- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3716
لا يمكن لـ "القمة الخماسية" أن تنجح دون معالجة الشكوك الإسرائيلية الفلسطينية
كان الاجتماع الأخير للقمة الخماسية في شرم الشيخ فرصة مرحباً بها لمناقشة خفض التصعيد، وإقامة علاقات أوثق بين المسؤولين المدنيين الرئيسيين، لكن جهود المشاركين قد لا تعني الكثير في النهاية دون تحرك واضح على الجبهات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
في 19 آذار/مارس، اجتمع ممثلون رفيعو المستوى من "القمة الخماسية" الذين مثّلوا مصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، في شرم الشيخ لمناقشة تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية. فقد قُتل حوالي تسعين فلسطينياً وأربعة عشر إسرائيلياً في أعمال عنف طائفية عام 2023، في زيادة كبيرة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. واعتمد توقيت المؤتمر أيضاً على بداية شهر رمضان، الذي يتداخل هذا العام مع عيد الفصح اليهودي وعيد الفصح المسيحي، واستغلته «حماس» وجِهات عنيفة أخرى في الماضي. وكان المشاركون في "القمة الخماسية" قد اجتمعوا في وقت سابق في العقبة في الأردن، في 26 شباط/فبراير واتفقوا على عقد اجتماع ثالث في شرم الشيخ في آذار/مارس لرفع التقارير عن التقدم المحرز. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت جهودهم ستساعد في تهدئة الوضع على الأرض أو تمهّد الطريق نحو إحراز تقدم على المدى الطويل.
إسرائيل والسلطة الفلسطينية تشككان في التزام بعضهما البعض بتحقيق الاستقرار
وفقاً للبيان المشترك الصادر بعد مؤتمر شرم الشيخ، "أعاد الأطراف تأكيد التزامهم بتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وأقروا بضرورة وقف التصعيد على الأرض [و] منع المزيد من العنف". ولكن هذه الدعوات لن تكون فعالة ما لم تقترن بخطط تركز على الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية للأزمة - خاصة وأن كل جانب متشكك بشدة في نوايا الجانب الآخر.
إسرائيل غير مقتنعة بأن السلطة الفلسطينية مهتمة فعلياً بتحقيق الاستقرار في شمال الضفة الغربية، أو ملء الفراغ الأمني المستمر في مدن مثل جنين ونابلس، أو اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف السلسلة الأخيرة من هجمات إطلاق النار. ويخشى كبار المسؤولين الإسرائيليين من أن تكون الشخصيات الأمنية الفلسطينية الرئيسية غير مستعدة لمواجهة المسلحين خشية تهديد مكانتها في صراع الخلافة ما بعد عباس. فضلاً عن ذلك، تفتقر السلطة الفلسطينية إلى الشرعية المحلية. على سبيل المثال، في استطلاع حديث أفاد 63٪ من المستطلعين الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية تشكل عبئاً عليهم، واتفقت الأغلبية على أن انهيارها سيكون تطوراً إيجابياً. وفي ظل هذه الظروف، من غير الواضح ما إذا كانت السلطة الفلسطينية تتمتع بالقدرة السياسية على إنفاذ القانون في جنين ونابلس حتى ولو كانت تنوي ذلك.
وتريد إسرائيل أيضاً أن يعود التنسيق الأمني إلى المستوى الذي كان عليه قبل أن يثير زعيم اليمين المتطرف ووزير الأمن القومي الحالي إيتمار بن غفير غضباً فلسطينياً بزيارته جبل الهيكل/الحرم الشريف في كانون الثاني/يناير. فإيجاد طريقة لتعامل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مع التهديدات المحتملة من شأنه أن يخفف من ضرورة قيام إسرائيل بالتصرف بشكل أحادي الجانب، كما فعلت مراراً وتكراراً في الأسابيع الأخيرة من خلال استهدافها الجماعات المسلحة التي تهدد المدنيين الإسرائيليين. وليس هناك ما يضمن الحد من هجمات الذئاب المنفردة من خلال تحسين التنسيق الأمني والتواصل اليومي، لكن الكثيرين يعتقدون أن الوضع قد يخرج بسرعة عن نطاق السيطرة ما لم يعاود الجانبان التعاون على هذه الجبهة.
