- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا تعتبر الكلمات التي نستخدمها لوصف الإرهاب مهمة
في خطابه الأول أمام الكونغرس الأمريكي الشهر الماضي، قال الرئيس ترامب إن إدارته "تتخذ خطوات لحماية أمتنا من الإرهاب الإسلامي المتطرف". وحذّر مستشار الأمن القومي للرئيس هربرت رايموند مكماستر من أن هذه العبارة قد تنفر الحلفاء ضمن المجتمع الإسلامي، في حين غرّد نائب مساعد الرئيس سيباستيان غوركا قائلاً إن عبارة "الإرهاب الإسلامي المتطرف" تُعتبر "أسياسة لتحقيق النصر ضد الجهاد العالمي". وقد اتفق هؤلاء الثلاثة، وهم محقون في ذلك، على أن لهذه الكلمات معانٍ وتبعات بالنسبة إلى قرارات السياسة والسامعين على السواء. وعادة ما يتم التطرق إلى هذه المسألة خلال النقاشات حول السياسة الأمريكية في ما يخص اللغة والمفاهيم التي يستخدمها الأمريكيون لوصف الجهاديين. أما المناقشات الداخلية حول الموضوع نفسه في أوساط الجهاديين والعلماء المسلمين المشاركين في تشويه سمعتهم فهي أقل تداولاً. ومن شأن تحديد كيفية إقدام الجهاديين على استغلال التقاليد الإسلامية أن يسمح لنا بفهم جاذبية ونقاط ضعف هذه الجماعات بشكل أوضح، بغية وضع سياسات أكثر دهاءً لدحرها وإنشاء علاقات أوثق مع الحلفاء المسلمين للولايات المتحدة عند الخطوط الأمامية لهذه الجهود.
ولا يكفي أن نقبل ببساطة أن الجهاديين ينتمون إلى أيديولوجية سياسية تعرف باسم الإسلاموية. وعوضاً عن ذلك، من الأجدى تقدير الكيفية التي يحصد بموجبها الجهاديون على غرار تنظيم «الدولة الإسلامية» جاذبية "إسلامية" فريدة وعميقة بنظر مجنديهم من خلال ادعائهم بالأصالة واللغة الدينية المعتمدة والموارد التي يستخدموها. وبعبارة أخرى، بخلاف المشروع السياسي للإسلاميين الذين يعتمدون أسلوب جماعة «الإخوان المسلمين» (والذين يهتمون فقط باحتلال الإسلام مكانة بارزة)، يكترث الجهاديون أمثال تنظيم «الدولة الإسلامية» أيضاً إلى حد كبير لنوع الإسلام المطبّق.
وبالنظر إلى منشورات تنظيم «داعش» باللغة العربية منذ عام 2014، يبدو أن عدداً كبيراً من الأطروحات من القرون الوسطى ليس فقط غير عنيف وغير جهادي، بل هو جزء من المناهج الإسلامية السائدة حول مواضيع مثل قواعد اللغة والبلاغة والشعر. وفي بعض الأحيان، يتم نشر الكتب من دون تغييرات على غرار إصدار تنظيم «الدولة الإسلامية» لأطروحة قواعد اللغة للقرن الثالث عشر التي حملت اسم "الآجرومية".
غير أنه في مناسبات أخرى، يُقدِم التنظيم على إدخال مواضيع جهادية علنية ضمن مواد لا علاقة لها بالموضوع في حالات أخرى - فقد تمّ على سبيل المثال إدراج رسالة وجّهها أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم «القاعدة في العراق» (سلف تنظيم «الدولة الإسلامية»)، إلى أتباعه في كتاب للأطفال وسط مختارات الشعراء المعروفين لأي شخص مطلع على الشعر العربي الكلاسيكي.
ومن خلال التلاعب بتراث الأدب الإسلامي بهذه الطريقة - وهو ما يواصل تنظيم «الدولة الإسلامية» القيام به عبر نشر نصوص من القرون الوسطى خلال دفاعه عن معاقله الميدانية في العراق وسوريا - يهدف التنظيم إلى تحديد نسخته للمسلم المثالي، وليس مجرد لمقاتل. ومن خلال هذه الجهود المتواصلة لوضع منهج دراسي، يأمل التنظيم أن يواصل استقطاب المجندين عندما يخسر جميع أراضيه في النهاية، إذ سيثبت من خلاله مؤهلاته الدينية.
ولا يستخف العلماء المسلمون وقادة المجتمع الإسلامي بتاتاً بالسؤال المتمحور حول من هو المسلم الحقيقي، وفي الواقع يتجنبون إصدار الأحكام في يومنا الحالي وتاريخياً على السواء. ويعود سبب ذلك إلى أن تحديد ما إذا كان أحدهم مسلماً هو أمر حساس إلى درجة أن وصف وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري لمقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» بـ "المرتدين" لاقى انتقادات شديدة.
