- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
على إسرائيل مقاومة جهود ترامب لتسييس الدعم
منذ فترة طويلة، التزمنا نحن الاثنان بالعلاقة الأمريكية -الإسرائيلية، وفهمنا أهميتها لكلا البلدين. فإسرائيل ليست الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط فحسب، بل تقف كحصن ضد التهديدات الإسلامية المتطرفة، سواء أكانت صادرة من إيران أو من تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن هذا المنطلق، فإن قيم ومصالح الولايات المتحدة هي التي عززت العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية على مر السنين.
كما أن القيم والمصالح دفعت إسرائيل إلى أن تكون مصلحة أمريكية - وليست مصلحة لأي من الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي.
يمكن للسياسة أن تكون متقلبة، وكونها مصلحة مشتركة بين الحزبين هو أمر حاسم لمكانة إسرائيل في الولايات المتحدة. وصحيح، أنه في بعض الأحيان، ومن الناحية التاريخية، ربما كان حزب ما أو آخر أكثر تعاطفاً مع إسرائيل. ولكن النقطة المهمة هي أن الطبيعة الأساسية لكون إسرائيل غير حزبية لطالما كانت مستدامة، وحتى في الأوقات التي شهدت اختلافات في السياسيات بين الحكومات الإسرائيلية والإدارات الأمريكية - كارتر، وبوش الأب (الرئيس الـ41) وأوباما - ظلت إسرائيل تحظى إلى حد كبير بدعم كلا الحزبين في الكونغرس الأمريكي. ولكن هذا الأمر بات عرضة للخطر اليوم، وليس فقط بسبب وجود شريحة داخل الحزب الديمقراطي أكثر ميلاً على ما يبدو إلى انتقاد إسرائيل وأقل إدراكاً لتاريخها، وغير مبالية إلى حد كبير أو غافلة عن التهديدات التي تواجهها. ومن اللافت للنظر أنه بالنسبة للبعض، مثل النائبة إلهان عمر (ديمقراطية عن ولاية مينيسوتا) والنائبة رشيدة طليب (ديمقراطية عن ولاية ميشيغان)، يبدو كما لو أن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان ومن غزة، ومقتل نصف مليون سوري - من بينهم الآلاف من الفلسطينيين - وسيطرة «حزب الله» على لبنان، وجهود إيران لترسيخ نفسها في سوريا وعلى طول هضبة الجولان، وصواريخ «حماس» والأنفاق المؤدية إلى داخل إسرائيل وتنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء، كلها أحداث لا وجود لها.
وبالطبع، عمر وطليب ليستا المجموع الكلي للجناح التقدمي للحزب الديمقراطي.
علاوة على ذلك، فإن الخطر أو التهديد المحدق بمكانة إسرائيل في كلا الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) لم يبدأ مع الرئيس دونالد ترامب. فالكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي عام 2015 ضد الاتفاق النووي المرتقب للرئيس أوباما مع إيران، ذلك الخطاب الذي تم ترتيبه بناءً على دعوة من رئيس مجلس النواب الأمريكي في ذلك الحين جون بينر (جمهوري عن ولاية أوهايو) من دون علم قيادة الحزب الديمقراطي والبيت الأبيض خلال فترة رئاسة أوباما، شكّلت ضربة فظيعة لهوية إسرائيل غير الحزبية. غير أنّ ترامب نقل الأمر إلى مستوى مختلف تماماً.
قد يكون ذلك نتيجة طبيعية لسياساته الاستقطابية - ولكن مما لا شك فيه أنّ الرئيس ترامب هو أول رئيس يجعل إسرائيل، عن قصد، مسألة يختلف عليها الحزبان ويسعى إلى توسيع الفجوة بين إسرائيل والديمقراطيين. وتصريحه الأخير بأن اليهود الذين يصوّتون للديمقراطيين يظهرون "إمّا افتقاراً تاماً للمعرفة وإمّا انعداماً شديداً للولاء" أمر مذهل، ليس بسبب الانحياز السياسي لهذا التصريح فحسب، بل للاقتراح الذي يحمله بأن معارضة سياساته كرئيس تعني عدم الولاء إمّا للولايات المتحدة أو لإسرائيل - فالأول يشير إلى أنه لا يمكن للمرء أن يشكك في سياساته من دون أن يُعتبر خائناً، والثاني يثير شبح الولاء المزدوج الفظيع لليهود.
