- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3057
ما يجب الإلتفات إليه بينما يشكّل لبنان حكومة جديدة
بعد سبعة أشهر من المشاحنات التي أعقبت الانتخابات اللبنانية، تبدو الفصائل السياسية في البلاد على استعداد لتشكيل الحكومة المقبلة في الأيام القليلة القادمة. ويأمل العديد من المراقبين أن لا تعمل القيادة الجديدة على تعزيز الإصلاحات الاقتصادية المتوقفة منذ فترة طويلة فحسب، بل على التعامل أيضاً مع الوضع الأمني الهش الناجم عن أنفاق «حزب الله» التي اكتُشفت مؤخراً عبر الحدود، وغيرها من الاستفزازات. ومع ذلك، فإن مجموعة المبادرات المحلية والدولية التي أدت إلى الاتفاق الحالي حول تشكيل الحكومة، توفر ثلاث حقائق رئيسية منبّهة، هي: تمتُّع «حزب الله» حالياً بدور أكبر فيما يتعلق بسياسات الحكومة، من بينها القرارات الأمنية؛ كَوْن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري أشد ضعفاً هذه المرة؛ وعدم احتمال أن يشهد اقتصاد لبنان أي نمو.
هذه ليست حكومة وحدة وطنية
في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار/مايو، فاز "حزب الله" وحلفاؤه بأكثر من 70 مقعداً من أصل 128، في حين خسر الحريري أكثر من ثلث أعضاء كتلته. ومنذ ذلك الحين، واجه الحريري العديد من العقبات في محاولته تشكيل حكومة [ائتلافية]، وكان آخرها تلك التي ركّزت على السنة المؤيدين لـ «حزب الله»، حيث طالبت الجماعة الشيعية مراراً وتكراراً بمقعد حكومي لأحد هؤلاء السُنّة. وبعد شهرين من الجمود، وافق الرئيس ميشال عون على ضم أحد أعضاء ائتلافه الذي يقوده "التيار الوطني الحر".
وبالإجمال، من المتوقع أن يكتسب «حزب الله» سيطرة مباشرة على وزارة الصحة العامة وعدد من الوزارات الأخرى، بينما سيتولى حلفاؤه معظم الحقائب السيادية. ومن المتوقع أن يبقى علي حسن خليل من "حركة أمل" وزيراً للمالية، في حين من المرجح أن يبقى جبران باسيل، زعيم "التيار الوطني الحر"، وزيراً للخارجية. أمّا إلياس بو صعب، الذي ينتمي أيضاً إلى كتلة عون، فسيكون وزير الدفاع القادم.
وفي مطلق الأحوال، تبدو الحكومة الجديدة وكأنها حكومة «حزب الله»، وليست حكومة "وحدة وطنية" كما وصفها عدد كبير من المنافذ [الإعلامية]. فقد تم تلبية جميع مطالب الحزب، مما يعني أنه سيتاح لمنظمة مصنّفة كإرهابية إمكانية الوصول المباشر أو غير المباشر إلى كافة الوزارات التي هي بحاجة إليها من أجل تعزيز أجندتها المحلية والخارجية. فالتغيرات في الحقائب المتبقية ليست سوى تفاصيل.
وعلى الرغم من أن الكثير من التأخير منذ أيار/مايو المنصرم كان يعزى إلى وضع السنة المؤيدين لـ «حزب الله»، إلا أن التركيز الحقيقي للحزب كان ينصب على ترتيب حكومة تسمح له بتخفيف التحديات المالية التي يواجهها. فالعقوبات الأمريكية والدولية شدّدت القيود على ميزانية الجماعة، مما أثّر على علاقتها بقاعدة الدعم المحلية الشيعية التي تتلقى معظم مساعدات الرعاية الاجتماعية وغيرها من المساعدات. كما أراد قادة «حزب الله» إضعاف الحريري لكي لا يتمكن من العمل ضدهم إذا تم فرض المزيد من العقوبات والضغوط الدولية الأخرى في المستقبل القريب. فبالإضافة إلى ضمان خسارته جزءاً كبيراً من كتلته، سعى هؤلاء القادة إلى التضييق عليه في حكومته من خلال تعيين شخصيات سنية أخرى راغبة في تنفيذ أجندة الحزب - وخدمة مصالح نظام الأسد السوري.
