- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3686
على الأسد العودة إلى طاولة المفاوضات للتخفيف من أزمة الطاقة في سوريا
بإمكان واشنطن المساعدة في التخفيف من أزمة الوقود في سوريا، ولكن فقط إذا وافقت دمشق وموسكو على تمديد آلية المساعدة عبر الحدود واستئناف التقدم نحو تسوية سياسية نهائية.
في 4 كانون الأول/ديسمبر، فتحت قوات الأمن السورية في مدينة السويداء في جنوب البلاد النار على أكثر من مائتي محتج كانوا يتظاهرون ضد نقص الطاقة والارتفاع الهائل في الأسعار وقضايا الحوكمة. ورداً على ذلك، طرد المتظاهرون دورية روسية سورية مشتركة كان قد تم نشرها لمراقبة الاضطرابات المحلية، ثم عادوا إلى الشوارع في 12 كانون الأول/ديسمبر. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات تحدث يومياً في سوريا، إلا أنها نادراً ما تحصل في المناطق الخاضعة لسيطرة الأقليات مثل السويداء، حيث يخدم العديد من السكان في قوات النظام العسكرية والأمنية.
ولا يزال السبب الدقيق لنقص الطاقة غير واضح، لكن واقع حدوث ذلك في وقت مبكر جداً من الموسم يعني أن هذا الشتاء قد يكون الأقسى بالنسبة للسوريين منذ عام 2016. وفي الوقت عينه، يلوح تصويت آخر في مجلس الأمن الدولي بشأن توفير المساعدة عبر الحدود في 10 كانون الثاني/يناير. وتسلط هذه العوامل العاجلة الضوء على حاجة واشنطن للعمل بشكل مبتكر مع حلفائها من أجل وضع خطة لتخفيف المعاناة الإنسانية للمدنيين السوريين - وطوال ذلك الاستفادة من المشاكل الاقتصادية للنظام للحصول على تنازلات في التفاوض على تسوية سياسية نهائية بموجب "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".
الاحتجاجات تُسلط الضوء على الحالة الرهيبة لوضع الطاقة
وُصف احتجاج 4 كانون الأول/ديسمبر بأنه أكبر تظاهرة في السويداء منذ أيام الانتفاضة الوطنية في سوريا عام 2021. فقد اقتحم عشرات السكان مبنى حكومياً محلياً ودمروا صور الرئيس بشار الأسد وأشعلوا النيران بداخله. وفتحت قوات الأمن النار في النهاية على المتظاهرين، فقتلت أحدهم، كما توفي ضابط شرطة.
ورداً على الحادث، تم استدعاء محافظ السويداء إلى دمشق، بينما طَرد أهالي مدينة السويداء الدورية المشتركة المذكورة واستأنفوا الاحتجاجات في الشوارع بعد أيام. ووفقاً لبعض التقارير، عاد المحافظ الآن إلى السويداء مع تأكيدات من رئيس الوزراء حسين عرنوس بأنه سيتم توفير مخصصات إضافية للكهرباء والديزل. ولكن الاحتجاجات مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
وفي وقت سابق، أشارت التقارير إلى أن احتمال اتساع حالة عدم الاستقرار والاضطراب في المنطقة دفع الأسد إلى نقل ملف السويداء الأمني من "مديرية المخابرات العسكرية" إلى الشخص الموثوق لديه، رئيس "إدارة المخابرات العامة" حسام لوقا. وفي تشرين الأول/أكتوبر، افتتح النظام مركز إيواء في السويداء للهاربين من الجيش والأفراد الفارين من التجنيد الإلزامي، ووضعه تحت مراقبة لوقا و"الفرقة الرابعة المدرعة" التابعة للجيش، وهي وحدة نخبوية يسيطر عليها ماهر الأسد الشقيق الأصغر للرئيس السوري.
وتم اتخاذ هذه الخطوات في ظل نقص جديد في الطاقة والوقود الذي هو أكثر حدة بكثير من النقص المزمن الناتج عن عقد من الحرب الأهلية. وتُظهر صور من دمشق طوابير طويلة تنتظر الحافلات، التي تم تقليص خدماتها بسبب نقص الوقود. وبالمثل، يقوم سائقو سيارات الأجرة بالحد من أعمالهم الآن بعد ندرة الحصول على الوقود المدعوم. كما تأثر نقل المواد الغذائية، بحيث ارتفع سعر الخضار بنسبة تزيد عن 100 في المائة في بعض المناطق لأن نقلها إلى مراكز المدن مكلف للغاية، بينما لا يرغب موزعو الخبز في بعض أحياء حلب في نقل منتجاتهم عندما يكون من الأوفر لهم البقاء في مناطقهم. وفي غياب الدعائم الأساسية للتدفئة مثل زيت المازوت، لجأ بعض السوريين إلى حرق قشور الفستق للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء.
