- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا ترتفع شعبية "حماس" بين الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
Also published in "هآرتس"
تعكس أرقام الدراسات الاستقصائية المتعاقبة حول شعبية "حماس" في الضفة الغربية موجة غضب ضد "السلطة الفلسطينية"، التي يعتبرها الكثيرون فاسدة وغير شرعية وغير قادرة على تمهيد الطريق أمام الاستقلال، على الرغم من أن البديل سيكون أسوأ.
أدّى الهجوم الذي قادته "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي قُتل فيه 1200 شخص واحتُجز أكثر من 200 آخرين كرهينة، إلى دفع إسرائيل إلى شن اجتياح واسع النطاق لقطاع غزة، مما أطلق العنان لحرب وحشية ومستمرة وكارثة إنسانية غير مسبوقة لسكان القطاع، شملت النزوح الجماعي والجوع والموت. لكن الدراسات الاستقصائية المتعاقبة التي أجراها "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" تشير إلى تزايد مستمر في دعم "حماس" في الضفة الغربية، على الرغم من تراجعه في غزة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، قال حوالي 41 في المائة من سكان الضفة الغربية إنهم يدعمون "حماس"، مقارنةً بـ 35 في المائة في آذار/مارس و12 في المائة في أيلول/سبتمبر. أما تأييد "فتح"، وهي عدو "حماس" والقوة المهيمنة في "السلطة الفلسطينية"، فقد تراجع منذ بداية الحرب، حيث انخفض إلى 17 في المائة فقط، مقارنةً بنحو 26 في المائة في أيلول/سبتمبر.
ونظراً لأثر الهجوم المأساوي على الفلسطينيين، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا تتزايد شعبية "حماس" في الضفة الغربية المضطربة نسبياً بينما تتضاءل شعبية "السلطة الفلسطينية"؟ يكمن جزء كبير من الإجابة داخل "السلطة الفلسطينية" نفسها.
وتواجه قيادة "السلطة الفلسطينية" أزمة شرعية عميقة. فمنذ وصول الرئيس محمود عباس إلى السلطة في عام 2005، عمد بشكل منهجي إلى تهميش المؤسسات المنتخبة ديمقراطياً، وحشو دائرته الداخلية بالموالين، وطرد منافسيه من "فتح"، وتأسيس مؤسسات بديلة يشغل فيها عباس منصباً قيادياً. وقد قام بتوحيد كافة المناصب القيادية الرئيسية، حيث شغل في الوقت نفسه منصب رئيس "السلطة الفلسطينية" ورئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" ورئيس "فتح".
وأُجريت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2006. وفي عام 2009، عندما كان من المفترض أن تنتهي ولاية عباس، قامت اللجنة التنفيذية لـ "منظمة التحرير الفلسطينية" بتمديد فترة ولايته إلى أجل غير مسمى. وفي عام 2019، قام عباس بحل البرلمان، وهو يقضي حالياً، في سن الثامنة والثمانين من عمره، عامه التاسع عشر في الحكم بينما كان من المفترض أن تكون فترته الرئاسية أربع سنوات.
وأدى تركيز السلطة في أيدي الحرس القديم والمتقادم لـ"فتح" إلى قيام "سلطة فلسطينية" مركزية شبه استبدادية، يشوبها الفساد وتفتقر إلى التوجيه السياسي الواضح. فالعديد من الفلسطينيين يعتبرون قيادتها غير شرعية ومنفصلة عن الواقع ولا تسعى إلى تحسين ظروفهم الشخصية والاقتصادية. وما يفاقم رد الفعل العنيف هو تزايد العنف في الضفة الغربية، سواء بسبب هجمات المستوطنين المتطرفين أو المداهمات الإسرائيلية التي تبحث عن عناصر "حماس" ومسلحين آخرين.
ومؤخراً، عانت قوائم "فتح" من انتكاسات في الانتخابات البلدية وانتخابات مجالس الطلاب الجامعية، مما يدل على ضعف الدعم الشعبي لها. فالرضا عن "فتح" وعباس يكاد يكون معدوماً، حيث يطالب 94 في المائة من سكان الضفة الغربية باستقالة الرئيس، بينما يرى 80 في المائة أن "السلطة الفلسطينية" فاسدة. وتبلغ نسبة تأييد حل "السلطة الفلسطينية" حوالي 60 في المائة.
