- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا تتردد إسرائيل في تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي
Also published in "ذي إينسايدر" (The Insider)
لا يزال القلق يساور إسرائيل بسبب احتمال أن يؤدي إغضاب الروس إلى تعريض مصالحها الأمنية الوطنية البالغة الأهمية في سوريا للخطر، على الرغم من أن بعض العناصر المحلية ومسؤولين أمريكيين يستمرون في الضغط عليها لفعل المزيد لمساعدة أوكرانيا.
يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة. وبالنسبة إلى سياسي يفتخر بعلاقته الطويلة الأمد مع بوتين، ستكون أوكرانيا بمثابة اختبار لموقفه الاستراتيجي. ومنذ الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، تحاول الحكومة الإسرائيلية الموازنة بين مصالح الطرفين. فمن خلال إدانتها للعدوان الروسي وتقديمها مساعدات إنسانية لأوكرانيا، امتنعت إسرائيل مع ذلك عن تزويد كييف بأنظمة دفاع جوي. ويعزو مسؤولون إسرائيليون رفضهم إرسال أسلحة فتاكة بشكل أساسي إلى أن الأمن القومي لبلادهم يرتبط بحرية العمليات العسكرية في سوريا. وتستفيد موسكو من هذا الظرف، بممارسة الضغط على إسرائيل من خلال الحد من عملياتها العسكرية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تهدد موسكو بكبح قدرة إسرائيل على استقبال المهاجرين من أصل يهودي وتعزز علاقاتها مع إيران. وفي الواقع الجديد، لن يتمكن نتنياهو من استغلال صداقته مع بوتين وسيضطر في النهاية إلى اختيار جانب.
وخلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، صوتت أوكرانيا إلى جانب 152 دولة - بما فيها روسيا - لدعم قرار يدعو إسرائيل إلى التخلص من أسلحتها النووية. ونتيجةً لذلك، اتفقت روسيا وأوكرانيا رمزياً حول هذا الموضوع. وبينما يواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التماس المزيد من المساعدة من إسرائيل، يسلّط تصويت كييف الضوء على مدى تعقيد المثلث الذي يجمع إسرائيل وأوكرانيا وروسيا.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير، أقامت إسرائيل توازناً بين المصالح المختلفة. ويقيناً، أن إسرائيل أدانت الغزو وقدمت مساعدات إنسانية كبيرة، لكنها رفضت الانضمام إلى العقوبات التي يقودها الغرب ضد روسيا. كما رفضت إسرائيل طلب كييف الحصول على مساعدة عسكرية تشمل أسلحة فتاكة. وبالفعل، إن الدولة اليهودية هي من الدول القليلة جداً القادرة على تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي - بما فيها نظام "القبة الحديدية" - التي تحتاجها أوكرانيا للتصدي للصواريخ الروسية التي تستهدف سكانها المدنيين. ومع ذلك، رفضت إسرائيل توفير هذه المعدات.
وفي المرحلة الأولى من الغزو، كانت الحكومة الإسرائيلية غامضة في سياستها بدلاً من إدانتها الغزو الروسي بشكل مباشر، ولم تُقْدم على هذه الإدانة إلا بعد انتقادها من قبل واشنطن. ولم يأت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على ذكر روسيا أو بوتين في تصريحاته العلنية إلا نادراً في الفترة بين حزيران/يونيو 2021 وحزيران/يونيو 2022، في حين كان وزير الخارجية آنذاك، يائير لابيد، يدين الغزو في أكثر من مناسبة. ومن هذا المنطلق، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تعمّدت التأني في خطواتها لتحقيق توازن دبلوماسي صعب. وفي الآونة الأخيرة، عندما تولى يائير لابيد منصب رئيس الوزراء، أدان موسكو علناً بشكل مباشر في تشرين الأول/أكتوبر بسبب عملياتها في أوكرانيا، وهو أول بيان من هذا القبيل حيث لم يأت إلّا بعد مرور سبعة أشهر من بدء الغزو. ومع ذلك، لن ترسل إسرائيل معونة فتاكة إلى أوكرانيا.
ولكي نكون منصفين، شدد المسؤولون الإسرائيليون منذ بدء الغزو الروسي، سواء علناً أو في المجالس الخاصة، على أن أمن بلادهم يتوقف على حرية تنفيذهم عمليات عسكرية في سوريا، أي قدرتهم على استهداف القوات والأصول المدعومة من إيران في دولة تسيطر فيها روسيا على المجال الجوي وتتمتع فيها بنفوذ عسكري وسياسي. بمعنى آخر، يعتمد احتواء إيران في سوريا على بقاء إسرائيل على علاقة جيدة مع روسيا. وكما قال السفير الإسرائيلي في أوكرانيا مايكل برودسكي، "إن التهديدات الأمنية لإسرائيل، والتهديدات التي يتعرض لها الجنود والمواطنين الإسرائيليين، هائلة ... نحن نفكر أولاً وقبل كل شيء في مصالحنا الخاصة وعلينا أن نكون حذرين".
ومع ذلك، أفادت بعض التقارير أن زيلينسكي تحدث مع لبيد وبينيت حول شراء أنظمة دفاع جوي إسرائيلية وتم إعطائه ذريعة مختلفة وهي: أن إسرائيل بحاجة إلى البطاريات لحمايتها. وقال زيلينسكي: "أفهم أنهم [الإسرائيليين] بحاجة إلى الدفاع عن أرضهم، لكن بعد ذلك حصلتُ على معلومات من أجهزة المخابرات الخاصة بي بأن إسرائيل توفر [الدفاعات الجوية] لبلدان أخرى. بإمكانهم البيع، بإمكانهم التصدير، وهذا هو سبب صدمتي".