ويمكن إسناد العديد من هذه المشكلات إلى المشاكل الاقتصادية للنظام، والتي تنبع إلى حد كبير من الفساد المستشري والافتقار إلى إعادة الإعمار على نطاق واسع بعد الحرب. ورداً على ذلك، خفض النظام الإعانات الأساسية - التي هي من الناحية التاريخية إحدى أفضل أدواته للحفاظ على ولاء الجمهور. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، على سبيل المثال، أُعلن عن خفض دعم الوقود للموظفين الحكوميين بنسبة 40 في المائة. ولا يقدم مشروع الموازنة لعام 2023 الكثير من الأمل. وتعتزم الحكومة تخفيض إنفاقاتها على الإعانات الاجتماعية بنسبة 12 في المائة مقارنةً بعام 2022، مع توقع انخفاض دعم القمح والدقيق بنسبة 44 في المائة. وعلى الرغم من أنه من المقرر زيادة توفير المنتجات النفطية بنسبة 25 في المائة، فقد لا يكون ذلك كافياً للحد من التراجع الحالي. ولا يتوفر البنزين اليوم إلا في السوق السوداء، حيث لا يستطيع معظم السوريين تحمل الأسعار، بينما اضطرت محافظة حلب إلى خفض مخصصات الديزل للسيارات ووسائل النقل العام بنسبة 30 في المائة. ودفعت هذه المشاكل المكاتب الحكومية إلى الإعلان عن إغلاق المنشآت في أيام محددة، وحتى الأنشطة الترفيهية قد تأثرت، حيث أوقفت الدوريات الرياضية التي يسيطر عليها النظام أنشطتها مؤقتاً.
وترتبط خطورة الوضع الحالي أيضاً بمجموعة غامضة من القرارات غير المؤاتية التي يتخذها الفاعلون الإقليميون الرئيسيون. ففي 2 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية أن إيران قد أوقفت شحنات النفط إلى البلاد اعتباراً من أوائل أيلول/سبتمبر، متذرعةً "بظروف تخفيفية". ولكن في تشرين الثاني/نوفمبر، صرحت مصادر إيرانية لصحيفة "الوطن" اليومية الموالية للنظام أن شحنات النفط الخام لطهران إلى سوريا ستزداد من 2 إلى 3 ملايين برميل شهرياً. وبالفعل، تشير التقارير إلى أن ناقلات النفط الإيرانية ما زالت تمر عبر الموانئ السورية. ومهما يكن الأمر، تُعد هذه المساعدة بمثابة إسعافات أولية أكثر من كونها علاجاً سحرياً، بحيث لم يكن مجموع 16 مليون برميل من النفط الذي زودته إيران لسوريا من كانون الثاني/يناير إلى أيلول/سبتمبر كافياً إلا لتغطية 80 يوماً من الطلب المحلي.
ويتمثل عائق خارجي آخر بسلسلة الضربات العسكرية التركية الأخيرة عبر الحدود ضد المواقع التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» («قسد») في شمال شرقي البلاد. ويبدو أن هذه الحملة أوقفت بعض حقول ومنشآت النفط السورية، مما خفض الإنتاج الوطني من 90 ألف برميل يومياً إلى حوالي 20 ألفاً - وهو انخفاض صارخ في بلد تتراوح احتياجاته اليومية من النفط حول 200 ألف برميل. وليس من الواضح بعد ما إذا كان بإمكان المنتجين الخارجيين التدخل للحد من النقص، كما فعلت إيران في عام 2019. ولكن بصورة إجمالية، تشكل الأسباب المحتملة المتعددة الكامنة وراء المأزق الحالي في سوريا دليلاً آخراً على فشل الدولة.
الاستفادة من الطاقة للإغاثة الإنسانية
أشعلت احتجاجات السويداء النقاشات المعتادة في الأوساط السياسية، حيث دعا البعض إلى التعليق الفوري للعقوبات بينما دعا البعض الآخر إلى تشديد العقوبات لتسريع انهيار نظام الأسد. ومع ذلك، لا يوجد أي نهج واقعي. فسبب نقص الطاقة والمشاكل الاقتصادية الأخرى في سوريا هو التدمير الناجم عن الحرب، وليس العقوبات، التي لا تستهدف واردات البلاد من المنتجات النفطية. وبينما يمكن أن يدفع هذا النقص بالمزيد من المتظاهرين للخروج إلى الشوارع هذا الشتاء، فإن احتمال انهيار النظام يبدو بعيداً - فقد قرر الأسد ودائرته المقربة منذ فترة طويلة اتباع سياسة إطلاق النار على السوريين لإرغامهم على الخضوع، لذلك لا تهتم الحكومة كثيراً حول إغلاق المكاتب التي تخدم الجمهور، أو تشديد حزام ميزانيتها رداً على العقوبات.
