- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3134
ما يمكن توقعه من الاجتماع الأمريكي-الروسي في القدس
تستضيف القدس هذا الشهر اجتماعاً بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وأمين عام مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبّات. وتردّد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اقترح الفكرة حين زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في شباط/فبراير، وأشار لاحقاً، "لقد اقترحت على الرئيسين ترامب وبوتين إقامة لجنة ثلاثية أمريكية-روسية-إسرائيلية ... لمناقشة الوضع الأمني في الشرق الأوسط، وقد وافقا الإثنان على ذلك. وهذه سابقة". وعلى نحو مماثل، أعلن البيت الأبيض أن الهدف من الاجتماع هو "مناقشة مسائل أمنية في المنطقة".
ويتوقّع المحللون أن تركّز المحادثات على سوريا وإيران. وكانت وسائل الإعلام الروسية الخاضعة لسيطرة الكرملين مثل وكالة "ريا نوفوستي" قد ادعت بأن واشنطن وإسرائيل تعتزمان الاعتراف بشرعية الدكتاتور بشار الأسد ورفع العقوبات مقابل ردع موسكو للنفوذ الإيراني في سوريا. وعلى الرغم مما أفادته بعض التقارير بأن المبعوث الأمريكي جيمس جيفري نفى أن تكون مثل هذه التنازلات مطروحة على طاولة البحث، فمن المرجح أن يسعى بوتين إلى إبرام اتفاق في هذا المجال. وحتى إذا لم يتحقق هذا الهدف المشكوك فيه، فإن الرئيس الروسي يعتقد من دون شك أن مجرد مشاركة روسيا في هذا الاجتماع سوف يعزز شرعيته - وبالتالي ميزته في المنطقة.
سجل روسيا غير الجدير بالثقة في سوريا
لا تدعو سلسلة خروقات وقف إطلاق النار التي حصلت تحت أعين روسيا حتى الآن إلى ثقة كبيرة بأن موسكو ستحترم الاتفاقيات الجديدة بشأن سوريا. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين شاركوا في مناقشات سابقة حول وقف الأعمال العدائية، فإن الروس إما غير مستعدين أو غير قادرين على حثّ الأسد على الالتزام في هذا الخصوص.
وخلال اجتماع عُقد في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في نيويورك، توصّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري إلى اتفاق بشأن المبادئ التي سبق طرحها في فيينا، بما في ذلك وقف الأعمال العدائية ووضع جدول زمني للانتقال السياسي في سوريا. وبعد شهر، أقر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2254 بناءً على مبادئ فيينا. وسرعان ما انتهك نظام الأسد كافة الشروط. وعندما نفذت أخيراً دمشق وموسكو وقفاً لإطلاق النار في شباط/فبراير 2016، انهار هذا الاتفاق في غضون أربعة أشهر.
وبالمثل، بعد موافقة روسيا وقوات المتمردين جنوب سوريا على وقف إطلاق النار في تموز/يوليو 2018، وعدت موسكو بأن تسحب إيران قواتها ووكلائها على بعد خمسة وثمانين كيلومتراً على الأقل من الحدود مع إسرائيل. لكن العديد من عناصر الميليشيات المتحالفة مع إيران بقيت على مقربة من الحدود، وأفادت التقارير بأنهم غيّروا ملابسهم إلى بزات عسكرية سورية في مسعى واضح لتجنب الضربات الجوية الإسرائيلية. فضلاً عن ذلك، لم يكن الاتفاق واضحاً بشأن ما إذا كان أي من "المستشارين" الإيرانيين سيضطرون إلى المغادرة. ويمكن وصف الانسحاب التالي بأنه سطحي في أفضل الأحوال وعجز في نهاية المطاف عن تقليص الوجود الإيراني - رغم أنه نجح في جعل موسكو تبدو كما لو كانت قد حاولت ذلك.