لكن ربما الأهم من ذلك أنه بعد مرور ثلاثين عاماً على توقيع "اتفاقيات أوسلو"، فشلت "السلطة الفلسطينية" في توفير شعور بالأمن السياسي والشخصي للفلسطينيين. فقد أصبحت الأفكار التي تم الترويج لها تحت قيادة عباس، وهي حل الدولتين، والمقاومة اللاعنفية، والدبلوماسية، لعنة بالنسبة للعديد من الفلسطينيين الذين يعتقدون أن التزام عباس بالمقاومة اللاعنفية لم يؤدِ إلى تحسين ظروفهم الشخصية، ناهيك عن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وهم يعتبرون أن "السلطة الفلسطينية" تتعاون مع إسرائيل بدلاً من أن تحميهم منها.
وفي الواقع، تتمثل إحدى السمات المميزة لرئاسة عباس بالتنسيق الأمني بين "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل، والذي يشمل تبادل المعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب. ويساعد هذا التنسيق "السلطة الفلسطينية" في الحفاظ على مستوى معين من القانون والنظام ومكافحة جماعات المعارضة مثل "حماس".
لكن بالنسبة لمعظم الفلسطينيين العاديين، فإن ذلك لم يوفر لهم الأمن. فهم بالأحرى يعتبرون أن "السلطة الفلسطينية" تتعاون مع إسرائيل لقمع المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي يسهل الاحتلال الإسرائيلي على حساب تقدم الدولة.
كما يعزز الانطباع بأن "السلطة الفلسطينية" تعمل كمقاول من الباطن لإسرائيل، حيث تقوم بتسليم الفلسطينيين إلى إسرائيل بدلاً من حمايتهم. ويرى آخرون أن التنسيق الأمني يتمحور في النهاية حول منح كبار المسؤولين ورفاقهم امتياز الوصول إلى المطارات والشواطئ ونظام الرعاية الصحية في إسرائيل، وهي خدمات محظورة على الفلسطينيين العاديين.
وفي الوقت نفسه، غالباً ما يقابَل قتل الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين اليهود بتهديدات وإدانات من قبل "السلطة الفلسطينية"، إلا أن هذه الأخيرة تُبقي على التنسيق الأمني في النهاية. وفي المقابل، فإن قدرة "حماس" على انتزاع التنازلات من إسرائيل من خلال المواجهات المسلحة، وتحويل القضية الفلسطينية إلى واحدة من أكثر القضايا المطروحة في العالم في أعقاب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أدت إلى تعزيز مصداقيتها لدى الفلسطينيين.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نتذكر أنه إلى جانب "فتح" و"حماس"، ليس لدى الفلسطينيين أي بدائل سياسية أخرى للاختيار من بينها. فالفلسطينيون الذين سئموا من كلتا المنظمتين يظلون "مشردين" سياسياً. وفي الواقع، أفاد أكثر من نصف سكان الضفة الغربية أنهم لن يصوتوا لأي من الطرفين في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
لكن دعم العنف المتطرف الذي تمارسه "حماس" ودعم حكم هذه الحركة لا يعنيان بالضرورة الأمر ذاته. فمن الممكن تفسير دعم حكم "حماس" كتصويت احتجاجي ضد "السلطة الفلسطينية"، وليس تأييداً لإيديولوجية "حماس" الإسلامية الأصولية والتداعيات المترتبة على العيش في ظل حكمها القمعي.
فضلاً عن ذلك، بينما يستمر تأييد سكان الضفة الغربية للعودة إلى المواجهة المسلحة بالتزايد، حيث تخطّى الآن 60 في المائة، إلّا أن حوالي الثلث ما زالوا يعتقدون بأنه من الضروري أن تكون الأولوية القصوى للشعب الفلسطيني هي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
ويمكن تفسير هذا التناقض الظاهر بعدة طرق، بما في ذلك أنه في الوقت الذي يؤيد فيه العديد من سكان الضفة الغربية فكرة الدولتين، إلّا أنهم لا يعتقدون أنه يمكن تحقيقها من خلال المفاوضات مع إسرائيل، كما تدعو "فتح"، ولكن من خلال المقاومة المسلحة، كما تروج "حماس".