كذلك، لدى السلطة الفلسطينية شكوك عميقة في نوايا إسرائيل. فالمسؤولون الإسرائيليون شجبوا بشكل منتظم الهجمات الإرهابية ضد المدنيين، بما في ذلك الحوادث التي وقعت خلال مؤتمري "القمة الخماسية"، ولكن سرعان ما أشارت السلطة الفلسطينية إلى أن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يواصلون الانخراط في أعمال عنف من جهتهم، من بينها الاضطرابات الأخيرة في حوارة. بالإضافة إلى ذلك، رفض العديد من الوزراء الإسرائيليين على الفور البيان الصادر بعد مؤتمر العقبة في شباط/فبراير، بينما أقر الكنيست هذا الأسبوع مشروع قانون يلغي بند "قانون فك الارتباط" لعام 2005 الذي يتناول أربع مستوطنات تم إخلاؤها في شمال الضفة الغربية - وهو إجراء انفرادي رئيسي يتعارض مع مبادئ العقبة (انظر أدناه لمزيد من المعلومات حول هذا الإلغاء). وفي الواقع، يبدو أن الحكومة تنتهج في بعض الأحيان سياستين متناقضتين بشكل متوازٍ: الأولى بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والأخرى بقيادة شخصيات يمينية متطرفة مثل بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
كما أكد المسؤولون الفلسطينيون في مؤتمرات "القمة الخماسية" أن السلطة الفلسطينية هي في حالة من "العناية المركزة" من الناحية المالية. فمن وجهة نظرهم، يجب أن تتلقى السلطة الفلسطينية وعن حق جميع ضرائب المغادرة من الضفة الغربية، بما فيها من معبر جسر اللنبي. فإسرائيل تحجب حالياً ما يقدر بنحو 800 مليون شيكل (220 مليون دولار) من ضرائب المغادرة وتقيد أشكالاً أخرى من إيرادات السلطة الفلسطينية. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، أسيء استخدام هذه الأموال لتسديد مدفوعات لعائلات الأسرى الإرهابيين، والتي يبلغ مجموعها 2.2 مليار شيكل (605 ملايين دولار) وفقاً لمسؤولين فلسطينيين. ولكن السلطة الفلسطينية تصر على أنها بحاجة إلى جميع الأموال المقتطعة لمجرد العمل في ظل عجز حاد، مشيرةً إلى أن ذلك سيسمح لها بدفع رواتب كاملة لجميع موظفيها - وعلى الأخص قوات الأمن، التي لم تتلقى سوى 80 بالمائة من رواتبها خلال العام الماضي. ويعتقد المسؤولون الفلسطينيون أن هذه المدفوعات من شأنها توجيه رسالة جيدة بشكل خاص مع بداية شهر رمضان.
لقد طال انتظار التعامل مع نظام المدفوعات الخاصة بالسجناء المثير للجدل. فهو لا يشكل مبرراً أساسياً لإسرائيل لحجبها عائدات التخليص فحسب، بل يمنع أيضاً المساعدات الأمريكية المباشرة وقد خضع أيضاً للتدقيق الجاد في "الاتحاد الأوروبي". ولكن إصلاح هذا النظام سيشكل تحدياً كبيراً لقيادة السلطة الفلسطينية نظراً لمقاومة لوبي السجناء وغيرهم من الناخبين.
وفي غياب الإصلاح، تقدم إسرائيل قروضاً ميسرة للسلطة الفلسطينية، مما يثير تكهنات حول إمكانية تحويلها إلى منح. وربما تم التلميح إلى القضية العامة للمدفوعات المتأخرة في بيان شرم الشيخ الذي قال: "اتفق الطرفان على إنشاء آلية لاتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطيني، وفقاً للاتفاقيات السابقة، وتحسين الوضع المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى حد كبير". يبدو أن السلطة الفلسطينية تعتقد أن لديها فرصة أفضل لحل نزاعاتها المالية مع إسرائيل علناً، أمام الوفود الأمريكية والعربية. من هنا، أبدى المسؤولون الفلسطينيون في شرم الشيخ تحفظاتهم على اقتراح إسرائيل العمل على التفاصيل الاقتصادية ضمن لجان ثنائية قبل العودة إلى إطار متعدد الأطراف، حيث فضلوا أن تقدم إسرائيل تعهداً علنياً بشأن الإجراءات المالية.
ويدرك المسؤولون الأمنيون من كافة الجوانب أهمية تعزيز نفوذ السلطة الفلسطينية. ويقلق بعض المراقبين لأسباب وجيهة من صعوبة إقرار هذه المساعدة بما أن وزارة المالية الإسرائيلية تخضع حالياً لإدارة سموتريتش، الذي صرح في 19 آذار/مارس أنه "لا يوجد ما يسمى بالأمة الفلسطينية". ولكنه سمح سابقاً بالتحويلات إلى السلطة الفلسطينية تحت ضغوط نتنياهو، مباشرةً قبل حصوله على تأشيرته الدبلوماسية إلى الولايات المتحدة.
التقدم الاقتصادي الفلسطيني
بدت الأطراف في شرم الشيخ ملتزمة أيضاً بإحراز تقدم اقتصادي يتجاوز سلامة الميزانية المباشرة للسلطة الفلسطينية. ولكن الاتفاق على إنشاء آلية لتعزيز الاقتصاد يجب أن يُستتبع بالتنفيذ السريع للعديد من المشاريع طويلة الأمد التي دعت إليها الولايات المتحدة باستمرار. وهي تشمل تمديد ساعات العمل في معبر اللنبي لتعزيز التجارة الفلسطينية عبر الأردن، وتحسين خدمات الهاتف المحمول، وإنشاء مستودعات جمركية، وتنفيذ إيصالات إلكترونية لضرائب القيمة المضافة.
وعلى المدى الطويل، سيستفيد كل من الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني من التحديثات المطلوبة بشدة في "بروتوكول باريس"، وهو الجزء الذي يمتد لفترة ثلاثة عقود من إطار عمل أوسلو الذي يرعى علاقاتهما الاقتصادية. وسيستلزم ذلك الاتفاق على ترتيبات تجارية جديدة تشمل المعابر والمناطق الجمركية والمستودعات.
