- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مع ازدهار الصين في منطقة الشرق الأوسط بعد 11 أيلول/سبتمبر، يجب على الولايات المتحدة التصدي لذلك
Also published in "ذي هيل"
من الضروري أن يعمل الغرب على تغيير استراتيجيته بشكل جذري للتنافس مع بكين في المنطقة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتحفيز الاقتصادي، والكتل الأمنية الحليفة، وحقوق الإنسان.
في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر، تمحورت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية حول الاعتقاد بأن الغرب في نزاع مستعص مع عالم الإسلام المتطرف. ووفقاً للمعتقد التقليدي، إن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، ومساعدة واشنطن للحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط، والانقسام الثقافي الواسع يفسر سبب قيام تنظيم «القاعدة» والمنظمات الإرهابية الأخرى بشن هجمات متكررة على أهداف أمريكية وأوروبية.
ولكن بعد مرور 20 عاماً على هذه الهجمات، ووسط بروز الصين كقوة عظمى، يمكن النظر إلى سياسات الشرق الأوسط والعالم من منظور مختلف جداً يسلّط الضوء على واقع مرير: إن القوة والحوافز الاقتصادية والدبلوماسية الكبيرة هي في الواقع الدافع الفعلي وراء الأحداث الدولية في آسيا والشرق الأوسط أكثر من الدين أو الثقافة. أما التركيز الضيّق لواشنطن على جهود مكافحة الإرهاب فقد فشل وأصبح للأسف قديم الطراز.
وخلال السنوات الأخيرة، أقامت بكين روابط دبلوماسية واقتصادية وثيقة مع معظم الدول الإسلامية، وكانت بمنأى عن أي هجمات كبيرة لتنظيمي «القاعدة» أو «الدولة الإسلامية» أو أي إرهابيين إسلاميين آخرين. ويأتي ذلك على الرغم من الأدلة الموثوقة على أن الصين تقود حملة تطهير عرقي ضد الأقلية المسلمة من الأويغور، والتي تشمل عمليات تعقيم قسرية ومعسكرات "إعادة التعليم" وتطبيق دولة مراقبة واسعة في مقاطعة سنجان (شينجيانغ) الغربية. كما دعمت بكين بقوة المجلس العسكري في ميانمار، الذي أباد قبائل الروهينغا المسلمة التي تحارب تمرداً ضد يانغون.
وكانت السعودية وباكستان وإيران ومصر وتركيا - جميع الدول التي تزعم أنها تتحدث باسم ما يقرب من ملياريْ مسلم في العالم - قد رفضت إدانة أفعال الصين علناً بينما تقترب أكثر فأكثر من بكين اقتصادياً ودبلوماسياً من خلال "مبادرة الحزام والطريق" التي وضعتها الصين. وفي كانون الثاني/يناير، عبّر ممثلون عن الدول العربية الست الغنية بالنفط عن دعمهم لـ"مواقف بكين الشرعية بشأن القضايا المتعلقة بتايوان وسنجان وحقوق الإنسان"، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الصينية.
والجدير بالذكر أيضاً أن باكستان وحركة "طالبان" في أفغانستان، الهيئتان السياسيتان المسؤولتان أكثر من غيرهما عن المساعدة والتحريض على صعود تنظيم «القاعدة»، تعهدتا بالتعاون مع الصين لمنع الأويغور من استخدام أراضي آسيا الوسطى والجنوبية للتدريب أو لإضفاء طابع التطرّف على صفوفهم.
وفي وجه هذه الديناميكية الجديدة، على الولايات المتحدة وحلفائها تغيير استراتيجيتهم بشكل جذري من أجل منافسة الصين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع نطاقاً. وينطوي ذلك على القبول بفشل إطار عمل ما بعد 11 أيلول/سبتمبر وبأن العديد من افتراضات الغرب الرئيسية بشأن المنطقة والإسلام كانت خاطئة. ويمكن للدول الحليفة البدء بالعمل على المجالات الرئيسية التالية:
التنمية الاقتصادية: أدمجت الصين نفسها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال "مبادرة الحزام والطريق" التي تسعى إلى استثمار 100 مليار دولار سنوياً في البنية التحتية في المنطقة. كما أن المبادرة تُلزم بكين بشركائها التجاريين عبر الشبكات الصينية للاتصالات من الجيل الخامس ومجموعة من مشاريع الموانئ التجارية. لكن لواشنطن مبادراتها التجارية والاستثمارية الخاصة التي من الضروري أن تعمل على ترويجها وتطويرها لمنافسة الصين.
