- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة؟
Also published in "نيوزلوكس"
تقع مسؤولية الدمار والمعاناة في غزة، وداخل إسرائيل، في الغالب على «حماس». ولكن على إسرائيل أن تساهم في توفير المساعدة الإنسانية لسكان غزة، كما يجب مُساءلة قطر وتركيا عن مسؤوليتهما في دعم «حماس»، والبحث عن وقف إطلاق النار طويل الأمد بين إسرائيل و«حماس». كما يجب على واشنطن متابعة مبادرات أكثر جرأة تعزز فرص تجنب إراقة الدماء.
في أعقاب الجولة الرابعة والكبيرة من القتال بين «حماس» وإسرائيل في السنوات الاثنتي عشرة الماضية، حان الوقت للتفكير خارج الإطار التقليدي بشأن الخطوات التالية في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وحتى أنّ ذلك يجب أن يشمل تدابير غير بديهيّة وصعبة سياسياً. وفيما يلي بعض الإجراءات للنظر فيها:
1. على إسرائيل أن تساهم في توفير المساعدة الإنسانية لسكان غزة
تقع مسؤولية الدمار والمعاناة في غزة، وداخل إسرائيل، في الغالب على «حماس». فقد بدأت الحركة هذه الجولة الأخيرة بشنها هجمات ضخمة وغير مبررة بالصواريخ والقذائف ضد المدنيين الإسرائيليين، مختبئةً وراء دروع بشرية من سكانها المدنيين. ومع ذلك، تدعو حالة الطوارئ الإنسانية الناتجة إلى الإغاثة العاجلة من قبل جميع الأطراف المسالمة. وقد تساعد المساهمة الإسرائيلية أيضاً في إصلاح الضرر السياسي الذي لحق بسمعة إسرائيل، مهما كان ذلك غير عادل.
لذلك، فبالإضافة إلى الدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة و"الاتحاد الأوروبي" والأمم المتحدة وغيرها من الأطراف، على إسرائيل أن تنضم للمساهمة في توفير المساعدة الإنسانية للناس الأبرياء في غزة، شرط ألا تُعزى هذه المساعدة إلى «حماس» أو يتم تحويلها إليها. ولا شك أن بعض الإسرائيليين سيعترضون حتى على إعطاء مثل هذا التمويل غير المباشر لأرضٍ عدوّة يسيطر عليها الإرهابيون وتقع على حدودهم. لكنّ الواقع هو أن إسرائيل كانت توفّر الجزء الأكبر من المياه والكهرباء في غزة، دون أي مقابل أحياناً، ولعدة سنوات، حتى منذ أن استولت «حماس» على غزة باستخدامها القوة الغاشمة في عام 2007. وقدمت العديد من المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية خدمات طبية وقانونية وغيرها مجاناً لسكان غزة طوال هذه الفترة. ولطالما سمحت إسرائيل لمئات الشاحنات لنقل البضائع بالدخول إلى غزة يومياً، كما سمحت لآلاف العمال ورجال الأعمال في غزة بدخول إسرائيل سنوياً.
2. يجب مناقشة حماية الوضع الراهن في القدس بصراحة مع "السلطة الفلسطينية"
حاولت «حماس» استخدام القدس والمسجد الأقصى كذريعة لشن هجماتها. وبدلاً من جعلها تستفيد بأي شكل من هذه الذريعة المخطئة، ينبغي إطلاق محادثات جديدة لنزع فتيل هذه القضايا بين إسرائيل و"السلطة الفلسطينية" والأردن.
صحيحٌ أنّ دعاية "السلطة الفلسطينية" حاولت إثارة التوترات بين «حماس» والقدس خلال الأزمة الأخيرة. لكن عملياً، استمرت "السلطة الفلسطينية" في تنسيق الترتيبات الأمنية في الضفة الغربية. ومن المهم جداً الآن دعم هذه السلطة سياسياً، لئلا تفقد المزيد من شعبيتها وسيطرتها لصالح «حماس». وسيشكل ذلك مجدداً قضية سياسية داخلية حساسة للغاية بالنسبة لإسرائيل، خاصة خلال الفترة الراهنة من عدم الاستقرار. إلا أن منافع التعايش السلمي في القدس، وفوائد العلاقات مع الأغلبية المسلمة والقوى الخارجية الأخرى، يجب أن تفوق هذه المرة على أي مخاطر سياسية داخلية قصيرة المدى.
