فيها أحزاب أخرى معادية للإسلام.
بالمثل، في نقاش جرى على قناة "الثورة" السلفية في 22 آب/ أغسطس، وضم محمد الصغير ومحمد عبد المقصود ووجدي غنيم، وهدف جزئياً إلى حث المشاهدين على المساهمة المالية، روّج المتحدثون للجوانب غير السياسية للقناة. من جانبه، تلاعب عبد المقصود بالألفاظ لإظهار الحاجة إلى إعادة فرض القانون والنظام في ظل الاضطرابات الحالية التي تشهدها البلاد. وفي هذا السياق قال، "إن هذه القناة مختصة بالشريعة وليس الشرعية".
ولا يزال بعض السلفيين الآخرين يتدبرون أمرهم للإدلاء بآرائهم بشكل غير مباشر حول المسائل السياسية إما من خلال التعليق على الأحداث الإقليمية بدلاً من المحلية أو عبر إدراج مواقفهم في محاضرات حول مواضيع غير ذات صلة. فمحمد يسري إبراهيم، أمين عام "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، وهي مجموعة تضم سلفيين ذوي ميول سياسية مثل المقصود والصغير غرّد في 25 آب/ أغسطس على موقع "تويتر": "اللهم اقصم ظهر كل ظالم داعم للحكم النصيري الطائفي المجرم بسوريا ومزقه كل ممزق!"
بشكل مشابه ألقى جمال المراكبي، عضو" مجلس الشورى" عن «أنصار السنة المحمدية» وهي المنظمة السلفية الأقدم في البلاد، محاضرة حول المسألة الشرعية المتعلقة بما إذا كان على الإبن أن يذعن إلى والديه إذا طلبا منه تشذيب لحيته. إذ اعتبر المراكبي أنه "يجب النظر في هذه القضية بطريقة أكثر شمولية". وأوضح كذلك أن "السؤال هو لماذا يريد والداك منك تشذيب لحيتك... فعندما يتعلق الأمر بطاعة الله أو طاعة والديك، فلا بد من طاعة الله". ومع ذلك، فبدلاً من تشجيع الأطفال صراحة على التمرد على أهلهم، أكد المراكبي أنه يتوجب على الآباء والأطفال على حد سواء أن يحذو حذو النبي محمد.
الاستنتاجات
كما تشير هذه الأمثلة الأخيرة، قد لا يكون تأثير حظر الحكومة على الوعظ السياسي في المساجد وإدراج الدين في برامج الأحزاب السياسية وحملاتها كبيراً لكبح مثل هذه التعليقات من القادة السلفيين. بالإضافة إلى ذلك، يبرز اتجاه معكوس مثير للاهتمام في أنماط إيصال الرسائل: ففي حين يبدو أن الأحزاب السياسية السلفية تقلل من شأن الإيديولوجية وتعزز من إنشاء منصة كبيرة تمثل جميع المصريين، وهذا أمر مفهوم بسبب حاجتهم لكسب الأصوات، يعمل السلفيون ذوو الميول السياسية، بمن فيهم أعضاء «الدعوة السلفية» على التأكيد على العقيدة وغيرها من جوانب أيديولوجيتهم، وذلك في جزء منه من أجل تغطية خطابهم السياسي. ونظراً لوجود مجموعة واسعة من القنوات الإعلامية المتاحة لقادة السلفية، من بينها وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزيون والمنشورات الدورية، فلن يواجهوا الكثير من المشاكل في نشر أفكارهم، بغض النظر عن محاولات الحكومة المصرية التي يبدو أنها تعمل على الحد من هذه الأفكار.
يعقوب أوليدورت هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن. نريد الإشارة هنا إلى أن جميع بيانات الوقائع أو الرأي أو التحاليل التي تم التعبير عنها في هذه المقالة هي آراء الكاتب فقط ولا تعكس مواقف أو وجهات النظر الرسمية للحكومة الأمريكية.