- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2428
لا مهادنة: خامنئي يهاجم الغرب
منذ 16 أيار/مايو، أدلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بتصريحات علنية في ثلاث مناسبات، حول قضايا تشمل الأزمة اليمنية والمفاوضات النووية. وقد اتصف خطابه الثالث، الذي ألقاه بتاريخ 20 أيار/مايو في حفل تخرج في جامعة الإمام الحسين - مركز التدريب الرسمي لقوات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» - بلغة تحريضية وبلهجة حادة على وجه الخصوص.
لغة صارمة، ولكن خطوات متواضعة، حول اليمن
اتخذ خطاب خامنئي الأخير منحىً تحذيرياً بقوله: "ترددت إلى مسامعي بعض الأخبار بأن أعداءنا، بالتعاون مع بعض المسؤولين الأغبياء [الحكومات] في المنطقة... ينوون توسيع نطاق الحرب بالإنابة لتشمل الحدود الإيرانية... إن قوات "الباسدران" [«الحرس الثوري الإسلامي»] وجميع المسؤولين عن حماية الأمن القومي هم في حالة استنفار وتأهب. وليكن واضحاً للجميع أنه في حال ارتكاب أي حماقة، سيكون رد فعل إيران قاسياً جداً". وعلى الرغم من الغموض الذي اعترى كلامه، ربما كان المرشد الأعلى يقصد التهديدات التي تطال الخليج العربي، مردداً بذلك ما أعلنه في 16 أيار/مايو بخطابه أمام مسؤولين حكوميين وسفراء ومسؤولين قنصليين من بلدان ذات أغلبية مسلمة بأن "أمن خليج فارس من مصلحة الجميع... إن لم يكن آمناً فسيكون غير آمن للجميع". وقد اتهم الولايات المتحدة والغرب بإشعال "حرب بالإنابة" في الشرق الأوسط من خلال التحريض على العداء والصراع الطائفي بين دول المنطقة. وتوجه إلى المسؤولين الأمريكيين بالقول: "أنتم الإرهابيون والأعمال الإرهابية هي أعمالكم".
ولكن إذا أخذنا تصريح خامنئي بعين الاعتبار، نجد أن الجمهورية الإسلامية قامت بتنازل نوعاً ما عندما وافقت على إخضاع سفينة شحن إيرانية متجهة إلى اليمن - وعلى متنها 2500 طن من المساعدات الغذائية والطبية - للتفتيش الدولي في جيبوتي قبل مواصلة رحلتها باتجاه مرفأ الحديدة في اليمن، الخاضع لسيطرة الحوثيين المدعومين من قبل إيران. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إسنا»: "قررنا أن ترسو سفينتنا في جيبوتي حتى يتسنى تطبيق بروتوكول الأمم المتحدة للتفتيش". وقد شكلت رحلة السفينة تهديداً من شأنه تصعيد المواجهة الإقليمية حول اليمن. وفي مقابلة أعقبت لقاء جمَع بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومساعدة الأمين العام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس، أعلن أمير عبد اللهيان ما يلي: "أعدّت إيران أنواعاً متعددة من المساعدات، وكانت الخطة تكمن، على الأقل في المرحلة الأولى، في إرسال ثلاث حمولات شحن من المساعدات الغذائية إلى اليمن من جيبوتي، وحمولتي شحن من المساعدات الطبية من عُمان". وأضاف: "اقترحنا تحويل جزيرة كيش [منطقة حرة في الخليج العربي] إلى أحد مراكز تخزين المساعدات الدولية لنقلها فوراً إلى اليمن".
خامنئي يتناول بالتفصيل رؤيته الدولية
بمعزل عن قضية اليمن، قدم خامنئي شرحاً مستفيضاً عن نظرته العامة في الخطابات التي ألقاها مؤخراً. على سبيل المثال، ادعى أنه "في عالم اليوم"، هناك فقط "خطابان: الخطاب الإسلامي الجديد وخطاب الجاهلية". ففي الشريعة الإسلامية والإسلام الحديث، تُعتبر الجاهلية تعبيراً قرآنياً مهماً. وفي الشريعة الإسلامية، يشير هذا التعبير إلى حقبة ما قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية، التي اتصفت بانعدام النظام والحضارة وانتهت بظهور الإسلام. ويَفترض هذا التعبير أيضاً الفساد المعنوي والعنف البربري الذي حاربه النبي محمد من خلال تقديم الإسلام إلى سكان شبه الجزيرة العربية. واستخدم الإسلاميون هذا التعبير في القرن العشرين لوصف "الحداثة" و"الغرب" كعناصر لم تخضع بعد للإسلام وبالتالي فهي محكومة بنظام همجي وفاسد. وكتب الباحث الإسلامي من جماعة «الإخوان المسلمين» محمد قطب (1919-2014)، شقيق سيد قطب، كتاباً بعنوان "جاهلية القرن العشرين"، نُشر في القاهرة عام 1965 وترجم إلى الفارسية بعد ذلك بعامين. ونظراً لتأثر خامنئي العميق بفكر «الإخوان»، فقد ترجم عدة كتب من تأليف سيد قطب من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية قبل اندلاع الثورة.
وفي 20 أيار/مايو، عرّف خامنئي "الخطاب الإسلامي الجديد" على أنه ذلك الذي "أوجده إمامنا [آية الله روح الله الخميني] ورفعت رايته الأمة الإيرانية بكل رحابة صدر وتفانٍ". فهو يعتقد أن "خطاب الجاهلية" اليوم هو "خطاب جائر وتهويلي ومتعالٍ وأناني أنتجته وتنتهجه القوى المسيطرة في العالم". وتابع: "الخطاب الإسلامي يناصر العدالة وحقوق الإنسان ويدعو إلى القضاء على الاستغلال والاستعمار والإمبريالية". وأردف قائلاً: "إن المصالحة والتقارب بين هذين الخطابين مستحيلان، لأن أحدهما يؤمن بالظلم وبمحاربة الأمم بينما يؤمن الآخر بدعم المظلومين ومواجهة الظالمين".