وإذا أبدى المسؤولون الأمريكيون في بعض الأحيان سذاجة بشأن جدوى روسيا في إخراج إيران من سوريا، فقد يكون هذا الوهم قد انطلى كلياً على بعض المسؤولين الإسرائيليين. ويدّعي البعض سراً أن بوتين لديه "نقطة ضعف" تجاه إسرائيل، مشيرين إلى أنهم شعروا بالاطمئنان عندما منحت موسكو القوات الإسرائيلية حرية التحرك من أجل ضرب أهداف مرتبطة بإيران داخل سوريا. وحتى بعد عجز وقف إطلاق النار في الجنوب عن تلبية أي من المصالح الأمنية لإسرائيل، أبلغ نتنياهو حكومته في آذار/مارس ما يلي: "لقد اتفقتُ أنا والرئيس بوتين أيضاً على هدف مشترك وهو انسحاب القوات الأجنبية التي وصلت إلى سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية".
لا تأثير حاسم على إيران
منذ البداية، كانت استراتيجية روسيا حيال سوريا مبنية على الشراكة مع إيران؛ وبالفعل، تجنّبت موسكو الدخول في مأزق هناك، ويعود السبب جزئياً إلى إمكانية اعتمادها على وكلاء طهران من أجل تنفيذ الأعمال الصعبة. وبمرور الوقت، ساهمت الحرب في إيصال الشراكة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تلقى «حزب الله»، وكيل إيران الرئيسي في المنطقة، التدريب مباشرة من الجيش الروسي، وقيل إنه حصل على أسلحة خفيفة من موسكو عبر قائد «الحرس الثوري الإسلامي» قاسم سليماني. كما حارب أفراد «حزب الله» جنباً إلى جنب مع القوات الروسية من حين لآخر؛ وفعلت ميليشيات شيعية أخرى الشيء نفسه، وكذلك فعل أفراد «الحرس الثوري». حتى أنه تردّد أن الميليشيات الإيرانية استخدمت الأعلام الروسية لتجنب الضربات الجوية الإسرائيلية، وفقاً لمصادر في روسيا وإسرائيل وأخرى تابعة للمعارضة السورية.
ومنذ أن بدأت موسكو تدخلها في سوريا للمرة الأولى، أبلغ نتنياهو الرئيس الروسي بوتين مراراً وعلناً أن لدى إسرائيل مخاوف أمنية كبيرة بشأن التوسّع الإيراني. لكن على الرغم من الإقرار بهذه المخاوف، بقي بوتين حذراً حيال القيام بأي شيء فعلياً لتبديدها، على الأقل في العلن. وعادةً ما تصف وسائل الإعلام الروسية هذه المحادثات بنبرة محايدة، رغم أن أحد أعمدة صحيفة "كوميرسانت" الروسية اليومية التجارية الصادر في عام 2017 أشار بوضوح إلى أن أكثر ما يمكن أن يقدمه بوتين لنتنياهو هو "مساعدة نفسية" - أي الإصغاء باهتمام إلى مخاوفه بشأن سوريا دون اتخاذ أي خطوة. وبالمثل، شدّد لافروف وغيره من المسؤولين مراراً وتكراراً على أن إيران هي جهة فاعلة مستقلة، وأن روسيا بمفردها لا يمكنها إرغامها على الخروج من سوريا.
وبالتالي، ما أن تمّ الإعلان عن اجتماع القدس، لم يكن من المفاجئ إقدام خبراء روس في شؤون الشرق الأوسط على التعبير عن شكوكهم في أن تتمكن موسكو من زحزحة إيران. فعلى سبيل المثال، لاحظ ألكسندر شوميلين أن طهران لن تقبل أي محاولات روسية ترمي إلى تقليص نفوذها، إذ من شأن هذه الخطوة أن تسيئ إلى صورة الجمهورية الإسلامية وتقوّض أهدافها وتتسبّب في إضاعة الدماء وتبديد الأموال الغزيرة التي أنفقتها في سوريا هباء. من جهته، اعتبر فلاديمير ساجين أن موسكو تفتقر إلى "أي آليات من شأنها إرغام طهران على تغيير سياستها في سوريا".
