- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
على الولايات المتحدة الحذر من المبالغة في استخدام أوراقها ضد «الإخوان المسلمين»
تقوم جماعة «الإخوان المسلمين» على نشر إيديولوجيا عنيفة وإقصائية. فمواقعها الإلكترونية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بنظريات التآمر المعادية للمسيحيين وللسامية. وقد هددت الشبكات التابعة لها في إسطنبول الرعايا الأجانب في مصر. كما تبنّى قادتها ومنصاتها الرئيسية العنف والإستشهاد صراحةً. أما شعارها - الذي يختتم بـ "الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" - فيترك القليل من الشك بشأن المدى الذي قد يصل إليه أعضاؤها خلال سعيهم لتحقيق هدف «الجماعة» الأسمى المتمثل بتأسيس سلسلة من الثيوقراطية الإسلامية [قائمة على السلطة الدينية]، وعلى المدى الطويل "دولة إسلامية عالمية".
وبالتالي، فإن إدارة ترامب محقة في قلقها إزاء «الإخوان المسلمين» وإلى أي مدى تشجع هذه «الجماعة» الإرهاب. ولكن إذا مضت قدماً بالخطة التي نشرتها بعض التقارير لتصنيف «الجماعة» منظمة إرهابية، فستواجه عقبتين تقنيتين تكتسيان أهمية كبيرة.
أولاً، لا تُعتبر جماعة «الإخوان» منظمة منفردة بل هي حركة دولية تشمل العشرات من المنظمات الوطنية المنبثقة عنها. (وقد أخبرني قادة «الإخوان» أنهم يملكون منظمات تابعة لهم في حوالي 70 دولة، لكن من الصعب تأكيد ذلك). وعموماً، تتشارك المنظمات المنبثقة عن هذه «الجماعة» خاصيتين مشتركتين: تُخضِع أعضاءها لعمليات تلقين عقائدي تمتد على عدة سنوات يجري خلالها اختبار التزام «الإخوان» المحتملين بالدافع الباحث لـ «الجماعة» واستعدادهم لاتباع الأوامر. وتعتمد منظمات «الإخوان» تسلسلاً قيادياً صارماً، حيث تقوم القيادة المركزية داخل كل منظمة بإملاء الأدوار على الخلايا المحلية، التي تُعرف باسم "الأُسر" والتي يمكن حشدها للقيام بأنشطة متنوعة تشمل الوعظ، وتنظيم الحملات السياسية، وتوفير الخدمات الاجتماعية، والعنف.
وعلى الرغم من أوجه التشابه التنظيمية، إلا أن كل منظمة وطنية تابعة لـ «الإخوان» تؤدي مهامها على نحو مستقل، وقد عملت هذه المنظمات في بعض الأحيان لتحقيق أهداف متناقضة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي عملت فيه جماعة «الإخوان المسلمين السورية» على الإطاحة بنظام الأسد، تحالفت حركة «حماس» مع النظام وأبقت مقرها في دمشق حتى عام 2012. وعلى الرغم من أن "مكتب الإرشاد العالمي"، الذي يرأسه إسمياً المرشد العام المصري المسجون حالياً، يتولى مراقبة أنشطة مختلف منظمات «الجماعة» ويساعد على تنسيق المراسلات بينها، إلا أنه لا يدير أنشطتها - ويُعزى السبب جزئياً إلى أن الانقسامات التكتيكية بين مختلف فروع «الجماعة» تجعل هذا الأمر شبه مستحيل.
ومن الناحية النظرية، يمكن لإدارة ترامب التغلب على هذه العقبة من خلال اتخاذها خطوة بسيطة تقوم على تصنيف منظمات «الإخوان» الفردية، كما فعلت إدارة كلينتون مع «حماس». لكن مع ذلك سيطرح الأمر تحديات للإدارة الأمريكية من ناحية تطبيق ذلك على الصعيد العالمي. ففي النهاية، ورغم تركيز «الإخوان» على الوحدة الداخلية والطاعة، تواجه بعض أهم منظماتها في الواقع انقسامات كبيرة. وفي مصر، أدّت حملة القمع التي تعرض لها «الإخوان المسلمين» بعد الإطاحة بمحمد مرسي في تموز/يوليو 2013 إلى تجريدها من قادتها، مما جعلها غير قادرة عملياً على توجيه أي نوع من النشاط على نطاق وطني في مصر، سواء أكانت عنيفة أو غير ذلك. وفي الأردن، استمالت الحكومة فصيل "الحمائم" الموالي للنظام نسبياً وحظرت ما يسمى "بالصقور" المتحالفين تقليدياً مع «حماس». وكانت جماعة «الإخوان المسلمين السورية» تواجه انقسامات حادة بشأن مسائل تكتيكية لعقود من الزمن، رغم أن قيادتها اتحدت مجدداً بعد عام 2011 حول هدف مشترك تمثّل بدعم الانتفاضة ضد نظام الأسد.
