- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2809
لردع «حزب الله» الجديد، لا بد من التفكير على المستوى الإقليمي
تبادلت إسرائيل و«حزب الله» خطابات شديدة اللهجة لم تنفك تزداد احتداماً في الفترة الأخيرة، مما دفع بالكثيرين في المنطقة إلى التعليق على احتمال نشوب حرب جديدة بين الخصمين. وبالفعل، سيزداد احتمال حدوث ذلك طالما أن «حزب الله» مستمر في بناء ترسانته بالاعتماد على الأسلحة الإيرانية المتطورة، ولا يزال يشكّل خطراً على إسرائيل من على الحدود اللبنانية ومن القطاع الذي تسيطر عليه سوريا في هضبة الجولان.
وبالفعل، وسعّ «حزب الله» دائرة نفوذه في المنطقة إلى حدّ كبير منذ اندلاع حربه الأخيرة مع إسرائيل في عام 2006. فلم يعد الحزب مجرد ميليشيا لبنانية، بل أصبح منخرطاً إلى حد كبير في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق، وإلى حد ما في اليمن، وعزّز سلطته داخل مؤسسات الدولة اللبنانية. لذلك، لا بد للخطط والسياسات الرامية إلى احتواء تهديد «حزب الله» داخل لبنان وخارجه - سواء عبر الوسائل العسكرية أو الدبلوماسية - أن تأخذ بعين الاعتبار الدور الجديد الذي يضطلع به الحزب على الصعيد الإقليمي.
وعلاوة على ذلك، يُعتبر «حزب الله» اليوم من أهم عناصر الجيش الإقليمي الإيراني، وبالتالي فإن الجهود المبذولة للحد من نفوذ الحزب على الجبهة الداخلية اللبنانية فقط ستكون غير كافية. وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون هذه الجهود جزءاً من استراتيجية إقليمية شاملة تهدف إلى كبح جميع الميليشيات الشيعية الإيرانية.
الرهانات في لبنان
إلى جانب لغة المواجهة التي تأتي من مسؤولين إسرائيليين و «حزب الله» على حد سواء، شنّت إسرائيل ضربات عسكرية على شحنات الأسلحة لـ «حزب الله» داخل سوريا، ولا سيما تلك التي يُدّعى أنها تتضمن أسلحة متطورة. لم يردّ «حزب الله» على أي من هذه الضربات، بما فيها الهجوم الأخير، في 27 نيسان/أبريل، عندما أصابت إسرائيل مستودعاً للأسلحة في دمشق كان يُشتبه أن «حزب الله» يخزن فيه الأسلحة التي تزودها إيران. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ازدادت وتيرة مثل هذه الضربات الإسرائيلية، مما يدل على موقف حازم على نحو متزايد ضد محاولات «حزب الله» الحصول على أسلحة متقدمة في سوريا. إلا أن «حزب الله» اكتفى بالرد على الهجمات الإسرائيلية بكلمات تهديد، باستثناء الحادثين الطفيفين اللذين وقعا على الحدود اللبنانية في عامي 2014 و 2015.
لقد توخّى «حزب الله» الحذر في الرد على هذه الهجمات لسببين رئيسيين: (1) يفضّل تجنب افتعال حرب مع إسرائيل في الوقت الذي لا تزال فيه معظم قواته المقاتلة متورطة في حروب إقليمية أخرى. (2) يريد الحزب الحفاظ على الرصيد السياسي الذي اكتسبه على الساحة السياسية اللبنانية وفي مؤسسات الدولة خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية من السلام النسبي. وخلال هذه السنوات الأخيرة، عمدت الطائفة الشيعية في لبنان إلى تغيير نظرتها المستقبلية ونمط حياتها بما يتلاءم مع الدور الموسع الذي يضطلع به «حزب الله». وبالتالي، فلدى الحزب الكثير ما يخسره في لبنان.
