- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
لماذا تؤدي الديناميات الإقليمية إلى فتح الباب للتعاون بين الأردن وإسرائيل
يجد الأردن نفسه في وضع استراتيجي غير مستقر. فالمملكة الهاشمية تقع في قلب منطقة تتدهور فيها الحالة سريعاً، باستيعابها الملايين من اللاجئين على الرغم من اقتصادها المتخبط. وقد أدت هذه الحالة إلى دفع الأردن إلى زيادة تعاونها الاقتصادي مع إسرائيل، في محاولتها موازنة بعض هذه التحديات. ومع ذلك، فبعد مرور 23 عاماً على توقيع الأردن على معاهدة سلام مع اسرائيل، لا يزال الجمهور الأردني غير مرتاح تماماً من زيادة التعاون الاقتصادي مع جارته الغربية. ينبغي أن تكون قيمة التعاون الاقتصادي المتزايد بين الأردن وإسرائيل مناقشة سهلة إلى حد ما تُعرض للجمهور، لأن إسرائيل لديها اقتصاد قوي يمكن أن يساعد في إخراج الأردن من أزمتها الاقتصادية الحالية ويُفيد في تحسين مستوى المعيشة في المملكة. وفي الواقع أتى التعاون الاقتصادي بين الأردن وإسرائيل بثماره بالفعل في عام 1996 عندما وقّعت إسرائيل والأردن اتفاقية "المناطق الصناعية المؤهلة" مع الولايات المتحدة، تلك الاتفاقية التي مكّنت الأردن من تصدير منتجات معفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة. وكان لهذه الاتفاقية أثراً هائلاً على الاقتصاد الأردني. فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي صادرات الأردن من البضائع في عام 1997 أقل من 5 ملايين دولار، ولكن بحلول عام 2001، ارتفع هذا الرقم إلى 164 مليون دولار نتيجة الاتفاقية. وبالإضافة إلى ذلك، انتهى المطاف بالمصانع الأردنية التي شاركت في الاتفاقية بخلقها30,000 فرصة عمل .
وبينما ترى بعض النخب الأردنية قيمة في إقامة علاقة متبادلة المنفعة مع إسرائيل، إلّا أنّ نسبة كبيرة من الجمهور لا تزال تعارض التطبيع الاقتصادي الكامل مع الدولة اليهودية، ويعود ذلك أساساً إلى الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني المستمر. فعلى سبيل المثال، يواجه الأردن نقصاً هائلاً في موارد الطاقة، حيث يستورد 97 في المائة من احتياجاته من الطاقة، إلا أن صفقة الغاز التي تم توقيعها مع إسرائيل في الخريف الماضي بقيمة 10 مليارات دولار، أسفرت عن قيام احتجاجات شعبية واسعة النطاق حيث خرج الآلاف من الأردنيين إلى الشوارع للاحتجاج على الإتفاقية.
ومع ذلك، فعلى الرغم من هذا السخط، فإن الديناميات الإقليمية قد فتحت الباب أمام زيادة التعاون الاقتصادي بين الأردن وإسرائيل. واليوم، مع تدفق 1.5 مليون لاجئ سوري إلى المملكة، يجد الأردن نفسه تحت ضغط اجتماعي واقتصادي كبير، ويعاني من نقص المياه، ونظام متواضع للرعاية الصحية، وارتفاع معدلات البطالة، ومدارس مزدحمة يجب أن تعمل في نوبتين يومياً. وبغض النظر عن الشعارات الأيديولوجية، دفعت هذه الظروف مجتمع الأعمال الأردني إلى أن يصبح أكثر انفتاحاً على التعامل مع إسرائيل. وقد أنتجت هذه العلاقة عدداً من المشاريع التي ستستغرق عدة سنوات لكي تؤتي ثمارها، ولكنها يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في تحسين حياة الإسرائيليين والأردنيين على السواء.