ولا يعني أي من هذا أننا نعتقد بأن دعم الرئيس ترامب لإسرائيل مدفوع حصراً بدوافع حزبية، كما لا يعني أن دعم إدارته الرمزي القوي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أو نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس لا يبعث برسالة قوية مفادها أن أمريكا ستكون دائماً مساندة لإسرائيل - ومن الواضح أن هذا أمر مهم. ولكن إذا تم نقل السفارة لاتخاذ موقف بشأن جعل العالم يتكيف مع حقيقة أن جزءاً كبيراً من القدس سيكون دائماً عاصمة لإسرائيل، فلماذا لم تتم دعوة ديمقراطيين لحضور حفل الافتتاح؟ كان ينبغي أن يكون ذلك موقفاً بالنيابة عن جميع الأمريكيين. ولكن الأمر لم يكن كذلك، فهو بالكاد كان فعلاً صادراً عن شخص يفكر في رفاهية إسرائيل على المدى الطويل.
وربما كان أي رئيس وزراء إسرائيلي قد سعى إلى الاستفادة من استعداد ترامب لدعم إسرائيل بشكل رمزي، وهذا بالتأكيد ما فعله بنيامين نتنياهو. ولكن في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس ترامب إلى جعل كل من إلهان عمر ورشيدة طليب وجهاً للحزب الديمقراطي، يجب على رئيس وزراء إسرائيل ألا يحرّض على هذه السياسة.
ومن الواضح أنّ الغريزة الأولية لنتنياهو كانت السماح لعمر وطليب بدخول إسرائيل. فنذكر على سبيل المثال البيان الصادر في 19 تموز/يوليو عن السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر: "احتراماً للكونغرس الأمريكي والتحالف الكبير بين إسرائيل وأمريكا، لن نمنع أي عضو في الكونغرس من دخول إسرائيل."
ومن يعرف رون ديرمر، يدرك أنه من غير المعقول أن يقوم بذلك من دون مراجعة نتنياهو - وكان هذا هو الموقف الصحيح. فإسرائيل دولة ديمقراطية، والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وشأنها شأن كافة البلدان، لدى إسرائيل عيوبها، لكنها بلد مذهل وأي شخص يزورها سيرى ذلك - على عكس البلدان الأخرى في المنطقة، فهي منفتحة، وشفافة، وليس لديها ما تُخفيه.
نعم، لقد كانت لدى عمر وطليب أجندة منحازة لجانب واحد ومصممة لجعل إسرائيل تبدو حصراً الجانب الجاني وجعل الفلسطينيين يبدون كضحايا عاجزين. ولكن أجندتهما كانت صارخة لدرجة أنها فضحت تحيزهما الأساسي. وقليلون كانوا سيأخذون ذلك على محمل الجد. واليوم، بفضل قرار منعهما، فهما ضحيتان، وتحظيان باهتمام أكبر بكثير مما تستحقان أو مما كانتا ستتلقيان.
وبالتالي، تّظهر إسرائيل وكأنها كباقي البلدان الشرق أوسطية - أو مثل روسيا أو الصين، التي تمنع أولئك الذين قد يفضحون سلطتها الاستبدادية. لذلك، تخسر إسرائيل.
ولكن مَن المستفيد إلى جانب عمر وطليب؟ دونالد ترامب ورغبته في تصوير الديمقراطيين كعمر وطليب. فقد كانت تغريدته، التي أشارت إلى أنّ سماح إسرائيل لهما بالدخول يدل على "ضعف"، كفيلة لكي يقوم نتنياهو بالتراجع. وللأسف، كان ذلك علامة ضعف وليس قوة.
إسرائيل هي حليفة أمريكا في الشرق الأوسط - ولا ينبغي السماح لإلهان عمر ورشيدة طليب ودونالد ترامب بتقويض دعم الحزبين الأمريكيين لها.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. وشغل منصب مساعد خاص للرئيس أوباما، و "منسق خاص لشؤون الشرق الأوسط" في عهد الرئيس كلينتون، ومدير "موظفي تخطيط السياسات" بوزارة الخارجية الأمريكية أثناء إدارة الرئيس بوش الأب. وهو مؤلف، مع ديفيد ماكوفسكي، للكتاب الذي سيصدر في 3 أيلول/سبتمبر بعنوان، "كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها".
ستيوارت آيزنستات هو مستشار أقدم في Covington & Burling LLP. وقد شغل منصب مستشار السياسة الداخلية السابق للرئيس جيمي كارتر، والسفير الأمريكي السابق لدى الاتحاد الأوروبي ونائب وزير الخزانة السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون. وهو مؤلف كتاب "الرئيس كارتر: سنوات البيت الأبيض".
وروس وستيوارت هما رئيسان مشاركان لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي"، الذي هو مؤسسة فكرية غير ربحية لتخطيط السياسات مقرها في القدس.
"ذي هيل"