- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ما تكشفه وما لا تكشفه الأسرار النووية الإيرانية المسروقة
يوم الاثنين، نشرت على الأقلّ ثلاث من أكبر الصحف في الولايات المتحدة - وهي "نيويورك تايمز" و "وول ستريت جورنال" و "واشنطن بوست" - قصصاً في صفحاتها الأولى تفصّل ما أظهره وقاله المسؤولون الإسرائيليون لمراسليهم الأسبوع الماضي عن اكتناز أسرار إيران النووية التي سرقتها إسرائيل من مستودع في طهران في كانون الثاني/يناير المنصرم.
وعلى الرغم من أنّ البعض قد يقول إنّ الكثير من هذه المعلومات كان معروفاً بالأصل، أو مفترضاً، إلا أنّ هذه القصص مذهلة نظراً إلى التفاصيل التي تكشفها - والتي لا تكشفها. وكانت نيّة إسرائيل في استضافة "العرض والإخبار" هي تصوير إيران على أنّها تشكل تهديداً نووياً مستمرّاً للشرق الأوسط. وكان هدف إسرائيل بذلك هو الرأي العام الأمريكي.
لقد تمّت مشاركة الصفحات المسروقة البالغ عددها ٥٠ ألفاً، إلى جانب ١٦٣ قرصاً حاسوبياً، وأشرطة فيديو وخطط، مع الولايات المتحدة ووكالات استخبارات غربية أخرى، بالإضافة إلى "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأعادت صحيفة "التايمز" سرد تفاصيل عن السرقة نفسها على النحو التالي: أعطى الفريق الإسرائيلي نفسه ست ساعات، منها ٢٩ دقيقة للسطو، مانحاً نفسه ساعتين للهرب قبل انطلاق أجهزة الإنذار. وعلى الرغم من التحذير الأمني الهائل، تكهّنت "التايمز" بـ "أنّ الهروب من الساحل، على بعد بضع ساعات فقط بالسيارة من طهران، يبدو أقلّ خطورة". ويشير التقرير إلى أنّ العملاء توجّهوا على الأرجح شمالاً إلى بحر قزوين ثم انطلقوا في النهاية بالقوارب ربما إلى أذربيجان.
ووفقاً لصحيفة "التايمز"، فقد كان بادئ ديوترايد اليورانيوم أحد "التقنيات الرئيسية" التي اكتسبتها إيران من الناشر النووي الباكستاني، الدكتور ع. ق. خان. وهذا البادئ هو بالكاد رئيسي ولكنّه ضروري حتماً لفيزياء الانفجار النووي، ويبلغ قُطره بوصة أو نحو ذلك ويقبع داخل تجويف في نواة اليورانيوم العالي التخصيب. وعندما يتم سحقه بفعل "انفجار داخلي" ناجم عن المواد التقليدية الشديدة الانفجار، يطلق البادئ موجة من ملايين النيوترونات أو ما يقارب ذلك من أجل تعزيز التفاعل المتسلسل الناشئ وغير المتحكم فيه داخل المادة النووية.
وركّزت صحيفة "وول ستريت جورنال" على الأنشطة الإيرانية في قاعدة بارشين العسكرية للأبحاث، بالقرب من طهران، حيث أجريت اختبارات شديدة الانفجار في غرفة أسطوانية من الفولاذ المقوّى المُعد خصيصاً لذلك. وكان من الممكن استخدامها لإتقان "الانفجار الداخلي"، الذي يجب أن يكون متناسقاً بالكامل. ويستخدم الفنّيون كاميرات خاصة عالية السرعة وأجهزة الأشعة السينية الوميضية. وقد هُدم المبنى الذي كان يضمّ الغرفة منذ سنوات، وبذلت إيران جهوداً مكثّفة لتنظيف الموقع عن طريق إزالة التربة السطحية وتغطية المنطقة بالإسفلت.
وفي غضون ذلك، حصلت صحيفة "واشنطن بوست" على صورة لمهندسين إيرانيين يعملون على ما تم وصفه بأنّه نموذج أولي غير عامل لتجميع الرؤوس الحربية النووية. وإذا كان قطره ١٣ بوصة، كما يبدو، فهو من المؤكد تقريباً بأنّه التصميم الذي أعطته الصين لباكستان في أوائل الثمانينيات ونقله خان إلى ليبيا أيضاً. (يحتوي الجسم الكروي المعدني المصقول على نواة من اليورانيوم العالي التخصيب قطرها ٥ بوصات معلّقة في مركزه. ويكون الجسم الكروي المعدني محاطاً بمواد شديدة الانفجار مصممة بأشكال خاصة - ٢٢ منها سداسية الشكل، و١٠ خماسية الشكل، كما هو الحال في كرة القدم من الطراز القديم).
واستهلت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرها بأن إيران كانت "على أعتاب إتقان تقنيات رئيسية لصنع القنابل عندما صدر أمر بوقف البحث قبل ١٥ عاماً". وكان أحد دوافع إسرائيل لإظهار وثائقها الثمينة هو الإثبات بأن إيران استمرت في العمل بعد الموعد النهائي عام ٢٠٠٣، والذي يُفترض أنه ناجم عن رغبة طهران في تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، التي كانت قد أطاحت لتوها بالرئيس العراقي صدام حسين بسبب استمراره المزعوم في تطوير برامج أسلحة الدمار الشامل.
لقد لاحظت المخابرات الأمريكية تحرك إيران، على الرغم من أن تطويرها المستمر لقدرة تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ البعيدة المدى يلقيان ظلالاً من الشك في أذهان الكثيرين بأن برنامج الأسلحة قد توقف بالفعل. وفي رأيي، كانت إيران قد تخطت هذه العتبة. وتوصلت إلى كيفية صنع قنبلة، وإن كانت نموذجاً أقل تعقيداً مما كانت ترغب فيه، ولكنها افتقرت إلى اليورانيوم العالي التخصيب الضروري [لصنع رأس نووي]. وفي أحسن الأحوال، تم إيقاف الجزء المتعلق بصنع القنبلة من البرنامج، وذلك بشكل مؤقت، بينما واصلت إيران العمل على المتفجرات النووية والصاروخ [الخاص] بحمل رأس حربي.
إن الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ الذي وافقت عليه إيران مع الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا قد قبل المغالطة بأن إيران لم يكن لديها أبداً برنامج للأسلحة النووية. ومن الواضح أن هذا كان محض هراء. فقد فاز مؤيدو ذلك الاتفاق بالحجة السياسية في ذلك الوقت، ولكن على أساس فكري مشكوك فيه.
والآن، تم إذكاء الحجة السياسية من جديد من خلال انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق. ولكنّ الاكتشاف الإسرائيلي يجعل من الحجة المتمثلة في الالتزام بالاتفاق أمراً أكثر صعوبة.
وتبقى عدة أسئلة يجدر ذكرها. ما الذي حدث للآثار المادية لبرنامج الأسلحة الإيراني؟ وللأجسام الكروية المعدنية، وأجهزة الأشعة السينية الوميضية، و"اللوحات الطائرة" التي هي جزء من التصميم الصيني؟ هل تم تخزينها في مستودع آخر أو اثنين في إيران، أو الأسوأ من ذلك، هل تستمر البحوث في هذين المستودعين؟
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
"ذي هيل"