- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2691
«مذكرة التفاهم» الجديدة مع إسرائيل: المال والرسالة
في 14 أيلول/سبتمبر، وقّعت الولايات المتحدة وإسرائيل «مذكرة تفاهم» أمدها عشر سنوات تنص على تقديم واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار خلال السنوات المالية 2019 - 2028. وتأتي «مذكرة التفاهم» الجديدة امتداداً للمذكرة الحالية التي تم توقيعها في عام 2007 وتنتهي مدتها عام 2018، والتي تتيح لجهات التخطيط العسكرية الإسرائيلية إجراء استحواذات ذات مدى أطول وتعزيز إمكانياتها التكنولوجية في منطقة مضطربة. وسوف تسمح هذه الأموال لإسرائيل، من جملة أمور أخرى، تحديث أسطولها الجوي عبر شراء المزيد من مقاتلات الغارة المشتركة من طراز "أف-35".
وتشكل «مذكرة التفاهم» دليلاً هاماً على الدعم الأمريكي لأمن إسرائيل على مدى السنوات المقبلة - وفي الواقع، ليس لدى الولايات المتحدة ترتيبات مماثلة مع أي بلد آخر. كما يوجّه هذا الاتفاق رسالةً إلى أعداء إسرائيل مفادها أن دعم واشنطن لحليفها لا يزال وثيقاً على نحو فريد على الرغم من الخلافات السياسية الأخيرة بين البلدين.
تغييرات رئيسية في «مذكرة التفاهم» الجديدة
خصصت «مذكرة التفاهم» الموقعة عام 2007، 30 مليار دولار على فترة تمتد عقد من الزمن، أي ما يعادل تمويلاً عسكرياً أجنبياً بقيمة 3.1 مليار دولار سنوياً. وحيث أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية بأكملها تبلغ 15.5 مليار دولار للعام المالي الحالي، لذا فإن المساعدة الأمريكية تشكل قرابة خُمس ما تنفقه إسرائيل على جيشها. ووفقاً لصحيفة وقائع صادرة عن البيت الأبيض، تنص «مذكرة التفاهم» الجديدة على [منح[ 3,8 مليار دولار سنوياً، "تُصرف على دفعات متساوية بقيمة 3.3 مليار دولار للتمويل العسكري الأجنبي و500 مليون دولار لتمويل الصواريخ الدفاعية كل عام طوال مدة «المذكرة»."
إلا أن مسألة الصواريخ أدت إلى تفسيرات مختلفة لمستوى التمويل السنوي الجديد. ففي السابق، طلبت إسرائيل من الكونغرس تمويل الصواريخ بشكل مستقل، بيد بلغ مجموع المساعدات الأمريكية للعام الماضي 3,7 مليار دولار إذا احتسبنا مبلغ الـ 600 مليون دولار المخصصة للصواريخ الدفاعية. وبالإجمال، تكون واشنطن قد قدّمت 1,3 مليار دولار لتمويل الصواريخ الدفاعية منذ عام 2011، ما يغطّي معظم تكاليف إنتاج نظام "القبة الحديدية" الذي لعب دوراً بالغ الأهمية في تفادي الخسائر الإسرائيلية في الأرواح خلال حرب غزة عام 2014. ولكن عند فصل نفقات الصواريخ، يشكك بعض المسؤولين الإسرائيليين السابقين في أهمية الزيادة التي نصت عليها «مذكرة التفاهم» الجديدة في التمويل العسكري الأجنبي من 3,1 إلى 3,3 مليار دولار. ففي مقالة صدرت في واشنطن بوست في 15 أيلول/سبتمبر، على سبيل المثال ، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك أن هذا الارتفاع لا يعكس زيادةً في "القوة الشرائية" نظراً إلى ارتفاع أسعار الأسلحة منذ عام 2007.
وقد اعتاد "مكتب رئيس الوزراء" الإسرائيلي والمسؤولون الأمريكيون الردّ على هذه الحجج بالتوضيح أن مستوى المساعدات الأمريكية بقي ثابتاً في الماضي. إلا أن مسؤولين أمريكيين آخرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث أكّدوا أن هذه الطريقة في الاحتساب تخطئ الهدف وتتجاهل السياق، وعلى وجه التحديد، يشيرون إلى الخلاف المتواصل بين الإدارة الأمريكية والكونغرس بشأن الإنفاق الأمريكي في مجال الدفاع، لافتين إلى أن قيمة المساعدات العسكرية العالمية المتوفرة تحت تصرف الإدارة محدودة نسبياً، وأن حصة إسرائيل منها تفوق ما تتلاقه الجهات الأخرى من مساعدات (مصر ثانية بنحو 1.3 مليار دولار، والأردن ثالثة بنحو 300 مليون دولار). بمعنى آخر، يبلغ إجمالي التمويل العسكري الأجنبي الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى العالم أجمع 5,647 مليار دولار سنوياً، بينما تستحوذ إسرائيل ومصر والأردن على 83 في المائة منه.
