- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2805
ما مدى تأثير رئاسة ترامب على الانتخابات الإيرانية؟
"في 17 أيار/مايو، خاطب پاتريك كلاوسون، نادر أوسكوي، وإلهام قیطانچی منتدى سياسي في معهد واشنطن. وكلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في المعهد. وأوسكوي هو زميل زائر في المعهد ومستشار أقدم في مجال السياسات لـ "القيادة المركزية الأمريكية" ("سينتكوم"). وقیطانچی هي أستاذة علم الاجتماع في"كلية سانتا مونيكا" وكتبت عن السياسة الإيرانية على نطاق واسع. وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاتهم".
پاتريك كلاوسون
على الرغم من أنّ التركيز على الاقتصاد يشكّل نقطةً مشتركة بين الانتخابات الرئاسية الإيرانية في عامي 2013 و 2017، إلا أن هناك بعض الاختلافات الجوهرية. فعندما فاز حسن روحاني في ولايته الأولى، تم تأطير الاقتصاد كنتيجة ثانوية للسياسة الخارجية - حيث عُزيت مشاكل إيران الاقتصادية إلى رفض سلفه قبول عرض الرئيس باراك أوباما القاضي بإجراء مفاوضات نووية. واعتبر روحاني ومرشحون "معتدلون" آخرون أن التوصل إلى اتفاق نووي قد يساهم في إصلاح الضرر الاقتصادي الذي خلّفته حكومة أحمدي نجاد المتشددة.
وخلال الانتخابات التي ستجري في التاسع عشر من أيار/مايو، افترض عددٌ كبير من المراقبين أن منافسي روحاني سيركزون على انتقاد ثقته "الساذجة" بالولايات المتحدة، مشيرين إلى أنه لم تكن لدى المفاوضين الأمريكيين أي نية في الوفاء بوعودهم وأن الحل لمشاكل الجمهورية الإسلامية يكمن في الاعتماد على الذات. لكن على الرغم من أن بعض الأحاديث سرت عن الحاجة إلى "اقتصاد المقاومة" وتطوير الموارد المحلية، إلّا أنّ قسم كبير من خطاب الحملة الرئاسية تمحور حول القدح والتشهير بين المرشحين بتهم الفساد والظلم وعدم المساواة. ولم يُوجَّه سوى القليل من اللوم نحو الغرب حول المشاكل الاقتصادية للبلاد، حيث ركز المرشحون عوضاً عن ذلك على سوء الإدارة والكسب غير المشروع والفساد في البلاد.
وفيما يتعلق بالمسائل الاجتماعية والثقافية، اشتكت بعض الحملات الانتخابية من قضايا مثل التدخل غير المبرر في المؤسسات التربوية والقيود المفروضة على النساء (في المناسبات الرياضية مثلاً). ولقيت هذه الشكاوى تأييداً بين الجمهور، مع معارضة محدودة من السياسيين المحافظين. ويُعتبر الصمت السائد مفاجئاً بعض الشيء نظراً لأن المشاكل الاجتماعية لا تزال مهمة للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي لطالما كان قلقاً من غزو ثقافي من الغرب (أو "ويستوكسيفيكيشن" أي الافتتان بالثقافة الغربية أو بكل ما هو غربي في الفكر والسلوكيات وأساليب العيش والحياة حتي لو تعارضت هذه الأساليب مع قيم المجتمع ومعتقادته وتجاهلت تعاليم الإسلام). وطالما أُثيرت هذه القضايا في الانتخابات، ويعني ذلك أنها مرتبطة إلى حدّ كبير بالمفهوم القائم على أن الغرب لا يعترف بمكانة إيران "المحقة" في العالم. ورغم ذلك، لم تثر الحملات الانتخابية سوى عدداً قليلاً نسبياً من الشكاوى أو الهيجانات النابعة من المشاعر القومية رداً على موقف الرئيس دونالد ترامب من إيران.
نادر أوسكوي
كان السابع عشر من أيار/مايو اليوم الأخير الذي سُمح فيه للمرشحين بقيام حملات رسمية، وجعل الانسحاب الأخير للمرشح الإصلاحي إسحاق جهانغيري إجراء جولة ثانية من التصويت أمراً مستبعداً. غير أن تاريخ الانتخابات الإيرانية حافلٌ بالمفاجآت. ففي عام 1997 على سبيل المثال، زار المرشح علي أكبر ناطق نوري موسكو قبل أسبوع واحد من الانتخابات عوضاً عن إجراء حملات انتخابية في بلده لأنه كان على ثقة تامة بالفوز. وفي نهاية المطاف فاز محمد خاتمي، كما شكّل انتصار كل من أحمدي نجاد وروحاني لاحقاً مفاجأةً نسبية أيضاً.
وخلال الأيام القليلة الماضية، بذل المتشددون جهوداً حثيثة لتأطير الانتخابات ضمن خطابٍ قائم على مبدأ "الثورة مقابل الثورة المضادة". وقد كررت وسائل الإعلام المحافظة وتلك الخاصة بالنظام رواياتٍ بأن إبراهيم رئيسي اليميني هو المرشح الوحيد القادر على التمسك بالمعايير الثورية للبلاد. حتى أن روحاني اعتمد خطاً متشدداً للغاية في الترويج للمثل الثورية، رغم مواقفه التقدمية نسبياً حول بعض القضايا الثقافية والاجتماعية. على سبيل المثال، أشار مؤخراً إلى أنه كان على إيران أن تقرر بين الحرب والتقدم (على الرغم من أنه تجنب أن يكون أكثر تحديداً حول السياسة الخارجية).