وفي خطابه في 16 أيار/مايو، شدد المرشد الأعلى على أن "شعوب اليمن والبحرين وفلسطين تعاني الاضطهاد ونحن ندعم الشعوب المضطهدة على قدر ما نستطيع." وقد أدت تصريحاته إلى استدعاء القائم بأعمال سفارة إيران في مملكة البحرين في السابع عشر من أيار/مايو للاعتراض على ما وُصف بـ "التدخل السافر في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين" وبـ "تصريحات غير مقبولة". وشدد وكيل وزارة الخارجية البحريني عبدالله عبد اللطيف عبدالله على ضرورة الكف فوراً عن "مثل هذه الملاحظات غير المسؤولة"، كونها "لا تراعي الأمم المتحدة و «منظمة التعاون الإسلامي»، والقوانين الدولية التي تنص على احترام سيادة الدول كافة ومبادئ الاستقلال". وفي أعقاب خطاب خامنئي، غرّد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد أحمد بن محمد آل خليفة عبر موقع "تويتر" قائلاً "أنصح خامنئي بأن يكف شره عن العرب في بلدانهم، وأن ينتبه لنفسه من نقمة شعبه عليه، وأذكّره بأن الكذب هو من آيات "المنافقين" [وهو تعبير يعني حرفياً الخُبثاء، ولكن يشير من منظور ديني إلى أولئك الذين يدعون زوراً أنهم مسلمون]".
آراء متباينة بشأن صفقة نووية
لطالما كرر المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون أنه يُتوقع من الاتفاق النووي معالجة فقط البرنامج النووي والعقوبات المرتبطة به المفروضة على إيران. وفي مقابلة أُجرتها معه قناة "العربية" في 15 أيار/مايو، أقر الرئيس الأمريكي باراك أوباما مجدداً بأن إيران تنتهج سلوكاً مقلقاً في المنطقة، قائلاً: "لقد كنت واضحاً جداً في كلامي، ففقط لأننا قادرين على معالجة المسألة النووية لا تلغي المشاكل الفعلية التي واجهناها مع [إيران] فيما يتعلق برعايتها السابقة للإرهاب واحتمال إثارتها للاضطرابات في المنطقة. وهذا شيء سنواصل التصدي له مع شركائنا في «مجلس التعاون الخليجي»".
ومن جهته، يتوقع خامنئي أن يخفف الاتفاق النووي الضغط بشكل عام على الجمهورية الإسلامية. ولطالما أصر أن الاتفاق لن يغير سلوك إيران. وفي الواقع، لم يكن خامنئي يتقبل أي اتفاق نووي من شأنه أن يزيد الضغوط على إيران على خلفية أنشطتها الإقليمية. وفي الجهة المقابلة، فبينما يعمل أوباما على طمأنة حلفاء واشنطن في الخليج، موضحاً لهم أن الاتفاق لن يفضي إلى تلطيف السياسة الأمريكية تجاه نزعة إيران إلى التدخل في الشؤون الإقليمية، يخشى هؤلاء الحلفاء أن يؤدي رفع العقوبات إلى تعزيز دور إيران بصورة دائمية في النزاعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفي الوقت الراهن، يركز خامنئي على ما يعتبره مطالب أجنبية وقحة، سواء بالنسبة إلى الملف النووي أو الملف الإقليمي. ففي 20 أيار/مايو، أكد بنبرة غاضبة: "لن نرضخ قط للضغوط... لن نلبي مطالب غير منطقية... لن تسمح إيران بالوصول إلى علمائها [النوويين]". وأضاف بالنسبة للنقطة الأخيرة: "لن أسمح للأجانب بالمجيء للتكلم مع علمائنا وشبابنا الأعزاء واستجوابهم... فعدوّنا الوقح والسافر يتوقع منا أن نسمح له بالتحدث إلى باحثينا وعلمائنا بشأن [إنجاز] وطني ومحلي أساسي، ولكننا لن نعطي الإذن بذلك قط... فليكن هذا واضحاً لأعداء الحكومة الإسلامية وجميع أولئك الذين ينتظرون قرار الحكومة [حول الاتفاق النووي]". وبصورة عامة، كرر خامنئي فلسفته حول كيفية التعامل مع العدو وقال إن "الطريقة الوحيدة لمجابهة العدو السافر تتمثل بالعزيمة القوية بدلاً من التخاذل". وشرح أن "إحدى التحديات [التي تتضمنها المفاوضات النووية] هي التهويل الذي يقوم به الفريق الآخر ومطالبه غير المنطقية... فأعداؤنا ما زالوا لا يعرفون الشعب الإيراني والمسؤولين الإيرانيين. ولذلك يعمدون إلى التهويل علينا. إن الأمة والحكومة المنبثقة عنها لن ترضخا للمطالب التهويلية".
المحصلة
بالرغم من أن آية الله خامنئي قد صعّد وتيرة لهجته ضد "التكبر" الأجنبي، إلا أن خطوات إيران لم تأتِ على القدر ذاته من القساوة، كما بيّن قبولها بتفتيش سفينتها المتجهة إلى اليمن من قبل الأمم المتحدة. كما تتواصل المفاوضات النووية. ومع ذلك، يستمر خامنئي في تحريض الرأي العام عوضاً عن تهيئة الشعب الإيراني للتوصل إلى حل وسط.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.