- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2762
ما هي المواضيع التي سيناقشها نتنياهو مع ترامب؟
"تستند هذه المقالة على الملاحظات التي أدلى بها زميل "زيغلر" المميز ديفيد ماكوفسكي في منتدى سياسي بمعهد واشنطن في 8 شباط/فبراير. بإمكانك قراءة وجهات نظره حول هذه القضايا بمزيد من التفاصيل في الورقة الانتقالية 2017 "نحو صيغة جديدة لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" التي كتبها مع دينيس روس. إقرأ ملاحظات روبرت ساتلوف من نفس الحدث".
في 15 شباط/فبراير، سيعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول اجتماع عمل له مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد تسلّمت الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها للتو ولم يكتمل بعد طاقم موظفيها، وما زال عليها الكشف عن مجموعة السياسات الكاملة التي ستنتهجها في الشرق الأوسط. لكن لا شكّ في أن موعد الزيارة المبكر يكتسي طابعاً مهماً بالنسبة إلى الزعيمين.
وعلى الرغم من العلاقة الدفاعية الوثيقة جداً التي جمعت إدارة أوباما بإسرائيل، إلّا أنّ التوترات الكبيرة بين الرئيس الأمريكي السابق ونتنياهو بشأن قضايا السياسة الرئيسية قد خلّفت آثارها. ولكن الرئيس ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سيعتمد نبرة مختلفة إزاء إسرائيل مشدداً على أنه سيعزز العلاقة الثنائية من ناحية المضمون والمواقف. ويُعد الاجتماع المبكر الذي يخلو من أي توقّعات بشأن الكشف عن إعلانات مهمة، فرصة لإثبات موقف جديد وأكثر ودية من جهة، وإقامة علاقة وثيقة من جهة أخرى.
ومن جهته، يَعتبر نتنياهو أن الزيارة تمثل فرصة رمزية لكي يُظهر للعالم أنه زائر مرغوب فيه إلى حدّ كبير من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة في واشنطن، علماً بأنه الزعيم العالمي الثالث الذي يتلقى دعوة للاجتماع مع ترامب حيث يأتي هذا اللقاء مباشرة في أعقاب زيارتين قام بهما رؤساء حليفتي الولايات المتحدة الرئيسيتين بريطانيا واليابان [بالإضافة إلى رئيس وزراء كندا]. (وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله مؤخراً مع الرئيس ترامب لم يكن مخططاً له كجزء من زيارة مقررة سابقاً إلى واشنطن). ويأمل نتنياهو على الأرجح أن يحظى بفكرة أفضل حول تفكير ترامب، وعلى نحو أكثر أهمية، أن يؤثّر في حسابات واشنطن بشأن المسائل المهمة والحساسة لا سيما في وقت لا يزال جو من الضبابية يخيم على السياسات.
ما هي القضايا التي سيعرضها نتنياهو في واشنطن؟
خلال زيارته إلى البيت الأبيض، من المحتمل أن يركز رئيس الوزراء الإسرائيلي على أربع قضايا هي:
1. تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني بدلاً من إلغائه. استناداً إلى الجلستين اللتين عقدهما مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً للمصادقة على تعيين وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، يبدو أن إدارة ترامب تعتقد أنه لا بدّ من تنفيذ الاتفاق بحذافيره بدلاً من إلغائه. ويتماشى ذلك مع وجهة النظر الجلية لمسؤولي الأمن القومي في إسرائيل. ويُذكر أن الحكومتين تعتبران أن تأجيل برنامج إيران النووي لمدة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر عاماً يعود عليهما بالمنافع. ولكن لا شكّ أن نتنياهو يتوق إلى فهم الخطوات التي يعتزم ترامب اتخاذها في الوقت الراهن استعداداً للتحديات على المدى الأطول عندما تنتهي صلاحية أحكام الاتفاق الرئيسية وتصبح إيران دولة على العتبة النووية.
2. إبرام اتفاق مع روسيا لتهميش الدور الإيراني في سوريا. يَفترض نتنياهو على الأرجح أن ترامب يرغب في إبرام اتفاق مع موسكو بشأن محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا. ولا يثير هذا الاحتمال قلق المسؤولين الإسرائيليين الذين يعتقدون على ما يبدو أنه سيتعين على واشنطن استحداث حزمة مغرية لضمان إقامة علاقة تعاونية مع الروس. وبالنسبة لإسرائيل، لا بدّ أن تؤدي الحزمة المثالية إلى إحداث شرخ بين موسكو وطهران في سوريا حيث أن الجهتين الفاعلتين الخارجيَيْن لا تتشاركان الاهتمامات والمصالح نفسها على الرغم من المساعدة العسكرية المستمرة التي تزوّدها روسيا للإيرانيين. وعلى نحو خاص، تبدي طهران التزاماً أكبر بإبقاء بشار الأسد في السلطة ولذلك قد يشكل هذا العامل النقطة التي تؤدّي إلى انهيار العلاقات مع موسكو.
