- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2808
ما يمكن توقعه بعد الانتخابات الإيرانية
في أعقاب الفوز المقنع لروحاني بنسبة 57٪ في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تطرح النتيجة المُعلنة السؤال التالي: ما الذي سيتغيّر (ولن يتغيّر) نتيجة لذلك؟ حول هذا الموضوع، يعرض أربعة خبراء في معهد واشنطن آراءهم حول أكثر العواقب السياسية ترجيحاً.
القضية الأكبر: رد الفعل المتشدد | پاتريك كلاوسون
تمّ خوض المعركة الانتخابية بضراوة، مع توقُّع كلّ من المرشّحَيْن الأساسيَيْن الفوز بثقة. ولا تترك النسبة الكبيرة التي فاز بها حسن روحاني، 57٪ مقابل 38٪ التي حصل عليها خصمه الأساسي إبراهيم رئيسي، مكاناً للشك حول من فضّله الناخبون. ولكن النتيجة الأهمّ من الانتخابات قد تكون الكيفية التي سيردّ فيها المتشدّدون على هذه الخسارة المؤلمة، بعد أن قاموا بحملة قوية لصالح رئيسي واستخدموا لغة خطابية حادة لمهاجمة روحاني. وقد يتقبّل الكثير من المتشددين النسبة الكبيرة التي حقّقها روحاني بمرارة شديدة، مما يحفّزهم على اتّخاذ إجراءات استفزازية ضدّ الإصلاحيين في الداخل أو في مجال السياسة الخارجية. ولكن الإصلاحيين الشديدي الثقة بأنفسهم قد يصفون هذه النتيجة بمثابة دليل على أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي لا يستطيع أن يحصل على ما يريده، وهو استنتاج مبالغ فيه لأنّ خامنئي بدا راضياً تماماً باحتمال فوز أيّ من المرشحَين.
ونادراً ما تكون السياسية في إيران "الرابح يحصل على كلّ شيء"، بل تقوم على تحقيق التوازن عوضاً عن ذلك. وقد جرت الانتخابات الرئاسية إلى جانب انتخابات المجالس المحلية في جميع أنحاء إيران، ومن المفترض أن يحتاج المراقبون إلى بضعة أيام ليحدّدوا بالضبط أي قوى سياسية فازت على مستوى البلديات، لأنّ المرشحين يخوضون الانتخابات كأفراد وليس كأعضاء حزب. وبالتالي، فيمكن أن يتوازن الفائز على مستوى الرئاسة مع القوى المعارضة على المستوى المحلّي. ومن المحتمل أن تسيطر الشخصيات المؤيدة للإصلاح على المجالس في بعض المدن الكبرى على الأقلّ، ولكن قد تفوز الشخصيات المؤيدة للتشدّد في العديد من المدن الصغيرة.
ومع مرور الأشهر، فإن ما سيحدث للاقتصاد سيحدّد إلى حدٍّ كبير ردّ الفعل الشعبي على الرئيس. وشكّلت السنوات الأربع الماضية فترة صعبة لمنصب الرئيس: فقد انخفضت عائدات النفط بسبب العقوبات الدولية وانخفاض الأسعار، وخلّف محمود أحمدي نجاد وراءه فوضى عارمة إلى درجة اضطرت فيها الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات المؤلمة. ومن بين أمورٍ أخرى، اضطرّ روحاني أن يقلّص بشكلٍ حادّ نمو الائتمان المصرفي لكبح التضخّم، وأن يوجه أموال الدولة نحو تسديد المتأخرات من عهد سلفه، وأن يحد بشكلٍ كبير من التوظيف في القطاع العام الذي يعاني من تضخّم في عدد الموظفين. وبالتالي، ستشكّل السنوات الأربع المقبلة وقتاً أفضل بكثير لمنصب الرئيس: وسيؤدي تطبيق التغييرات ببطء إلى السماح للمصارف الإيرانية بتطوير علاقات أكثر طبيعية مع النظام المالي العالمي، وسيصبح من الممكن استخدام الإيرادات الحكومية لأهداف أكثر إنتاجية من التخلّص من الفوضى السابقة، وسيتقلّص عدد الشُبان الذين يبلغون الـ 22 عاماً من 1.6 مليون إلى 1.1 مليون نسمة، مما يسهّل إيجاد فرص عمل كافية لخريجي الجامعات الذين يدخلون سوق العمل.
