- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2436
كيف يمكن الحرص على عدم تقلص فترة تجاوز إيران للعتبة النووية المحددة بعام واحد؟
وفقاً لـ "المعايير الأمريكية لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني"، التي تم الإعلان عنها في مدينة لوزان بتاريخ 2 نيسان/إبريل، ستخفض طهران مخزونها المؤلف من حوالي 19 ألف جهاز طرد مركزي إلى 6104 جهاز طرد مركزي فقط، علماً أن 5060 جهاز فقط من هذه الأجهزة مصمم لتخصيب اليورانيوم. وسيسري هذا التدبير لفترة أمدها عشر سنوات، وستكون جميع أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول من طراز IR-1s. وتذكر المعايير أيضاً "عدم استخدام إيران لنماذجها من طراز IR-2، أو IR-4، أو IR-5، أو IR-6، أو IR-8 لإنتاج اليورانيوم المخصب" خلال هذه الفترة، و"انخراطها في أعمال البحث والتطوير المحدودة فيما يتعلق بأجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تملكها، وفقاً لجدول زمني ومعايير تم الاتفاق عليها من قبل مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»". بالإضافة إلى ذلك، تبلغ الكمية القصوى لمخزون اليورانيوم منخفض التخصيب التي يمكن لإيران الاحتفاظ بها 300 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 في المائة على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة (أي اليورانيوم الذي يحتوي على 3.67 في المائة من النظائر الانشطارية "يو-235").
وتثير التفاصيل التقنية التي تستند إليها هذه المعايير عدة مخاوف ذات صلة مباشرة بفعالية الاتفاق المقترح. وأحد أسباب ذلك، هو أن أجهزة الطرد المركزي المصممة للتخصيب غير النووي فقط والتي يبلغ عددها 1044 ستبقى قائمة، وبالتالي يُمكن إعادة تحويلها لتخصيب اليورانيوم في وقت قصير بغض النظر عن التدابير التقنية أو تدابير المراقبة. والأهم من ذلك، أنه لم يتم الإفصاح عن أي تفاصيل حول "الجدول الزمني والمعايير" المتفق عليها لأعمال البحث والتطوير فيما يخص أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً. وتجدر الإشارة إلى أن الإطار الزمني الحالي لاكتساب إيران كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية - المعروف بـ "زمن الاختراق" - هو حوالي شهرين أو ثلاثة أشهر، وأن الولايات المتحدة تريد اتفاقاً يطيل هذه الفترة الزمنية إلى عام واحد على الأقل (انظر: "فترة تجاوز إيران للعتبة النووية: صحيفة وقائع" المرصد السياسي 2394). وبالنسبة إلى واشنطن، إن فترة سنة كاملة توفر ما يكفي من الوقت للكشف عن عدم الامتثال للمعايير ولاتخاذ الإجراءات الدبلوماسية أو العسكرية إذا بدت طهران مستعدة لاتخاذ الخطوة غير القانونية المتمثلة بالإسراع في صنع سلاح نووي. إلا أن استخدام أجهزة الطرد المركزي الأكثر فعالية من شأنه أن يقلص هذه الفترة الزمنية، وبالتالي يشكل تصميم إيران على تطوير المزيد من الآلات المتطورة مصدر قلق بقدر احتفاظها المستمر، على سبيل المثال، بمخزون كبير من اليورانيوم منخفض التخصيب، بالرغم من التزامها وفقاً للمعايير بتحويله إلى أشكال أقل إثارة للجدل (راجع مقال ديفيد أولبرايت وسيرينا كيليهر- فرجانتيني من 5 حزيران/يونيو تحت عنوان "شرح وزارة الخارجية الأمريكية لليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 3.5 في المائة المنتج حديثاً لا يفي بالغرض"). فضلاً عن ذلك، قد يؤدي استخدام المخزون المخصب جزئياً إلعى تقليص فترة تجاوز إيران للعتبة النووية بشكل ملحوظ.
وتُعتبر الفعالية عنصراً أساسياً في الحسابات المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي وتُقاس عادةً بـ وحدات عمل الفصل/وحدات العمل الفاصلة («إس في يو»)، المرتبطة بكمية المواد المعالجة ودرجة التخصيب التي تم التوصل إليها على حد سواء. وتُظهِر وحدة عمل الفصل إنتاج التخصيب السنوي لجهاز طرد مركزي، إما على شكل "وحدات «إس في يو» من اليورانيوم في العام الواحد" أو "وحدات «إس في يو» من UF6 في العام الواحد"، إذ أن UF6 هو سادس فلوريد اليورانيوم - المخزون الغازي لجهاز الطرد المركزي. ويتطلب مفاعل "الماء الخفيف العادي بقدرة 1300 ميغاواط"، 25 طناً من الوقود المخصب بنسبة 3.75 في المائة سنوياً. ويستوجب إنتاج هذا الوقود انطلاقاً من 210 طن من اليورانيوم الطبيعي، جهد تخصيب بمعدل 120 ألف وحدة «إس في يو». ولكنّ جهازاً متفجراً نووياً يتطلب يورانيوم عالي التخصيب (أي 90 في المائة أو أكثر من يورانيوم-235) يحتوي على 25 كلغ من اليورانيوم-235، ويستلزم إنتاج هذه المادة منشأة تخصيب تبلغ قدرتها السنوية 5000 وحدة «إس في يو».
