- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2881
كيف يمكن لمبادرة جديدة أن تمهّد الطريق أمام المصالحة الخليجية
في 22 تشرين الأول/أكتوبر، زار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الرياض والدوحة في غضون ساعات قليلة، وشدّد للمسؤولين في العاصمتين على ضرورة حل الأزمة التي اكتنفت دول «مجلس التعاون الخليجي» منذ حزيران/يونيو. وفي هذا السياق، ردّد قولاً للرئيس الأمريكي ترامب جاء فيه أن "الوقت قد حان لإيجاد حل لهذا النزاع". ودعا تيلرسون القادة السعوديين والقطريين إلى "المشاركة في حوار وإيجاد حل للخلافات ... واستعادة وحدة دول «مجلس التعاون الخليجي»". كما أعرب عن أمله في أن "يتم ايجاد سبيل للطرفين لتسوية خلافاتهما".
وبعد ثلاثة أيام، زار وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين الرياض، حيث افتتح رسمياً "مركز استهداف تمويل الإرهاب" ["المركز"] (TFTC) برئاسة مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويضمّ "المركز" جميع الدول الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي»، بما في ذلك قطر. وفي الواقع، تشير الدول التي حاصرت قطر إلى أنّ مكافحة تمويل الإرهاب من القضايا المحورية في النزاع الحاصل بين دول «مجلس التعاون الخليجي». وستستخدم السعودية هذا "المركز" لدعم مطالبها الأساسية حول أعمال قطر التي تقوّض أمن السعودية والإمارات مثل الدعم القطري لجماعة «الإخوان المسلمين» واستخدام شبكة "الجزيرة" للترويج للتطرّف.
وقد اندلع النزاع بعد أيام قليلة من انعقاد قمة الرياض في أواخر أيار/مايو حيث وقّعت واشنطن وشركاءها من دول «مجلس التعاون الخليجي» مذكرة تفاهم لإرساء أسس "مركز استهداف تمويل الإرهاب". لذلك، تُعتبر مشاركة قطر في هذا العمل المشترك في غاية الأهمية. وفي هذا الإطار، قال وزير الخزانة الأمريكي منوشن إن الولايات المتحدة "نسّقت" مع كل عضو من أعضاء «مجلس التعاون الخليجي». وقد أضاف جميع أعضاء "المركز"، بما في ذلك قطر، الأشخاص والكيانات المدرجة في إجراءات "مركز استهداف تمويل الإرهاب" التي اتُخذت في 25 تشرين الأول/أكتوبر، فضلاً عن عدد كبير من الأشخاص الذين سبق وأن أدرجتهم وزارة الخزانة الأمريكية في قوائمها المحلية [للإرهاب]. ولكن فيما يتخطى إيجابية تعاون الرياض والدوحة حول قضية في صميم نزاعهما، يشير إدراج اسم شخص معيّن على وجه الخصوص إلى أن قطر قد تفتح صفحةً جديدة في مقاربتها لمكافحة تمويل الإرهاب.
سياق "مركز استهداف تمويل الإرهاب"
كَوْن "المركز" إنجازاً ملموساً ناتجاً عن قمة الرياض، جرى التنويه في ذلك الوقت على أنه "مركز وهمي"، ولكنه كان "من المتوقع أن يصبح مركزاً تقليدياً أيضاً". ففي الواقع، تمّ إثارة فكرة إنشاء هيئة مشتركة بين الولايات المتحدة و«مجلس التعاون الخليجي» لمعالجة قضايا تمويل الإرهاب طوال سنوات داخل وزارة الخزانة الأمريكية. لذلك، عندما طلب البيت الأبيض من الإدارات والوكالات التوصل إلى بنود محتملة للعمل بشأنها في قمة الرياض، تحولت الفكرة إلى أساس "مذكرة التفاهم" التي يستند إليها "مركز استهداف تمويل الإرهاب". وفي هذا الإطار، يرمي "المركز" في نطاقه إلى استهداف "شبكات إرهابية جديدة ومتطورة" في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العناصر السنية (تنظيم «الدولة الإسلامية»، تنظيم «القاعدة»، «لشکر طیبہ»، حركة طالبان، "شبكة «حقاني»") والشيعية («حزب الله»، إيران). أمّا في ما يخص «حزب الله» وإيران، فكان التركيز على تدخّلهما الخبيث في المنطقة، وتحديداً فيما يتعلق بالبحرين واليمن وسوريا. وبالمثل، تهدف "مذكرة التفاهم" إلى هذا الجهد التعاوني الجديد "لمعالجة مجموعة من التهديدات العابرة للحدود الوطنية والتي تنطلق في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك من إيران ونظام الأسد والوضع في اليمن". وفي هذا السياق، يسعى هذا "المركز" إلى تحقيق ثلاثة أهداف، هي: (1) تحديد المعلومات المتعلقة بشبكات تمويل الإرهاب وتعقّبها ومشاركتها و(2) تنسيق الأعمال التخريبية المشتركة و(3) مساعدة دول المنطقة على مكافحة تهديدات تمويل الإرهاب من خلال بناء قدراتها.
