- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لا تنسوا أو تنكروا الجرائم الوحشية لـ «حزب الله»
إنه لأسبوعٌ مؤلم لضحايا إرهاب «حزب الله»، ففي الوقت الذي ركز العالم على الهجمات المروعة التي وقعت في فرنسا وألمانيا والشرق الأوسط، مرّت الذكرى الكئبية للثامن عشر من تموز/يوليو مرور الكرام.
في عام 1994، استهدف «حزب الله» مبنى "الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية" ("آميا") في بوينس آيرس بشاحنة مفخخة أسفرت عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 300 آخرين بجروح. وبعد ثمانية عشر عاماً على الحدث، ضرب التنظيم من جديد، بتفجيره هذه المرة حافلة تقلّ سياحاً إسرائيليين في مطار بورغاس في بلغاريا، الأمر الذي أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة 32 آخرين بجراح. وعلى الرغم من الأدلة الدامغة، أنكر «حزب الله» مسؤوليته عن هذين الهجومين (والكثير غيرهما)، فيما يشكّل تكتيكاً شائعاً لدى التنظيم: فهو ينفّذ الأعمال الإرهابية والقتالية ثم ينفي ضلوعه فيها بغض النظر عن الأدلة، آملاً أن يصدقه الناس في النهاية. ولكن قلّة منهم يصدقونه.
لقد استغرقت التحقيقات سنوات عديدة، لكن المحققين الأرجنتينيين أصدروا في النهاية سلسلة تقارير توثّق بأدق التفاصيل الدور الذي لعبه كل من «حزب الله» وإيران في تفجير "آميا". وفي أعقاب تفجير بورغاس، صنّف الاتحاد الأوروبي الجناحين العسكري والإرهابي لـ «حزب الله» على أنهما كيانان إرهابيان. وهذا الأسبوع أعلنت الحكومة البلغارية (غيابياً) عن لائحة اتهام ضد اثنين من المهاجمين التابعين لـ«حزب الله»، وهما الأسترالي ملياد فرح والكندي حسن الحاج حسن، وكلاهما من أصل لبناني ويُعتقد أنهما حالياً في لبنان.
وفي الواقع، سبق أن شهدنا مثل هذا النهج من قبل. ففي عام 2009 تعرّض «حزب الله» لضغط المجتمع الدولي حيث انهالت عليه الاتهامات بارتكاب الأعمال الإرهابية في جميع أنحاء العالم والاغتيالات السياسية في لبنان. بيد أن أمين الحزب السيد حسن نصر الله أدان هذه المبادرات الدولية ملمحاً إلى أن هذه الاتهامات ما هي إلا مكائد إسرائيلية. وادّعى نصر الله أن الإسرائيليين "يعملون على تحريض المجتمع الدولي بأسره ضد «حزب الله»... لإظهار «حزب الله» بصورة التنظيم الإرهابي وفقاً للمجتمع الدولي ولجميع دول العالم".
إلّا أن «حزب الله» ينكر اليوم كما أنكر في السابق، مسؤوليته عن الجرائم التي نعلم أنه ارتكبها في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن كل الأدلة. فلنأخذ بعض الأمثلة بعين الاعتبار:
على الرغم من الشكوك المتزايدة بانخراط «حزب الله» في الصراع السوري، نفى التنظيم هذه الاتهامات في أوائل عام 2011 مؤكدّاً أنّه لا يضطلع "بأي دور عسكري في الدول العربية". لكن بمرور الوقت ما انفك يكافح للتستّر على دعمه الميداني لنظام الرئيس الأسد، إذ كانت معظم جنازات القتلى الذين سقطوا خلال القتال تتم بهدوء في محاولة من «حزب الله» لإخفاء نطاق أعماله في سوريا. إلا أن الأخبار بدأت بالتسرّب. ففي آب/أغسطس 2012، أقيم مأتمان لقائدين عسكريين في الحزب، وقد أفادت الصحف التابعة لـ «حزب الله»، أن كليهما "توفي خلال تأدية واجبه الجهادي" في سوريا. وقد أبلغ مسؤولون أمريكيون مجلس الأمن الدولي في تشرين الأول/أكتوبر 2012 أن "الحقيقة واضحة للعيان: أن مقاتلي نصر الله أصبحوا الآن جزءاً من آلة القتل في يد الأسد". وبعد مرور شهرين، أكّد تقريرٌ صادر عن الأمم المتحدة وجود عناصر للحزب في سوريا يقاتلون بالنيابة عن حكومة الأسد.