وأياً كانت النتيجة، لن تشهد إيران تغييراً ملحوظاً بعد الانتخابات. فإذا فاز رئيسي، سيتمثل التغيير الفعلي الوحيد باعتماد الرئيس لهجة أكثر تشدداً؛ ومن المرجح أن تستمر سياسات إيران الفعلية على ما هي عليه نظراً لصلاحيات الرئيس المحدودة. ولكن إذا خسر رئيسي، فستكون الخسارة رمزية بالنسبة للمرشد الأعلى الذي بذل جهداً كبيراً لدعمه عبر وسائل الإعلام والحملات الدعائية.
إلهام قیطانچی
في حين أن الانتخابات المنتظمة تضفي طابعاً شرعياً على النظام الإيراني، إلّا أنها لا تعتبر عادلةً وفقاً للمعايير الدولية. فكافة المرشحين المحتملين للرئاسة يخضعون للتدقيق من قبل "مجلس صيانة الدستور" النافذ لتحديد أهليتهم. وفي هذه الانتخابات، وافق أعضاء "المجلس" البالغ عددهم 12 عضو - والذين عينهم المرشد الأعلى إلى حد كبير - على 6 متقدمين فقط من أصل 1600. وحتى كتابة هذه السطور، لم يتبقّ سوى أربعة مرشحين في المنافسة وهم: روحاني ورئيسي (الذي يوصف بأنه خليفة محتمل لخامنئي) ومصطفى مير سليم ومصطفى هاشمي طبا. ولم يُسمح على وجه الخصوص للنساء والأقليات (السنة والأكراد وغيرهم) بالترشح خلال السنوات الثماني والثلاثين الماضية. فعلى سبيل المثال، لم تتأهل يوماً أعظم طالقاني التي تقدمت بطلب ترشيح للرئاسة عدة مرات.
ويحظى روحاني بدعم حوالى ربع السكان، بمن فيهم الكثير من النساء، ومجموعة كبيرة من الإصلاحيين المدعومين من خاتمي والأقليات على غرار الأكراد والسنّة والبلوش. ويحظى رئيسي بتأييد ربعٍ آخر من السكان، تماشياً مع ميولهم لدعم المرشد الأعلى لأسباب إيديولوجية. وبالفعل، فإن الجمهور الذي يستهدفه رئيسي هو الطبقة العاملة والسكان في المناطق الريفية. أما المرشحون الآخرون فمن غير المتوقع أن يفوزوا في هذه الانتخابات.
وتقضي استراتيجية رئيسي الأساسية بالتركيز على الاقتصاد ومهاجمة روحاني بسبب وعده الذي لم يتحقق بأن المفاوضات النووية مع الغرب ستخلق فرص عمل أفضل. وقد أثار تساؤلات حول المستفيد الفعلي من الاتفاق النووي ودعا إلى اتخاذ إجراءاتٍ بحق هؤلاء "اللصوص". وتهدف خطاباته النارية إلى تحريك مشاعر شعب محبط جراء المحسوبية المتفشية والرشوة والتضخم التي عززت الشرخ المتنامي بين الطبقتين الفقيرة والثرية.
وعلى الرغم من بروز القضايا الاقتصادية، لا تزال العلاقات الخارجية تكتسي أهميةّ كبيرة بالنسبة للناخبين. فروحاني يمثّل مرشح التقدّم في حين يمثّل رئيسي مرشح التروّي، مما يشير إلى مقاربتين مختلفتين للغاية للوضع الراهن - أي المرادف الفارسي تقريباً لـ"الثورة مقابل التطور". ومع ذلك، منع المرشد الأعلى للثورة روحاني إلى حد كبير من التعليق حول الشؤون الخارجية. وبالتالي، اعتبر الرئيس أن الاتفاق النووي هو السبب وراء فكّ عزلة إيران، وعدم مواجهتها خطر الحرب، واستفادتها من استثمارات أجنبية وفرص عمل أكبر، في حين أن منافسيه يستخفون بهذه الادعاءات.
كما أن للقومية دور كبير في هذه الانتخابات، وهو أمر يمكن أن يُعزى على الأقل جزئياً إلى بروز إدارة ترامب. فقد شدّد كافة المرشحين، بمن فيهم روحاني، على ضرورة المحافظة على الكبرياء والأمن القومي الإيراني. وكانت بعض الشخصيات قد أذكت التوترات عبر وصف أي معارضة للمرشد الأعلى بأنها تمرّد يقوده الغرب.
وأخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى موضوع قلّ الإعلان عنه في موسم الانتخابات هذا، وهو انتخابات مجالس المدن التي تجري بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية. وتشير النتائج حتى الآن إلى تغييراتٍ ثقافية وسياسية هامة على الصعيد المحلي. فعلى سبيل المثال، تفوز النساء بأعدادٍ كبيرة من المقاعد في المجلس، كما تحرز الحملات الشعبية تقدماً ملحوظاً في بعض المناطق.
أعدت هذا الملخص إميلي برلينغهاوس.