أفق سياسي؟
على الرغم من أن التركيز المباشر لاجتماع شرم الشيخ كان على خفض التصعيد، إلّا أن البيان أشار أيضاً إلى ضرورة "إيجاد أفق سياسي [و] معالجة القضايا العالقة من خلال الحوار المباشر". وغالباً ما تُستخدم هذه العبارات كرمز دبلوماسي لتحريك المفاوضات المباشرة بين الطرفين باتجاه هدف إقامة دولة فلسطينية. ولكن الواقع أن هذا الجزء من البيان لم يثر غضب اليمين الإسرائيلي هو أحد تجليات هذا العصر - فالكثيرون في هذا المعسكر لا يعتقدون أن حكومة نتنياهو يمكنها حتى إجراء مفاوضات سياسية جادة مع الفلسطينيين، ناهيك عن الاتفاق على أي إطار عمل قائم على حل الدولتين.
ومع ذلك، لعب المؤتمر دوراً بارزاً حيث مكّن المسؤولين المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين من الاجتماع علناً في وقت تُعد فيه هذه الخطوة حساسة جداً نظراً للعنف الحالي والصراع السياسي الداخلي. وتؤكد مصادر أمريكية وإسرائيلية أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي طوّر علاقة شخصية مع حسين الشيخ، كبير المستشارين المدنيين لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فهنغبي هو رجل براغماتي أيد فك الارتباط الإسرائيلي عن غزة في عام 2005، في حين أن الشيخ - الذي يتحدث العبرية كونه قضى فترة في السجن الإسرائيلي منذ عقود - لديه خبرة كبيرة في التعامل مع القضايا المدنية الإسرائيلية ويدرك ما يمكن تحقيقه سياسياً. وإذا استمرت هذه العلاقة في النمو، فبإمكانها أن تكمّل العلاقة الأمنية التي يقودها رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج ومدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي رونين بار.
كما استغلت إسرائيل مناسبة انعقاد مؤتمر شرم الشيخ لتؤكد مجدداً أنها لن تنخرط في بناء وحدات استيطانية جديدة أو المزيد من عمليات تشريع البؤر الاستيطانية خلال الأشهر الأربعة إلى الستة المقبلة. ولكن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين أكدوا أن هذا الالتزام يستثني حوالي 7000 وحدة وتسعة مواقع استيطانية تم اقتراحها أو الموافقة عليها في شباط/فبراير. فضلاً عن ذلك، يشير الإلغاء الجزئي لـ "قانون فك الارتباط" إلى أن إسرائيل قد لا تلتزم بتعهدها بتجنب "الإجراءات أحادية الجانب" على هذه الجبهة. وهذا الأسبوع أشار متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن الإدارة "منزعجة بشدة" من الإلغاء [الجزئي] ووصفه بأنه "استفزازي وذو نتائج عكسية". وفي 22 آذار/مارس، وفي عرض علني نادر للإحباط الدبلوماسي، استدعت وزارة الخارجية الأمريكية أساساً السفير الإسرائيلي مايكل هرتسوغ للاجتماع مع وكيلة الوزارة ويندي شيرمان، التي أوضحت أن واشنطن تعتبر هذه الخطوة غير متسقة مع تعهد رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون في عام 2004 بإخلاء أربع مستوطنات مشمولة بالالغاء. ....ومع ذلك، لطالما شعرت إسرائيل بالاستياء من واقع عدم تأكيد الإدارات الأمريكية اللاحقة بالالتزامات التي قام بها الرئيس جورج بوش الابن رداً على فك الارتباط الذي قاده شارون - أي التمييز بين الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية والمناطق غير التابعة للكتل، ودعم إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقبلية بدلاً من إسرائيل. ويُعتبر وضع كلا الالتزامين مبهماً في أحسن الأحوال، وبالتالي يجدر بالحكومات الحالية توضيحهما.
الخاتمة
قد يكون لكل طرف في شرم الشيخ أسبابه الخاصة وراء رغبته في تجنب حدوث انفجار آخر خلال الأعياد في الضفة الغربية. ولكن لكي تصبح "القمة الخماسية" الجديدة إطاراً دائماً لحل المشاكل خلال شهر رمضان وما بعده، يجب أن تقتنع إسرائيل والسلطة الفلسطينية بأن الطرف الآخر ملتزم بتحقيق الاستقرار. وستكون الأفعال المتبادلة، وليس فقط الكلمات، ضرورية لتهدئة أعمق الشكوك لدى كل طرف فعلياً.
ديفيد ماكوفسكي هو "زميل زيغلر" المميز في معهد واشنطن، ومدير "مشروع كوريت" حول العلاقات العربية الإسرائيلية، ومنتج برنامج البث الصوتي "نقاط القرار". نيكولاي ملادينوف هو "زميل سيغال" الزائر المميز في المعهد، والمدير العام لـ "أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية" في أبو ظبي، والمنسق الخاص السابق للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط (2015-2020).