- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ما الخطأ الذي حدث في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل - وكيف يمكن إصلاح وضع التحالف
تدهورت العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود في خضم المشاحنة التي أحاطت بخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس. إلا أن أسس العلاقات الثنائية بين الدولتين لا تزال مستقرة، وتتضمن لائحة طويلة من الأهداف الأمنية المشتركة، والانخراط المتواصل والعميق في كافة نواحي الحكومة والمجتمع، فضلاً عن دعم شعبي كبير في كلا البلدين للعمل المشترك بينهما. وبينما تندر هذه المزايا لدى شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تحتاج إسرائيل إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة - ولهذا السبب ينبغي على القادة الأمريكيين والإسرائيليين أن يتخذوا الخطوات اللازمة لإصلاح العلاقات بين البلدين بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بغض النظر عن الزعيم الذي سيرأسها.
وغالباً ما تعزى الأزمة الحاصلة في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية إلى خلاف إيديولوجي أو شخصي بين الرئيس الأمريكي أوباما والسيد نتنياهو، غير أن جذور هذه الأزمة أعمق من ذلك.
لقد كافحت الولايات المتحدة وإسرائيل لتكييف استراتيجياتهما الأمنية القومية مع المشهد الإقليمي المتغير. وقد مرّ الشرق الأوسط خلال العقد المنصرم بعدة صدمات استراتيجية من بينها تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة بعد حرب العراق عام 2003، والتهديدات المتصاعدة الناشئة عن الجماعات الإسلامية الإرهابية كحركة «حماس» و «حزب الله» و تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»/«الدولة الإسلامية»)، وانتفاضات العام 2011 التي فتحت الباب أمام سلسلة من عمليات انتقال السلطة في مصر، والحرب الأهلية في سوريا.
بيد أن إسرائيل والولايات المتحدة تعاملتا مع هذه الصدمات بشكل مختلف. فقد أعطى الرئيس أوباما الأولوية للمساعي الدبلوماسية مع إيران وللصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ولكن على خلاف ذلك سعى إلى الابتعاد عن القضايا الإقليمية. ولم يكن أمام إسرائيل إلا أن تتشبث بموقفها لأن خيار الانسحاب لم يكن وارداً. وقد اعتبر نتنياهو أن السياسة الأمريكية تفرض الأعباء على الحلفاء بينما تخفف الضغوط عن الخصوم، كما أنها تمهد الطريق لانفصال أكبر وأعمق من شأنه أن يترك إسرائيل وحدها في مهب الريح. وقد اعتبر الرئيس أوباما أن إسرائيل تتصدى للأفكار الأمريكية من دون أن تقدم بدائل عملية.
وعلى الرغم من هذه الديناميات، ما زالت تصّح العبارة المبتذلة القائلة إنه "لا غنى عن" هذه العلاقة. فإسرائيل تعد حليفاً من نوع نادر في الشرق الأوسط اليوم: فهي لا تشارك المصالح نفسها مع الولايات المتحدة فحسب، بل إنها مستعدة وقادرة على النهوض بها لتخفف العبء عن كاهل واشنطن. كما تعتبر إسرائيل أن التحالف مع الولايات المتحدة هو ركيزة من ركائز الأمن القومي، إذ يوحي لخصومها بأنها تتمتع بالقوة والدعم اللذين لولاهما لربما حاول هؤلاء الخصوم استغلال صغر حجم إسرائيل وانعزالها.