عواقب الخلافة والسياسة الداخلية | نادر أوسكوي
منذ اللحظة التي ألقى فيها رئيسي عمامته في السباق، وضع الانتخابات ضمن إطار الاختيار بين القوات الثورية للجمهورية الإسلامية والقوات غير المخلصة للمثل الثورية. وبدا من نهجه الخطابي وكأنه يترشّح ليصبح المرشد الأعلى المقبل. فالمرشد الأعلى هو في النهاية من يسيطر على المحاكم الثورية، وفروع المخابرات، و «الحرس الثوري الإسلامي»، وغيرها من الأجهزة القوية، بينما يدير الرئيس إدارات أقل أهمية، وليس له سلطة على السلطة القضائية، أو القوات المسلحة أو الشؤون الإقليمية.
ومن هذا المنطلق، كانت استراتيجية رئيسي مقامَرة كبيرة. وكان بإمكان الفوز بالرئاسة أن يجعله أكبر منافس ليخلف خامنئي المريض. ولكنّ الخسارة تشير إلى أنّ الأجهزة الثورية لا تتمتّع بالشعبية التي تدّعيها، لأنّها قامت بدعاية ضخمة لدعمه على مدى الأيام القليلة الماضية.
وعلى الرغم من تأكيدات الماكينة الانتخابية لرئيسي، إلّا أنّ تأثير نتائج الانتخابات سيكون محدوداً حتّى في الداخل. فبغضّ النظر عن النتيجة، سيواصل معسكر المرشد الأعلى تقاليده المتمثلة بممارسة القمع عبر السلطة القضائية وقوات الأمن، فضلاً عن احتكاره لأهمّ مؤسسات البلاد، من بينها المؤسسات الضخمة التي تسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد.
تغيير طفيف على القضايا الأمنية | فرزين نديمي
على الرغم من سعي كل من روحاني ورئيسي إلى التأكيد على خلافاتهما طوال الحملة الانتخابية، إلّا أنّ العديد من السياسات الأساسية المتعلّقة بمصالح الولايات المتحدة ستبقى كما هي، بغضّ النظر عن الفائز. وخلال ولاية روحاني الأولى، استمرّ العمل في برامج الأسلحة الإيرانية من دون انقطاع. ومنذ عام 2013، تمّ كشف النقاب علناً عن عدّة أنظمة جديدة، وبعضها هجومية، وقد تم عرض بعضها من قبل روحاني شخصياً، بما فيها صواريخ باليستية. وبالمثل، واصل «الحرس الثوري الإسلامي» والصناعات الدفاعية اختبار صواريخ من جميع الأنواع (على سبيل المثال، تلك الباليستية، والمضادة للسفن، وصواريخ كروز)، بالإضافةً إلى الطوربيدات، وأنظمة الدفاع الجوي، ورادارات المراقبة بعيدة المدى، إلى آخره. واستمرت الاستفزازات البحرية التي قام بها «الحرس الثوري» في مضيق هرمز، وتراجعت العلاقات مع السعوديين ودول الخليج الأخرى بشكل حاد. لذلك، من المتوقع أن تستمر حكومة روحاني الثانية في اتّباع نهج الحكومة السابقة، أي تجنّب المواجهة المباشرة والمواقف العسكرية العلنية، والحفاظ على الجهوزية من خلال زيادة متواضعة في الإنفاق الدفاعي، ومتابعة العمل في برنامج الصواريخ وتطوير أسلحة أخرى.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن رئيسي هو من أشدّ مؤيّدي نشاطات نفوذ «الحرس الثوري» وعملياته الاستكشافية في المنطقة. وفي العام الماضي، في خلال اجتماع مع كبار قادة «الحرس الثوري»، أشاد بالحرس لقيامه بتوسيع نطاق وصول إيران الاستراتيجي من خلال مساعدة الميليشيات الشيعية في العراق واليمن ولبنان وسوريا وإلهامها. وفي الوقت نفسه، فإنّ أحد أهداف رئيسي المُعلنة هو التخفيف من عدم الاستقرار الاقتصادي والمخاطر على المستوى الكلّي، الأمر الذي يتطلّب موقفاً مسؤولاً وغير تصادميّ في الخارج. ونظراً إلى هذه الازدواجية، لكانت رئاسة رئيسي لتؤدي كما يحتمل إلى فترة مؤقتة من عدم الاستقرار والغموض في السياسات الإقليمية والدبلوماسية. ولكن كانت احتمالات التقارب مع دول الخليج ضئيلة على الأرجح، وخاصةً مع المملكة العربية السعودية، التي غالباً ما يسمّيها رئيسي "العمق الاستراتيجي للإمبريالية" في المنطقة.