3. يجب مُساءلة قطر وتركيا عن مسؤوليتهما في دعم «حماس»
من غير المنطقي ببساطة، أن يقوم هذان الحليفان أو الشريكان المفترَضان للولايات المتحدة بتأمين الاستضافة والتمويل والترويج والدعم بطرقٍ أخرى لحركةٍ تصفها كلٌ من الولايات المتحدة و"الاتحاد الأوروبي" والعديد من الدول العربية وبحقّ تنظيماً إرهابياً. ويقيناً، أن الولايات المتحدة وبقية الدول لها مصالح أخرى مهمة على المحك مع هذين الشريكين المتمردين، لذا قد لا يكون قطع العلاقات نهائياً بسبب «حماس» وحدها مطروحاً على الطاولة. لكن على الأقل، يجب أن تتخذ واشنطن الآن، بعد طول انتظار، موقفاً قوياً في "التسمية والتشهير" إزاء الدعاية التحريضية التي ينشرانها بلا خجل ودعمهما اللوجستي الناشط لصالح إرهاب «حماس».
وبالطبع، تدعم إيران أيضاً بشكل علني حركة «حماس»، ويشمل ذلك تهريب تصاميم الأسلحة وأجزائها إلى غزة، وغيرها من الأمور الكثيرة. ولا يشكّل ذلك سوى نقطة واحدة إضافية على قائمة طويلة من التهديدات الإيرانية غير النووية التي تَعِد إدارة بايدن بمواجهتها، حتى أثناء انخراطها حالياً في مفاوضات نووية مع طهران. لكن على خلاف تركيا أو قطر، لا تدّعي إيران أنها صديقة للولايات المتحدة، أو تستفيد من حمايتها. لذلك سيكون من المنطقي أخيراً إثارة قضية «حماس» مع الدولتين المذكورتين - أو البدء بمعاملتهما كما تُعامِل الولايات المتحدة إيران.
4. البحث عن وقف إطلاق النار طويل الأمد بين إسرائيل و«حماس»
تم طرح العديد من المقترحات الخاصة بهذا الشأن في الماضي، والتي تراوحت ما بين سنتين إلى خمس سنوات أو حتى عشر سنوات، لكن لم يأتِ أيٌ منها بثمار. إلا أنه قد تتوافر هذه المرة فرصة أفضل للنجاح، ولو كان السبب الوحيد هو أنه ربما أصبح كلا الطرفين يدركان بشكلٍ أفضل أنه لا جدوى من الجولات الإضافية. علاوة على ذلك، ستبقى إعادة الإعمار اللازمة لقطاع غزة معرضة بالتأكيد لخطر كبير إذا لم يتم القيام بالتزام مشابه.
وقد يكون الأساس للمضي قدماً في هذا المسار الأفضل قليلاً هو جعل وقف إطلاق النار طويل الأمد على نحوٍ غير مشروط، تماماً كما يبدو الوقف الفوري الحالي. يجب وضع جميع القضايا الأخرى، من السجناء إلى الترتيبات الاقتصادية والشروط السياسية جانباً، لصالح تسهيل الإغاثة وإعادة الإعمار، وإنقاذ الأرواح، وإرساء الاستقرار. وقد تكون فترة الخمس سنوات هدفاً واقعياً في هذه المرحلة.
وسيعترض بعض المنتقدين، وبحق، على أن «حماس» ستستخدم هذه المهلة لإعادة التسلح، ولكن يمكن معالجة ذلك، على الأقل جزئياً، من خلال اتباع آليات تفتيش أكثر صرامة. وسيكون آخرون محقين أيضاً في الاعتبار بأن «حماس» ستخرق وقف إطلاق النار متى شاءت، لكن هذا سبب إضافي لجعل الأمر أكثر وضوحاً حول الجهة التي ستبدأ بجولة أخرى من القتال. وسيظل آخرون يتساءلون عن سبب القبول بوقف إطلاق النار مع إرهابيين. والإجابة الأفضل على هذا السؤال، رغم أنها قد تبدو غير مُرضية، هي سؤالٌ آخر: ما هو الاقتراح الأفضل برأيكم؟
ديفيد بولوك هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن ومدير "مشروع فكرة". وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "نيوزلوكس".