وفي شباط/فبراير 2016، اتهمت "إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية" «حزب الله» بضلوعه في شبكة لتهريب المخدرات وتبييض الأموال تقدَّر عملياتها بعدة ملايين من الدولارات وتمتد على أربع قارات. ووفقاً لتقرير "الإدارة" المذكورة تربط «حزب الله» علاقاتٌ بعصابات الاتجار في المخدرات في أمريكا الجنوبية ضمن شبكة لتهريب الكوكايين إلى أوروبا والولايات المتحدة، علماً بأن عائدات هذه العمليات قد استُخدمت لتمويل عمليةٍ لغسل الأموال تُعرف بـ "صرف البيزو في السوق السوداء" وزوّدت «حزب الله» بـ "تيار من الإيرادات والأسلحة".
لكن تداعيات التحقيق حول [عمليات التهريب التي اضطلع بها] «حزب الله» لقيت النبذ المعتاد، حيث قال نصرالله في أيار/مايو إن "الأنظمة المجرمة تتهم «حزب الله» زوراً بالفساد وتبييض الأموال من أجل زعزعة الحزب".
وفي ما يتخطى حدود سوريا والجرائم العابرة للأوطان، لا يزال «حزب الله» ينخرط - وينفي أي صلة له - بالمؤامرات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. ففي أواخر عام 2014، اعتقلت شرطة مكافحة الإرهاب في بيرو أحد عناصر «حزب الله» المدعو محمد أمدار. وعند إلقاء القبض على أمدار، وجدت الشرطة آثار من مادة "تي أن تي" وصواعق ومواد كيميائية تستخدم لتصنيع المتفجرات في منزله الواقع في ليما وفي محيط بيته. وأشارت المعلومات الاستخباراتية أن أهداف أمدار تضمنت أماكن مرتبطة بالإسرائيليين واليهود في بيرو. بيد، استهزأت قناة المنار الإخبارية التابعة للحزب بهذا الخبر ووصفته بأنه "مناورة أخرى من مناورات الموساد الإسرائيلي ضد «حزب الله»" مضيفةً أن اعتراف أمدار جاء بالإكراه.
ثم في حزيران/يونيو 2015، أدان المسؤولون القبرصيون حسين بسام عبدالله الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والكندية واعترف بارتكاب جميع التهم الثمانية الموجهة ضده - بما فيها الانضمام إلى تنظيم إرهابي (هو «حزب الله»)، وحيازة المتفجرات (8.2 طن من نترات الأمونيوم)، والتآمر على ارتكاب جريمة. وهذه هي المرة الثانية في غضون ثلاث سنوات التي تحكم فيها محكمة قبرصية على عنصر من الحزب بالسجن بتهمة التآمر لشن هجوم في قبرص. وهنا أيضاً أنكر «حزب الله» أي صلة له بالأمر.
وفي الوقت نفسه، لا يزال دعم «حزب الله» للجماعات الإرهابية في الخليج أيضاً مستمراً بلا هوادة. ففي كانون الثاني/يناير أقدمت السلطات البحرينية على اعتقال ستة عناصر من خلية إرهابية مرتبطة بالحزب ومتهمة بالتفجير الذي وقع في تموز/يوليو 2015 أمام مدرسة للبنات في جزيرة سترة وأودى بحياة شخصين. وفي شباط/فبراير، أكّدت الحكومة اليمنية على وجود أدلة على "انخراط «حزب الله» في القتال إلى جانب [الحوثيين] في الهجمات المنفّذة على الحدود السعودية". ولذلك لا يجب أن يكون مستغرباً أن تقوم دول «مجلس التعاون الخليجي» بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية بسبب ارتكابه أعمالاً عدوانية داخل حدود هذه الدول، مع الإشارة إلى أن "جامعة الدول العربية" و"منظمة التعاون الإسلامي" حذت حذوها في غضون أسابيع.
وما هو رد «حزب الله»؟ إنه ينفي الاتهامات ويتهم بدوره السعوديين بمحاولة "إسكات" الحزب لأنه يرفض "السكوت على الجرائم التي ترتكبها السعودية في اليمن وأماكن أخرى".
وخلافاً لهذا الإنكار، يواصل «حزب الله» الانخراط في أعمال غير مشروعة في مختلف أنحاء العالم. وهذا الأسبوع، بحلول ذكرى اثنتين من أضخم هجمات الحزب في جوانب معاكسة من العالم - من بلغاريا إلى الأرجنتين - آن الأوان فعلاً لتسمية الأشياء بمسمياتها: يعتبر «حزب الله» تياراً اجتماعياً وسياسياً في لبنان ولكنه ينخرط في أعمال إرهابية وعسكرية وإجرامية هناك وفي مختلف أنحاء العالم. ولا يجدر بأعماله المشروعة في لبنان أن تجيز تصرفاته غير المشروعة.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.
"ناشيونال بوست"