وعلى وجه الخصوص، اعتمدت الطائفة الشيعية في لبنان، ومن بينها «حزب الله» الذي هو مكوّن من مكوّناتها، عقلية يسيّرها مفهوم يفيد بأن الهدوء هو أحد أسرار نجاح الأعمال التجارية. وفي الآونة الأخيرة، ظهرت العديد من الأعمال التجارية في معاقل شيعية مثل الضاحية، جنوب بيروت، وعبر جنوب لبنان. وفي كل مدينة وبلدة رئيسية، فُتحت الفنادق والمطاعم والمقاهي ذات الطراز الحديث، واستثمرت المصالح التجارية الشيعية من داخل لبنان وخارجه في مثل هذه المشاريع.
ويدرك «حزب الله» أن اللهجة التي يعتمدها في خطاباته والتي تتطرق بشكل متزايد إلى موضوع الحرب، لا تصب في مصلحة هذه الاستثمارات التجارية. وفي حال نشوب حرب، يعرف اللبنانيون أن الأموال التي سيحصلون عليها لإعادة الإعمار فضلاً عن الهبات من دول الخليج العربية ستكون أقل بكثير من سابقاتها، مقارنة بما حصلوا عليه بعد حرب عام 2006، نظراً للتوترات السنية الشيعية المتزايدة.
والأهم من ذلك كلّه أن «حزب الله» سيتحمّل هذه المرة، خلافاً لما جرى في عام 2006، المسؤولية على الطائفة الشيعية. فبينما استقبلت الطوائف اللبنانية الأخرى أو العائلات السورية أبناء الطائفة الشيعية الفارّين من الضاحية ومن مساكنهم في جنوب لبنان على خلفية اندلاع الحرب الأخيرة مع إسرائيل، ستكون مثل هذه الاحتمالات مستبعدة جداً هذه المرة، خاصة نظراً إلى الحرب في سوريا والصراع الطائفي الحاد الذي رافقه - ذلك الصراع الذي أججه «حزب الله» نفسه.
وتبرر كل هذه العوامل مجتمعة عدم إقدام «حزب الله» على الرد على الضربات الإسرائيلية ورغبته في تجنب اندلاع حرب في المستقبل. وتعلم إسرائيل، من جهتها، أن الضربات التي تستهدف ترسانة «حزب الله» في لبنان قد تتسبب في ردة فعل مغايرة، مما دفعها إلى تجنب مثل هذه الاستفزازات. وقد سمح هذا التوازن الدقيق بإبعاد الحرب [عن المنطقة] حتى الآن - إلا أنه لا مفر من وقوع الأخطاء، خاصة في مثل هذه الساحة المشحونة، ويمكن أن تؤدي الحسابات الخاطئة إلى اندلاع حرب.
«حزب الله» كجيش إقليمي
على الرغم من مواقف «حزب الله» المتقلبة من احتمالية اندلاع حرب مستقبلية مع إسرائيل، يواصل الحزب توسيع مهمته الإقليمية. فإلى جانب راعيه الإيراني، يكسب الحزب اللبناني المزيد من النفوذ بين الطوائف الشيعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، أصبح «حزب الله» يتمتّع بإمكانيات عسكرية متقدمة بفضل نشاطه في سوريا وبلدان أخرى. وفي حين يستمر «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في تأدية دور الهيئة الإشرافية [لمراقبة أعمال الحزب]، فإن «حزب الله»، الذي أصبح القوة الشيعية العربية الرائدة التي تخضع لأمرة إيران، يقوم بنفسه بتدريب وقيادة الميليشيات الشيعية العراقية والسورية والباكستانية والأفغانية واليمنية. وبالفعل، مع ازدياد دور إيران في المنطقة، يتعاظم أيضاً دور «حزب الله» فيها.
وعلاوة على ذلك، على الرغم من استمرار تكبّد «حزب الله» خسائر فادحة [في صفوف مقاتليه] في سوريا ومواجهته التحديات المرتبطة بقاعدة دعمه في لبنان، إلّا أنّه لا يزال قادراً على إقناع مناصريه والمقاتلين المحتملين بأن دور الحزب الإقليمي الجديد سيولّد سلطة ووحدة سياسية شيعية لم يسبق لهما مثيل. ويعتبر معارضو «حزب الله» أن أثره الواسع في المنطقة يجعل التصدي له مهمة أكثر تعقيداً مما كانت عليه في الماضي. وبالمثل، فإن الحرب في لبنان لن تؤثر بالضرورة على أصوله في بلدان أخرى في المنطقة.
