- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيفية منع "حماس" من استرداد عافيتها
Also published in "ذي ديسباتش"
منذ عقود، ساعد صالح العاروري "حماس" على الإدراك بأن شبكات الدعم الخارجي كانت أساسية للتعافي من النكسات الخطيرة، ولا تزال قواعد اللعبة هذه قائمة على الرغم من وفاته.
عندما أدت الصواريخ الدقيقة إلى مقتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري والعديد من الناشطين الآخرين في بيروت الأسبوع الماضي، فقدت "حماس" أحد أهم قادتها السياسيين وقادة العمليات. فقد لعب العاروري أدواراً عملية كمحاور رئيسي مع "حزب الله" وإيران وكقائد عملياتي يشرف على مؤامرات "حماس" الإرهابية في الضفة الغربية. وفي الواقع، كان العاروري هو الذي حذر في آب/أغسطس - قبل شهرين من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر- من أن "حماس" كانت تخطط لإشعال "حرب شاملة" مع إسرائيل. وقد تسببت الحملة الإسرائيلية في غزة بمقتل الآلاف من نشطاء "حماس" وتدمير جزء كبير من البنية التحتية للحركة، ويشكل مقتل العاروري نكسة كبيرة لـ"حماس".
وفي الواقع، كان العاروري بذاته هو الذي ساعد "حماس"، قبل سنوات عديدة، على إعداد قواعد اللعبة الخاصة بها للتعافي من مقتل قادة رئيسيين أو اعتقالهم أو ترحيلهم. وتسمح الدراسة الدقيقة لقواعد اللعبة هذه بالكشف عن الشرط الأساسي لمنع "حماس" من استعادة نشاطها بالكامل بعد خسارة العاروري، وهو على وجه التحديد العمل المنسق ضد شبكات دعم الحركة في الخارج.
وشهدت "حماس" سلسلة من النكسات في السنوات التي أعقبت تأسيسها في كانون الأول/ديسمبر 1987. ففي عام 1989، اعتقلت السلطات الإسرائيلية ما لا يقل عن 200 ناشط مرتبط بـ"حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين"، بما في ذلك مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين. وبعد ذلك، في كانون الأول/ديسمبر 1992، اعتقلت السلطات الإسرائيلية نحو 415 مقاتلاً فلسطينياً ينتمون إلى الجماعتين ورحّلتهم إلى بلدة مرج الزهور في جنوب لبنان. وأدت هذه الإجراءات مجتمعةً إلى تدمير قدرات "حماس" العملياتية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لذا تطلعت الحركة إلى أنصارها في الخارج طلباً للمساعدة.
وكان مركز الدعم الخارجي لـ"حماس" يقع آنذاك في الولايات المتحدة. فـ"حماس" كانت منظمة جديدة لا تزال غامضة، ولم يكن "مكتب التحقيقات الفيدرالي" قد رصد أنشطة جمع التبرعات واسعة النطاق التي كانت تقوم بها الحركة في البلاد. ولم يعلم المكتب إلا في وقت لاحق أنه عندما أصدرت "حماس" ميثاقها الأول، قامت إحدى المنظمات التابعة لها، وهي "الرابطة الإسلامية في فلسطين"، بنشره في شيكاغو. وأخيراً، أدى اعتقال الأمريكي محمد صلاح في إسرائيل في كانون الثاني/يناير 1993 إلى لفت انتباه "مكتب التحقيقات الفيدرالي" إلى نشاط "حماس" في الولايات المتحدة. كما أطلق الاعتقال سلسلة من التحقيقات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك لويزيانا وميسيسيبي ونيويورك وأوهايو وفيرجينيا وويسكونسن.
وتم اعتقال صلاح على خلفية تقديمه أموالاً لعناصر "حماس" في الضفة الغربية على وجه التحديد من أجل "تنشيط عمليات «حماس» الإرهابية في الضفة الغربية". ووفقاً لوثائق المحكمة الأمريكية، أرسل صلاح وآخرون مئات الآلاف من الدولارات من الولايات المتحدة إلى "حماس" في الضفة الغربية. ففي اجتماع عام 1992، أخبر أحد نشطاء "حماس" صلاح أن "لديه ما يقارب 53 مجنداً من «حماس» مستعدين لتنفيذ هجمات إرهابية، لكن التمويل ضروري لمساعدتهم". وقدم موسى أبو مرزوق وغيره من نشطاء "حماس" في الولايات المتحدة تلك الأموال، وعلى مدى ثلاثة أشهر في عام 1992، أعلنت "حماس" مسؤوليتها عن ثماني هجمات إرهابية مختلفة.
ومن بين نشطاء "حماس" في الضفة الغربية الذين حصلوا على هذه الأموال الشاب صالح العاروري. فصلاح قدم للعاروري ما يقرب من 96000 دولار في آب/أغسطس 1992، قبل أشهر قليلة من اعتقال السلطات الإسرائيلية لهذا الأخير. ولكن بحلول ذلك الوقت، كان العاروري قد قدم أساساً 45000 دولار للناشط في "حماس"، موسى دودين، "لاستخدامها في صنع أسلحة لشن هجمات". وقد استخدم دودين وغيره من نشطاء "حماس" هذه الأسلحة لتنفيذ مجموعة كبيرة من هجمات "حماس" (اعتُبر صلاح وآخرون مسؤولين عن هجمات "حماس" الإرهابية في دعوى مدنية تاريخية عام 2004 ضد أنصار "حماس" في الولايات المتحدة). وفي ذلك العام، وصفت وزارة العدل الأمريكية العاروري بأنه "زعيم رفيع المستوى في «حماس»" وأدرجته كمتآمر غير متهم في لائحة اتهام لثلاثة من نشطاء "حماس" عام 2004.
وكان صالح العاروري أحد الأعضاء المؤسسين لـ "كتائب القسام" التابعة لـ "حماس"، حيث بدأ عمله كمسؤول عن التجنيد في الحرم الجامعي في "جامعة الخليل". وتم اعتقاله في عام 1990 وأُطلق سراحه بعد ستة أشهر، وسرعان ما استأنف أنشطته في "حماس"، وبات يأوي أيضاً نشطاء مطلوبين ويحوّل الأموال إلى مقاتلي "حماس". وفي المرة الثانية التي تم فيها اعتقاله، في عام 1992، شملت التهم الموجهة ضده الاضطلاع بـ "دور قيادي في «حماس»". وفي السجن، تم انتخاب العاروري لعضوية مجلس شورى "حماس" في السجون، وهو الهيئة القيادية للنشطاء المسجونين. ووفقاً للحكومة الأمريكية، بعد إطلاق سراحه من سجن إسرائيلي وترحيله في عام 2010، قام بتمويل عمليات "حماس" الإرهابية وتوجيهها - بما في ذلك اختطاف وقتل مراهق أمريكي وضحيتين أخريين في عام 2014 - من مواقعه المختلفة في دمشق والدوحة وإسطنبول وبيروت.
وبالانتقال سريعاً إلى عام 2023، في أعقاب مجزرة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، سارعت السلطات الأمريكية إلى تكثيف التحقيقات في أنشطة "حماس" في الولايات المتحدة. فمع تركيز "مكتب التحقيقات الفيدرالي" على التهديدات الأكثر إلحاحاً من أمثال تنظيم "الدولة الإسلامية" والعنصريين البيض، تراجعت التحقيقات في أنشطة "حماس" من حيث الأولوية. ولكن بعد ذلك، قتلت الحركة ما لا يقل عن 31 أمريكياً في 7 تشرين الأول/أكتوبر واحتجزت نحو اثني عشر أمريكياً آخر كرهائن. وباشر «مكتب التحقيقات الفيدرالي» "تحقيقات متعددة مع أفراد مرتبطين" بـ"حماس" خشية أن تكون الجماعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها قد جمعت الأموال أو قدمت أشكالاً أخرى من الدعم المادي لهذه المنظمة المصنفة على لائحة الإرهاب الأجنبية. وفتحت سلطات أخرى تحقيقات أيضاً. فقد أطلق مكتب المدعي العام في فرجينيا تحقيقاً في قضية منظمة "المسلمون الأمريكيون من أجل فلسطين" (AMP، المعروفة أيضاً باسم مؤسسة AJP التعليمية) على خلفية الانتهاكات المحتملة لقوانين التماس الأموال للأغراض الخيرية في فرجينيا.
وبينما تسعى "حماس" إلى التعافي من هزيمتها في ساحة المعركة في غزة وخسارة زعماء رئيسيين مثل العاروري، سوف تلجأ مجدداً إلى داعميها الخارجيين طلباً للمساعدة. وبالعودة إلى عام 1992، لم يكن لدى "حماس" سوى عدد قليل من المؤيدين الأساسيين ضمن الشتات الفلسطيني. أما اليوم فتتمتع بدرجات متفاوتة من الدعم من إيران وقطر وتركيا، فضلاً عن المانحين المغتربين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الغرب. وتعتمد قواعد اللعبة الخاصة بـ"حماس" على مثل هذا الدعم في أوقات الأزمات، ولذلك، من الأهمية بمكان أن يعمل المجتمع الدولي بشكل جماعي على تعطيل قنوات الدعم الخارجية لـ"حماس". ولتحقيق هذه الغاية، يُعد تشكيل "فريق عمل مكافحة تمويل الإرهاب – إسرائيل" (CTFTI) في أعقاب هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر خطوة في الاتجاه الصحيح. ويتكون فريق العمل من وحدات استخبارات مالية من دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وأستراليا ودول أوروبية أصغر تسعى إلى تعزيز الجهود الرامية إلى عرقلة تدفق الأموال إلى "حماس" والجماعات الإرهابية الأخرى.
وبدأت هذه المعلومات تؤتي ثمارها. على سبيل المثال، شاركت السلطات الإسرائيلية وثائق مع نظيرتها الألمانية تكشف عن حسابات مصرفية قطرية تم فتحها بأسماء نشطاء من "حماس". وكان من بين أصحاب الحسابات موسى دودين، الشريك المتواطئ مع العاروري في عام 1992، بالإضافة إلى أحلام التميمي، وهي إرهابية مدانة تابعة لـ"حماس" تعيش علناً في الأردن. وقد لعب كلاهما أدواراً في الهجمات التي أدت إلى مقتل أمريكيين. ومن غير الواضح ما إذا كانت الحسابات لا تزال ناشطة حتى بعد أن تم الكشف عنها علناً.
واليوم تتعرض "حماس" لضغوط هائلة. ويقوم تعطيل قواعد اللعبة التي تعتمدها الحركة للتعافي من مثل هذه النكسات بجزء كبير منه على شل قدرة شبكات الدعم الخارجية التابعة للحركة على نجدتها.
ماثيو ليفيت هو "زميل فرومر-ويكسلر" ومدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن. ,تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "ذي ديسباتش".