وفي الواقع إن الدعم الذي تحظى به "حماس" يتزايد عادةً خلال المواجهات مع إسرائيل، ولكنه يتضاءل عندما تفشل في تحقيق تحسينات ملموسة. فقبل الحرب الحالية، كان دعم "حماس" في الضفة الغربية منخفضاً نسبياً. وعلى الأقل في هذا الصدد، لا تختلف هذه الحرب كثيراً عن النزاعات السابقة بين إسرائيل و"حماس".
ولكن حتى لو كان صعود "حماس" مؤقتاً، إلّا أن عواقبه تُعتبر فورية. فالقطيعة العامة المستمرة مع قيادة "السلطة الفلسطينية" تقلل من قبضتها على أجزاء من الأراضي الخاضعة لسيطرتها الرسمية، لا سيما في الجزء الشمالي من الضفة الغربية. ومع اكتساب المناطق للحكم الذاتي بشكل متزايد، تعمل "حماس" على توسيع نطاق انتشارها، من خلال إغراق المنطقة بالأسلحة، بينما تقوم بتجنيد الناشطين.
وتُظهر الأبحاث أن معظم المنظمات الإرهابية تتراجع بسبب رد الفعل الشعبي العنيف. ولكي تخسر "حماس" الدعم بين الفلسطينيين، فمن الضروري إيجاد بديل لهم يَعِد بمستقبل أفضل قابل للتحقيق. وبالنظر إلى المشهد السياسي الحالي، تمثل "السلطة الفلسطينية" المرشح الطبيعي، ولكن فقط "سلطة" يعتبرها الفلسطينيون شرعية.
وإذا لم يكن من الممكن تحقيق الشرعية من خلال الانتخابات (التي هي غير ممكنة حالياً)، فيجب اكتسابها من خلال الأداء الفعال. وقد أتاحت الحرب فرصة فريدة للقيام بذلك على وجه التحديد.
يجب على "السلطة الفلسطينية" أن تغتنم مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتنشيطها. ويعني ذلك تنفيذها بجرأة لإصلاحات أمنية ومؤسسية واقتصادية كبرى من شأنها تعزيز قدراتها في الحكم، وتشجيع مكافحة التطرف في المجتمع الفلسطيني والنظام التعليمي، وإرساء أسس دولة فلسطينية مستقبلية.
يجب أن تعمل الإصلاحات أيضاً على مكافحة الفساد وتعزيز الديمقراطية من خلال تشكيل قيادة شابة وأكثر تمثيلاً. ويخلق ذلك فرصاً سياسية للشباب الفلسطينيين، الأمر الذي يضمن تمثيلهم، بما في ذلك على مستوى البلديات، حيث يتركز الدعم الشعبي في أغلب الأحيان.
ويُعد وجود "سلطة فلسطينية" ناشطة وفعالة أساسياً للحفاظ على أمن إسرائيل أيضاً. فسوف تتمكن هذه "السلطة" بعد إصلاحها من تولي مسؤولية ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، وإرساء الأسس لتسوية مستدامة مع إسرائيل.
وإذا فشلت "السلطة الفلسطينية"، فسيتم ملء الفراغ السياسي من قبل "حماس" والفصائل المسلحة المحلية، وعشرات الآلاف من مسؤولي الأمن المسلحين في "السلطة الفلسطينية" الذين قد يَنْضمون إلى انتفاضة مسلحة ضد إسرائيل، كما حصل خلال الانتفاضة الثانية. وعلى المدى القصير، سرعان ما ستجد إسرائيل نفسها متورطة وتعمل فوق طاقتها على جبهة ثالثة، بالإضافة إلى الحرب في غزة والتصعيد مع "حزب الله" في الشمال.
وحتى لو تمكنت إسرائيل من إعادة النظام إلى الضفة الغربية، من دون "السلطة الفلسطينية"، فستجد نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن كل جانب من جوانب الحياة اليومية الفلسطينية، من الرعاية الصحية إلى جمع القمامة. وبالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، فإن البديل عن "السلطة الفلسطينية" الفاشلة هو أسوأ بكثير من السلطة المعاد تنشيطها.
موران ستيرن هو زميل مشارك في معهد واشنطن وزميل غير مقيم في "مركز الحضارة اليهودية" في "كلية إدموند إيه والش للخدمة الخارجية" بجامعة جورج تاون. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "هآرتس".