- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لا تدَعوا مكافحة الإرهاب عن بُعد تقضي على أهم منتج لمساعدة قوات الأمن: قوات العمليات الخاصة الشريكة
Also published in Modern War Institute "معهد الحرب الحديثة"
من العراق وأفغانستان إلى الصومال وأوكرانيا، حقق تدريب عناصر العمليات الخاصة عن كثب نتائج أكثر تأثيراً بكثير من تعزيز القوات التقليدية، ولكن هذا النهج يتطلب انخراطاً أمريكياً عملياً.
في الأسابيع الأولى من غزو روسيا لأوكرانيا، توجّهت قافلة عسكرية روسية بطول 64 كم نحو كييف قادمةً من الشمال. ولكن سرعان ما توقفت هذه القافلة بفضل جهود قوات العمليات الخاصة الأوكرانية إلى حد كبير. وتحت جناح الظلام، نصب ثلاثون من عناصر العمليات الخاصة، برفقة طائرات مسيرة للمراقبة والقصف، كميناً للقافلة من ناحية الأمام والجانبين، مما منع المركبات الأمامية من التقدّم وأرغمها على التوقف. واضطرت القافلة إلى البقاء في مكانها لمدة ليلتيْن إضافيتيْن، وتعرضت للمزيد من المركبات للتدمير وشُلّت حركتها. وبفضل ضربات مماثلة، اضطلعت قوات العمليات الخاصة الأوكرانية بدور بارز في عكس اتجاه التقدم الروسي. وفي الواقع، كانت قوات العمليات الخاصة الأوكرانية من بين أكبر المستفيدين من "مساعدة قوات الأمن" التي قدمتها الولايات المتحدة في أوكرانيا على مدى السنوات العديدة الماضية، في دليل على قدرة الولايات المتحدة على تدريب القوات الخاصة الشريكة.
ولكن قوات العمليات الخاصة الأوكرانية ليست سوى أحد الأمثلة على هذا الاتجاه. على سبيل المثال، وكما ذكر عبدي يوسف ومؤلّف هذا المقال في دراسة جديدة، أسست الولايات المتحدة لواء "دنب" الصومالي المتقدّم للمشاة الذي ينفّذ حالياً أهم الهجمات ضد "حركة الشباب" الإرهابية المرتبطة بتنظيم «القاعدة». والأمر سيّان بالنسبة إلى "جهاز مكافحة الإرهاب العراقي"، و"قوات الكوماندوز" الأفغانية، وقوات العمليات الخاصة الكولومبية، من بين مجموعات أخرى. ويتعارض نجاح الولايات المتحدة في بناء "قوات صغيرة العدد بل باسلة" مع سجلها الضعيف في بناء فرق تقليدية وطنية في موازاة هذه الوحدات من النخبة، ولا سيما الجيوش النظامية العراقية والأفغانية والصومالية.
وفي حين كانت القوات النظامية في العراق والصومال وأفغانستان عاجزة أو متشرذمة أو مفككة كلياً في اللحظات الحرجة، إلّا أن قوات العمليات الخاصة اتسمت بقدرتها على الصمود ومنعها في بعض الأحيان من تقدّم العدو. ففي العراق، على سبيل المثال، عندما اجتاح تنظيم «الدولة الإسلامية» الجزء الشمالي من البلاد بين عاميْ 2013 و 2014، استسلمت أربع فرق من أصل أربع عشرة فرقة من الجيش العراقي دون أي مقاومة تُذكر. وفي المقابل، صمد "جهاز مكافحة الإرهاب"، وحارب وتصدى أحياناً لهجمات التنظيم قبل أن يصبح القوة الأساسية في الهجوم المضاد المدعوم من الولايات المتحدة لتحرير الأراضي التي سيطر عليها التنظيم. وبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في آب/أغسطس 2021، تفككت وحدات الجيش النظامي، ولم يتبق سوى "قوات الكوماندوز"، التي حلّت لفترة طويلة محلّ الجيش النظامي العديم الجدوى، في مواجهة "حركة طالبان". أما في الصومال، فيعاني الجيش النظامي من الضعف لدرجة أن قوات "الاتحاد الأفريقي" اضطرت إلى بسط سيطرتها على المدن الرئيسية في البلاد، بينما تولى لواء "دنب" شنّ الهجوم البري الشاق ضد "حركة الشباب".