بالإضافة إلى ذلك، تنص «مذكرة التفاهم» الجديدة على العمل تدريجياً على إلغاء بند "المشتريات الخارجية". وهو بند لم يُمنح للدول الأخرى إنما استفادت منه إسرائيل كونه سمح لها بإنفاق 26,3 في المائة من المساعدات العسكرية الأمريكية في إسرائيل (أي حوالي 815 مليون دولار سنوياً). وقد سمح الكونغرس بإدخال "المشتريات الخارجية" للمرة الأولى بعد أن قامت إسرائيل بإلغاء مشروع تطوير مقاتلة "لافي" في عام 1987، الذي عارضته الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن إلغاء مشروع تلك الطائرة أضرّ بالصناعة الدفاعية الإسرائلية التي كانت هشة في ذلك الوقت، إلا أن الوضع قد تغيّر بشكل كبير منذ ثمانينات القرن العشرين. واستناداً إلى صادرات إسرائيل السنوية التي تصل قيمتها إلى 5,7 مليار دولار، تحتل اليوم صناعة الدفاع الإسرائيلية المرتبة الخامسة بين الدول المصدّرة للأسلحة في العالم (ويقول بعض الإسرائيليين الملمّين بالموضوع أن الرقم هو في الواقع 7 مليارات دولار). وتُعتبر الشركات الإسرائيلية الرائدة الثلاث، "إيلبيت"، "رافائيل"، و "شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية"، من بين أكبر الدول الخمسين المصدرة [للمعدات] الدفاعية في العالم.
وبموجب الأحكام الجديدة، ستبقى "المشتريات الخارجية" على ما هي عليه حتى السنة المالية 2024، ثم تتضاءل تدريجياً إلى حين انتهاء مدة «مذكرة التفاهم». وقد توافق الشركات الأمريكية على الاستمرار بالسماح للشركات الإسرائيلية بالتعاقد من الباطن على إنتاج القطع المخصصة للطائرات الإسرائيلية، إلا أن هذا التمويل سيأتي في النهاية من ميزانية الدفاع الإسرائيلية. (وحالياً، تصنع شركة "لوكهيد مارتن" طائرات "إف-15 آي" وتتعاقد من الباطن مع شركة "إيلبيت" لصناعة الكترونيات الطيران، ومع "رافائيل" لصناعة الصواريخ، ومع "شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية" لصناعة الرادار.)
ومن غير المؤكد أيضاً ما إذا كانت «مذكرة التفاهم» الجديدة عبارة عن سقف أو حد أدنى عندما يتعلق الأمر بالمساعدات المقدمة من الكونغرس. فإلى جانب التوقيع على «مذكرة التفاهم»، بعث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعرب فيها عن التزام إسرائيل بتسديد المال إلى الحكومة الأمريكية إذا ما تلقّت مساعدات إضافية من الكونغرس في إطار التمويل العسكري الأجنبي أو تمويل الصواريخ الدفاعية خلال السنوات الأخيرة من «مذكرة التفاهم» الراهنة (2017-2018). كما تعهّدت إسرائيل بعدم الضغط على الكونغرس للحصول على مساعدات عسكرية إضافية إلا في حال نشوب نزاع في الشرق الأوسط؛ وإذا حدث أن طالبت بتمويلٍ إضافي، فسيتوجّب عليها الحصول على موافقة مسبقة من الإدارة الأمريكية. وكان عضو لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي غراهام قد ادّعى أن إصرار الإدارة الأمريكية الواضح على استرداد الأموال من إسرائيل يهدف إلى التحايل على إجراءات التخصيص المعتمد من قبل الكونغرس.
وفي الواقع، فبالنسبة للكونغرس من المهم أن يؤكد على سلطته، ومن المرجح أن تواجه «مذكرة التفاهم» الجديدة وفرة من التحديات الأخرى. على سبيل المثال، ماذا لو ارتفعت حدة الاضطرابات الراهنة في الدول المجاورة لإسرائيل بدون أن ترقى إلى مستوى الحرب المباشرة؟ وماذا إن لم تكن «مذكرة التفاهم» معاهدة [بين دولتين]، هل ستنفَّذ بالقدر ذاته في كلا البلدين بعد انتهاء فترة ولاية إدارة إوباما بعد بضعة أشهر؟ وفي هذا الصدد، تشدد إسرائيل بفخر على أنها لم تسعَ إلى تغيير مستوى التمويل العسكري الأجنبي طوال مدة «مذكرة التفاهم» الراهنة.
