- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2944
على محادثات ترامب مع كوريا الشمالية أن تعالج مسألة الانتشار النووي في سوريا وإيران
في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجراء مفاوضات مباشرة مع الدكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون في الأشهر المقبلة، لا بدّ أن يتمثل أحد أهم أهداف إدارته لهذا الحوار التاريخي في وقف مبيعات الأسلحة من بيونغ يانغ إلى الشرق الأوسط بشكل دائم. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، أجرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة محادثات مسهبة مع النظام الكوري هدفت إلى وضع حدّ لبرامج الأسلحة النووية والصواريخ البالستية في البلاد، غير أنها لم تحقق أي نجاح يُذكر. إلّا أنّ قطع شبكات كوريا الشمالية لنشر الأسلحة النووية في الخارج لم يكن يوماً ضمن أبرز أولويات واشنطن، وفقاً لمسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين. والنتيجة أن بيونغ يانغ تواصل تصدير التكنولوجيات العسكرية الخطيرة إلى دول مثل إيران وسوريا ومصر، رغم مواجهتها عقوبات دولية متشددة.
الانتشار النووي في سوريا، بين الأمس واليوم
ظهرت الأدلة على الدور السري لكوريا الشمالية في بناء مفاعل لإنتاج البلوتينيوم في سوريا عام 2007، في نفس الفترة التي كانت فيها إدارة بوش تتفاوض على اتفاق لنزع السلاح مع بيونغ يانغ. وفي ذلك الوقت، اعتُبر بناء المفاعل في الكبر [سوريا] إحدى أسوأ حالات الانتشار النووي في التاريخ. ومع ذلك، امتنعت واشنطن عن معاقبة كوريا الشمالية بشدة آملةً تحقيق نصر دبلوماسي في موضوع نزع السلاح، حسبما أفاد مسؤولون أمريكيون سابقون مطّلعون على المحادثات. كما أن الإدارة الأمريكية لم تطالب مطلقاً بمساءلة كاملة حول أنشطة بيونغ يانغ في سوريا. غير أن جولة المفاوضات تلك انهارت، ونمت ترسانة كوريا الشمالية النووية بشكل كبير في السنوات اللاحقة.
ورغم أن المقاتلات الإسرائيلية دمّرت في نهاية المطاف المفاعل السوري في أيلول/سبتمبر 2007، متسببةً بمقتل عدد من العمال الكوريين الشماليين الموجودين في الموقع، لا يمكن للولايات المتحدة تحمّل ثمن صرف النظر عن التهديد الذي يطرحه الانتشار النووي في المنطقة خلال الجولة القادمة من المحادثات. وفي هذا السياق، قال إليوت أبرامز، الذي كان مسؤولاً بارزاً في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي خلال إدارة بوش إن "سوريا شكّلت سابقةً مريعة لمسألة منع الانتشار النووي"، مضيفاً أن "كوريا الشمالية أفلتت عملياً من العقاب في عملية بيع الأسلحة".
كما يخشى الخبراء أن تكون بيونغ يانغ قد ساعدت سوريا على تطوير أصول نووية أخرى. ففي 21 آذار/مارس، أصدر "معهد العلوم والأمن الدولي" ومقره واشنطن تقريراً دعا فيه مفتشي الأمم المتحدة إلى زيارة موقع بالقرب من بلدة القصير الغربية في سوريا، مشيراً إلى أن نظام الأسد قد يكون قد بنى منشأةً لتخصيب اليورانيوم هناك، بمساعدة بيونغ يانغ.
وأياً كان الأمر، تفيد كل من واشنطن وكوريا الجنوبية أنهما ستبقيان العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية خلال المحادثات المقبلة، رغم التعهد المزعوم لكيم جونغ أون بتجميد كافة اختبارات الصواريخ البالستية. وفي هذا الصدد، صرّحت وزيرة خارجية كوريا الجنوبية كانغ كيونغ-هوا خلال برنامج "واجه الأمة" (Face the Nation) في 18 آذار/مارس قائلةً: "في هذه المرحلة، لم نقدّم لهم أي شيء. لن تكون هناك مكافأة على الحوار".
وتبدو هذه المقاربة حكيمة نظراً إلى الكشف مرة أخرى عن استعداد بيونغ يانغ لتصدير تقنيات حساسة إلى سوريا. ففي تقرير سري، وصف مفتشو الأمم المتحدة كيف هرّبت شركات تجارية كورية شمالية أطناناً من المعدات الصناعية إلى سوريا خلال السنوات القليلة الماضية لما بدا أنه لأغراض بناء منشأة جديدة لإنتاج الأسلحة الكيميائية. وتضمنت الشحنات، التي تم تتبعها من قبل العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بلاطات مقاومة للأحماض وأنابيب من الصلب غير القابل للصدأ وغيرها من المواد المرتبطة بهذه المرافق. كما كشفت الأمم المتحدة أربعين شحنةً سابقة لم يتم الإعلان عنها مرسلة من كوريا الشمالية إلى "مركز بحوث جمرايا السوري"، أي الهيئة التي تشرف على إنتاج الأسلحة الكيميائية، بين عامَي 2012 و2017.