ومن أجل التصدي لـ «حزب الله» حالياً، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل وخصوم الحزب من العرب مواجهة واحتواء خططه ودوره في سوريا والعراق وبلدان أخرى في المنطقة، وفي سياق الميليشيات الشيعية الأخرى المرتبطة به. ويقيناً، يستمّد الحزب قدراً كبيراً من القوة من مكانته الإقليمية المتعاظمة وصلاته بمثل هذه الميليشيات على حد سواء.
وفي هذه الحالة، سيشكل عزل الرئيس بشار الأسد من السلطة خطوةً هامّة إلى الأمام ، وبالتالي تحدّي «سوريا المفيدة» التي تسيطر عليها إيران - [و«سوريا المفيدة» هي ممر جغرافي يمتد من الساحل العلوي عبر حمص وضواحي دمشق وصولاً إلى القلمون على الحدود اللبنانية]. وقد برّر «حزب الله» والمسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً انخراطهم في سوريا بأنه استجابة لطلب الأسد وحكومته لمثل هذه المساعدة. وقد سمح هذا العذر لكل من إيران و«حزب الله» بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي بين دمشق والحدود اللبنانية، وباتجاه جنوب سوريا، حيث انخرط الحزب في عملية من التلاعب الديمغرافي العدواني لضمان بسط الشيعة سيطرتهم على تلك المساحات وإضفاء الشرعية على وجودهم.
ووفقاً لما تناقلته بعض التقارير الإعلامية، سترسل إيران قوة تتألف من 3 آلاف عنصر تابع لـ «حزب الله» إلى منطقة التنف الواقعة على طول الحدود السورية مع الأردن والعراق، على خلفية الضربة الأمريكية على القوات الموالية للأسد في قاعدة التنف في سوريا. وإذا نجحت إيران في فرض سيطرتها على هذه المنطقة، سيتمتع وكلاؤها بحرية التنقل بين بلدتي تدمر الشرقية (پالميرا القديمة) ودير الزور وبغداد. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتمكن «حزب الله» وغيره من الميليشيات الشيعية من منع المتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة في التنف من الوصول إلى دير الزور.
الاستنتاجات
ستواصل إيران إرسال الفرق العسكرية إلى سوريا كلما دعت الحاجة إلى ذلك - ما دامت الحرب بعيدة عن الحدود الإيرانية. ولن يغادر «حزب الله» سوريا ما لم تكتمل المهمة التي رسمتها إيران لنفسها. ومع ذلك، فإن تعاظم الوجود الأمريكي في سوريا يعقّد هذه المهمة إلا أنه لم يمنع إيران حتى الآن من تأدية مهمتها. وذكرت صحيفة "الغارديان" أن إيران غيّرت مسار جسرها البري بعد أن خشي "المسؤولون فى العراق وطهران من تزايد الوجود العسكري الأمريكي فى شمال شرق سوريا مما جعل مسار إيران الأصلى غير مجدي". وعلى الرغم من هذه النجاحات الأمريكية الظاهرة، فإن اتّباع نهج عسكري أقوى لا يكفي إذا لم يكن مصحوباً باستراتيجية شاملة تضم جميع الجهات الفاعلة الإقليمية ذات الصلة.
ولعل "التحول المستمر" هي العبارة المناسبة التي تصف دور «حزب الله» ونطاق عمله، ومقاتليه، والتركيبة الديمغرافية الأوسع للمنطقة. ولا بد لأي استراتيجية ترمي إلى مواجهة «حزب الله» أن تأخذ بعين الاعتبار مثل هذا التحول وأن تركز على أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.
حنين غدار، صحفية وباحثة لبنانية مخضرمة، وزميلة زائرة في زمالة "فريدمان" الافتتاحية في معهد واشنطن.