- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مبررات الإبقاء على العقوبات المفروضة على قطاع الدفاع الروسي
في 12 أيلول/سبتمبر، تصادف الذكرى السنوية الثانية لبدء العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب عدوانها العسكري على شرق أوكرانيا، لتضاف إلى العقوبات التي سبق للاتحاد أن فرضها بالفعل قبل ستة أشهر من ذلك حين عمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
وكانت العقوبات التي فُرضت في أيلول/سبتمبر2014 قد استهدفت الجيش الروسي حيث تضمنت على سبيل المثال، بنوداً متعلقة بضبط الصادرات التي تمنع أي شركة روسية منخرطة بأعمال الدفاع من امتلاك تقنيات عسكرية وبعض التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج. كما منعت بعض الشركات التي تعمل في الصناعات الحربية الروسية من شراء التقنيات من صنع الاتحاد الأوروبي أو الاستفادة من خدمات مالية مقرها في الاتحاد الأوروبي.
وفي الواقع تعتبر روسيا ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، ولكن على الرغم من الخسائر التي تكبّدها البرلمان الأوروبي في بعض القطاعات إلا أنه خلص في تشرين الأول/أكتوبر 2015 إلى أن "التأثير الكلي على اقتصاد الاتحاد الأوروبي كان محدوداً نوعاً ما". وفي حين أن غالبية الحديث عن العقوبات يميل إلى التركيز على الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الأوروبي، غالباً ما تغيب عن النقاشات أن العقوبات المفروضة على قطاع الدفاع الروسي كانت فعالة. ولكن استمرار فعاليتها رهنٌ ببقاء العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على حدٍّ سواء.
أهمية الصادرات ذات الاستخدام المزدوج
تملك التقنيات المتوفرة تجارياً مثل الإلكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الكمية تطبيقاتٍ عسكرية حديثة ذات أهمية متزايدة، في حين تكتسب بعض صادرات التقنية المتقدمة ذات الاستخدام المزدوج أهميةً خاصة بالنسبة لروسيا. على سبيل المثال، أفاد نائب رئيس الحكومة الروسية ديمتري روغوزين أن "جميع مجموعات الشرائح ووحدات الاستقبال الخاصة بنظام "غلوناس" [وهو النسخة الروسية من نظام تحديد المواقع العالمي] تنتَج خارج روسيا".
وقد تدهور الجيش الروسي بشدة في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، فقد ورثت الدول التي خلفته مشاكل في سلسلة الإمداد تعيق منشآت الإنتاج. وفي أعقاب غزو جورجيا عام 2008، شرع الجيش الروسي بإدخال إصلاحات كبيرة من أجل التغلب على الصعوبات التي واجهها حتى ضد خصمٍ أصغر منه بكثير. فقد بدأت روسيا بشراء المعدات العسكرية التي لا يمكنها صنعها بشكل مستقل، الأمر الذي أُدرك لاحقاً بأن ذلك هو الذي جعلها عرضةً للعقوبات. وقد أشار تقرير منظمة حلف شمال الاطلسي ("الناتو") الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2015 إلى فعالية التركيز على التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج. فقد أفاد أن "قطاع الإلكترونيات الروسي يستورد بين 25 و30 في المائة من مكوناته"، مضيفاً أنه "على خلاف مشتريات الأسلحة، من المرجح أن تؤثر العقوبات بشكل ملحوظ على المساعي الروسية لتحديث مصانع روسيا الدفاعية، لأن القطاع المحلي للأدوات الآلية عاجزٌ إلى حدٍّ كبير عن إنتاج المعدات المتطورة التي تحتاجها هذه المصانع".
الرد على العقوبات: سياسة غير مجدية لإحلال الواردات
ردّاً على حزمة العقوبات التي فرضها الغرب، صرّح المسؤولون الروس أن هذه العقوبات لن تؤدي سوى إلى تشجيع روسيا على تعزيز تكنولوجياتها العسكرية ذات التقنية العالية. وأعلنوا أيضاً عن توجّههم نحو آسيا بحثاً عن بعض الأجهزة الإلكترونية. ومع ذلك، تطرّق مسؤولون روس رفيعو المستوى إلى الآثار الضارة التي تخلّفها هذه العقوبات.
ولهذا اشتكى روغوزين في تموز/يوليو 2016 من أنّ العقوبات تعيق تطوير تجارة التكنولوجيا الناشئة مع الصين، مع الإشارة إلى أنّ بوتين نفسه قال في أيلول/سبتمبر 2015 خلال اجتماع في نوفوي أوغريوفو بشأن تطور الإلكترونيات الدقيقة إن "بعض شركائنا الأجانب قد هدد في السنوات الأخيرة موثوقية إمداد المكونات والمعدات من الخارج".
