- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا أصبح الملك عبد الله ملكاً
يستمتع القادة في جميع أنحاء العالم بلحظة "الالتفاف حول الراية" أثناء توليهم مسؤولية المعركة التي تخوضها دولهم ضد وباء كورونا المستجد "كوفيد-١٩". ولا يُستثنى من ذلك العاهل الأردني الملك عبد الله. فبعد مرور 21 عاماً على جلوسه على العرش، أصبح في ذروة شعبيته، مدعوماً بشعور وطني بأن قائد القوات الخاصة السابق قد نشر بحكمة المؤسسة الوطنية التي يرتبط بها بشكل وثيق - أي الجيش العربي الأردني - في مسعى شامل لإغلاق المملكة ومنع الوباء من إلحاق أضرار كارثية. وكما كتب لي أحد الصحفيين، وهو عادة ناقد حاد للملك: "أنا أثني على الملك بإخلاص - وما زلتُ أقرص نفسي - لكنه كان رائعاً حقاً".
إن إحدى دلالات شعبية الملك عبد الله هي صورة يتم تداولها على "الفيس بوك" و "تويتر" تُظهره وسط حشد من الجنود الأردنيين الهاتفين؛ وتَستحضر هذه الصورة صوراً مماثلة لوالده - الملك حسين - محاطاً بقوات مُحبّة في لحظات سابقة من الانتصار. والرسالة لا لبس فيها: عبد الله هو نجل والده، ويتصرف اليوم بنفس الدافع والتصميم والقيادة التي ميّزت رعاية الملك حسين للبلاد تحت الضغط. وبالنسبة لدولة ملكية يجب أن تقيس باستمرار درجة حرارة الرأي العام، الذي غالباً ما يكون مضطرباً، فإن خلق صلة مرئية (وبالتالي نفسية) بين الملك حسين ونجله عبد الله هو إضافة كبيرة.
وفي نهاية المطاف ستمر هذه اللحظة، وستختفي الذكريات، كما هي حال الدنيا، وسيزداد النقاد حدة من جديد. وفي النسخة الأردنية من "ماذا فَعلتَ لأجلي مؤخراً"، سينسى الكثيرون كيف تعامل الملك عبد الله مع الوباء كما نسوا كيف تعامل مع أزمات أخرى، بدءاً من تداعيات هجمات 11 أيلول/سبتمبر إلى غزو أمريكا للعراق، ومن الإرهاب في عمّان والبروز اللاحق لتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى التدفق الجماعي للاجئين السوريين، ومن الأمواج المحلية لـ "الربيع العربي" إلى "صفقة القرن" المخيفة لإدارة ترامب.
وبدلاً من ذلك، سيركّزون على أخطائه، والتي كان له نصيبها بالتأكيد. وهذا المسار سيؤدي حتماً إلى وصول البعض منهم إلى طريق متعرج وإلى النقد الأصلي ضده، وهو الاتهام الذي دام عقدين من الزمن ومفاده أن عهد عبد الله هو مصادفة تاريخية، وآخر التأثيرات الجانبية العالقة لعلاج السرطان المنهك الذي استنزف كل من القوة البدنية والحدة العقلية لوالده. وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمن من جلوسه على العرش، إلّا أن بعض الهامسين في عمان سيظلون يقولون أن عهد عبد الله - الذي يُدّعى أنه وُلِد في خضم تدنّي القدرة الذهنية للملك حسين - كان غير شرعي عندما بدأ ولا يزال كذلك حتى اليوم.
ليس من مهمتي خوض المعارك السياسية نيابة عن الملك عبد الله، لكن لدي معرفة خاصة حول هذه المسألة. وفيما يتعلق بالهامسين، فعندما يظهرون ثانية، سيكونون مخطئين. وإليكم السبب:
بعض السياقات: سافرتُ إلى الأردن للمرة الأولى عام 1985 للمشاركة في برنامج للغة العربية في "جامعة اليرموك" في مدينة إربد الشمالية. وخلال تلك الحلقة الدراسية التي كانت لافتة للنظر، كان لي لقاءان مع أفراد من العائلة المالكة: مصافحة الملكة نور، الزوجة الرابعة للملك حسين، في حفل استقبال وتحية للطلاب الأمريكيين في القصر الملكي في عمّان، وإلقاء تحية سريعة للأمير آنذاك عبد الله، الابن الأكبر للملك حسين، الذي كان في ذلك الحين كابتن الفريق الوطني الأردني لسباق السيارات، عندما تقاطع طريق فرقتنا اليرموك مع الفريق الوطني في حوض السباحة في "فندق البتراء".
