- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
مع بوتين أو بدونه، إسرائيل مستعدة لفرض الخط الأحمر في لبنان
خلال اللقاء الذي استضاف فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التاسع والعشرين من كانون الثاني/يناير، تركز الحديث بينهما على الحرب في سوريا كما جرت العادة في اللقاءات العديدة التي جمعت بينهما في الآونة الأخيرة. غير أنهما ناقشا أيضاً على نحو غير متوقع احتمال وجود منشآت إيرانية للأسلحة في لبنان وما يعنيه ذلك من إمكانية تحويل القذائف إلى صواريخ دقيقة التوجيه قادرة على استهداف البنية التحتية والمراكز السكانية في إسرائيل. وفي هذا السياق صرّح نتنياهو للمراسلين الصحفيين في أعقاب الاجتماع أن "الأسلحة الدقيقة الصادرة عن لبنان تشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل ونحن لن نقبله، وإذا استدعت منّا هذه المسألة التصرف أيضاً، فلن نتردد في ذلك."
لقد اجتمع نتنياهو بالرئيس بوتين سبع مرات منذ دخول روسيا الحرب السورية عام 2015. ومن بين القضايا الأولى التي ناقشاها وضع آلية لتجنّب المواجهة العسكرية بين قواتهما، وضمنا بالنتيجة لإسرائيل إمكانية التحرّك ضد العناصر الإيرانيين ووكلاء إيران في سوريا حسب الضرورة (أي عندما يحاول هؤلاء نقل منظومات الأسلحة الاستراتيجية، أو تنفيذ عمليات على مسافة قريبة جداً من حدود الجولان، أو يشكلون تهديداً على إسرائيل بطريقة أو بأخرى). كما سعى نتنياهو إلى الحصول على دعم روسيا لجهود أوسع نطاقاً للحد من النشاط الايراني في المنطقة. ولكن موسكو لم ترد علناً على مثل هذه الطلبات، والتزم نتنياهو الصمت أيضاً حول هذه المسألة، مكتفياً بالقول إن العلاقات الإسرائيلية الروسية "ممتازة" وأن هناك تقارباً بينهما حول القضايا الرئيسية.
وفي الواقع أن نتنياهو سبق أن أثار مسألة المنشآت الإيرانية في لبنان. ففي اجتماع عقده مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في 28 آب/أغسطس، تحدث ضد "التحصينات" الإيرانية في لبنان، ومن بينها الجهود المبذولة لبناء مصانع لإنتاج الصواريخ هناك، مشيراً إلى أن "هذا أمر لا يمكن أن تقبله إسرائيل، وهذا أمر لا يجدر بالأمم المتحدة أن تقبله." وقد صدرت تحذيراتٌ مماثلة من رئيس أركان "جيش الدفاع الإسرائيلي" غادي أيزنكوت بشأن تنظيم «حزب الله» العامل بوكالة إيرانية، وذلك في خطاب ألقاه في 30 كانون الثاني/يناير أشار فيه إلى أن «حزب الله» ينتهك قرارات مجلس الأمن الدولي من خلال الحفاظ على وجوده العسكري في المناطق المحظورة في لبنان وتحسين قدراته الصاروخية.
والجدير بالذكر أن إسرائيل ردّت على معامل الأسلحة التي أنشأتها إيران في سوريا بإطلاقها صواريخ على أهداف بالقرب من بلدة مصياف الغربية، وفقاً لبعض التقارير. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن إسرائيل قد شنت العديد من الضربات في سوريا طوال الحرب، إلا أنها ستواجه تحديات مختلفة إذا ما قررت استهداف لبنان. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن «حزب الله» يمتلك أكثر من 100,000 صاروخ، وقد يكون ذلك السبب الذي دفعهم إلى تفادي إعطاء الأوامر بتنفيذ ضربات جوية على لبنان على مدى السنوات الثلاث الماضية، واكتفوا باستهداف قوافل الأسلحة التابعة لـ «حزب الله» على الأراضي السورية. وفي آب/أغسطس، ذكر قائد سلاح الجو الإسرائيلي عند انتهاء فترة ولايته أمير إيشل أن إسرائيل استهدفت التنظيم بما يقرب من 100 ضربة خلال السنوات الخمس الماضية، وجميعها نُفّذت تقريباً في سوريا. ونظراً إلى نجاح إسرائيل الظاهر في إعاقة عمليات نقل الأسلحة التابعة لـ«حزب الله» من سوريا إلى لبنان، فمن المرجح أن تحاول إيران إنشاء مرافق إنتاج في لبنان نفسه.
وعقب اجتماع نتنياهو مع بوتين، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى حساسية ضرب «حزب الله» داخل لبنان قائلاً لأعضاء حزبه «إسرائيل بيتنا» "إننا نسخّر كل الإمكانات السياسية وغيرها لمنع تصنيع الصواريخ... وآخر ما أريده هو أن تدخل إسرائيل في حرب لبنانية ثالثة. أعتقد أننا ما زلنا نملك ما يكفي من الوسائل تحت تصرفنا."
وفي الوقت نفسه، كتب الناطق بلسان "جيش الدفاع الإسرائيلي" رونين مانليس مقالاً نادراً باللغة العربية نُشر في وسائل الإعلام اللبنانية في 28 كانون الثاني/يناير، حذر فيه القرّاء من أنهم يمهّدون الطريق للحرب بالسماح لإيران بتحويل بلادهم إلى "لعبة"، ففي رأيه، لم تعد إيران تكتفي بنقل "أسلحة أو أموال أو استشارة" - بل "فتحت أساساً فرعاً جديداً" في لبنان.
وحتى الآن، لم تقدّم روسيا أي دليل على تحرّكها بشكل فعال لتقييد «حزب الله» في لبنان، ولكن يبدو أن نتنياهو لا يزال حريصاً على إيصال رسالة إلى التنظيم وراعيه الإيراني عبر موسكو. كما أصدر تحذيراته علناً من خلال البيانات الصحفية في حال لم يمضِ بوتين في هذا الطريق، معتقداً على ما يبدو بأن هذه التصريحات ستكون معلّلاً إذا قررت إسرائيل شن ضربات في لبنان. ومن ناحية الرهانات السياسية المترتبة على الساحة المحلية من المضي في هذا المسار، يميل الشعب الإسرائيلي إلى ترك مثل هذه الأمور في أيدي القادة العسكريين، إذ يثق بأنهم سيأخذون في الاعتبار التداعيات المحتملة للانتقام والتصعيد.
إنّ تصريحات نتنياهو توضح بطريقة أو بأخرى أن التهديد الناشئ عن منشآت إنتاج الأسلحة المتطورة في لبنان يغيّر مقاييس اللعبة نظراً إلى قدرتها على تجهيز «حزب الله» بصواريخ دقيقة التوجيه. وبالتالي فإن خطر التصعيد سيكون حقيقياً للغاية إذا فشلت محادثات نتنياهو مع بوتين فضلاً عن تحذيراته العلنية وغيرها من الأساليب الدبلوماسية المحتملة الأخرى في ردع إيران.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.