وتؤكد هذه الأمثلة نجاح "مساعدة قوات الأمن" في تأسيس قوات عمليات خاصة شريكة موثوق بها وفعالة. ولكن هذا النجاح تطلب جهوداً مستدامة وعملية، وهو التزام لا يكون ممكناً باستخدام حلول عن بُعد على غرار نهج ما وراء الأفق الذي تعززه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. وبينما يعيد صناع السياسة في الولايات المتحدة النظر في استراتيجيات التصدي للمنظمات الإرهابية وتهديدات غير نظامية أخرى، عليهم التفكير في المنفعة الاستثنائية التي تحملها قوات العمليات الخاصة الأجنبية التي تنشئها الولايات المتحدة نفسها. وعلى وجه الخصوص، ترتبط العوامل الأساسية الثلاثة التي تمنح هذه القوات القدرة على الصمود والفعالية بـ"مساعدة قوات الأمن" ولا تكون ممكنة إلا من خلال التواجد على الأرض، وتشمل تنمية الاحترافية، والحماية من الاستغلال السياسي، وبناء علاقات قوية مع المستشارين الأمريكيين.
الاحترافية تولّد السلطة
أولاً، ساهمت الجهود المدروسة التي بذلتها الولايات المتحدة للحفاظ على الاحترافية والتخفيف من تداعيات الضعف الهيكلي الذي لطالما قوّض التشكيلات النظامية في منح قوات العمليات الخاصة الشريكة الحوافز للقتال. وشكّل مدى تحكّم الجيش الأمريكي بتأسيس هذه القوات وإدارتها الأساس لمنحها هذه الدرجة من الاحترافية. فالجيش الأمريكي أسّس هذه الوحدات، المنفصلة تماماً عن وحدات الجيش التقليدي، وقامت عناصر من قوات العمليات الخاصة الأمريكية وليس من الضباط المحليين بتدريبها في معظم الأحيان. وجمعتها أيضاً علاقات وثيقة مع المستشارين الأمريكيين الذين كانوا يعيشون في مراكز قريبة ووفروا لها الدعم الاستخباراتي واللوجستي والعملياتي، بما في ذلك الدعم الجوي والناري الضروري. وغالباً ما دفع الجيش الأمريكي رواتب القوات الشريكة وسهّل تطويرها المهني، وبالتالي ساهم في الحدّ من حالات التغيّب والمشاكل النفسية المرتبطة بسوء الإدارة والفساد. وقد سمح لها ذلك بتعزيز روح التضامن، والتحلي بالاحترافية التي تُعتبر السمة المميزة للجيش الأمريكي، فضلاً عن توطيد علاقات قوية بين الضابط والجندي والتي تُرجمت إلى التصميم المستمر والعدائيةً الأكبر في ساحة المعركة.
وفي الوقت نفسه، خفف المستشارون الأمريكيون من العوامل التي غالباً ما كانت تهدد بزعزعة الوضع السائد في صفوف القوات النظامية المحلية. ففي الصومال، تمّ تقسيم ألوية الجيش وفقاً للقبائل، حيث استخدم الضباط تفويضاتهم الرسمية لخدمة مصالح قبائلهم. ونتيجةً لذلك، لم تتبع الألوية القبلية التابعة للجيش في الغالب أي توجيهات مركزية وعجزت عن القتال خارج نطاقها. ولهذا السبب جنّد المستشارون الأمريكيون عمداً عناصر من لواء "دنب" ينتمون إلى عدة قبائل، فأصبح الضباط يُصْدِرون أوامرهم في معظم الأحيان لجنود من مختلف القبائل الأخرى. واتّبع المستشارون الأمريكيون لقوات العمليات الخاصة الطريقة نفسها عند إنشاء "جهاز مكافحة الإرهاب" كقوة قتالية غير طائفية في العراق.
العزل عن السياسة
تَمثّل العنصر الأساسي الثاني في "مساعدة قوات الأمن" في عزل القوات الشريكة عن الاستغلال لأغراض سياسية. ففي كل من أفغانستان والعراق والصومال، أدى الفساد المستشري والمحاباة والمحسوبية إلى خلل كبير في القوات المسلحة مما جعل الجيوش النظامية معرضة للتفكك أو خالية من الجنود.
ففي الصومال على سبيل المثال، خضع الجيش لسياسة القبائل، وعمد رجال السياسة باستمرار إلى استغلال القوات الموالية لهم أو لقبائلهم لضرب الخصوم. ولحل هذه المشكلة، طوّر المستشارون الأمريكيون أنظمة مستقلة للقيادة والتحكم خاصة بقوات العمليات الخاصة الشريكة. على سبيل المثال، كانت كل عملية مخطط لها من قبل لواء "دنب"، على الأقل خلال فترة تواجد القوات الأمريكية في الصومال، تواجَه بمعارضة المستشارين الأمريكيين الذين لم يتوانوا عن منع تنفيذ أي مهمة تبدو لهم لأغراض سياسية بحتة. على سبيل المثال، في أوائل عام 2020، أرسل الرئيس محمد عبد الله محمد عناصر من لواء "دنب" للتصدي لعناصر ميليشيا محلية في منطقة جدو، ولكن الولايات المتحدة منعته من استخدام تلك العناصر لهذا الغرض المنحاز. وبعد انسحاب القوات الأمريكية من الصومال وبسط مقديشو سيطرتها على اللواء، استخدمت الحكومة بعض عناصره في عملية لانتزاع مدينة جرعيل من ميليشيات محلية كانت حليفة لها سابقاً. وقد دفعت هذه الخطوة إلى قيام الولايات المتحدة بإعادة النظر في دعمها لـ "دنب"، مما أثبت أهمية وجود القوات الأمريكية على الأرض للحفاظ على سلامة قوات العمليات الخاصة الشريكة.
ويحاكي مثال الصومال وحدة "غورغور" لقوات العمليات الخاصة التي تلقت تدريباً على يد تركيا، وتمتعت بقدرات وتدريبات مماثلة للواء "دنب" ولكنها افتقرت إلى هيكلية قيادة وتحكم. وقد أفسح ذلك المجال أمام استغلالها لتحقيق مآرب سياسية كما حصل في 19 شباط/فبراير 2021 عندما تمّ إرسال عناصر من وحدة "غورغور" لتفريق متظاهرين معارضين في ساحة " دالجيركا داهسون" ("الجندي المجهول") في مقديشو.
العلاقات مع القوات الأمريكية
أخيراً، أظهرت قوات العمليات الخاصة الشريكة قدراً كبيراً من الاحترام تجاه مستشاريها الأمريكيين وتطوّرت العلاقة بينهم إلى علاقة تكافل حين تفاقمت حدّة النزاعات مع خصوم مشتركين، الأمر الذي مكّن الجنود من التأقلم بسرعة في ظل بروز تحديات جديدة.
ففي العراق على سبيل المثال، سهّل التفاعل بين المستشارين الأمريكيين و"جهاز مكافحة الإرهاب" مشاركة "الجهاز" في حرب تقليدية ضد خصم جديد. وقد تعلّم "جهاز مكافحة الإرهاب" في مراحل مختلفة من الحرب كيفية تعزيز عملياته بدعم جوي وثيق والقتال في المدن واستخدام الهندسة القتالية لدخول حقول الألغام. وربما تتمثل النقطة الأكثر أهمية في مدى تحسّن معنويات "جهاز مكافحة الإرهاب" نتيجة إعادة الولايات المتحدة قوات عملياتها الخاصة إلى العراق لمساعدة الجيش في منتصف عام 2014. وكما أخبرني قائد قيادة العمليات الخاصة المركزية آنذاك الجنرال مايكل ناغاتا فإن "الاحتفالات في مقرات «جهاز مكافحة الإرهاب» العراقي كانت ملفتة. فقد منحت خطوة الولايات المتحدة «جهاز مكافحة الإرهاب» مستوى من الثقة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» وهو أمر لم يتمكن الجيش العراقي يوماً من تحقيقه". وبدورها، عوّلت الولايات المتحدة بشكل رئيسي على «جهاز مكافحة الإرهاب» لخوض الحرب البرية في العراق. باختصار، أرست العلاقات الوثيقة التي طورها المستشارون الأمريكيون مع قوات العمليات الخاصة الشريكة أساس التكيّف السريع عندما كانت هناك حاجة ماسة إليه.