لكني لم أقابل الملك حسين نفسه إلا بعد أربع سنوات، في عام 1989، وذلك عندما عدتُ إلى عمان لإجراء بحث لأطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه من "جامعة أوكسفورد". كان موضوعي هو السياسة الداخلية الأردنية في الخمسينيات. وعلى وجه التحديد، كنتُ مفتوناً بالكيفية التي نجت بها هذه الدولة الصغيرة - غير الساحلية تقريباً، والفقيرة في الموارد، والغنية باللاجئين في قلب إحدى مناطق الصراع الرائدة في العالم - في السنوات المضطربة بعد اغتيال مؤسسها، جد الملك حسين، الملك عبد الله الأول.
ولإجراء بحثي، قابلتً عشرات الوزراء ورجال الحاشية الملكية والجنرالات السابقين، واستخدمتُ حيلي للوصول إلى مجموعة الكتب والمنشورات والمذكرات المحظورة التي ملأت «الغرفة الممنوعة» - في "الجامعة الأردنية"، وكنتُ أول باحث غربي يقوم بالبحث عن الموارد الرائعة للأرشيف الوطني الأردني. كنتُ محظوظاً أيضاً للالتقاء بكثرة مع بعض كبار مستشاري العاهل الأردني في القصر الملكي وحتى بحضور العديد من المستمعين مع الملك حسين نفسه.
وفي وقت مبكر، أدركتُ أن أفضل طريقة للتأكد من أن تكون اللقاءات مع الملك حسين ذات مغزى هي عدم تضييع الوقت في السياسة المعاصرة. ولم أستغل الفرصة أبداً للسؤال عن أحدث تطوّر أو تحوّل في دبلوماسيته الهادئة مع إسرائيل، أو آخر الخطوات في تنافسه مع ياسر عرفات، الذي دام عقود من الزمن، أو أحدث تطور في علاقاته المتأرجحة مع واشنطن. ففي النهاية، كانت هذه هي الأسئلة نفسها التي كان يطرحها الصحفيون المشهورون للملك حسين حين توافدوا إلى عمّان، ومن غير المحتمل أن يخبرني بأي شيء لم يخبرهم به أساساً.
وعوضاً عن ذلك، دائماً ما ركزتُ مقابلاتنا على التاريخ - ذكرياته من الشخصيات، والأحداث، والأزمات من فترة شبابه. سألتُ الملك حسين عن لحظات حاسمة، مثل قراره بطرد قائد "الجيش العربي" الأسطوري غلوب باشا في عام 1956 ثم نجاحه في إخماد محاولة انقلابية من قبل متطرفين أردنيين داخل الجيش نفسه بعد بضعة أشهر فقط. وسألتُ عن علاقاته المتطورة مع القوى الغربية، من اعتماده على البريطانيين الذين غالباً ما كانت لديهم نزعة إلى الاستبداد، إلى تعويله على أمريكا التي سعت، في رأيه، بسذاجة إلى كسب الرجل الذي اعتبره أخطر أعدائه، الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
والأهم من ذلك كله، سألتُ الملك حسين عن عائلته. ولم يكن هذا سهلاً دائماً. فقد كان العاهل الأردني رجلاً متحفظاً ذو شخصية عسكرية، ولم يكن شخصاً يتحدث عن الثرثرة العائلية أو يسعى إلى تسوية الحسابات بواسطة مؤرخ. وبدلاً من تطوّعه في سرد بعض الرؤى من شبابه، غالباً ما استند على إصدارات منمّقة للقصص التي أُعيد سردها ألف مرة من سيرته الذاتية، التي كتبها صحفي بريطاني عمل ككاتب ظل. وربما لأنه رأى وسمع المآسي التي لا يجب أن يشهدها أي صبي أو مراهق أو شاب: من مقتل جده في المسجد الأقصى، ذلك الحدث الذي كاد أن يؤدي إلى مقتله هو أيضاً؛ وإلى نوبات هيجان والده طلال في الأماكن العامة، التي نجمت عن مرض عقلي مأساوي؛ وإلى الإعدام الشنيع لفرع عائلته العراقي خلال الثورة ضد الحكم الهاشمي هناك عام 1958.
