ما الذي يمكن استنتاجه من الهجمات الأخيرة على قواعد التحالف في العراق وسوريا؟
إن عدد الضربات الموجهة ليست كثيرة بما يكفي لتشكيل نمط واضح، لكنها ربما تعكس انقسامات عميقة بين الميليشيات حول ما إذا كانت ستجدد الهجمات على التحالف بكل جدية في ظل حرب غزة.
في 5 آب/أغسطس، تعرّضت قاعدة "عين الأسد" الجوية (في العراق) لهجوم صاروخي واحد على الأقل، مما أدى إلى إصابة خمسة أفراد أمريكيين بحسب بعض التقارير. ووفقاً لأحدث إحصاءٍ أجراه "معهد واشنطن"، كان هذا الحادث هو الهجوم رقم 189 على القوات الأمريكية في العراق وسوريا والأردن منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وقد حدث الهجوم الجديد بعد شن غارة جوية في 30 تموز/يوليو على قاعدة "كتائب حزب الله" في جرف الصخر، والتي وقعت بعد هجوم شنته الميليشيات في 25 تموز/يوليو على قاعدة "عين الأسد" بصواريخ من عيار 122 ملم. وما بين الضربتين على قاعدة "عين الأسد"، كان هناك تبادل مشابه للضربات في 25 و26 تموز/يوليو، شملت هجمات صاروخية شنتها الميليشيات على قاعدة "كونوكو" التابعة للتحالف في سوريا، وضربة دفاعية أمريكية فورية استهدفت شاحنةً للصواريخ.
وتعكس هذه الهجمات النمط الذي تمت ملاحظته بعد عودة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الولايات المتحدة في نيسان/أبريل، عندما شنت الميليشيات المدعومة من إيران هجوماً واحداً على قاعدة "عين الأسد" وهجوماً آخر في سوريا، وذلك من أجل تذكير السوداني والعالم بأن الجهة التي تدعو نفسها "المقاومة" لا توافق على الوجود الأمريكي المستمر في العراق. ويبدو أن الانتقام الأمريكي العنيف في 30 تموز/يوليو - الذي استهدف وفقاً لبعض التقارير طائرة مسيّرة كانت تُجهَّز للاستخدام، كما قُتل أحد الأخصائيين الحوثيين الذي قدِم من اليمن في زيارة - أسفر عن بدء السلسلة الحالية من هجمات الميليشيات في 5 آب/أغسطس، والتي ستستدعي على الأرجح رداً أمريكياً قاتلاً آخر. وإذا كان الجنود الأمريكيون قد أصيبوا بالفعل، ستكون قوات "المقاومة" المشاركة في الهجوم إما قد أخطأت في تنفيذ إحدى عملياتها القياسية التي تهدف إلى "الإخفاق في التصويب"، أو كانت تنوي حقاً المخاطرة بالتصعيد.
طرف جديد يتبنى الهجمات باسم "المقاومة الإسلامية"
حتى الآن، تبنّت جهة واحدة فقط من جهات "المقاومة" على الإنترنت الهجمات الأربعة الجديدة، وهي تحمل اسم "المقاومة الإسلامية في العراق - الثوريون". وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها منح "المقاومة الإسلامية في العراق" تسمية فرعية: ففي 5 و12 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق - مجموعة الظافرين" مسؤوليتها عن شن هجومين بمدافع الهاون على قاعدة "عين الأسد".
في الادعاءات الجديدة، نشر "الثوريون" بيانات موحدة تنتهي بالوعد بأن هجماتهم لن تتوقف "حتى خروج آخر جندي أمريكي من أرض عراقنا الحبيب". ولا يضم حساب هذه الجماعة الفرعية على "تلغرام" سوى خمسةٍ وسبعين مشتركاً، وهو عددٌ ضئيلٌ جداً بالنسبة لجماعة تدّعي تنفيذ أربعة هجماتٍ ضد الولايات المتحدة في غضون اثني عشر يوماً فقط، ربما لعدم قيام أيٍ من وسائل الدعاية الرئيسية التابعة لـ"المقاومة" بإعادة نشر إعلاناتها حتى 5 آب/أغسطس.
ما الذي يمكننا أن نستنتجه من هذه الزيادة المفاجئة في عدد الضربات المعادية للولايات المتحدة؟ يتضح شيءٌ واحدٌ، وهو أن عناصر "المقاومة" العراقية، وخاصة داخل "كتائب حزب الله"، يشعرون بالإحباط لأنهم لا يُلحقون أضراراً ملحوظة بإسرائيل، ولا يُسمح لهم بمهاجمة القواعد الأمريكية منذ الانتقام الأمريكي العنيف وإحراج حكومة السوداني في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير. وقد تكون هذه العناصر قد قللت من شأن حساسية الولايات المتحدة إزاء أي محاولات جديدة لاكتشاف الخطوط الحمراء الأمريكية، وتجد نفسها حالياً عالقة في سلسلة من الهجمات المتبادلة، سواء بسبب وقوعها ضحية سوء الحظ أو ممارستها الاستفزاز المتعمد. وفي كلتا الحالتين، تستعد الآن لهجمات أمريكية جديدة.
وقد تشير حقيقة عدم إعادة نشر ادعاءات "الثوريون" على نطاقٍ واسعٍ إلى أن هذه الجماعة الجديدة ليست سوى جهدٍ رمزي يهدف إلى إظهار الولاء، ولا علاقة له بأي عملاء حركيين فعليين. ومع ذلك، تشير على الأرجح إلى أن مؤسسة "المقاومة" - التي تجسّدها شبكة "صابرين نيوز" - لا تدعم على نطاقٍ واسعٍ المقاتلين الذين يسيطرون على الهوية الجديدة وينفذون الهجمات الحالية. كما تشير إلى أن جماعة "الثوريون" لا تميل إلى فصيل "حركة حزب الله النجباء" في "المقاومة"، الذي عادةً ما تتولى إدارة جهوده الإعلانية بعض المنافذ مثل "فريق إخوة جهاد".
ويشير ميزان الأدلة إلى أن مرتكبي هجمات تموز/يوليو وآب/أغسطس هم عناصر من "كتائب حزب الله" يسعون إلى تأدية دورٍ أكبر في الصراع الإقليمي الحالي - وهو ما أكدت عليه الخطابات العامة الأخيرة التي ألقاها قائد العمليات في "قوات الحشد الشعبي" والشخصية البارزة في "كتائب حزب الله" عبد العزيز المحمداوي (المعروف أيضاً باسم أبو فدك) الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب. وربما يأمل هذا المعسكر في جر بغداد إلى صدامٍ أعمق مع واشنطن، وبالتالي تحفيز انسحاب القوات الأمريكية. وإذا شن "محور المقاومة" الأوسع نطاقاً والتابع لإيران هجمات انتقامية ضد إسرائيل في الأيام المقبلة كما هو متوقع، فقد يسعى هذا الفصيل من "كتائب حزب الله" إلى زيادة انخراط العراق إلى أقصى حدٍ في المعركة وتوجيه بعض الضربات الإضافية على القواعد الأمريكية في أربيل وقاعدة "التنف" في سوريا (اللتين تعتبران بأنهما تؤديان دوراً في الدفاع عن إسرائيل)، وربما حتى على قواعد أخرى (مثل "عين الأسد"؛ ومواقع التحالف في سوريا شرق نهر الفرات).