من هنا أصبح إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أولوية أمنية بقدر ما هو قضية سياسية. ولا بد من أن تتم مساعي الإصلاح عبر أعوانٍ مفوّضين بالصلاحيات اللازمة يكونون محل ثقة لدى الطرفين، مثلما نجح السفير الفرنسي جان - دافيد ليفيت ومستشار الأمن القومي الأمريكي ستيفن هادلي في إصلاح العلاقات الفرنسية - الأمريكية في أعقاب حرب العراق. وفي هذا الإطار، يجب أن تركز هذه المساعي على ثلاث جبهات أساسية:
1. إيران: يجب أن يدرك البيت الأبيض أن رئيس الوزراء نتنياهو قد يكون المنتقد الأكثر احتداداً لاستراتيجية أمريكا الدبلوماسية تجاه إيران، إلا أن المخاوف الإسرائيلية هي نفسها التي يشعر بها الحلفاء الآخرون في المنطقة - وهذه ليست المسألة الوحيدة التي تفصل الولايات المتحدة عن الحلفاء. فالاتفاق النووي ليس مضموناً ولن يحل المخاوف الأمريكية من الدعم الإيراني للإرهاب أو للأعمال الأخرى المخلة بالاستقرار. وتحتاج واشنطن إلى ضمان اتفاق يستحق العناء، ولكنها بحاجة أيضاً إلى طمأنة الحلفاء بأن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بالتعامل مع هذه التهديدات. والخطوة الأولى في هذا المجال هي وضع استراتيجيات مشتركة تخدم هذا الغرض وتعزيز قدرة حلفاء واشنطن على المساهمة معها. وتفتقر الولايات المتحدة منذ وقت طويل إلى استراتيجية إقليمية أوسع نطاقاً، لذلك سوف تستفيد من مثل هذه الاستراتيجية مهما كانت حصيلة المباحثات مع إيران.
2. مكافحة الإرهاب على حدود إسرائيل: إنّ المجموعة الواسعة من الشبكات الإرهابية التي تنشط في سوريا وشبه جزيرة سيناء المصرية وجنوب لبنان والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة تشكل خطراً على إسرائيل والولايات المتحدة. وفي حين كانت إسرائيل تخشى في السابق من قوة العرب، إلا أنها تتخوف اليوم من حالة الفوضى والضعف التي يعانون منها. لذلك لا يجدر بالولايات المتحدة أن تكتفي بمواجهة هذه التنظيمات مباشرةً بل عليها أيضاً أن توفر الدعم لشركائها المتبادلين، كالأردن، عبر التعاون العسكري والاستخباراتي والتشاور الوثيق والمبكر حول الأجندة الإقليمية المشتركة.
3. الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي: تدعو الحاجة في هذا السياق إلى اتباع نهج أكثر ثباتاً. فقدرة واشنطن على النهوض بعملية السلام مرهونة بمدى الثقة التي تكسبها من كافة الجهات - إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية - وبمدى نفوذها في المنطقة. غير أن هذه الثقة وهذا النفوذ تراجعا على كل جبهة إذ أصبح كل طرف يائساً من إمكانية التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض.
وبالتالي، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للانخراط في المجهود التدريجي وغير المغري لاستعادة الثقة - من كافة الجهات - من أجل إيقاف التراجع الذي تشهده عملية السلام وإعادة بناء أسس هذه العملية. ومن جانبها، يجب على إسرائيل أن تدرك أن الأفكار السيئة ستستمر في ملء الفراغ الدبلوماسي طالما أنها تهمل وضع خطة لحل النزاع.
وتخيم شكوكٌ على أجندة واشنطن بين حلفاء الولايات المتحدة حول التزامها تجاه المنطقة، وتجاه حلفائها ومصالحهم فضلاً عن التزامها باتخاذ خطوات فعلية. ويشكل التحالف الأمريكي - الإسرائيلي مؤشراً رئيسياً على هذا الالتزام وقيمةٌ استثنائية لأمن الولايات المتحدة. من هنا تستدعي مساعي الإصلاح من قادة كلا البلدين اتخاذ خطوات بنّاءة للعمل سويّة [للنهوض بالعلاقات بين الدولتين].
براين كاتوليس وهو زميل أقدم في "مركز التقدم الأمريكي". مايكل سينغ هو المدير الإداري وزميل أقدم في زمالة لين- سوينغ في معهد واشنطن. وقد نشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"