- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ما السبب في أن الإفراج عن جوناثان بولارد لا يعني الكثير
على الرغم من أن الإسرائيليين كانوا قد طالبوا بالإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد منذ عقود من الزمن، إلا أن إطلاق سراحه الوشيك، بعد ما يقرب من 30 عاماً في السجن، من غير المرجح أن يكون له تأثير على الفتور القائم بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الاتفاق النووي مع إيران. إن ذلك دليل على مدى التقدم الذي يتعيّن على واشنطن والقدس أن يعملا من أجله قبل أن يكون بإمكانهما الوصول إلى المكان الذي يحتاجه كلا البلدين حاجة ماسة وهو: التعاون بشكل وثيق للتعامل مع الشرق الأوسط المتفجر.
وببساطة، لا تتمتع الولايات المتحدة وإسرائيل بترف استمرار الحقد بينهما، بغض النظر عما سيحدث للاتفاق مع إيران. وإذا كان ذلك مسألة تتعلق بمراقبة طهران، أومحاسبتها، أو إدارة الفوضى الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، فسيضطر البلدان إلى التعاون بينهما حول المسائل الأمنية والاستخباراتية.
وفيما يتعلق ببولارد، ينبغي أن يُنظر إلى موضوع إطلاق سراحه المشروط بأنه ليس أكثر من [ملاحظة] في الحاشية. وفي حين قالت وزارة العدل الأمريكية ان الولايات المتحدة قد تؤيد الإفراج المشروط عن بولارد، إلا أن البيت الأبيض كان حذراً جداً أن لا يهلل هذه الخطوة كبادرة [حسن نية] تجاه إسرائيل. وعلى أي حال، يدرك البيت الأبيض أن إسرائيل تنظر إلى مسألة إيران كونها قضية وجودية، وأن الإسرائيليين لا يرون أي علاقة بين هذا التهديد وإطلاق سراح بولارد. وعلى أي حال، يبدو أنه كان سيتم الإفراج عن بولارد بسبب قواعد النظام في الولايات المتحدة التي تفرض الإفراج المشروط بعد 30 عاماً، إلا في ظروف استثنائية.
لقد كُتب الكثير عن الجمود القائم إلى حد كبير في العلاقات بين أوباما ونتنياهو حول الأزمة المحيطة بإيران، وتم تبادل الاتهامات في كلا الاتجاهين. فالإسرائيليون يدّعون أن نقطة التحوّل في هذه الأزمة قد حدثت عندما لم تُنبّه الولايات المتحدة إسرائيل عن إجراء محادثات سرية مع إيران،عن طريق عُمان، التي أفادت عنها بعض التقارير على نطاق واسع في أوائل عام 2013. وفي المقابل، يؤكد الأمريكيون أن نتنياهو قد همّش نفسه في عملية صنع القرار الأمريكي عندما وضع غايات غير قابلة للتحقيق كأهداف رئيسية في المفاوضات.
إلا أنه حان الوقت لتجاوز كل ذلك. فقد تغيرت البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، حتى في غياب اتفاق مع إيران. وإذا كانت إسرائيل محاطة بدول في الماضي، فهي الآن محاطة بقدر لا يستهان به من الجهات الفاعلة من غير الدول مثل «حزب الله» في لبنان [التي هي دولة] اسمياً، و«جبهة النصرة» في دولة كانت سوريا سابقاً، و«حماس» في غزة و «جماعة أنصار بيت المقدس»، التي تصف نفسها بأنها تدور في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في صحراء سيناء المصرية. إن هذا وحده يتطلب المزيد من التنسيق الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن الجدل القائم حول ما إذا سيكون لدى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أدوات كافية لتفتيش المواقع النووية الإيرانية غير المعلنة، يُلزم أيضاً قيام تقارب أكبر بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية. ففي نهاية المطاف، لم تكن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» هي التي اكتشفت [المواقع النووية في] جبل فوردو وناتانز. ووفقاً للتقارير التي نُشرت، كان التعاون الاستخباراتي هو الذي أثبت وجود هذه المنشآت.