أولاً، مشروع "بوابة الأردن" قيد التطوير. من شأن هذا المشروع أن يُقيم منطقة للتجارة الحرة بين البلدين. وهذا من شأنه أن يتيح لكلا الجانبين التمتع بحرية تدفق العُمال ورجال الأعمال والسلع والمواد الخام، ويوفّر جميع أنواع المزايا والامتيازات التنظيمية، مثل الإعفاءات من الضرائب على الشركات، والرسوم الجمركية، وضرائب الشراء، وضرائب القيمة المضافة، وضريبة الدخل، ورسوم التسجيل على أعمال البناء، والضرائب على الأراضي. وستقع هذه المناطق في منتصف الطريق بين ميناء حيفا وعمّان، ليس بعيداً عن إربد، ثاني أكبر مدينة في الأردن، مما سيسهل الوصول إلى أوروبا والولايات المتحدة من الجانب الإسرائيلي، وإلى خليج العقبة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ من الجانب الأردني. ولن يُسمح بدخول المنطقة إلا للأفراد المرخص لهم والزوار الذين تم التدقيق والتحقق منهم من قبل الحكومتين. وعلى الجانب الإسرائيلي من المنطقة، سيتم تطبيق القانون الإسرائيلي، بينما سيتم تطبيق القانون الأردني على الجانب الأردني منها.
ثانياً، يهدف مشروع البحر الأحمر والبحر الميت بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية والذي تبلغ قيمته 1.1 مليار دولار إلى توفير المياه إلى الأطراف الثلاثة، فضلاً عن زيادة تدفق المياه إلى البحر الميت الذي يعاني من نضوب شديد. وتستند هذه الخطة إلى تحويل المياه من البحر الأحمر، وتحويل بعضها إلى مياه للشرب، ونقل المياه المتبقية شمالاً إلى البحر الميت.
ثالثاً، تجري محادثات لفتح معبر حدودي جديد بين إسرائيل والأردن بالقرب من البحر الميت. وهذا المشروع يمكن أن يمهد الطريق أمام الأردن لكي يكرر برنامج واسع تم إطلاقه من قبل الحكومة الإسرائيلية في عام 2014، والذي جلب1,500 أردني للعمل في الفنادق في منتجع مدينة إيلات الإسرائيلية. ويُنظَّم البرنامج بإحكام، حيث ينام العمال الأردنيون في ثكنات مجاورة تابعة للشركات، مع حظر تجوال صارم - على الرغم من أنهم يتقاضون الحد الأدنى من الأجور الإسرائيلية، التي تعادل أربعة أضعاف ما قد يحصلون عليه في الأردن. وحتى الآن، لم تكن هناك أي نكسات كبرى مع البرنامج. ويمكن أن يعمل معبر البحر الميت الجديد بطريقة مماثلة، وأن يوفر للأردنيين وظائف جديدة في المنتجعات والمصانع في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه المبادرة أن توفر فرصة للأردنيين للقاء الإسرائيليين وجهاً لوجه، وتبديد بعض المعتقدات الأكثر تشدداً التي قد تكون لديهم حول جيرانهم.
ويسعى "المركز الأردني للدراسات الإسرائيلية"، وهو مركز أبحاث مستقل تم تأسيسه في عام 2014 من قبل عبد الله صوالحة، وهو موظف سابق في مكتب المتحدث باسم الحكومة الأردنية، إلى توسيع هذه المبادرات. وينصب هدف المركز في دراسة إسرائيل بموضوعية لكي يتمكن الأردنيون من اكتساب فهم أعمق للسياسة والمجتمع الإسرائيلي. ويتعاون صوالحة مع عدد من الجامعات ومعاهد البحوث الإسرائيلية لإرسال وفود من الطلاب الأردنيين إلى إسرائيل. ويهدف المركز أيضاً إلى استحداث برامج دائمة توفر لأعداد متزايدة من الأردنيين فرصة التفاعل وجهاً لوجه مع الإسرائيليين. إن واقع توفير فرصة لأعداد أكبر من الأردنيين للقاء الإسرائيليين بأنفسهم يمكن أن يبشر ببعض التحولات الصغيرة في تصورات الجمهور الأردني حول إسرائيل.
وإجمالاً، يمكن لهذه المشاريع الأردنية -الإسرائيلية المشتركة أن تمهّد الطريق [لإطلاق] المزيد من المشاريع التعاونية، فضلاً عن زيادة المشاركة الأردنية في عملية السلام الإسرائيلية -الفلسطينية، وجميعها يمكن أن تفيد البلدين.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن. أرييه ميلمان هو مساعد باحث في المعهد.
"ذي سايفر بريف"