دروس لصناع السياسة في الولايات المتحدة
حققت الولايات المتحدة مكاسب سياسية ملموسة من خلال بناء قوات عمليات خاصة شريكة بارعة في تكتيكات المشاة الخفيفة العدائية. ففي العراق استرد "جهاز مكافحة الإرهاب" الأراضي من تنظيم «الدولة الإسلامية»، في حين قادت "قوات الكوماندوز" الأفغانية عمليات ضد "حركة طالبان"، بينما كانت "دنب" الوحدة العسكرية الصومالية الوحيدة القادرة على التصدي لـ"حركة الشباب". وقد تحققت هذه الإنجازات بفضل الاستثمار المستمر والالتزام طويل الأجل للأفراد على الأرض لتعزيز القوات الشريكة ودعمها من الناحية العملياتية. وتُعتبر هذه المقاربة العملية ضرورية لحشد الثقة والمهنية وقابلية التكيّف الأساسية لمحاربة أعداء شرسين مثل الجماعات الجهادية. إلا أن هذا النهج عن بعد الذي دعمته إدارة بايدن، والذي يقوم على شنّ الولايات المتحدة عمليات جوية عن بُعد دون أي مشاركة برية، لن يكفي على المدى الطويل وحتى قد يخلّف نتائج عكسية.
وفي الوقت نفسه، واجهت الولايات المتحدة صعوبة كبيرة في تشكيل قوات تقليدية قوية لأنها لم تتمكن من إقامة هذه العلاقة الوثيقة مع قوات نظامية شريكة. وفي كثير من الأحيان، واجه المستشارون الأمريكيون للقوات التقليدية صعوبات في العمل في إطار قيود ثقافية وسياسية قائمة. فعلى سبيل المثال، خلال النصف الأول من حرب العراق (2003-2007)، أذعن المدربون الأمريكيون أو وافقوا على الترقية استناداً إلى اعتبارات طائفية في الجيش العراقي. وكما لاحظت ريشيل تيكوت، لا يمكن لهذا النهج "القائم على التوافق" من أجل "استمالة وإقناع" القوات الشريكة أن ينجح من دون تطبيق مبدأ الثواب والعقاب. فلطالما اعتبرت القوات التقليدية في الجيش الأمريكي "مساعدة قوات الأمن" على أنها نشاط ثانوي، في حين يراها أفراد قوات العمليات الخاصة ككفاءة أساسية. ونتيجةً لذلك، واجه الجيش الأمريكي صعوبات في إيجاد الأشخاص المناسبين للوظيفة. ولا يزال المفهوم الأمريكي لإنشاء وحدات "مساعدة قوات أمن" تقليدية مخصصة لألوية "مساعدة قوات الأمن" مهماً، لكن على المدربين أن يكونوا على دراية بهذه المشاكل ومعالجتها.
ولكن هذا لا يعني أن قوات العمليات الخاصة التي شكّلتها الولايات المتحدة هي القوات الشريكة الفعالة الوحيدة، ففي بعض الحالات، كان أداء الجيوش التقليدية المدعومة من الولايات المتحدة جيداً. وخلال الحرب مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، كان الجيش العراقي بمثابة جناح أمني فعال عموماً وحامٍ وقوة مثبتة، شارك في بعض الأحيان بفعالية في الهجمات، مثل قيام "الفرقة التاسعة "في الجيش العراقي بتأمين ضواحي غربي الموصل في عام 2017. كما أقامت الولايات المتحدة علاقات عسكرية مثمرة مع القوات المحلية غير النظامية، من بينها قوات "البيشمركة" الكردية العراقية، و"قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية السورية وميليشيات "صحوة الأنبار" العراقية. إلا أنه في نهاية المطاف، كانت قوات العمليات الخاصة التي أنشأتها أمريكا بنفسها شريكها الأكثر موثوقية وفعالية، مما يؤكّد أهمية الالتزامات العملية الطويلة الأمد لنجاح "مساعدة قوات الأمن".
عيدو ليفي هو زميل مشارك في "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن ومؤلف دراسته الأخيرة "جنود نهاية الزمان: تقييم الفعالية العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية". ونُشر هذا المقال في الأصل على موقع "معهد الحرب الحديثة" على الإنترنت.