- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
على الولايات المتحدة تخفيف حدة المغامرة الروسية في ليبيا
حتى فترة ليست ببعيدة، لم يتغيّر المشهد كثيراً في ليبيا منذ نيسان/أبريل، عندما شنّ الجنرال خليفة حفتر، الذي يلقّب نفسه قائد "الجيش الوطني الليبي"، هجوماً على طرابلس. والآن، سلّطت روايتان بارزتان الضوء على وجود مرتزقة روس على الجبهات الأمامية للحرب وتأثيرهم على القتال على العاصمة الليبية. وللمرة الأولى، أكّد متحدث باسم "القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا" ("أفريكوم") وجود "شركات عسكرية روسية خاصة" في غرب ليبيا (حيث تنامت الشكوك منذ فترة طويلة حول وجود روسيا في شرقي البلاد، بعيداً عن ساحات القتال). وفي خطوة غير مألوفة، ندّد حوار أمريكي- ليبي بـ "محاولات روسيا لاستغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي".
وبعد سبعة أشهر من المراوغة بشأن الحرب الأهلية الثالثة التي تشهدها ليبيا منذ ما يقرب من تسع سنوات، أمام إدارة ترامب فرصة للعب دور هام في وقفها. بيد، لتحقيق ذلك، قد يتعين على الإدارة الأمريكية الانخراط في دبلوماسية حثيثة ومعرقلة على نحو غير معهود في المنطقة. فليبيا لم تحظَ قط بالاهتمام الأمريكي الذي تستحقه سواء من قبل إدارة ترامب أو من إدارة أوباما قبلها.
لكن الرهانات أكبر هذه المرة، في ظل تهديد روسيا بترجيح كفة ميزان القوى وتوسيع نطاق وجودها على الحدود الجنوبية لحلف "الناتو". ويمكن للإدارة الأمريكية أن تذعن لنفوذ روسيا المنتشر، أو تطعن فيه من خلال جمع الدول التي تشاطرها الرأي لإعطاء دفعة أخيرة لحل سياسي في ليبيا.
لقد خلفت الحرب الأهلية الأخيرة في ليبيا أكثر من ألف قتيل وعشرات الآلاف من المشردين داخلياً. كما شلّت العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة والتي سعت إلى تقريب وجهات النظر المحلية للتوصل إلى تسوية سياسية دائمة في البلاد. ورغم تصدّي قوات "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً لهجوم حفتر في نيسان/أبريل، إلا أن طرابلس تلقت منذ ذلك الحين وابلاً من القصف العشوائي والدقيق، مما أسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين ودمار واسع النطاق في الأحياء.
وبالإضافة إلى المساعدات الروسية، تلقى حفتر الدعم من الإمارات العربية المتحدة ومصر ومن فرنسا (بدرجة أقل). وقد لجأت "حكومة الوفاق الوطني" إلى تركيا لتزويد ميليشياتها بطائرات بدون طيار وآليات مدرعة وأسلحة أخرى. ومن المتوقع أن يفصّل تقرير طال انتظاره سيصدر عن الأمم المتحدة عمليات نقل هذه الأسلحة، التي تشكل انتهاكاً للعقوبات التي تعود إلى عام 2011. وعلى نحو منفصل، تقدّر بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أن يكون "الجيش الوطني الليبي" مسؤولاً عن تنفيذ أكثر من 800 ضربة بطائرات بدون طيار، في حين أن الجانب المدعوم من "حكومة الوفاق الوطني" مسؤول عن حوالي 240 ضربة.
