- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ليس من شأن الولايات المتحدة أن تطلق لقب "المرتدين" على أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية»
في 2 شباط/ فبراير، وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») بـ "المرتدين"، وهي كلمة لها آثار دينية واضحة جداً. وقد اختارت الإدارة الأمريكية هذا التعبير لوصف التنظيم بعناية، ففي تشرين الأول/أكتوبر فضلت استخدام اسم تنظيم "«داعش»" باللغة الإنجليزية بدلاً من تنظيم «الدولة الإسلامية» مفترضة أن ذلك يهين الجماعة، ولأن، وفقاً للرئيس الأمريكي باراك أوباما، "تنظيم «داعش» ليس إسلامياً ... و[هو] بالتأكيد ليس بدولة".
إن الكلمات التي تستخدمها واشنطن مهمة فعلياً، ولكن لا يقل أهمية إدراكها أن هذه الكلمات يمكنها في بعض الأحيان أن تكون ذات أهمية أكبر بالنسبة إلى أعداء الولايات المتحدة، وربما بطرق غير مرغوب فيها. ففي حين ترى واشنطن أن مصطلح "مرتد"، يشكل إهانة، إلّا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» يستخدمه لعزل المسلمين الآخرين وإطلاق إدعاءات حصرية حول الشرعية. إن مسألة شمول المسلمين، لا سيما إذا كانت أعمال الشخص تعكس معتقداته، كانت محور الكثير من النقاش منذ نشأة الإسلام. وعلى الهامش، وضمن سياقات سياسية محددة عادة، اعتمدت جماعات مختلفة الرأي القائل بأن أي أعمال يقوم بها المسلم وأي تصريحات يدلي بها وتتعارض مع العقيدة الإسلامية، يترتب عنها نفي كون ذلك الشخص مسلماً.
أما اليوم، فإن هذه الصيغة (كما عمل سيد قطب على تكييفها في الستينيات) هي التي يطبّقها الجهاديون على المسلمين والحكومات ذات الأغلبية المسلمة التي لا تشاركهم نظرتهم للعالم. وهذا مثال واحد على العمق التاريخي والنظري للغة الجماعات الشبيهة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، التي تسير على خطى الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام، أثناء الاستخدام الأول لهذه المصطلحات.
نعود إلى الولايات المتحدة. إن اختيار كيري للمصطلح في الأسبوع الأول من شباط/فبراير يجسد المنحى السلبي الذي يمكن أن تتخذه الأمور عندما يحاول الشعب الأمريكي التحدث بلغة لا يفهمها: إذ يوقع نفسه عن غير قصد في شرك الدخول في نقاش لغوي ديني متعدد الأوجه، وليس أي مشاحنة مبهمة، بل خلاف يصب في جوهر الإيمان. إن الانخراط في مناقشات لغوية دينية ليس بالضرورة ممارسة سيئة. ولكن إذا كانت الحكومة الأمريكية هي التي تقوم بذلك، وإذا كانت المهمة التي تعمل عليها هي هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، فهناك مقاربات أفضل وأكثر إيجابية، وعلى وجه التحديد تلك التي تركز على المنهجيات والتوسع الإقليمي التي يعتمدها التنظيم، بدلاً من مصطلحاته.
وكما يحتاج الشعب الأمريكي إلى أن يذكر نفسه بأنه يفتقر إلى الصوت والمفردات لتحدي تنظيم «الدولة الإسلامية» خطابياً في علم الكلام الديني، عليه أيضاً أن يتذكر أن لديه الأدوات لمنع هذا الخطاب من أن يصبح حقيقة واقعة. وكما كنتُ قد كتبتُ في مقالات أخرى، يجب عدم التركيز على "مواجهة" الكلام الديني لـ التنظيم أو على إطلاق أسماء مختلفة عليه - وبالفعل إن القيام بأحد الأمرين يمنح التنظيم الاهتمام الذي يتوق إليه. وبدلاً من ذلك، يجب على الشعب الأمريكي أن يفهم بصورة أكثر دقة الطرق التي يستخدم من خلالها ذلك الكلام الديني لتبرير أفعاله.
وبعبارة أخرى، يتم التأكيد يوماً بعد يوم على صحة رؤية واشنطن للمجتمع من خلال تصويرها على أنها تخون المنطقة، وخاصة السنّة في الشرق الأوسط، من خلال التواطؤ (مباشرة أو غير مباشرة) مع القوى الشيعية التي تستغل أهل السنّة في سوريا والعراق. وبالتالي، ووفقاً لوجهة نظر تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن المدينة الفاضلة السنية التي أنشأها تشكل الحل الضروري لهذا المسار للأحداث. من هنا، لا يكمن الحل لوقف هذا التوجه في الكلمات التي يستخدمها الشعب الأمريكي فحسب، بل في الإجراءات التي يتخذها.
يعقوب أوليدورت هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن.
"ذي ناشيونال إنترست"