يُذكر أن التكفير هو صلب العقيدة الجهادية التي تستشهد بمدرسة تشكّل أقلية للعقيدة الإسلامية التي تقول إن إيمان الفرد ينعكس في أفعاله. أما الجهاديون، فقد أخذوا هذه النظرة مرحلة أخرى واعتبروا أن أي أفعال لا تتفق مع فهمهم الضيّق للإسلام هي انشقاق صريح عن الإسلام، ويبررون بالتالي أعمال العنف على هذا الأساس.
ويتّبع معظم التيار السائد من المسلمين في العالم ما أصبح الموقف العقيدي الإسلامي المهيمن القائل بأن إيمان المرء ينبع في الأساس من قلبه (وهو معروف لله فقط) وأن إجهار الإيمان شفهياً كافٍ لاعتبار المرء مسلماً.
ويؤثّر هذا السياق على المحادثات بين الإسلاميين حول مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» والجهاديين. ففي عام 2014، وقّع 126 عالماً مسلماً ذوي توجهات سنّية متنوعة على "رسالة مفتوحة" إلى زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية»، أبو بكر البغدادي. وامتنعوا في الرسالة عن تسمية أفراد تنظيم «داعش» بغير المسلمين. وبدلاً من ذلك، استعرضوا مفاهيم يروّج لها التنظيم وبيّنوا سبب فهم الجماعة الخاطئ لها.
ويعكس أسلوب الرسالة ولهجتها أصوات سنية أخرى تسعى إلى دحض أيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية» وإفقاد التنظيم مصداقيته عبر التركيز على كيفية إساءة فهمه للإسلام، ولكن نادراً - إذا حصل أساساً - ما تصف هذه الأصوات أفراد التنظيم بغير المسلمين، مفضلةً بدلاً من ذلك تسميتهم بـ"المنحرفين" أو "الضالين". وتخشى المجتمعات الإسلامية أنه من خلال طرد مقاتلي وجهاديي تنظيم «الدولة الإسلامية»، فستظهر غير مختلفة عنهم وبالتالي ستغذي روايتهم وجاذبيتهم.
وماذا عن النقاش الأمريكي؟ لقد أصبح الجهاديون شديدي الحساسية بشكل فريد تجاه مخاطر العقائد السياسية والمذهبية بأسمائهم. فهم يبقون على اطلاع على تعليقات الغرب وسارعوا إلى تكييف إستراتيجياتهم رداً على تصنيفات السياسة الأمريكية على غرار "الإرهاب" و"التطرف"، فضلاً عن التصنيفات الحساسة محلياً مثل "الإسلاميين" و"السلفيين" و"الجهاديين". ونادراً ما تشير الجماعات الجهادية الأكثر حنكةً وبالتالي الأكثر نجاحاً إلى نفسها على أنها "إسلامية" أو "جهادية"، أو حتى "سلفية" في هذا الصدد، وتختار بدلاً من ذلك مصطلحات مثل "سنّية" و"مسلمة" و"موحِّدة"، التي لها صدى تاريخي أكبر لدى الشعوب المحلية.
هذا الاستخدام لمصطلح "السنّي" - وكذلك المصطلحات مثل "مسلم" و"موحِّد" - بدلاً من "السلفي" و"الجهادي"، يحمل وقعاً تاريخياً ودينياً ذا مغزى، وبالتالي يطرح إشكالية على نحو استثنائي بالنسبة لغيرهم من المسلمين، ولهذا السبب يجب أن يولي صنّاع السياسة الأمريكيون أهمية لهذه الكلمات والعبارات. فبدلاً من استخدام كلمات على غرار "مسلحين" و"مقاتلين" بشكل متضارب أو تجنّب ربط الإسلام بعبارات مثل "التطرّف العنيف"، بإمكان الولايات المتحدة وشركائها اعتماد لغة تعكس بدقة الميول الإيديولوجية للجماعات الجهادية.
يعقوب أوليدورت يشغل منصب مستشار خاص لسياسة الشرق الأوسط والمدير القطري لشؤون سوريا في وزارة الدفاع الأمريكية. جميع البيانات المتعلقة بالوقائع أو الرأي أو التحليل المعبر عنها هنا هي آراء المؤلف ولا تعكس المواقف الرسمية أو آراء وزارة الدفاع الأمريكية أو أي جزء آخر من الحكومة الفيدرالية في الوليات المتحدة.
"واشنطن بوست"