المقايضة النووية الإيرانية
بما أن النفوذ السياسي لإسرائيل قد بلغ ذروته خلال فترة الاتفاق النووي مع إيران في العام الماضي، من الطبيعي التساؤل عن تأثير هذا الاتفاق على «مذكرة التفاهم». فحين سافر وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر إلى إسرائيل خلال المفاوضات مع إيران عام 2015، تعمّد نتنياهو أن يرفض بشدة مناقشة المساعدات العسكرية الأمريكية في ذلك الوقت، خوفاً من أن تُعتبر إسرائيل وكأنها تُشترى بالمال لتليين موقفها المعارض للاتفاق النووي.
ومنذ ذلك الحين تسبب ذلك الموقف بموجات سياسية في إسرائيل. فخلال خطاب ألقاه [رئيس وزراء إسرائيل السابق] باراك هذا الصيف، أعلن أنه "خلال العقد المقبل، سوف نتلقى ما بين 7 و10 مليارات دولار أقل مما كان يمكننا ضمان الحصول عليه قبل عام". وعلى النحو ذاته، صرّح موشي يعالون عند مغادرة منصبه كوزير للدفاع هذا الربيع أن واشنطن كانت تقدّم "المزيد" من الأموال في «مذكرة التفاهم» في عام 2015، على الرغم من أنه لم يذكر أي تفاصيل. وثمة مصادر إسرائيلية أخرى توافق على هذه التصورات وتصر على أن العديد من المسؤولين الأمريكيين كانوا مستعدين لتقديم مبلغ إضافي قدره 700 مليون دولار سنوياً لو أن إسرائيل أبرمت «مذكرة التفاهم» في عام 2015. أما المسؤولون الأمريكيون فينفون من جهتهم تقديم أي التزامات خلال العام الماضي.
العمل على اختتام المحادثات حول «مذكرة التفاهم»
من مصلحة كل من نتنياهو وأوباما اختتام المحادثات بشأن «مذكرة التفاهم» عاجلاً وليس آجلاً. وبالنسبة لنتنياهو الذي سيلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، يؤمّن التوقيع على «مذكرة التفاهم» شيئاً من الحماية من الروايات التي تتناقلها وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تشكك في حيوية العلاقات الثنائية بين البلدين. (بعد يوم واحد فقط من التوقيع على «مذكرة التفاهم»، نشرت صحيفة "إسرائيل هايوم" المؤيدة لنتنياهو عنواناً عريضاً تتفاخر فيه بمبلغ "ـ38,000,000,000 دولار"). وعلى نطاق أوسع، يبدو أن نتنياهو يعي أن إبرام «مذكرة تفاهم» طويلة الأمد مع الرئيس أوباما يرسّخ النظرة إلى أن العلاقة مدعومة من كلا الحزبين، ويبدد بذلك الشكاوى الموجهة ضد نتنياهو بأنه كان ميّالاً إلى الجمهوريين في انتخابات عام 2012 من بين حوادث أخرى مثيرة للجدل. ولعله يعتقد أيضاً أن ضمان «مذكرة التفاهم» في الوقت الراهن يمثل بوليصة تأمين في يده إذا ما وصل دونالد ترامب إلى السلطة لأن البعض يعتقد أن ذلك سيضفي قدراً من الغموض على العلاقة بين البلدين.
أما بالنسبة لأوباما، فإن التوقيع على «مذكرة التفاهم» يدعم رأيه الراسخ بضرورة فصل أمن إسرائيل عن أي خلافات سياسية قد تكون لديه مع إسرائيل حول قضايا أخرى. كما أن هذه الخطوة تتيح له دعم الجناح المؤيد لإسرائيل في الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات المقبلة.
وليس هناك شك في أن البعض سيفكر في ما إذا كانت «مذكرة التفاهم» تمنح أوباما هامشاً أكبر من الحرية على الساحة السياسية المحلية للضغط من أجل اتخاذ خطوات متعلقة بالسلام يعارضها الإسرائيليون أو الفلسطينيون. ولكن على غرار أوباما نفسه، سيفرّق الناس على الأرجح بين احتياجات إسرائيل الأمنية الطويلة الأمد والخصائص الدبلوماسية لأي مبادرة سلام يقترحها. وعلى كل حال، فبنيما من السهل الوقوع في الضياع بشأن تفاصيل «مذكرة التفاهم» الجديدة، تنمّ الرسالة العامة منها عن الدعم الأمريكي القوي والطويل الأجل لإسرائيل في زمنٍ من الاضطرابات الإقليمية الهائلة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.