الضغط الأمريكي سوف يستمر | كاثرين بور
بغضّ النظر عن الفائز في انتخابات الرئاسة الإيرانية، من المتوقع أن تستمرّ إدارة ترامب في تنفيذ عقوبات غير نووية ضدّ الجمهورية الإسلامية. وفي 17 أيار/ مايو، أي قبل يومين من الانتخابات، أعلنت واشنطن فرض عقوبات جديدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وإصدار تقرير وزارة الخارجية نصف السنوي حول العقوبات المتعلّقة بانتهاكات حقوق الانسان في إيران. وفى الوقت نفسه، مدّدت الإدارة الأمريكية الإعفاء من العقوبات المفروضة على مبيعات النفط الخام الايرانية لمدّة 120 يوماً إضافياً، وفقاً للالتزامات الأمريكية بموجب الاتفاق النووي. أمّا الإعفاء من العقوبات الأخرى فلن تنتهي صلاحيّته حتى تموز/يوليو، ولم يتم تجديده خلال الأسبوع الثالث من الشهر الحالي.
إن تمديد العقوبات الجديدة والإعفاء الجزئي يسمح للإدارة الأمريكية بالإبقاء على عدم اليقين بشأن نتائج الاستعراض الجاري لسياستها ونهج الرئيس ترامب حيال الاتفاق النووي. وعند إطلاع الكونغرس على مستجدّات امتثال طهران للاتفاق الشهر الماضي، كما هو مطلوب بموجب "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" لعام 2015، أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أنها تقوم أيضاً بتحديد ما إذا كان تخفيف العقوبات "حيوياً بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة". وذكر مسؤولون أنّ الإدارة الأمريكية ستواصل الامتثال لالتزاماتها بموجب الاتفاق إلى أن يكتمل استعراض السياسة.
ولكن، لا يمكن تمديد عملية استعراض السياسة إلى أجلٍ غير مسمّى. وتُشير الإجراءات التي اتّخذتها الإدارة الأمريكية حتّى الآن إلى نهجٍ واسع. وترسل بعض هذه الإجراءات رسائل مهمّة ومن المرجّح أن تكون معرقلة، مثل الإفصاح عن الشركات الصينية التي تؤمن السلع ذات الاستخدام المزدوج لدعم برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وفضح "منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية" لتمديدها الائتمان إلى "المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية"، وهو الكيان المسؤول عن برنامج الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد. ومع ذلك، هناك حاجة إلى وضوح في السياسات لضمان استهداف العقوبات بأقصى قدرٍ من الفعالية. ولدى الإدارة الأمريكية الكثير من أدوات العقوبات تحت تصرّفها، ويبدو أنّ الكونغرس على استعداد لدعم التنفيذ الصارم في سياق أهداف واضحة.
پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن. نادر أوسكوي هو زميل زائر في معهد واشنطن ومستشار أقدم في مجال السياسات لـ "القيادة المركزية الأمريكية" ("سينتكوم"). فرزين نديمي هو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج. كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس" في برنامج مكافحة الإرهاب في المعهد ومسؤولة سابقة بوزارة الخزانة الأمريكية.