وفي المقابل، قد يدعو نتنياهو إلى التوصل إلى حل وسط أكثر دقة وحذاقة يحدّ من تحركات إيران و«حزب الله» في جنوب سوريا، لا سيما على طول مرتفعات الجولان. وقد ترغب إسرائيل أيضاً في أن يتم إنفاذ قضايا اعتيادية أخرى، مثل منع نقل الأسلحة المتطورة من سوريا إلى «حزب الله» في لبنان ووقف الانتاج الصناعي العسكري السوري الذي تموّله إيران.
3. إخراج التعاون الإسرائيلي-السنّي إلى العلن. أسفرت مجموعة مشتركة من التهديدات عن قيام تقارب إستراتيجي بين إسرائيل والدول السنية البراغماتية المجاورة لها وهي، مصر، والأردن، ودول الخليج. ويساور جميع هذه الحكومات القلق إزاء النفوذ الإيراني في المنطقة، أو التهديدات التي يمثلها الجهاديون المتطرفون، أو كليهما. ونتيجة لذلك، زاد التعاون الإسرائيلي-العربي في المجال الأمني على نحو مطرد خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أن معظم التحركات في هذا المجال لا تزال تجري بشكل سري.
ويرغب نتنياهو في أن يكون هذا التعاون أكثر علانية وسيسعى على الأرجح إلى الحصول على مساعدة ترامب في هذا المجال. وتكمن إحدى حججه لتحقيق ذلك في أن خطوة من هذا القبيل ستعزز مقاربة إقليمية لعملية السلام، الأمر الذي يمنح الفلسطينيين غطاءً سياسياً للإقدام على تنازلات لم يكونوا ليقوموا بها في إطار ثنائي. غير أن الشكوك لا تزال تساور العرب إزاء رغبة إسرائيل واستعدادها الفعليين للقيام بتنازلات لصالح الفلسطينيين. وقد يعتقدون أيضاً أنه طالما يحظون بمنافع أمنية بفضل التعاون السري مع إسرائيل، فليس هناك سبب يدعوهم إلى الكشف عن هذه الأنشطة والمخاطرة بدفع ثمن ذلك مع شعوبهم.
ولمعالجة هذه التصورات، قد يحاول نتنياهو رفع رصيده لدى الزعماء السنة خلال زيارته إلى واشنطن، ربما عبر دعم القضايا المهمة لهم بعيداً عن الأضواء (على سبيل المثال، زيادة المساعدات الاقتصادية لمصر). ومن خلال قيامه بذلك، قد يشير على الأرجح إلى أن الدعم الأمريكي لاستقرار الدول السنية وأمنها هو الطريقة الأفضل للحد من طموحات الهيمنة الإيرانية.
4. السعي إلى تحقيق هدف راسخ واحد مع الفلسطينيين بدلاً من سلسلة من المكاسب الكبرى، على الأقل في الوقت الراهن. انحسرت الأهمية التي كانت تحظى بها القضية الإسرائيلية-الفلسطينية في بداية عهد الإدارات الأمريكية السابقة، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى انهماك الدول العربية إلى حد كبير بالأزمات الإقليمية الخاصة بها. ومع ذلك، شدد ترامب على أنه يرغب في التوصل إلى اتفاق كلّي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. غير أن القيود التي تواجهها القيادة الحالية تشير إلى أن الاحتمالات قاتمة لتحقيق مكاسب مهمة حول هذا الموضوع، وأن الأخذ بنهج تحقيق جميع الأهداف أو عدم تحقيق أي منها لا تنطوي على ضمانات وقد تفضي حتى إلى نتائج عكسية. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يحاول نتنياهو إقناع ترامب بأن مقاربة إدارة أوباما الأكثر صرامةً تجاه إسرائيل فيما يتعلق بموضوع السلام دفعت بالجانب الفلسطيني إلى اتخاذ موقف أكثر تعنتاً لا يقبل بالمساومات، نظراً إلى عدم رغبته في أن يكون موضع مناورة تنفذها الولايات المتحدة.
غير أن الجمود الراهن له مخاطره أيضاً. فقد ينحدر الوضع بسهولة نحو المزيد من التطرّف وأعمال العنف أو يعزز انطلاق حملة فلسطينية جديدة للحل المتمثل بـ "شخص واحد، صوت واحد" في إسرائيل والضفة الغربية، وهو ترتيب لا يمكن لإسرائيل أن تقبله أبداً.
وبما أنه لا يمكن بعد تنفيذ الحل النهائي المتمثل بوجود دولتين ونظراً إلى أن حالة الجمود المستمرة تهدد بالإفضاء إلى دولة واحدة لا يكتب لها النجاح، تكمن أفضل الآمال في المحافظة على قدرة تطبيق مقاربة الدولتين من خلال مبادرات أكثر محدودية. ولابدّ من الإشارة إلى أن أي إستراتيجية من هذا القبيل قد تحتاج إلى إحلال توازن بين السياسات المعقدة للجانبين. فمن الجانب الفلسطيني، يبلغ الرئيس محمود عباس الحادية والثمانين من عمره ولم تتضح بعد معالم هوية خلفه، لذلك يوشك الشعب الفلسطيني على الدخول في مرحلة سياسة الخلافة التي تحيط بها الضبابية. ومن الجانب الإسرائيلي، فيُعد نتنياهو من بين الأعضاء القلائل في تحالفه الحاكم الذي يعرب علناً عن تفضيله لحل الدولتين. وفي الواقع، قام تحالفه للتو بتمرير قانون يخوّل المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية إرغام الفلسطينيين على التخلي عن أراضيهم في بعض الحالات لقاء تعويضات غير مرغوب فيها. وقد أعلن المدعي العام الإسرائيلي أنه لن يدافع عن القانون في المحاكم ويتوقّع أن يتم إلغاؤه، غير أن إقراره يكشف إلى حدّ كبير الضغوط التي تدفع بالحكومة نحو المزيد من المسار إلى اليمين.