باختصار، وحتى إذا رغبت موسكو في إخراج إيران، يبدو أنها غير قادرة على ذلك. فالدبلوماسية وحدها لن تفي بالغرض، واستخدام القوة العسكرية غير عملي. صحيح أن روسيا ربما تسيطر على الأجواء السورية، لكن موقف إيران على الأرض أكثر قوة. وكان بوتين حريصاً على عدم التورط هناك، ومن الصعب التصوّر أنه سيلجأ إلى جيشه من أجل تعطيل البنية التحتية للأسلحة الإيرانية و«حزب الله».
كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت موسكو قادرة على الحدّ من تحرّك القوات التي تنشرها طهران في سوريا. وتمثّل حادثة جرت في حزيران/يونيو 2018 مثالاً على ذلك: حاولت روسيا إقناع «حزب الله» مغادرة نقطة تفتيش في القصير والاقتراب أكثر من الحدود اللبنانية، لكن بدلاً من ذلك، اضطرت القوات الروسية إلى التراجع، وسرعان ما رسّخ «الحزب» تواجده. وبالمثل، إن نشر الشرطة العسكرية الروسية في آب/أغسطس 2018 في مرتفعات الجولان لم يمنع «حزب الله» والميليشيات الإيرانية الأخرى من ارتكاب تجاوزات هناك.
الخاتمة
لطالما كانت العلاقة بين روسيا وإيران معقدة، ويبقى خوف طهران من إمكانية خيانتها من قبل موسكو السبب وراء شراكتهما في الموضوع السوري. وقد ازدادت حدة هذه التوترات في الآونة الأخيرة؛ فعلى سبيل المثال، لم يذكر أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله في خطاب ألقاه في مطلع هذا الشهر، روسيا على الإطلاق، في تحوّل عن ممارسته المعتادة بوصف موسكو على أنها دولة حليفة.
ومع ذلك، من المهم عدم الغوص كثيراً في هذه التقارير أو اعتبارها مؤشرات على انقسام مقبل. ففي النهاية، لا ترغب موسكو في أن تتحول إيران إلى دولة موالية للغرب، كما تتشارك طهران هدف الكرملين الاستراتيجي الشامل المتمثل في تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة. وقد اختلفت أهدافهما وتكتيكاتهما الخاصة في بعض الأحيان، لكنهما لم يقفا أبداً في وجه بعضهما البعض بشكل أساسي.
وهذا الاصطفاف الاستراتيجي - الذي يرافقه واقع غموض البيت الأبيض بشأن أهدافه الخاصة من اجتماع القدس - يجعل من غير الواضح معرفة النتائج الملموسة التي قد تنجم عن القمة. فتصريحات روسيا السابقة بأنها غير قادرة "بمفردها" على إخراج إيران تفسح المجال أمام عرض مقترحات حول كيفية إمكانها القيام بذلك بمساعدة خارجية. ومع ذلك، فإن سجل موسكو في سوريا يثير شكوكاً جدية حول ما إذا كانت ترغب حقاً في الضغط على طهران ووكلائها.
ووفقاً لذلك، يجب ألا يثق المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون ببساطة بما ستقوله موسكو في القدس، أو أن يكون لديهم أوهام بشأن ما يمكنها تحقيقه على أرض الواقع. ومن السابق لأوانه معرفة شكل "الصفقة الجيدة" مع روسيا، لكن أي اتفاق يتم التوصل إليه يجب أن يستند إلى تأكيدات يمكن التحقق منها. فضلاً عن ذلك، يجب أن يبقى رفع العقوبات عن روسيا والاعتراف بالأسد كقائد سوريا الشرعي غير مطروحين على طاولة البحث. ولا يوجد اتفاق أفضل من صفقة سيئة تعزّز مكانة موسكو على حساب الأمن في المنطقة - وهي مكانة عزّزها أساساً عقد هذا الاجتماع في المقام الأول.
آنا بورشفسكايا هي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومؤلفة مشاركة لدراسته الأخيرة، "الدعاية العربية التي تقوم بها روسيا - ماهيتها وأهميتها".