ومن جانبها، أقرت الولايات المتحدة بمخاوف إسرائيل الأمنية منذ بدء الغزو الروسي لكنها تعتقد أن على إسرائيل أن تفعل المزيد لمساعدة أوكرانيا. وفي الواقع، في أوائل آذار/مارس، بعد وقت قصير من بدء الغزو الروسي، حذرت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إسرائيل من تلقّي "أموال قذرة" من الأوليغارشية الروسية وشجعت إسرائيل على الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا.
ويشكل المهاجرون من الاتحاد السوفيتي السابق - معظمهم من روسيا وأوكرانيا - أو من نسلهم ما يقرب من خمسة عشر بالمائة من سكان إسرائيل. وأظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية كبيرة من الإسرائيليين يدعمون أوكرانيا، على الرغم من أن أقلية كبيرة تعارض تسليحها، بينما طالب آلاف المتظاهرين السلميين الحكومة الإسرائيلية باتخاذ موقف أقوى لصالح أوكرانيا في الحرب.
علاوة على ذلك، كان الوزير السابق، ورئيس مجلس إدارة "مركز بابين يار لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة" والسجين السوفييتي السابق ناتان شارانسكي، من أبرز داعمي أوكرانيا منذ بداية الحرب. وقال في هذا الإطار: "شعب أوكرانيا بحاجة إلى هذا [الدعم]، لكننا أيضاً بحاجة إليه كجزء من العالم الحر، لأن [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين انتهك أسس العالم الحر ويريد حرماننا من هذه الحرية". وشارانسكي ليس وحده. فقد قال المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون ليئيل، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، "إذا انتهت الحرب مع سيطرة الغرب، سيتذكر الجميع أن إسرائيل رفضت أن تكون جزءاً من الجهد. وفي الواقع، نحن نخون الغرب من خلال اتباع هذه السياسة".
ويقيناً، أن المخاوف الأمنية الإسرائيلية مشروعة. ففي الآونة الأخيرة، بدت موسكو وكأنها تضغط على إسرائيل بشأن قدرتها على البقاء ملاذاً آمناً للمهاجرين اليهود من خلال التهديد بإغلاق فرع "الوكالة اليهودية" (في روسيا)، في حين أشار تقرير بعد فترة وجيزة إلى أن مقاول دفاع إسرائيلي يُزوّد أوكرانيا بأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار عن طريق بولندا. والأهم من ذلك، يمكن لموسكو بالفعل أن تصعّب الأمور على إسرائيل ليس فقط من خلال الضغط على يهودها أو الحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، بل أيضاً من خلال علاقتها المتنامية مع إيران بشكل عام. وتعتمد روسيا بشكل متزايد على الطائرات المسيّرة الإيرانية في أوكرانيا، بينما تتجه العلاقة بين موسكو وطهران نحو شراكة استراتيجية.
وطيلة سنوات، اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن روسيا قادرة على مساعدتهم في ردع العدوان الإيراني من خلال الحدّ من عدد القوات التي تنشرها طهران في سوريا. ومن الواضح الآن أن روسيا ليس لديها خيار سوى الاعتماد بصورة أكثر على إيران، بما في ذلك في سوريا. إن دافع الحكومة الإسرائيلية واضح: فبالنسبة لإسرائيل، إن وجود روسيا في سوريا أفضل بكثير من وجود إيران. ولكن الآن أكثر من أي وقت مضى، أصبحت روسيا وإيران جزئين أساسيين من المنظومة الاستراتيجية نفسها. ونعم بإمكان روسيا أن تصعّب الأمور على إسرائيل، لكن لدى إسرائيل القوة أيضاً. ومن المشكوك فيه أن تكون روسيا في حاجة إلى أزمة ثنائية كاملة أخرى في وقت تتكبد فيه خسائر في أوكرانيا. ومن هذا المنظور، تتقاطع مصالح إسرائيل وأوكرانيا.
في عام 2015، كانت سذاجة الرئيس أوباما - باعتقاده غير الحكيم أن روسيا ستواجه مستنقعاً عسكرياً في سوريا - هي التي سمحت لروسيا بالوصول إلى الحدود الإسرائيلية عبر سوريا في المقام الأول. وفي نهاية المطاف، يفهم الجميع أن إسرائيل في موقف صعب حالياً. لكن هذه دولة تأسست على قيم معينة، وهي إحدى الدول الليبرالية الحرة.
وهذا الشهر تغيّرت القيادة في إسرائيل مجدداً، مع استعادة بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء. ونتنياهو، الذي تفاخر على مر السنين بعلاقته مع بوتين، سيكون أقل احتمالاً لتقديم دعم كبير للأوكرانيين. وبالتالي، ستكون أوكرانيا اختباراً مهماً لموقفه الاستراتيجي. بإمكانه التعاون مع إدارة بايدن بشكل أكبر بشأن أوكرانيا، وخاصة ستكون هناك نقاط احتكاك أخرى بينهما. ومن جهتها، يمكن للولايات المتحدة البحث عن أساليب لمساعدة إسرائيل على تقديم مساعدات كبيرة لأوكرانيا.
وبعد مرور ثمانية أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يزال بوتين ملتزماً بتدمير هذه البلاد. وبينما حقق الأوكرانيون نجاحات مهمة في الأسابيع الأخيرة، إلّا أن الحرب لم تنته بعد. ويبقى مستقبل النظام العالمي الليبرالي على المحك.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على الموقع الإلكتروني لـ "ذي إينسايدر".