وترتكز أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-1 على تصميم هولندي الأصل حصلت عليه طهران من باكستان. وهي مُرتّبة بشكل سلاسل في موقعين معروفين هما، "نطنز" و "فوردو". ووفقاً للمحللين في «معهد العلوم والأمن الدولي»، قدّرت واشنطن فعالية جهاز IR-1 ما بين 0.9 و 1.0 وحدة «إس في يو» في السنة عند تقييم قدرة إيران على تجاوز العتبة النووية، في حين استخدمت طهران 0.66 وحدة «إس في يو» في العام الواحد. وبالتالي، فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، إن عدد أجهزة IR-1s المسموح به لإيران والذي يبلغ 5060 جهازاً يفترض فترة تُقارب عام واحد لتجاوز العتبة النووية.
إلا أن الواقع أكثر إثارة للقلق، إذ لا يزال الأداء الفعلي لأجهزة IR-1s غير معروف، فقد تُخفَّض قدرتها الحالية بفعل انعزال بعض أجزاء سلاسل التخصيب أو تعطَّل آلات منفردة ولا يتم استبدالها، ولذلك قد تم على الأرجح التصريح عن إنتاج هو أقل من إنتاجها المحتمل. وتُظهر بيانات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن أجهزة IR-1s تعمل أحياناً بمعدل وحدة «إس في يو» واحدة في السنة أو أكثر بقليل في "نطنز" و"فوردو" (راجع الرسم 10 والجدول رقم 1 من "تحليل «معهد العلوم والأمن الدولي» لتقرير الضمانات الإيرانية الصادر عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»"، 29 أيار/مايو، 2015). ولكن في آب/أغسطس 2014، صرح رئيس "منظمة الطاقة الذرية الإيرانية" علي أكبر صالحي أن أجهزة IR-1s تتصف بـ "إنتاج اسمي بمعدل يفوق 3 وحدات «إس في يو»، ولكنها في الواقع تنتج أقل من وحدتي «إس في يو»". ومن المفترض أنه كان يقصد بذلك وحدات «إس في يو» من سادس فلوريد اليورانيوم (UF6) في العام الواحد، وبالتالي تعني الأرقام التي أدلى بها 1.3 وحدات «إس في يو» من اليورانيوم في السنة. ويفترض ذلك أن الفترة الفعلية لتجاوز إيران للعتبة النووية بموجب معايير لوزان قد تكون سبعة أو ثمانية أشهر عوضاً عن عام كامل.
كما أشار صالحي إلى أن فعالية إحدى أجهزة الطرد المركزي الجديدة التي تعمل إيران على [صنعها]، وهو جهاز IR-8، تبلغ 24 وحدة «إس في يو»، وهو رقم مرتفع جداً. ويعني ذلك على الأقل أن قدرة إيران على التخصيب قد تزداد بشكل ملحوظ بعد انتهاء صلاحية الاتفاق الذي أمده عشر سنوات. وإذا أصبحت أجهزة IR-8s قابلة للتشغيل قبل الوقت المرتقب، ستتقلص فترة تجاوز إيران للعتبة النووية بشكل كبير. ويمكن تقديم براهين مماثلة لأنواع أجهزة الطرد المركزي الأخرى التي تقوم إيران بتطويرها. ويفيد التقرير الأخير لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (الصادر في 29 أيار/مايو) أنه في قسم أعمال البحث والتطوير في "منشأة تخصيب الوقود التجريبية" في "نطنز"، "تغذي إيران بشكل متقطع UF6 طبيعي إلى أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-1، و IR-2m، و IR-4، و IR-6، و IR-6s، أحياناً إلى آلات منفردة وأحياناً أخرى إلى سلاسل من أحجام مختلفة". وتضم هذه المنشأة أيضاً جهاز طرد مركزي من طراز IR-5 (الذي وُضع فيه مخزون اليورانيوم لفترة من الوقت، خلافاً للتفاهمات التي وردت في "خطة العمل المشتركة" التي تم إعداداها في العام الماضي) ونموذجاً أصلياً من جهاز الطرد المركزي IR-8 (ولكن من دون الأنابيب الضرورية لاستخدام المخزون). ولا تتوفر سوى معلومات قليلة عن الكثير من أجهزة الطرد المركزي المذكورة، فقد رآها مفتشو «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ولكن لا يسمح لهم بالتدقيق في آليات عملها الداخلية.