فضلاً عن ذلك، كشفت الأمم المتحدة أن بيونغ يانغ كانت ترسل مهندسين إلى مصانع سورية لإنتاج الأسلحة الكيميائية والصواريخ خلال الأشهر القليلة الماضية. واستناداً إلى إحدى الدول الأعضاء، تمّ إيجاد عناصر كورية شمالية في منشآت مماثلة في كل من حماة وعدرا وبرزة. أما الهدف المفترض لوجودهم فكان مساعدة الجيش السوري في عملياته ضد المتمردين. غير أن مسؤولي الدفاع الأمريكيين يخشون أيضاً من أن الكوريين الشماليين يتعلمون بدورهم من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، ربما في حال احتياجهم إلى اللجوء إلى الهجمات الكيميائية إذا ما اندلع نزاع في شبه الجزيرة الكورية. وتعتقد واشنطن أن بيونغ يانغ على أتمّ الاستعداد لاستخدام مثل هذه الأسلحة، معتقدةً أنه تمّ استعمال غاز الأعصاب "في أكس" VX عندما أمر كيم جونغ أون باغتيال أخيه غير الشقيق كيم جونغ نام العام الماضي في ماليزيا.
تعاون صاروخي مع إيران، ونووي أيضاً؟
يواصل مسؤولون في الأمم المتحدة والولايات المتحدة والشرق الأوسط التعبير عن قلقهم بشأن التعاون الصاروخي المشتبه به بين كوريا الشمالية وإيران. ففي أيلول/سبتمبر الماض، قام "الحرس الثوري الإسلامي" بعرض صاروخ بالستي جديد حمل اسم "خرمشهر" في إطار العرض العسكري السنوي في طهران. ويقول محللون فنيون إن السلاح يشبه إلى حدّ كبير صاروخ "بي أم 25" الكوري الشمالي، الذي يصل نطاقه إلى مدى 3500 كيلومتر - وهي قدرة قد تسمح لإيران بضرب العواصم الأوروبية وإسرائيل.
ويعود تاريخ التعاون في تطوير الصواريخ بين كوريا الشمالية وإيران إلى ثمانينيات القرن الماضي، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين. وقد كانت نسخ صواريخ "شهاب" الإيرانية السابقة شبه مطابقة لسلسة صواريخ "نودونغ" الكورية الشمالية، كما أن وكالات الاستخبارات الغربية تعقّبت تبادلات ثنائية منتظمة لعلماء ومهندسين.
واليوم، يحاول المسؤولون تحديد ما إذا كان هذا التعاون لا يزال وثيقاً - وما إذا كان قد توسّع ليطال الحقل النووي. وكان كيم يونغ نام، الزعيم السياسي الثاني في كوريا الشمالية، قد زار طهران لفترة دامت عشرة أيام في آب/أغسطس الماضي، مما تسبّب في إطلاق أجراس الإنذار في العواصم الغربية. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق أن وقّع اتفاق تعاون علمي مع إيران عام 2012 مشابهاً لذلك الذي أبرمه مع سوريا قبل عقد من الزمن. وفي ذلك الحين، خشيت واشنطن من أن الاتفاق الإيراني قد ينذر بتعاون نووي، ولا تزال هذه المخاوف قائمة.
ولكن حتى الآن، يقول مسؤولون أمريكيون وأوروبيون وآخرون من الأمم المتحدة إنه لا يوجد دليل قاطع على التعاون النووي بين البلدين. أما على صعيد تطوير الصواريخ، فيبدو أن كوريا الشمالية وإيران قد أصبحتا مكتفيتين ذاتياً إلى حدّ كبير، رغم استمرار الروابط الفنية. وفي هذا الإطار، أشار عوزي روبين، الخبير في "مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية" الإسرائيلي، إلى أنه "لم يعد يبدو أنهما بحاجة إلى بعضهما البعض كثيراً. فالكوريون الشماليون يتقدمون على الإيرانيين بعدة طرق".
فضلاً عن ذلك، حتى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أبرموا صفقات أسلحة مع كوريا الشمالية، على حدّ تعبير مسؤولين أمريكيين. ففي العام الماضي، أوقفت إدارة ترامب المساعدة العسكرية إلى مصر. ويُعزى ذلك جزئياً إلى مخاوف من إقدامها على شراء أسلحة من بيونغ يانغ، شملت 30 ألف قنبلة صاروخية تمّت مصادرتها في المياه المصرية عام 2016، في صفقة كان يمكن أن تدرّ على كوريا الشمالية أكثر من 20 مليون دولار.
التداعيات السياسية
ذكرت إدارة ترامب أن المفاوضات مع كيم جونغ أون ستركز على تفكيك الترسانة النووية للنظام وقطع شبكات انتشاره النووية - ولا يشكل ذلك مفاجأة نظراً إلى أن التقدّم الذي أحرزته كوريا الشمالية مؤخراً في هذا المجال قد ساهم في تنامي القلق في واشنطن. غير أنه وفق مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، من غير الواضح ما الذي قد تعرضه واشنطن على بيونغ يانغ مقابل قطع أحد أهم موارد الإيرادات في البلاد. ومما لا شك فيه أن كوريا الشمالية تتطلع إلى تخفيض العقوبات الدولية المفروضة عليها، لا سيما تلك التي تستهدف صادراتها المعدنية والزراعية. لكن على غرار والده وجده من قبله، لا يُظهر كيم جونغ أون أي ميل واضح نحو تحديث اقتصاد بلاده بشكل جدي أو السماح باستثمارات أجنبية كبيرة، بما أن أي خطوات مماثلة قد تهدد سيطرته على الدولة المعزولة. وبدلاً من ذلك، يشير العمق المشتبه به للأزمات الاقتصادية في كوريا الشمالية إلى أنه من المرجح أن يواصل التسويق لبضائعه أمام فاعلين سيئين في الشرق الأوسط، ما لم يثبت الرئيس ترامب أنه مستعد أو قادر على تقديم بديل مغرٍ بما فيه الكفاية بحيث يعجز الزعيم الكوري الشمالي عن رفضه.
جاي سولومون، زميل زائر مميز في "زمالة سيغال" في معهد واشنطن.