ومع أخذ هذه الأمور في نظر الاعتبار، من الضروري أن تفكر الولايات المتحدة بصورة أكثر ابتكاراً. أولاً، يجب أن تعمل مع الحلفاء للإبقاء على المساعدات عبر الحدود قبل انتهاء صلاحية "قرار مجلس الأمن رقم 2642" في 10 كانون الثاني/يناير. وتسمح هذه الآلية بإرسال الإمدادات عبر معبر باب الهوى إلى شمال غرب سوريا، حيث لا يزال يتواجد حوالي 4 ملايين لاجئ ونازح. وقد سمحت روسيا بتمديد الآلية لمدة ستة أشهر فقط في تموز/يوليو الماضي، مراهنةً على ما يبدو بأن ظروف الشتاء القاسية ستمنحها مزيداً من النفوذ عند التفاوض على القرار التالي. ففي تصريحاتها لمجلس الأمن في 21 كانون الأول/ديسمبر، بدت موسكو وكأنها تبتعد عن احتمال التجديد، معلنةً أنها "غير مقتنعة" بأن الآلية الحالية هي الطريقة المثلى لإدخال المساعدات إلى البلاد. لكن في ظل معاناة السوريين على المستوى الاقتصادي حتى في مناطق سيطرة النظام، قد يكون لدى روسيا حافز لقبول التمديد لمساعدة موكلها في دمشق.
ثانياً، يجدر بواشنطن أن تدرس بشكل كامل توسيع نطاق الإعفاءات الإنسانية للمساهمة في تخفيف المعاناة من دون إفادة شبكات نظام الأسد. وتشمل هذه: المبادئ التوجيهية لوزارة الخزانة التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع والتي تهدف إلى تسهيل تدفق المساعدات مع الإبقاء على العقوبات الحالية. وبناءً على هذه القواعد الجديدة، يجب على المسؤولين دراسة إمكانية تسليم شحنات الوقود الطارئة إلى سوريا مع الحد من الفرص المتاحة للنظام لاستغلال التدفقات.
وتتمثل إحدى الطرق للقيام بذلك في إنشاء "قناة بيضاء" للمساعدات الإنسانية في سوريا - على غرار النهج الذي اتُبع مع إيران في تشرين الأول/أكتوبر 2020، عندما أعلنت واشنطن أن الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية يمكنها إنشاء آلية دفع للصادرات الإنسانية المشروعة إلى ذلك البلد طالما لم يتم تحويل أي أموال إلى النظام. فإنشاء مثل هذه القناة لسوريا سيتطلب من الحكومات التي تتبنى مواقف مماثلة اتخاذ قرارات متزامنة للسماح بتنفيذ الآلية، بالإضافة إلى إنشاء غرفة مقاصة سيادية لتحمل مخاطر المعاملات المرتبطة بالشحنات في سوريا (ستتم مناقشة المزيد من التفاصيل حول هذه النقاط الفنية في المراصد السياسية المستقبلية). ومن شأن ذلك أن يضمن عدم استفادة نظام الأسد والمنظمات المصنفة (إرهابية) من شحنات المساعدات أو التلاعب بها - وهو مصدر قلق سياسي رئيسي.
ويُعد إرسال إمدادات الطاقة إلى سوريا أمراً معقداً بشكل خاص لأن معظمها يتم تحويله إلى منشآت وشبكات النظام نظراً (لطريقة) تصميم البنية التحتية للطاقة في البلاد. ولتجنب التأثير على المدنيين، لم تستهدف العقوبات الأمريكية مطلقاً استيراد المنتجات النفطية المكررة، على الرغم من أن بعض العقوبات الناشئة عن "قانون قيصر لحماية المدنيين" في سوريا لها آثار جانبية. وأظهرت واشنطن استعداداً لتقديم المزيد من الإعفاءات من العقوبات لأنواع معينة من الطاقة حتى لو كان ذلك يساعد النظام بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، استثنت مؤخراً نقل الغاز الطبيعي والكهرباء عبر سوريا إلى لبنان مقابل تسليم شحنات الطاقة إلى نظام الأسد. ومن الناحية الفنية، اقتصرت عمليات التسليم هذه على الاستخدامات الإنسانية، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يدركون بلا شك أن شبكة الكهرباء السورية تزود معسكرات الاعتقال والقواعد العسكرية التابعة للنظام بالطاقة، وليس فقط منازل المدنيين.
وإذا عملت واشنطن على تسهيل شحنات الوقود الطارئة إلى سوريا، فعليها القيام بذلك من دون توسيع نطاق التطبيع مع نظام الأسد، الذي تزداد انتهاكاته سوءاً. ويعني ذلك انتزاع تنازلات سياسية واضحة في المقابل. وعلى وجه التحديد، يجب على المسؤولين الأمريكيين مطالبة النظام باتخاذ خطوات ملموسة بموجب "قرار مجلس الأمن رقم 2254"، مثل إطلاق سراح المحتجزين والسماح للجنة الدستورية بأداء عملها فعلياً، بما يتماشى مع تدابير بناء الثقة "خطوة بخطوة" التي اتخذها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن. ومن خلال الاستفادة بدقة من أزمة الطاقة، يمكن لواشنطن أن تُظهر للسوريين أنها تهتم بمصيرهم - بينما تشير في الوقت نفسه إلى الأسد ورعاته الروس بأنه لا يستطيع استعادة السيادة الكاملة على الأراضي السورية، لذا فإن التسوية التفاوضية هي سبيله الوحيد للخروج من الانهيار المستمر.
أندرو تابلر هو "زميل مارتن ج. غروس" في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون سوريا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. إريك يافورسكي هو مساعد باحث في "برنامج السياسة العربية" التابع للمعهد.