وفي الآونة الأخيرة وبعد لقاء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترامب، أُخذ منافسو نتنياهو في المعسكر اليميني على حين غرة من بيان صدر عن البيت الأبيض أشار إلى أن المستوطنات الإسرائيلية الجديدة لا تساهم في عملية السلام. ولعل هذا الإعلان أرضى نتنياهو الذي يفضل سراً سياسة مغايرة في ما يخص المستوطنات من أجل تفادي البناء الموسع في مناطق قد تغير الوضع الراهن في إسرائيل/الضفة الغربية وتحوّله إلى دولة واحدة بحكم الأمر الواقع. وساهمت سياسة إدارة أوباما المعارضة لجميع أعمال بناء المستوطنات الجديدة في توفير بعض الدعم لنتنياهو، الأمر الذي خوله السيطرة على منافسيه اليمينيين. واذا تخلى ترامب عن هذا الموقف المعارض بالكامل، قد يرزح نتنياهو تحت وطأة ضغوط أكبر لتوسيع المستوطنات.
ومن بين الآليات التي قد تساعد نتنياهو في هذا الصدد هي الرسالة التي وجهها الرئيس جورج بوش الابن في عام 2004 إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون في إطار الانسحاب الإسرائيلي المزمع من غزة. وميزت الرسالة في مضمونها بين المستوطنات وأقرّت بأن أغلبية كبيرة من المستوطنين يعيشون في كتل كبيرة تقع بشكل رئيسي ضمن الحاجز الأمني في الضفة الغربية، في حين أن الأغلبية الكبيرة من الفلسطينيين يعيشون خارج هذه المناطق.
وقد يرغب ترامب في توجيه رسالته الخاصة، ولكن رسالة بوش قد تشكل خطاً أساسياً ومرجعياً مهماً. وفي الفترة القادمة، قد تتفق واشنطن وإسرائيل على مقاربة مغايرة على نحو مماثل فيما يخص موضوع المستوطنات من أجل البدء بتحديد الملامح الديمغرافية والجغرافية لحل الدولتين. وقد يتطلب ذلك قيام إسرائيل بتقييد أعمال البناء ضمن مناطق مختارة داخل الحاجز الأمني الذي يشمل نحو 8 في المائة من أراضي الضفة الغربية والتزامها بشكل واضح تماماً بعدم البناء خارج الحاجز. وقد يستلزم ذلك أيضاً التنسيق مع الولايات المتحدة بالطريقة نفسها التي سعى بموجبها شارون سراً إلى الحصول على تأييد إدارة بوش الضمني في تحديد مسار الحاجز قبل عرضه على حكومته للموافقة عليه.
وقد تستطيع واشنطن أن تشجع إسرائيل أيضاً على السماح للفلسطينيين بقدر أكبر من الحوكمة والقدرة على تنفيذ عدد أكبر من المشاريع الاقتصادية ضمن أقسام محددة من المنطقة ("ج")، التي لا يعيش فيها عدد كبير من السكان وتشمل 60 في المائة من الضفة الغربية لكنها لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وقد تتطلب التنازلات من هذا القبيل توفير غطاء دبلوماسي أمريكي هام. وفي المقابل، سيتعين على الفلسطينيين وقف تمويل "مؤسسات الشهداء" التي تمنح رواتب لأقارب أولئك الذين يقتلون إسرائيليين أو أجانب، والقيام عوضاً عن ذلك بتشجيع تشكيل المزيد من حركات السلام الشعبية في الضفة الغربية.
وأخيراً، من المؤكد أن يناقش الزعيمان فكرة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب. وإذا طُرح السؤال، من المرجح أن يؤكد نتنياهو أن نقل مقر السفارة إلى القدس الغربية ليس بمثابة إصدار حكم مسبق بشأن وضع القدس الشرقية، الذي تعهدت إسرائيل التفاوض بشأنه مع الفلسطينيين. وفي مقابلات أُجريت معه مؤخراً، أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة لن تناقش هذه المسألة علناً في الوقت الراهن.
ويقيناً، من المستبعد أن يطرح أي من الزعيمين أي اتفاقات محددة بشأن هذه القضايا خلال هذا الاجتماع الأولي، وبدلاً من ذلك قد تشكل مناقشتهما للمواضيع الرئيسية الواسعة النطاق أسساً تحدد القاعدة التي ستستند إليها القرارات التي يجب أن تُتخذ خلال الأشهر المقبلة.