وإلى جانب التفاصيل العملية لعمل "المركز"، تخيّم المسألة السياسية حول صياغة مذكرة "المركز". فقبل أيام قليلة من قمة الرياض، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية أسماء كبار قادة تنظيم «الدولة الإسلامية» و«حزب الله» [إلى لائحة الإرهاب]. وبينما انضمت السعودية إلى الولايات المتحدة في إدراج اسم زعيم «حزب الله» البارز هاشم صفيّ الدين، لم تذكر اسم زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء محمد العيساوي. وفي الأسبوع نفسه، عرقل مسؤولون سعوديون بسرية تامّة جهود الولايات المتحدة في الأمم المتحدة الرامية إلى فرض عقوبات على الفرع السعودي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وقال مسؤول أمريكي لصحيفة "واشنطن بوست"، "إنهم لا يريدون أن يعترفوا بوجود مشكلة في عقر دارهم".
وفي ضوء هذا التقاعس، ليس من المستغرب أن يستهدف العمل الرسمي الأول لـ "مركز استهداف تمويل الإرهاب" الكيانات اليسيرة المنال في الغالب، بحيث تم تسمية سلسلة من الأشخاص والكيانات اليمنية المرتبطة بتنظيم «الدولة الإسلامية في اليمن» وبـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وفي هذا الصدد، سيجري اختبار "المركز" والنهج التعاوني لدول «مجلس التعاون الخليجي» لمكافحة تمويل الإرهاب بشكل حقيقي عندما يقترح الأعضاء أهدافاً أكثر حساسيةً تشمل المواطنين السعوديين أو الإماراتيين أو القطريين. غير أنه يندرج ضمن العمل الاستهلالي المشترك للمركز سبب للتفاؤل مفاده بأنه ما زال من الممكن أن يمهّد "المركز" «الطريق إلى المصالحة» كما أمل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.
إدراج الحميقاني
بالإضافة إلى الكيان الواحد والأشخاص الثمانية المستهدفين في هذا الإجراء المشترك الأول، أدرَج جميع أعضاء "المركز" في اللوائح الوطنية الخاصة بكل منهم أسماء ثلاثة أشخاص آخرين وكيان آخر سبق أن أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في لائحة الإرهاب. إن جميع الأشخاص الذين تمّ إدراجهم هم من الجنسية اليمنية، باستثناء شخص واحد اسمه عبد الوهاب محمد عبد الرحمن الحميقاني، الذي له روابط وثيقة مع قطر ويحتل مكانةً بارزةً على قائمة تسعة وخمسين كياناً أدرجتهم السعودية والإمارات والبحرين، ومصر على اللائحة في حزيران/يونيو.
يُذكر أن الحميقاني، الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية كقائد بارز في تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، قد قدّم الدعم المالي للجماعة التابعة لتنظيم «القاعدة» من خلال مؤسسة خيرية برئاسته، وسرّب تبرعات من السعوديين إلى تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في اليمن، وفقاً للبيان الصحفي الذي رافق إدراجه في اللائحة في كانون الأول/ديسمبر 2013. ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، عمل الحميقاني عن كثب مع مواطن قطري بارز يدعى عبد الرحمن النعيمي، الذي أدرجته الوزارة أيضاً في اللائحة. وبحسب التصنيف الإماراتي، لدى الحميقاني علاقات واسعة مع قطر، إذ "يتلقى الحميقاني وكياناته المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في اليمن دعماً مالياً من «مؤسسة عيد الخيرية» القطرية (التي فُرضت عليها عقوبات هنا)". كما "وعمل الحميقاني سابقاً كمفتي وعالم شريعة في وزارة الأوقاف القطرية ". فضلاً عن ذلك، إن الحميقاني عضو مؤسس في مؤسسة "الكرامة" الخيرية التابعة للنعيمي، وكان في وقت ما "مستشاراً لدولة قطر في الهبات الخيرية"، وفقاً لنسخة عن سيرته الذاتية تناقلتها صحيفة "واشنطن بوست". ولدى الحميقاني أيضاً علاقات مع المملكة العربية السعودية. إذ ظهر على شاشة التلفزيون السعودي، وكذلك في مقابلة مع قناة "الجزيرة" في الرياض في عام 2015، أي بعد عامين من إدراجه من قبل الولايات المتحدة في لائحة الإرهاب.