والأهم من ذلك، فيما يتعلق بالقضية النووية، سوف تحصل إيران على الشرعية الكاملة لبرنامج التخصيب الصناعي الذي تقوم به فضلاً عن تخزين اليورانيوم، بعد خمسة عشر عاماً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من الذي سيردع إيران من الاندفاع نحو صنع قنبلة [نووية] في تلك المرحلة؟ ولتخفيف القلق الإسرائيلي بأن الولايات المتحدة لن تتخذ أي مبادرة بعد خمسة عشر عاماً، يجب على واشنطن أن تنظر في تزويد إسرائيل بـ "القنبلة الخارقة للتحصينات" المعروفة باسم "خارقة الجبال" والطائرات الضرورية لحملها، وذلك في غضون السنوات الـ 15 المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، سيتعيّن على الولايات المتحدة وإسرائيل التنسيق بينهما فيما يتعلق بالمنطقة، ورصد التدفقات المالية التي تصل إلى الوكلاء الإيرانيين مثل «حزب الله»، بينما تكسب إيران مليارات الدولارات من رفع العقوبات. وفي هذا الصدد، قال وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو في "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي، أنه خلافاً لتقارير سابقة، سيكون بإمكان إيران سحب 50 مليار دولار من الحسابات المصرفية غير المجمدة بسبب ديونها إلى الصين وغيرها. كما أن مسؤولين إسرائيليين أشاروا أيضاً إلى زيادة عائدات النفط التي ستحظى بها إيران وإلى تَحسُّن اقتصادها، الأمر الذي يشير إلى أنه سيكون لدى طهران مستويات عالية جداً من العائدات في السنوات المقبلة. وربما يستخدم الإسرائيليون والأمريكيون عمليات حسابية مختلفة، ولكن كلاهما يتفقان على المبدأ القائل بأن جزءاً كبيراً من الضخ النقدي يمكن أن يُمنح إلى «الحرس الثوري الإسلامي» لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
وتتجاوز هذه المسألة [التهديد] الذي يشكله وكلاء إيران على إسرائيل. فهي تتعلق أيضاً بتقديم الولايات المتحدة المزيد من المساعدات بصورة عامة إلى الدول السنية لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي يشمل دعم إيران لنظام الأسد في سوريا. على سبيل المثال، ستحصل دول الخليج على المزيد من الأسلحة الأمريكية التقليدية لموازنة [قوة] إيران. وفي حين تقدّر إسرائيل تقاربها الاستراتيجي المكتشف حديثاً مع السعوديين ودول الخليج الأخرى، إلا أنها ستكون دائماً قلقة فيما يتعلق بالحفاظ على تفوقها العسكري النوعي. فإسرائيل تخشى من أنه إذا حدث انقلاب في دولة عربية، فإن ذلك سيتركها تواجه الأسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط. وعندئذ، ستكون إسرائيل فجأة في وضع يمكّنها من الاختيار بين علاقتها الأمنية الضمنية الجديدة التي اكتشفتها حديثاً مع دول الخليج وبين التهديدات التي ستواجهها ضد تفوقها العسكري النوعي.
بالإضافة إلى ذلك، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد قال لقناة "العربية" الأسبوع الماضي، أن الدول السنية قد تنفق أكثر مما ينفقه وكلاء إيران في الشرق الأوسط. وقد يعني ذلك انتشار الجهات الفاعلة من غير الدول من المتطرفين السنة - مثل تنظيم «القاعدة» - لمواجهة الطموحات الإقليمية الإيرانية. وإذا كان الأمر كذلك، فستنعم الجهات الفاعلة من غير الدول بفيض من الأسلحة بصورة متزايدة. والسؤال هنا، ما الذي يعني ذلك لعلاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل؟
إذا تم إقرار هذا الاتفاق، سيشهد الشرق الأوسط تغيرات عميقة وسط ساحة غدر وخيانة على نحو متزايد. وبطبيعة الحال، لا يمكن التنبؤ مقدماً بكل هذا التغيير. ومع ذلك، نعلم بالتأكيد شيئاً واحداً. سيتطلب من الولايات المتحدة وإسرائيل رأب الصدع بينهما وبسرعة.
ولعل الطريقة الوحيدة هي إعطاء الصلاحية لأطراف أخرى لتولّي المسؤولية. وفي هذا الصدد، زار وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر إسرائيل في الأسبوع الماضي، إلا أن نتنياهو رفض التباحث معه حول احتمالات منح بلاده حزمة لترقية ترساناتها واحتياجاتها الأمنية. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يعتبر أن أي شيء يمكن أن يُفسَّر على أنه تعويض [عن التوقيع على اتفاق مع إيران] سيضعف معارضة إسرائيل المبدئية بينما يستمر النقاش في الكونغرس بشأن ايران.
وإذا لم يفلح أوباما ونتنياهو في التعامل مع هذا الوضع بسبب عداوتهما الشخصية، ربما يكون باستطاعتهما تمكين كارتر ونظيره الإسرائيلي، موشيه يعلون، من القيام بذلك. فهناك الكثير على المحك.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
بوليتيكو