- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مبادئ توجيهية للمشاركة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط
تتمركز أهم التحديات التي ستواجهها إدارة ترامب في منطقة الشرق الأوسط. وتشمل هذه التهديد الذي يشكله الإرهاب السلفي الجهادي، ومساعي إيران لخلق "هلالٍ شيعي" يضم المنطقة بأسرها، والدور الروسي المتصاعد. وسيكون الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، على غرار أسلافه الخمسة الأخيرين، رئيساً في زمن الحرب، شاء أم أبى.
ويعتبر الكثيرون أنّ نتائج المشاركة العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط الأوسع على مدى العقود الأربعة الماضية غير متكافئة مع تضحيات البلاد. فمنذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر على وجه التحديد، يئس عددٌ كبير من الأمريكيين من انخراط دولتهم في "حروبٍ أبدية" في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ما زالت تملك مصالح جوهرية في المنطقة تتطلب استمرار وجودها فيها. ولم تشهد هذه المصالح تغييراً ملحوظاً على مدى 40 عاماً، وتشمل: مكافحة الإرهاب المتطرف؛ ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ وتسهيل تصدير النفط، وهو ما تعتمد عليه أسعار النفط العالمية واقتصادات أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة؛ وضمان أمن الشركاء والحلفاء الرئيسيين.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشفت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة أنّ ما يحدث في الشرق الأوسط لا يبقى في الشرق الأوسط. ويمكن لهذا التصدير لمشاكل المنطقة النظامية أن يحمل تداعياتٍ ملحوظة على المصالح الأمريكية الحيوية.
وفي حين يمكن فهم المخاوف الداخلية من العمليات العسكرية الأخيرة، إلّا أنّ حقيقة الأمر هي أنّه منذ الحرب العالمية الثانية، أحبطت النشاطات والعمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط التدخل السوفييتي طوال الحرب الباردة، وساعدت على حماية الأردن من العدوان السوري ووضعت الأسس لتحوّل مصر إلى دولةٍ حليفة للولايات المتحدة في السبعينيات؛ ومنعت انتصار إيران في حربها مع العراق في الثمانينيات؛ وعكست غزو الكويت وضبطت العراق في التسعينيات. وحالياً، تضطلع القوة العسكرية الأمريكية بدور رئيسي في دحر تنظيم «الدولة الإسلامية».
ونظراً لهذه الإنجازات السابقة والمصالح الحيوية المتواصلة للولايات المتحدة في المنطقة، فإنّه لمن الضروري أن تحافظ الولايات المتحدة على موقفها العسكري النشط في الشرق الأوسط من أجل إتمام مهامّ حاسمة في هذه المنطقة وهي: منع انتشار عدم الاستقرار؛ وهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» وملاحقة الإرهابيين في جميع أنحاء المنطقة؛ واحتواء إيران الأكثر جرأة؛ ومواجهة الوجود الروسي المتجدد والحازم. وبشكلٍ عام، تدعم القوات الأمريكية الدبلوماسية التي تتبعها الولايات المتحدة للحفاظ على الأمن الإقليمي وتوسيعه بالتعاون مع شركائها ومنع أي قوة من بناء منطقة نفوذ مهيمنة على الصعيد الإقليمي، وردع العدوان أو دحره، ومنع انتشار الفوضى في مناطق الإقليم التي لا تزال تعيش بسلام.
إلّا أنّه يتعين على الولايات المتحدة أن تتعلم من الأخطاء في سياسة الإدارتين الأخيرتين، الطريقة المثلى لنشر قواتها العسكرية. عليها أن لا تعتمد بشكل كبير جداً على الأداة العسكرية في حين أنها بحاجةٍ إلى مقاربةٍ حكومية متكاملة، ولا ينبغي أن تستبعد استخدام العنصر العسكري عندما يمكن أن يخدم مصالح الولايات المتحدة. ولا يمكنها ضمان المحافظة على دعم الشعب الأمريكي، وهو المكوّن الأهم لأي استراتيجية أمريكية، إلّا من خلال اتباع مقاربةٍ متوازنة كهذه. وفيما يلي مبادئ توجيهية أكثر تحديداً لخدمة هذه الأهداف.
مبادئ جيوستراتيجية
اعتمدت الولايات المتحدة في معظم تدخلاتها العسكرية في المنطقة خلال الحرب الباردة ومن بعدها مباشرةً (كحرب الناقلات والكويت ومناطق حظر الطيران فوق العراق) نشر القوات المعهودة لتحقيق المهمات العسكرية التقليدية تمثلت بـ : ردع الخصوم أو هزيمة قوات العدو. وفي المقابل، منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر، نشرت الولايات المتحدة في معظم تدخلاتها قواتٍ تقليدية وغير تقليدية لإنجاز مهمات سياسية وعسكرية معقدة كمكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد وبناء الدولة. إلّا أنّه من غير المنطقي أن نتوقع أن تكون القوات العسكرية وحدها قادرة على أن تترجم إنجازاتها في مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد إلى نتائج سياسية مستدامة أو أن نحمّلها عبء مهام بناء الدول.
