- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ما نجهله عن القبض على البحّارة الأمريكيين في إيران والإفراج عنهم
لا يزال من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات حول أَسْر عشرة أفراد من البحرية الأمريكية على يد «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وتحريرهم فيما بعد. ولكن من الواضح أن الحادثة ستلعب دوراً مهماً في كيفية صياغة مؤيدي الاتفاق النووي ومنتقديه لحجتهم في الأشهر المقبلة.
والتماساً للوضوح، لا بد من الإشارة إلى أن السرعة التي أُفرج بها عن الأمريكيين - بعد أقل من 24 ساعة على إلقاء القبض عليهم - كانت موضع ترحيب. فهي تتناقض بشكل حاد مع الأحداث التي وقعت في العامين 2004 و2007 حيث تم أسر أفراد من "البحرية الملكية البريطانية" لمدة ثلاثة أيام في العام الأول و13 يوماً في الثاني، وقد كَشف لاحقاً أحد البحارة البريطانيين الذين وقعوا في الأسر في عام 2004 أنه كان يتعرض لعمليات إعدام وهمية.
وحتى الآن، يبدو أن إدارة الرئيس أوباما لا تكتفي باعتبار الإفراج عن البحارة خبراً سارّاً بل تعتبره كذلك بمثابة تبرئة. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في تصريحٍ له أن هذه الحادثة أثبتت قيمة انخراط الإدارة الأمريكية مع إيران. لكن هذا الأمر ليس بديهياً. ففي العامين 2004 و2007، كانت تجمع بريطانيا روابط أوثق مع إيران، شملت علاقات دبلوماسية رسمية وسفارة لها في طهران. ومع ذلك، واجهت بريطانيا صعوبات أكبر في تحقيق عودة أفراد طاقمها البحري. ولم تضمن القنوات الدبلوماسية بين وزير الخارجية جون كيري ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الإفراج عن أمريكيين آخرين تحتجزهم إيران.
وعلى الأرجح ترى إدارة الرئيس أوباما في الحادثة تأكيداً للفكرة الكامنة وراء مقاربتها للدبلوماسية النووية، ألا وهي أن إبرام اتفاق مع إيران سيؤدي إلى قيام علاقات ثنائية أكثر دفئاً. ولكن يسود الظن بأن الوزير ظريف لا يتمتع بنفوذ كبير على «الحرس الثوري» الإيراني، فهذا الأخير يعتبر أكثر معاداة لأمريكا من الرئيس الإيراني حسن روحاني ومناصريه، ومساره أكثر انسجاماً مع المتشددين المنخرطين في صراعٍ مرير على السلطة ضد روحاني قبيل الانتخابات البرلمانية الإيرانية المزمع إجراؤها في شباط/فبراير. وغالباً ما يقدَّم هذا التحزّب داخل النظام الإيراني كتفسير عن عجز المحاورين الأمريكيين عن ضمان تحرير اخوانهم المحتجزين؛ فالمعتقلون يمثلون فعلياً أوراقاً يلعبها المتشددون ضد الولايات المتحدة وضد خصومهم المحليين على حدٍّ سواء. لذلك إذا لعب الوزير ظريف أي دور في قرار «الحرس الثوري» بالإفراج عن البحارة الأمريكيين، فإن ذلك سيكون مفاجأة.
وفي الواقع يبدو أن استنتاجات الإدارة الأمريكية سابقة لأوانها كما أشار نقّادها. إذ لم يتم الإفراج عن البحارة على الفور، إنما احتجزوا حتى اليوم التالي وخضعوا للاستجواب وتم تصويرهم لدواعٍ إعلامية. وقد أظهرت الصور وأشرطة الفيديو البحارة وهم جاثمين على الأرض وأيديهم متشابكة فوق رؤوسهم. كما أفادت بعض التقارير أن التلفزيون الإيراني عرض شريطاً مصوّراً يتم فيه استجواب البحارة وتوجُّه أحدهم بالاعتذار ضمن إطار التبادل، علماً بأن نشر الصور الدعائية للسجناء ينتهك "اتفاقية جنيف". وسيُعتبر كل ذلك بمثابة استفزاز هدفه إحراج الولايات المتحدة، وتناقُض مع التردد الذي تبديه واشنطن مؤخراً في تشويش العلاقات مع طهران.
وهنا لا بد من الإجابة على أسئلة عديدة: كيف وقع هذان الزورقان وطاقماهما تحديداً في يد الإيرانيين، وهل وقعت الحادثة الأولية في المياه التي تعتبر أراضي إيرانية من الناحية الدولية؟ كيف كانت معاملة البحارة في الأسر؟ هل تم تفتيش الزورقين ومعداتهما أو التلاعب بهما قبل إعادتهما؟ هل عرضت الولايات المتحدة شيئاً مقابل الإفراج عنهم؟ (إن أي خطوة يقوم بها المسؤولون الأمريكيون تجاه إيران في الأسابيع المقبلة ستفسَّر على هذا الأساس بشكل شبه حتمي). وفي النهاية، ما الذي يقف وراء تحرير «الحرس الثوري» الإيراني للبحّارة؟
في الواقع أن الأجوبة على السؤال الأخير تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للّذين يصيغون السياسة الأمريكية تجاه إيران. وفي حين يمكن للمرء أن يأمل بأن يكون الإفراج السريع عن البحارة مبشّراً بحدوث تحوّلٍ في دينامية السلطة الإيرانية أو في مواقف المسؤولين تجاه الولايات المتحدة، لكن من الممكن أيضاً أنّ المسؤولين الإيرانيين كانوا يسعون إلى ضمان رفع العقوبات إذ أنّ هذا الأمر كان سيؤجَّل حتماً لو طالت مدة الحادثة.
ومع ذلك، لا بد من معاينة هذه الحادثة على ضوء الأعمال الإيرانية الأخرى، من بينها إقدام طهران على اختبار الصواريخ الباليستية، وإطلاق النيران الحية على مقربة من سفن شحن تجارية وسفن تابعة للبحرية الأمريكية، والاستمرار باحتجاز الأمريكيين من أصل إيراني، والهجوم الأخير على السفارة السعودية في طهران، والدعم الإيراني الثابت لنظام الأسد في سوريا. وتشير جميع هذه الأمور إلى استمرار سياسة إيران الإقليمية، لا على تغيّرها.
ينبغي أيضاً إبداء التحفظ تجاه التفسيرات الأولية. فإذا كانت أعمال إيران أكثر استفزازاً مما ذكرته بعض التقارير في البداية، فإن صانعي السياسات يجازفون بتوطيد الخطر الأخلاقي إذا لم يركّزوا على ذلك الاستفزاز بل يمنحون مكافأة على انعكاس مجراه.
مايكل سينغ هو المدير الإداري في معهد واشنطن. وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل من على مدونة "ثينك تانك" على موقع الـ "وول ستريت جورنال".
"وول ستريت جورنال"