بذلتُ قصارى جهدي للتعامل مع محادثاتنا وتلك التي أجريتها مع مستشاريه المقربين بعناية وحذر. كان تركيزي على القيمة التاريخية لملاحظاتهم، وليس على ما قد يدغدغ مشاعر مراقبي القصر. وكانت النتيجة إنني لم أذكر أبداً أي شيء عن العائلة المالكة ما لم تكن قد ساعدت في الإجابة على السؤال الأساسي لبحثي - مصدر الصمود السياسي للأردن.
ربما كانت تلك الرعاية والتقدير هي التي وضعتني في ميزة كبيرة مع الملك حسين بعد الانتهاء من كتابة الأطروحة ونشرها ككتاب في النهاية. واصلنا الاجتماع - بشكل دوري ونادر، لن أبالغ في ذلك - في عمّان وفي "ريفر هاوس"، منزله الأمريكي بعيداً عن الوطن في بوتوماك بولاية ماريلاند الأمريكية.
وفي "ريفر هاوس"، في حزيران/يونيو 1996، أجريتُ آخر محادثة وجهاً لوجه مع الملك حسين. وفي رأيي، كانت أكثر المحادثات حميمية وأكثرها كاشفة على الإطلاق.
أتذكر المحادثة وكأنها البارحة. توافق وصولي إلى المنزل مع مغادرة جوديث كيبر، منتجة تلفزيونية سابقة ولاعبة أساسية على مسرح واشنطن المهتم بشؤون الشرق الأوسط، التي التقيتُ بها في الممر. وعندما دخلتُ، تراءى المنزل خالياً تقريباً - وبدا أنه لم يكن هناك أحد باستثناء مساعد واحد أو اثنين والملك. جلسنا في غرفة جلوس مريحة، مليئة بكراسي وأرائك فاخرة ذات لون فاتح، ومزيّنة بصور عائلية كبيرة ذات إطار معدني. وعلى الفور تقريباً، التقط الملك علبة سجائر وأشعل سيجارة. وهذا ما جعلَنا نبدأ المحادثة.
"أرى أنك ما زلتَ تدخن، يا صاحب الجلالة"، قلتُ مشككاً ضمنياً في تقدير رجل خضع لعملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في المسالك البولية وإزالة كلية قبل ذلك بأربع سنوات.
"نعم سيدي،" قال لي - لقد كان ينادي الجميع بسيدي، متأثراً بأيام دراسته الداخلية - "ولكن كما ترى، هذه السجائر هي «مارلبورو لايتس»."
أدى هذا التبادل الى حديث لم نجريه من قبل، عن المصير، المخاطرة والخيارات. من خلال تجربتي المتواضعة، لم يكن حسين شخصاً متردداً، بمعنى أنه يشغل نفسه بالتذمين والشكوك، أو إعادة النظر بالقرارات و الخيارات التي كان عليه اتخاذها.
عندما يكون "لازماً" عليك ان تعيش على الحافة كما كان عليه أن يعيش، مواجهاً العديد من محاولات الانقلاب والاغتيالات، والمؤامرات المستمرة في القصر، وأحياناً الحروب، بالاضافة الى الكوارث التي أعقبت قتل جده، مرض الأب، والموت المفاجئ والعنيف لزوجته الثالثة علياء في تحطم طائرة مروحية - لا يتبقى لديك الكثير من الوقت للتأمل في البدائل والشكوك.
مجرد أنه كان على إستعداد للخوض في حديث كهذا، فقد كان حدثاً استثنائياً.