آمال ضئيلة للنمو الاقتصادي
على الرغم من التأكيدات بأن الحكومة المقبلة ستعالج المشاكل الاقتصادية السيئة التي يعاني منها لبنان، إلا أن المؤشرات الحالية تُظهر احتمال ضئيل للتحسن. وقد بدأ التدهور المستمر قبل فترة طويلة من الفراغ الذي نشأ بعد الانتخابات، وهو متجذر في العديد من العوامل التي لا علاقة لها بالوضع السياسي الحالي، ومن بينها انخفاض التحويلات المالية من المغتربين، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وانخفاض الصادرات البرية إلى دول الخليج بسبب الحرب في سوريا، وفشل الحكومة السابقة في تمرير إصلاحات رئيسية. وإذا استمرت بيروت في تأخير الإصلاحات، وإذا لم تكن الحكومة الجديدة شاملة جامعة بما فيه الكفاية، فقد يتم حرمانها من الحصول على قروض المساعدة التي تم التعهد بها في "المؤتمر الاقتصادي للتنمية والإصلاح والأعمال" ("سيدر") الذي انعقد برعاية فرنسا في نيسان/أبريل الماضي.
وحتى لو تم توفير تعهدات مؤتمر "سيدر"، فلن تكون كافية لتخفيف عبء الدَيْن العام الساحق في لبنان من دون تنفيذ إصلاحات هيكلية جادة تعالج الفساد المتفشي. فالبنية التحتية المتدهورة في البلاد تحتاج إلى اهتمام فوري - لا سيّما في مجال النقل الجوي والكهرباء وإدارة النفايات والمياه والطرق - ولكن هذه المشاريع لا يمكن أن تكتمل بشكل فعال عندما يتم استنزاف تمويلها عن طريق الكسب غير المشروع.
ولدى لبنان ثالث أعلى نسبة ديون في العالم، تقدر حالياً بـ 81 مليار دولار، أو 152 في المائة من "ناتجها المحلي الإجمالي". وفي تقريرها الأخير، غيّرت وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية للبلاد من "مستقرة" إلى "سلبية" وحافظت على تصنيفها الائتماني عند "B3"، أي "مضاربة ومخاطر ائتمانية عالية" - وهو تقييم يستند إلى ضعف وضع السيولة وانعدام الاستقرار المالي. ومن غير المحتمل أن يتغير هذا التقييم حالياً لأن بيروت تستعد لإعادة القادة السياسيين الفاسدين السابقين الذين يستفيدون من الوضع الراهن.
المحاذير المرافقة
بينما يُعتبر تشكيل الحكومة الجديدة صفقة منتهية إلى حد كبير، إلا أنه لا يزال أمام المسؤولين خطوتان أخريان يمكن أن تؤثرا على الوضع الدبلوماسي والأمني للبنان. أولاً، يجب عليهم إصدار بيان وزاري يشمل رؤيتهم للبنان. ففي الماضي، كان الجزء الأكثر إثارة للجدل في مثل هذا البيان هو اللغة المتعلقة باستراتيجية الدفاع. ولطالما أصرّ «حزب الله» على الحفاظ على التمييز بين "الجيش والشعب والمقاومة"، لأن هذه الصيغة تضفي الشرعية على "حقه" في الاحتفاظ بترسانة عسكرية ضخمة خارج سيطرة الحكومة أو الجيش الوطني. والآن بعد أن اكتسب الحزب مزيداً من السلطة في الحكومة وساعد على تفتيت المعارضة، فمن المحتمل أن يتم إقرار هذه اللغة ثانية، وربما دون نقاش.