وكان المسؤولون القطريون قد رفضوا في الماضي الاتهامات الموجّهة إليهم بشأن تمويل الإرهاب، ووصفوا قائمة المموّلين الإرهابيين التي أعلنت عنها دولة الإمارات بأنها "لا أساس لها من الصحة". غير أن ممثّلي الادعاء القطريين يحاولون الآن، بعيداً عن الشوشرة، رفع دعاوى جديدة متعلّقة بتمويل الإرهاب ضد النعيمي، الذي حوكم وتمّت تبرئته من هذه الاتهامات في عام 2016، ولكنه ما زال يخضع للمراقبة المنتظمة. وفضلاً عن ذلك، وقّعت قطر للتو على إدراج الحميقاني الوارد اسمه على لائحة الإدراج العلنية المشتركة من قبل كافة أعضاء "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، وهو شخصية ذات روابط قوية مع قطر ومواطنين قطريين بارزين ومؤسسات خيرية قطرية. وفي هذا الإطار، نشرت وزارة الداخلية في قطر، كما فعل أعضاء «مجلس التعاون الخليجي» الباقين وأعضاء "المركز"، بياناً صحفياً يعدّد التسميات المشتركة لما وصفته بـ "القادة والممولين والميسّرين" لتنظيم «الدولة الإسلامية في اليمن» " وتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». ويشكّل استخدام مثل هذه المصطلحات الصريحة لوصف شخص مثل الحميقاني خطوةً هامة إلى الأمام بالنسبة إلى قطر.
الخاتمة
بمعزلٍ عن "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، وقّعت الولايات المتحدة وقطر في تموز/يوليو على اتفاقٍ ثنائيٍ يهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب. وفي كلمةٍ ألقاها وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في الدوحة في 22 تشرين الأول/أكتوبر، أشاد بقطر لإحرازها "تقدماً كبيراً" في قضايا مكافحة الإرهاب بما في ذلك قيامها بـ "مشاركة لوائح الإرهاب وتمويل الإرهابيين". بالإضافة إلى ذلك، تشير الدلائل إلى أن السعوديين قد يكونوا على استعداد لاستغلال "المركز" - والاتفاق بين الولايات المتحدة وقطر، الذي يمكن من خلاله أن تضطلع واشنطن بدور المُصلح والضامن لنوايا قطر الحسنة ولانخراطها - لإنهاء الشجار بين دول «مجلس التعاون الخليجي». وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في "المعهد الملكي للشؤون الدولية" ["تشاتام هاوس"]: "إذا تمكّنا من تغيير السلوك القطري، سيصبح «مجلس التعاون الخليجي» أكثر قوة وسيكون في وسعنا مواجهة إيران والإرهاب". وقد أصرّ الجبير على أن النزاع مع قطر هو "مسألة بسيطة"، وأكّد أن هناك "مسائل أخرى يجب التركيز عليها".
ومع اتخاذ الدوحة الآن إجراءات ضد شخص تعتبره السعودية والإمارات رمزاً للتسامح القطري مع تمويل الإرهاب، يتعين على واشنطن أن تقترح قيام "مركز استهداف تمويل الإرهاب" باتخاذ إجراءات مشتركة لاحقة قد تعزّز بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة. وقد لا تكون المصالحة التامة ممكنة بعد، ولكن حتى السلام البارد سيكون تحسناً ملحوظاً للوضع القائم. وفي النهاية، يُعتبر تشكيل "المركز" «خطوةً جريئة وتاريخية لتوسيع وتعزيز التعاون بين الدول السبع الاعضاء في مكافحة تمويل الإرهاب». وبالتأكيد، ليس هناك وقت أفضل للجرأة من الوقت الحاضر.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر - ويكسلر" ومدير "برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن، وكان يشغل سابقاً منصب نائب مساعد وزير لشؤون المخابرات والتحليلات في وزارة الخزانة الأمريكية.