في النهاية، أخذ الحديث منحنى تأملياً أكثر من أي وقت مضى عندما سألت الملك حسين، الذي كان يناهز الستين عاماً في ذلك الوقت، عما كان يسبب له الشعور بالندم أكثر من أي شئ في حياته، كنت أتوقع منه ان يتحدث عن خسارة القدس، التي حكمتها الأردن من عام 1949 إلى عام 1967 والتي استولت عليها إسرائيل خلال حرب حزيران/يونيو، ولم تكن لتتنازل عنها للأردنيين أبداً. ولكنه فكر للحظة وقال ما هو غير متوقع.
"أكثر شئ ما ندمت عليه في حياتي هو الجرح الذي تسببت به لإبني عبد الله،" قال حسين.
"الجرح الكبير؟" سألته. ولكني أدركت فجأة لما كان يحاول قوله. "هل تقصد عندما قررتَ أن تأخذ منه ولاية العهد؟"
"نعم" قال. "أعرف كم كان ذلك مؤلماً. وأعد بأني سأصلح ما فعلتُه قبل أن أموت.
إسمحوا لي أن أوضح ما يعنيه ذلك: كان عبد الله، المولود في كانون الثاني/يناير 1962، ولي عهد الأردن حتى بلغ الثالثة من عمره، عندما أقنع مستشارو الملك حينها بأنه من الخطورة أن يكون ولي عهد طفلاً، وكانت حياة الملك مهددة بالخطر. وأضاف مستشارو القصر أن والدة عبد الله - زوجة حسين الثانية، منى - كانت قد ولدت بإسم توني أفريل غاردينر، إبنة ضابط بريطاني، وأن ذلك قد يضفي المزيد من التعقيدات، خاصة في ظل تزايد مشاعر القومية العربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
إستجابة لنصائح مستشاريه، قام الملك حسين بتعديل القانون الأردني في عام 1965 لتسمية شقيقه حسن - البالغ من العمر حينها 18 عاماً - ولياً للعهد.
عندما إلتقينا مع الملك حسين في الـ "ريفر هاوس"، كان الأمير حسن قد شغل منصب ولي العهد بإقتدار وإخلاص لمدة 30 عاماً، وكان قد لعب دوراً في قرار الأردن بعقد سلام رسمي مع إسرائيل. مع ذلك، قال لي الملك، في خصوصية غرفة معيشته، أن الألم الأكبر الذي تحمله خلال هذه المدة هو تجريد ابنه من حقه بالولادة - ولقد كان من الواضح أن حسين -لا الطفل - هو الذي تحمل كل ذلك الألم.
لقد قال لي بكلمات واضحة وضوح الشمس أنه في النهاية مصمم على تغيير الخلافة وإعادة دور ولي العهد لإبنه الكبير.
تسمّرت بفعل المفاجأة. لم يكن ذلك مجرد تفصيل حول شخصية ملكية في العقود الماضية. إنها مفاجأة مذهلة حول من سيكون ملك الأردن المقبل. تسارعت دقات قلبي، ومع ذلك تابعتُ الحديث محاولاً عدم الكشف عن مدى حماسي لسماعي أفكار الملك الخاصة والعميقة، وربما أهم مسألة قي حياته - أي من سيخلفه كملك الأردن.
على غير العادة ، لم يكن عليّ أن أحثه على متابعة الحديث. فبعد تصريحه الذي وعد فيه أن يعيد ولاية العهد لعبد الله، أوضح لي أنه أيضاً مهتم برعاية طلال وغازي - أبناء أخيه الأوسط محمد الذي أيضاً كان قد سبق وشغل منصب ولي العهد خلال العقد الذي سبق ولادة عبد الله. وبعد التطرق إلى أهمية الحفاظ على وحدة العائلة للأجيال القادمة، مرت لحظة تأمل سريعة، ومن ثم إنتهى الحديث.
ما أن نهضت عن الأريكة وهممت بالرحيل، نظر إليّ الملك حسين مباشرة وقال: "ما قلت لك الآن، سيدي، سأكون ممتناً إن أحتفظت به لنفسك." وعدته بذلك.