سيتعين على الحكومة الجديدة أيضاً إجراء العديد من التعيينات العسكرية والأمنية الرئيسية، والتي يمكن لأي منها أن يثير الاحتكاكات مع واشنطن. فقد تلقّى الجيش اللبناني مساعدات من الولايات المتحدة تقدّر بأكثر من 1.6 مليار دولار منذ عام 2006. إلّا أنّ بعض المسؤولين أثاروا مخاوف بشأن هذا التمويل في ضوء التقارير التي تشير إلى العلاقة المتزايدة لـ «حزب الله» مع الجيش اللبناني، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى جهاز استخباراته والتأثير على قراراته الأمنية (على الرغم من أن هناك القليل من القلق بشأن حصول الميليشيات على الأسلحة التي وفّرتها الولايات المتحدة). وبينما يبقى الجيش اللبناني مستقلاً من الناحية المؤسسية، إلّا أنه يتعامل مع «حزب الله» عن طريق المعينين من قبل الحكومة، لذلك ليس هناك شك بأن أي تنسيق بين قوتيهما العسكريتين سيزداد في ظل القيادة الجديدة.
وإلى جانب هاتين الخطوتين الكبيرتين، فإن القرارات التي تؤثر على نفوذ «حزب الله» على المؤسسات والسياسات الأخرى جديرة بالتتبع والمراقبة. فبالإضافة إلى صياغة القرارات والتمويل الخاصة بوزارات الصحة والمالية والدفاع والخارجية، أو السيطرة عليها مباشرة، سيكون للحزب سلطة للتأثير في كيفية تعامل بيروت مع العقوبات الدولية، واستراتيجية الدفاع الوطني، والاتهامات التي تصدر عن "المحكمة الخاصة بلبنان". كما سيسعى إلى تعزيز سياسته المتمثلة في إعادة إنشاء علاقات رسمية بين لبنان ونظام الأسد السوري. ومن المحتمل أن يشمل ذلك ممارسة المزيد من الضغوط على اللاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم - تلك السياسة التي أدت بالفعل إلى تحذيرات دولية متعددة بسبب المخاوف الإنسانية.
التوصيات
في 18 كانون الأول/ديسمبر، أعرب مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، لم يُذكر اسمه، عن أمله في أن تعمل الحكومة اللبنانية المقبلة "مع الولايات المتحدة في المجالات ذات الاهتمام المشترك". إلّا أن المسؤول أشار أيضاً إلى "قلق واشنطن العميق من القوة السياسية المتنامية لـ «حزب الله» داخل لبنان"، ومن "جهود الحلفاء السياسيين لـ «حزب الله» الذين يزودونه بتغطية رفيعة المستوى وهالة من الشرعية".
وبالنظر إلى النتائج الظاهرة لعملية تشكيل الوزارة، من غير المرجح أن تعالج الحكومة الجديدة هذه "المجالات ذات الاهتمام المشترك" على نحو أفضل من الحكومة المؤقتة. بل على العكس من ذلك، ستوفر غطاءً أقوى للعمليات العسكرية لـ «حزب الله»، والتي تشمل السلوك التصاعدي الخطير مثل بناء الأنفاق إلى داخل إسرائيل وتعزيز الترسانة الصاروخية الدقيقة التوجيه التي يملكها الحزب. وتدل الجولة التي نظمها مؤخراً وزير الخارجية المؤقت باسيل للسفراء الأجانب على أمل تبديد الادعاءات المتعلقة بالصواريخ، على الطريقة التي سيتعامل فيها مع هذه القضايا في المستقبل.
وبمجرد قيام «حزب الله» رسمياً بتظليل الخط الفاصل بين السياسات التي تتبعها بيروت وتلك الخاصة به، سيكون لبنان أضعف مما هو عليه - سواء كونه عرضة للعقوبات الدولية أو للاستفزازات التي تأمر بها إيران بهدف تجنب الضغط الدولي على طهران. وعليه، يجب على الحكومات الأجنبية أن لا تضع المزيد من الضغوط المالية والسياسية على «حزب الله» وإيران فحسب، بل عليها أيضاً فرض ثمن على الحلفاء السياسيين المحليين للحزب. وإلا، سيضمن هؤلاء الشركاء استخدام «حزب الله» للوسائل البيروقراطية بدلاً من الأسلحة لتنفيذ أجندته في لبنان.
حنين غدار، صحفية وباحثة لبنانية محنكة، وزميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في معهد واشنطن.