ويُفترض أن إيران تحاول تطوير الآلة الأكثر عملية وفعالية، وهو هدف يتطلب أقصى درجة من التوازن بين طول جهاز الطرد المركزي وتركيبته وسرعة دورانه. وسبق أن وضعت إيران ست سلاسل من جهاز IR-2m، الذي يُقدر إنتاجه بين 3 و5 وحدات «إس في يو» من اليورانيوم في السنة (أو ما يصل إلى خمسة أضعاف فعالية IR-1). ويتم التخطيط لاثنتي عشر سلسلة أخرى من جهاز IR-2m، وبينما لم تتم تغذية أي منها بـ UF6، إلا أن التقرير الأخير لـ «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يشير إلى أن سلسلتين من جهاز IR-1 في "منشأة تخصيب الوقود التجريبية" [في "نطنز"] تقومان حالياً في تخصيب اليورانيوم. فضلاً عن ذلك، تتم تغذية سلسلة واحدة من جهاز IR-2m وسلسلة واحدة من جهاز IR-4 باليورانيوم الطبيعي، ولكن يعاد فوراً مزج اليورانيوم المخصب و"الذيول" المستنزفة الناتجة عن ذلك لتتحول مجدداً إلى يورانيوم طبيعي. وبصورة إجمالية، تتراوح قدرة التخصيب المحتملة لسلاسل أجهزة IR-1 و IR-2mوIR-4 التي يتم تشغيلها في هذه المنشأة الخاصة بأعمال البحث والتطوير ما بين 1300 و 1700 وحدة «إس في يو» في السنة، وبالتالي إذا تم الإبقاء عليها كما هي الآن في الاتفاق النهائي، ستتقلص فترة تجاوز إيران للعتبة النووية إلى ثمانية أشهر (أو ربما حتى أقل من ذلك إذا بقيت تقديرات الفعالية التي سبق أن ذكرها صالحي لنماذج IR-1s صحيحة).
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن تقرير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الكثير من التحفظات من خلال تعابير على غرار "المنشآت المعلنة" (السماح لإمكانية [وجود] منشآت غير معلنة)، ويحذر مراراً من أنه "لا بد لإيران أن تفي بالتزاماتها بشكل كامل لضمان حصولها على ثقة الأسرة الدولية في الطبيعة السلمية حصراً لبرنامجها النووي". وفي الواقع، تستمر حالة رئيسية من عدم اليقين فيما يتعلق بالوجود المحتمل لمفاعل سري آخر مثل "فوردو"، وهو منشأة التخصيب التي بنتها إيران داخل جبل ولم تكشف عنها حتى تم اكتشافها من قبل المخابرات الأمريكية وغيرها. وفي أحسن الأحوال من الصعب تقدير زمن الكشف عن منشآت سرية (على سبيل المثال، انظر: "قنبلة إيران الموقوتة"، 22 آذار/مارس 2015).
وحتى من دون [وجود] منشآت مخبأة، سيستغرق إثبات حصول أي انتهاك إيراني للاتفاق عدة أشهر على الأرجح. أولاً، سيتوجب على «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» والوكالات المعنية في واشنطن أن تتوصل إلى هذا القرار التقني؛ ولتحقيق هذه الغاية، سيحتاج المفتشون إلى النفاذ المؤاتي إلى أي مكان وفي أي وقت لإثبات هذه النتائج. أما الخطوة التالية فتتمثل بالحصول على موافقة القادة السياسيين لهذا القرار، ومن ثم عرض النتائج على المجتمع الدولي بطريقة مقنِعة.
وباختصار، من الضروري إيلاء اهتمام كبير لعدة عوامل تقنية من أجل نجاح الاتفاق النووي، بما فيها عدد أجهزة الطرد المركزي المثبتة والقابلة للتشغيل ونوعها، والمخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب، وتفكيك أجهزة الطرد المركزي الزائدة، ونفاذ المفتشين غير المقيَّد، وتحسين الاستخبارات المتعلقة بالامتثال وتعزيز إنفاذه. وللمحافظة على نظام تحقق ومراقبة موثوق به، يجب ألا تتخطى قدرة أجهزة الطرد المركزي التي وضعتها إيران عن 5000 وحدة «إس في يو» في السنة. ولا تعتمد هذه المعادلة على عدد أجهزة الطرد المركزي فحسب بل على فعاليتها أيضاً.
أولي هاينونين هو زميل أقدم في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد وكان يشغل منصب نائب المدير العام السابق لشؤون الضمانات في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وقد عمل مع زميل معهد واشنطن سايمون هندرسون، في تأليف المجهر السياسي باللغة الانكليزية الذي تم تحديثه مؤخراً "إيران النووية: جدول المصطلحات"، وهي نشرة مشتركة بين المعهد ومركز بيلفر.