لم يكن من السهل دائمًاً الوفاء بهذا الوعد. عندما غير الملك حسين خط الخلافة قبل أسبوعين من وفاته، زعم البعض في عمان أن هذا القرار هو قرار متقلب ومتأثر بجرعات الدواء الثقيلة التي يتناولها الملك لآلام سرطانه المتقدم. وزعم آخرون أن الملك تصرف بغضب بسبب مزاعم الإساءة من قبل أخيه الأمير حسن وبعض أفراد عائلته. الفكرة هي أن يتم الإيحاء بأن قرار إعادة تعيين عبد الله ولياً للعهد لم يكن قراراً مفاجئاً فحسب، بل غير شرعي إلى حد ما، مشوب بحالة المرض ومؤامرات حاشية القصر، الذين استغلوا مرض الملك حسين وضعف قرارته.
بسبب محادثتي مع الملك حسين قبل وفاته بثلاث سنوات، كنت أعرف إن هذه الشائعات خاطئة - لقد كانت خاطئة عندما توفي الملك حسين في عام 1999، وبقيَتْ خاطئة بعد عقدين من الزمن. وعندما إحتفل الملك عبد الله بمرور 20 عاماً على العرش منذ عام، قررتُ أنه قد حان الوقت لأضع حداً للإشاعات الكاذبة، الزاعمة بأن قرار الملك حسين بتغيير ترتيب الخلافة قبل أسبوعين من وفاته كان مفاجئاً بسبب المرض وفراش الموت. إتخذتُ القرار بأن أوضح كيف فهمت نيته، إستناداً إلى كلماته الخاصة لي وبناءً على طلب الملك الراحل، أبقيتُ ذلك الحديث لنفسي لما يقارب ربع قرن. ولكني خلصتُ إلى أني أوفيتُ بوعدي للملك حسين، وأنه يمكنني الآن، بكل راحة ضمير، أن أروي هذه القصة.
أول من عليه أن يسمعها هو الملك عبد الله نفسه، ولذلك سعيتُ للبحث عن فرصة لإخباره بما قاله لي والده.
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وجدت فرصتي عندما كنت أقوم بمرافقة الملك عبد الله إلى قاعة إحتفالات في مدينة نيويورك. كنت محظوظ لوجودي معه - ومع زوجته الملكة رانيا، وإبنهما الأكبر ولي العهد حسين - لمدة ثلاثين دقيقة في غرفة جلوس صغيرة في الفندق، من دون الحاشية والمصورين. كنا نحن الأربعة لوحدنا، نجلس على كراسي خشبية متواضعة، بالقرب من بعضنا البعض، تكاد ركبنا تتلامس.
في تلك اللحظة الحميمة، وجدت فرصتي لأخبر العائلة المالكة عن تلك المحادثة التي أجريتها قبل 25 عاماً مع والد عبد الله.
أخبرتهم بأن الملك حسين كان ينوي تغيير ترتيب الخلافة منذ زمن طويل وأن قرار إعادة ولاية العهد لإبنه الأكبر هو طريقته لإصلاح جرح مؤلم كان يعتقد انه لحق بعبد الله منذ عقود. أخبرتهم أن القرار لا علاقة له بإستياء الملك حسين المزعوم من حسن أو عائلته (وفي الواقع، خلال محادثتي مع الملك حسين، لم ينطق بأي انتقاد تجاه حسن، لا بل وعد العكس من ذلك، فإن أي إشادة إلى حسن كانت مصحوبة بمودة أخوية واضحة).
بما أنا شعبية الملك عبد الله اليوم مرتفعة جداً في الأردن، فأنا لا أقوم بسرد هذه القصة علانية للمرة الأولى كمحاولة لمساعدته على التغلب على أزمة ما أو فضيحة.
بعد التأمل في تفاصيل هذه الرواية، لم يكن قرار الملك حسين بإعادة ولاية العهد إلى عبد الله أمراً معقداً جداً. إنها قصة يتشابه فيها الملوك والعامة على حد سواء. إنها قصة قديمة قدم الزمن نفسه. إنها قصة أب وإبنه.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع "أمريكان إنترست" على الإنترنت.
"أمريكان إنترست"