أما العقبة الثانية أمام تصنيف جماعة «الإخوان» كمنظمة إرهابية أجنبية فترتبط بالسؤال المحدّد حول ما إذا كانت أنشطة «الجماعة» تُلبي المعيار القانوني للاشتراك في "أعمال عنف مدبّرة وذات دوافع سياسية تُرتكب ضد أهداف غير قتالية تنفذها جماعات إقليمية أو وكلاء سريون". ويقيناً، تستوفي «حماس» هذا المعيار لأنها تستهدف مدنيين بهدف قتلهم. ولكن في معظم الحالات الأخرى، تتوخى منظمات «الإخوان» الحذر لتجنب تخطي الحدّ الفاصل بين التعبير عن تقارب إيديولوجيتها من الهجمات الإرهابية - التي تقوم بتنفيذها بشكل مثمر - والإيعاز إلى أعضائها بتنفيذ هجمات إرهابية فعلية.
فعلى سبيل المثال، أصدرت جماعة «الإخوان المسلمين المصرية» بيان رثاء عندما قتلت القوات الأمريكية أسامة بن لادن في عام 2011، وهي تثني بشكل منتظم على الاعتداءات التي تشنها «حماس» على إسرائيل، وكما ذُكر سابقاً، دعمت دعوة الجهاد في سوريا في عام 2013. ولكن ليس هناك ما يدل على أنها أرسلت بالفعل المساعدات أو العناصر لدعم تنظيم «القاعدة» أو «حماس» أو الجماعات السورية الإرهابية المختلفة. أما حملة القمع الشديدة التي شُنت ضد «الإخوان» منذ الإطاحة بمرسي عام 2013، فقد جعلت من المستحيل تقريباً على «الجماعة» الإيعاز بالقيام بهذا النوع من الأنشطة، حتى لو كانت تميل إلى ذلك، لأن قادتها من مختلف المستويات معتقلون في السجون أو مشتتون في المنفى حالياً. ومع ذلك، هناك العديد من التقارير التي أفادت عن وجود متعاطفين مع جماعة «الإخوان المسلمين المصرية» (وأعضاء فيها على الأرجح) يقاتلون في سوريا، ومؤخراً أُدين رجل من ولاية أريزونا الأمريكية بالتعاون مع كوادر «الإخوان المسلمين» في تركيا لمساعدة طالب على السفر للانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». لكن هذه تبدو وكأنها أفعال فردية، وليس هناك أي دليل حتى الآن على أن هذه القرارات كانت موجهة من قبل سلطة أعلى ضمن جماعة «الإخوان المسلمين المصرية» - التي، نكرر مرة أخرى، حتى لا وجود لها، نظراً للانقسامات العميقة في صفوف «الجماعة» منذ عام 2013.
وفي النهاية، إن معظم الفصائل المنبثقة عن «الإخوان» في أشكالها الحالية هي أقرب إلى جماعات تحض على الكراهية من كونها تنظيمات إرهابية: فهي تعزز التعصب [الديني] وتتبنى هجمات ضد مجموعة واسعة من الأهداف بدافع إيديولوجي، ولكن في معظم الحالات، لا توجد أدلة كافية لإثبات أنها نظمت تلك الهجمات. فضلاً عن ذلك، ونظراً إلى النفوذ التاريخي لجماعة «الإخوان المصرية» على الحركة الأوسع نطاقاً، أدّى فشل مرسي في مصر والانهيار اللاحق لهذه «الجماعة» إلى فقد الحركة الدولية مصداقيتها إلى حد كبير، وأصبح العديد من فروع «الإخوان» أضعف بكثير مما كانوا عليه قبل انتفاضات "الربيع العربي" في عام 2011. ومن هذا المنطلق، تبدو معظم منظمات «الإخوان» في الموقع الذي تريده إدارة ترامب بالفعل: مهمشة وأكثر قدرة على نشر الكراهية من العمل على أساسها. وهناك الكثير الذي يمكن أن تقوم به الإدارة الأمريكية لإبقاء جماعة «الإخوان» محاصرة، على غرار تعزيز تعاونها مع شركائها في الشرق الأوسط الذين يعارضون «الجماعة» ويتحدثون علناً عن إيديولوجية «الإخوان» القائمة على الكراهية والعنف.
وفي المقابل، إذا حاولت إدارة ترامب وفشلت في تصنيف جماعة «الإخوان» كمنظمة إرهابية أجنبية، قد يكون لذلك نتائج عكسية: فمن المرجح أن تعتبر منظمات «الإخوان» هذا الفشل نصراً وتستخدم تصنيفاً فاشلاً كدليل على الإدعاء - بشكل خاطئ - أنها غير عنيفة. ونظراً إلى المناخ السياسي المستقطب في واشنطن، فإن تصنيفاً فاشلاً لجماعة «الإخوان» قد يجعل كلمتها مسموعة أكثر في بعض الأوساط السياسية ودوائر صنع السياسات في نهاية المطاف. لذا على الإدارة الأمريكية الحذر من اتخاذ خطوات مبالغ فيها: فهي قد تُضفي الشرعية على «الإخوان» بطرق لا تقصدها وبطرق بالكاد تستحقها منظمات «الجماعة».
اريك تراجر هو زميل "إستير واغنر" في معهد واشنطن، حيث تتركز بحوثه على السياسة المصرية وجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر.
"سايفر بريف"