وعلى الصعيد المحلي، لجأت روسيا إلى إحلال الواردات ولكنها لم تستطع حتى الآن إيجاد بديلٍ عملي للتكنولوجيا الغربية. وقد صدر في الآونة الأخيرة تقريرٌ عن "مجموعة جاين للمعلومات" التابعة لشركة "إي أتش أس" يلقي الضوء على عدد من المشاكل التي تشوب طائرة "ميكويان ميج-29 كيه/كيه يو بي" التي باعتها روسيا إلى الهند، أولها وأهمها عجز روسيا عن تسليم طائرة مكتملة بسبب العقوبات.
ووفقاً لـ تقرير صادر عن "مركز كارنيغي في موسكو"، عرضت روسيا طائرة من طراز «أم سي-21» في معرض "فارنبورو" للطائرات خلال شهر تموز/يوليو من هذا العام، إلا أن هذه الطائرات لا تحقق مبيعات في الخارج. ويشرح التقرير قائلاً إن "العقوبات الأوروبية والأمريكية كانت أشبه بالكابوس على مشروع «أم سي-21»"، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى وجود أكثر من 20 شريك أجنبي في هذا المشروع.
وفي شباط/فبراير 2016، تبيّن وفقاً لـ "وكالة الأنباء الروسية" أنّ أربعةً من الأقمار الصناعية الروسية كانت أثقل من أن تحملها آليات الإطلاق وذلك بسبب إحلال مستوردات الإلكترونيات بصناعات محلية.
هذا وكتب أحد المحللين الروس في الصحيفة الأسبوعية للشؤون العسكرية والصناعية "فوينو بروميشليني كورير" خلال آذار/مارس 2016 أن الآمال المعقودة على الصين لاستبدال التكنولوجيات الغربية لم تؤت ثمارها، إذ تبيّن أن عيّنة منتجاتها أقل جودة. وأضاف قائلاً إنّ "هناك مخرجان من الأزمة، وهما انتظار أقرب موعد لرفع العقوبات أو إعادة بناء صناعة الإلكترونيات الدقيقة". ولكن بينما اتخدت روسيا خطوات معينة باتجاه المخرج الأخير، يخلص الكاتب إلى أن المستقبل القريب على الأقل لا يزال قاتماً مع تلاشي العديد من المشاريع الكبيرة. ويشرح أن المشكلة هي أن "لا الدولة ولا القطاع الخاص قادر على تأمين الطلب على قاعدة المكونات الإلكترونية إلى درجة تسمح بالإنتاج الجدي في روسيا. وسوف تشتري وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس" عشرات أو ربما مئات الرقائق الصغيرة التي قد تنفَق مليارات الروبل في تطويرها، ثم لن تجد مَن تعرضها عليه".
العقوبات يمكن أن تساعد بصورة غير مباشرة في سوريا
بالنسبة إلى بوتين، تشكل أوكرانيا وسوريا في بعض النواحي جزءاً من المسرح نفسه. فقد عمد بوتين باستمرار إلى التلويح بإمكانية التعاون في الملف السوري من أجل إغراء القادة الغربيين برفع العقوبات، ناهيك عن أن الجيش الروسي لم يستهدف فعلياً تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل ثابت ولعله زاد من قوته من خلال قصف خصوم التنظيم في المعارضة.
وفي الجلسات المعقودة على انفراد، يعرب المسؤولون الغربيون عن شكّهم في أن يجدد الاتحاد الأوروبي العقوبات في كانون الثاني/يناير 2017. فرفع عقوبات الاتحاد الأوروبي يعني تقويض فعالية العقوبات الأمريكية والتأكيد لبوتين أن العناد والتحدي يجنيان ثمارهما.
ومع ذلك، فإن التداعيات الناشئة عن رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي تمتد إلى أعمق من ذلك. فمعظم المعدات التي نشرتها روسيا في سوريا - على سبيل المثال آليات "إيفيكو" الإيطالية - كانت قد حصلت عليها موسكو قبل فرض العقوبات. لذلك فإنّ رفع العقوبات قد يمكّن روسيا من رفع مستوى قواتها، وليس فقط في سوريا، بل أيضاً تلك المنتشرة لمواجهة حلفاء "الناتو" الضعفاء في أوروبا الشرقية. لقد حان الوقت لندرك أن بوتين مهتمٌّ بتقسيم الغرب وهزيمته أكثر من التعاون معه.
آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن.
"فوربس"