وتتناقض فكرة السماح بتدخل روسيا في ليبيا مع كل من استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب، واستراتيجية الدفاع الوطني، واستراتيجية مجلس الأمن القومي لأفريقيا، التي تركّز جميعها على التنافس بين القوى العظمى ومواجهة النفوذ الروسي (والصيني). فليبيا هي بمثابة حقل تجارب لهذه الاستراتيجيات. وإذا جعلت روسيا كفة الحرب تميل لصالح حفتر، فسوف تجرد الغرب من نفوذه في ليبيا سواء من خلال ضمان انتشار عدم الاستقرار أو تبديد الآمال بالتوصل إلى عملية انتقال سياسي سلمي. وقد نجحت الولايات المتحدة في السيطرة على الإرهاب الناشئ من ليبيا بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سرت عام 2016 من خلال شن ضربات استهدفت تنظيم «القاعدة» والجماعات التابعة لتنظيم «داعش». وإذا لم تعد "القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا" قادرة على ضرب أهداف في ليبيا بتركها أعمال مكافحة الإرهاب لروسيا، فمن المرجح أن يعود تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الظهور. وللإطلاع على تاريخ روسيا في هذا المجال، راجع ما حصل في سوريا.
لقد أدان البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، "الهجوم الذي شنه الجيش الوطني الليبي" والتدخل الروسي. ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول مدى جدية واستعداد الإدارة الأمريكية للتصرف. ومنذ صدور هذا البيان، نفذت قوات حفتر هجوماً أسفر عن وقوع عدد كبير من الضحايا ضد هدف مدني في طرابلس وهدف عسكري مشتبه به في مصراتة.
ولتبديد الشكوك حول تجدد التزام الولايات المتحدة تجاه ليبيا، على البيت الأبيض أن يكرر بيان 14 تشرين الثاني/نوفمبر - ويوضح رده على تدخل روسيا. أولاً، على الإدارة الأمريكية أن تسلط ضوء أكبر على تصرفات روسيا في ليبيا، ضمن الحدود التي يمكنها فيها فعل ذلك من دون تعريض مصادرها الاستخباراتية للخطر. وقد أشار العديد من المسؤولين الليبيين والغربيين إلى وجود ما بين 200 و1400 متعهد عسكري روسي خاص، ينتمي معظمهم إلى "مجموعة فاغنر" المرتبطة بأحد المقربين من فلاديمير بوتين. يتعين على الولايات المتحدة تقديم تقديرات رسمية لعددهم، ومشاركة المعلومات الممكنة الخاصة بنشر هذه الأعداد وتأثيرها. وتستفيد روسيا من إنكار "فاغنر"؛ على الولايات المتحدة القضاء على هذه الميزة.
ثانياً، يجب على الولايات المتحدة أن تهدد بفرض عقوبات على جميع الجماعات المتورطة بإرسال الأسلحة إلى ليبيا، بمن فيها موردو الأسلحة وشركات الشحن وشركات التأمين. وحتى الآن، لا يزال يتمّ انتهاك الحظر المفروض على توريد الأسلحة من دون عقاب. وتتمتع الإدارة الأمريكية بصلاحيات قائمة لفرض عقوبات على الجهات الفاعلة التي "تهدّد السلام أو الأمن أو الاستقرار في ليبيا"، كما أن مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين اقترحا تشريعاً لدعم مثل هذه العقوبات، لا سيما ضد روسيا. وحتى الآن، تم تطبيق هذه العقوبات من قبل كل من إدارتي أوباما وترامب على جهات فاعلة ليبية داخلية فقط.
وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم بشدة مؤتمر برلين الذي يهدف إلى توحيد الدعم الدولي لوقف إطلاق النار وإعادة عقد حوار سياسي ليبي. وللقيام بذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تعتمد بشدة على على شركائها في أبوظبي والقاهرة وأنقرة من أجل الالتزام على الأقل بوقف مؤقت لشحنات الأسلحة - أو مواجهة عقوبات محتملة.
وقد يكون فضح روسيا وعزلها في محاولاتها لقلب ميزان القوى في ليبيا أفضل طريقة لإيقاف محاولاتها لزيادة نفوذها في شمال أفريقيا. وكما تقرّ إدارة ترامب بنفسها، يترسخ هذا الهدف إلى حدّ كبير في المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة.
بين فيشمان هو زميل أقدم في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. وقد نشرت هذه المقالة في الأصل باللغة الانكليزية على موقع "بلومبرغ".
"بلومبرغ"