وبالتطلع إلى الأمام، سوف يتطلب النجاح فهماً أفضل لما يمكن للقوات العسكرية الأمريكية أن تحققه وما تعجز عنه. فالعديد من التهديدات العسكرية الحالية في المنطقة ينبع من توتراتٍ اجتماعية ودينية راسخة واختلالات سياسية مضمرة. وينتج عن ذلك عددٌ من المبادئ التوجيهية المحددة للعمل العسكري وهي:
أولاً، يتعين على أي جهود عسكرية أن تأخذ هذه التوترات والاختلالات بعين الاعتبار، وأن تضمن أن لا تفاقمها الإجراءات الأمريكية كما فعلت السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ 11 أيلول/سبتمبر في كثير من الأحيان.
ثانياً، إنّه لمن غير الواقعي أن نتوقع من القوات الأمريكية أو قوات التحالف أن تنزع فتيل التوترات أو الاختلالات الوظيفية في المستقبل القريب. إلّا أنّ الاستخدام الذكي للقوات العسكرية يمكن أن يخفف حدة التوترات، ويردع الصراعات، ويستجيب بشكلٍ فعال لمظاهر العنف.
ثالثاً، إن زيادة القوات لا تكون دائماً [الخيار] الأفضل. فقد أدّت القوة الأمريكية الساحقة إلى انهيار نظامَي الطالبان وصدام حسين في أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 على التوالي عوضاً عن هزيمتهما، إذ عاد عددٌ من أعضاء النظامين السابقين كمتمرّدين في كلا البلدين. وفي المقابل، نجح تدخلٌ عسكري روسي صغير بل مركّز في هزّ التوازن بين القوى في غرب سوريا، على الأقل في الوقت الحاضر، مما أسفر عن عدد من المنافع القصيرة المدى لروسيا وعملائها السوريين والإيرانيين (ولكن من خلال استخدام استراتيجية الأرض المحروقة التي من المستحيل أن تقبل بها الولايات المتحدة). ويمكن استنتاج درسٍ هنا حول المنافع السياسية للاستخدام المحدود للقوة في ظروفٍ معينة.
ونظراً للفوضى السائدة في المنطقة في الوقت الحاضر، يتعين على الولايات المتحدة أن تبقي توقعاتها من تدخلاتها العسكرية متواضعةً. ففي حين أنّ عمليات [إعادة] الاستقرار قد تكون ضروريةً في بعض الأحيان، يجب ألّا تُسند للقوات العسكرية مسؤولية بناء الدولة. ولكن بإمكانها تشكيل التطورات في المنطقة من خلال تشجيع الاتجاهات الإيجابية وردع التطورات السلبية أو تعطيلها. وتكمن [المسألة] الرئيسية في تحديد أهدافٍ يمكن تحقيقها وتكريس وسائل مناسبة وكافية لإتمام المهمة.
المبادئ العسكرية
يدور النقاش الراهن حول مقاربةٍ عسكرية "غير ملفتة للأنظار" للمنطقة، من أجل ضمان ألّا تنطوي الالتزامات الأمريكية على استثمارات غير مستدامة من الدم والمال وألّا تؤثّر سلباً على استعدادها في أماكن أخرى. وعادة ما يشكّل كل من الوجود العسكري، وجهود التدريب والتجهيز، والفرق الاستشارية، وزيادة الاستجابة في آليات المبيعات العسكرية الخارجية، وبناء التحالفات وجمع المعلومات الاستخبارية وتبادلها، وتحسين التنسيق مع أعضاء التحالف والشركاء المحليين، والعمل المباشر - من خلال القوات الخاصة والقوات الجوية بشكلٍ أساسي- الخيارات العسكرية المفضلة.
إلّا أنّه من أجل ردع الأعداء وطمأنة الشركاء، يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ على قواتٍ تقليدية ملحوظة تكون موجودة أو متوافرة في المنطقة. ويجب ألّا تكشف الولايات المتحدة عن نواياها أمام أعدائها. لذلك، يجب ألّا تستبعد أي خيار عسكري بما في ذلك عمليات برية كبيرة. فإذا كانت الولايات المتحدة تنظر في تجاوز استخدام القوات الخاصة والقوات الجوية، فعليها أن تبني استعدادها بشكلٍ عام على الاستفادة من انخراط الآخرين بمن فيهم الشركاء المحليين الموثوقين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكلَّف القوات العسكرية بمهامٍ تكون قادرةٌ على إتمامها، إذ لا يمكن أن نتوقع منها أن تحقق الهدف السياسي الأوسع لوحدها. ويتعين على صناع السياسات أن يحرصوا على تأمين الإمدادات المناسبة لأي تدخلٍ عسكري والدعم الكافي له من الشعب الأمريكي.
ولا يمكن إصلاح الأخطاء الجيوسياسية في التعامل مع الصراعات السياسية المعقدة من خلال الحلول ذات التكنولوجيا المتقدمة أو المهارة التكتيكية أو إرسال الأسلحة. ولا يمكن للقوات العسكرية أن تكون فعالةً إلّا إذا استُخدمت لتنفيذ السياسات بناءً على قراءةٍ صائبة للحقائق السياسية والاجتماعية الشرق أوسطية وعلى التقدير الجيوسياسي السليم. ومن خلال اتباع هذا المسار وحده، ستتمكن الولايات المتحدة من ضمان مصالحها في هذا الجزء الحيوي من العالم. وهذه هي أهم الدروس من المشاركة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر. ونأمل أن توجّه إدارة ترامب في المراحل القادمة.
تعتمد هذه المقالة على المجهر السياسي 143 باللغة الانكليزية: "المشاركة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير"، بقلم جيمس جيفري ومايكل آيزنشتات.
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق. مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.
"سايفر بريف"