وأكثر المبادرات واعدة هي "اتفاقيات إبراهيم"، التي توسطت فيها إدارة ترامب في البداية، والتي أدّت إلى تطبيع إسرائيل علاقاتها مع أربع دول عربية - الإمارات والبحرين والمغرب والسودان - منذ عام 2020. أمام الولايات المتحدة إمكانية تعزيز هذه الكتلة وتحفيز التكنولوجيا المتقدمة والاستثمار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وصولاً إلى الهند وأفريقيا وآسيا الوسطى. يُذكر أن الكثير من هذه الدول حذرة من القوة الصينية، وعليه يمكن أن تكون الاتفاقات بمثابة ثقل موازن طبيعي، حتى لو لم يتم وصفها على هذا النحو.
التعاون الأمني: تعمل الصين على زيادة وجودها العسكري في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والجنوبية من خلال تثبيت شبكة من المنشآت البحرية الصينية، تُعرف باسم "خيط اللؤلؤ"، وتزويدها دولاً كإيران والسعودية بالأسلحة. كما تقدّم الصين المساعدة في مجال الطاقة النووية إلى السعوديين، مما يثير مخاوف إقليمية من أن طموحات الرياض قد تتوسع لتتحول إلى سعي وراء امتلاك أسلحة ذرية لتحدي إيران. وكانت بكين في العقود الماضية قد ساعدت باكستان على تطوير قنابل نووية من خلال نقل اليورانيوم عالي التخصيب.
غير أن مساعي الصين الرامية أساساً إلى دعم الجهات المتعارضة في الصراع الرئيسي السائد في الشرق الأوسط - في هذه الحالة، السعودية والإمارات وإسرائيل ضد إيران - ليست مستدامة. على الولايات المتحدة البناء على التعاون الأمني القائم بين الدول الأعضاء في "اتفاقيات إبراهيم" والسعي إلى إنشاء كتلة أمنية ودبلوماسية رسمية على نحو أكبر، على غرار حلف "ناتو" إقليمي. ويجب أن يضمّ هذا التحالف الدول الأعضاء الست في "مجلس التعاون الخليجي". ومع استمرار التوترات بين إيران وجيرانها العرب عموماً، إن لم يكن زيادتها، لا يمكن للصين أن تكون شريكاً أمنياً موثوقاً ولن تكون كذلك.
حقوق الإنسان: إن تركيز الصين الأحادي على النمو الاقتصادي واكتساب المواد الخام، فضلاً عن معاملتها للأويغور، يؤديان إلى تنفير المسلمين في جميع أنحاء العالم، حتى لو التزمت حكوماتهم الصمت. وعليه، يتعين على الولايات المتحدة مواصلة دورها التاريخي في التحدث علناً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحشد الدعم للأويغور والروهينغا وغيرهم من الشعوب التي تعاني نتيجة سياسات بكين.
وقد يضع هذا الأمر واشنطن على خلاف مع حلفائها في الشرق الأوسط، الذي لدى بعضهم مشاكله الخاصة في مجال حقوق الإنسان، إلا أنه قد يساعد على استعادة دور أمريكا كالصوت الأخلاقي المدافع في المجتمع الدولي بعد عقود تعرضت خلالها للهجوم بسبب السياسات التي اتبعتها بعد 11 أيلول/سبتمبر. كما يمكن أن يسلّط الضوء على دور بكين العدائي المتزايد على الساحة العالمية.
جاي سولومون هو زميل مساعد في معهد واشنطن. وهو مؤلف كتاب "حروب إيران: ألعاب التجسس ومعارك البنوك والصفقات السرية التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط".