- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2972
معضلة الانتخابات الليبية
منذ إقرار "خطة العمل الخاصة بليبيا" برعاية الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر ٢٠١٧، ظل اهتمام المجتمع الدولي منصباً على إجراء الانتخابات في عام ٢٠١٨ كشرط لتحقيق الاستقرار في البلاد. ولكن، بعد الهجوم الانتحاري الذي نفّذه تنظيم «الدولة الإسلامية» في ٢ أيار/مايو والذي استهدف "المفوضية الوطنية العليا للانتخابات" في ليبيا، ستشكل حماية عملية الاقتراع في أرض مزقتها الحرب تحدياً كبيراً. ومن جهة أخرى، لا يزال يتعين إصدار قانون انتخابي، غير أنّ ذلك سيعتمد على اتفاق بين خصمَين: "مجلس النواب" الذي يقع مقره في الشرق و"المجلس الأعلى للدولة" في طرابلس. ولن يكون لدى الطرفين وقت كافٍ في عام ٢٠١٨ لإجراء استفتاء دستوري وجولة من الانتخابات إلاّ إذا تمّ التوصل إلى مثل هذا الاتفاق خلال شهر رمضان، الذي ينتهي في ١٤ حزيران/ يونيو.
ولحسن الحظ، توجد بعض البدائل الإيجابية للعملية الانتخابية من خلال عمل "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" وشركائها. وتشمل عقد مؤتمر وطني، وتحسين التنمية الاقتصادية وتقديم الخدمات من خلال تنفيذ "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" ومبادرات المساعدة الأخرى، وإجراء انتخابات بلدية، والضغط من أجل الحوار بين الميليشيات. ومن جانبها، تساهم الولايات المتحدة في بعض هذه الجهود، لكن عليها أن تشارك بفعالية أكبر.
سجل مختلط منذ الثورة
في حين لم تُجرَ أي انتخابات في ليبيا منذ استقلالها عام ١٩٥١، باستثناء الانتخابات البرلمانية المقيّدة في ظل النظام الملكي، غير أن البلاد أجرت ثلاث عمليات اقتراع وطنية منذ ثورة ٢٠١١، وهي: انتخابات تموز/يوليو ٢٠١٢ للبرلمان المعروف باسم "المؤتمر الوطني العام"، وتصويت شباط/فبراير ٢٠١٤ لـ"جمعية صياغة الدستور" المنفصلة، وانتخابات حزيران/يونيو ٢٠١٤ لاختيار البرلمان الذي سيخلف "المؤتمر الوطني العام" و"مجلس النواب". إلّا أن هذه الممارسة الحرة لعملية الاقتراع لم تضمن توجّه البلاد نحو الاستقرار. بل على العكس من ذلك، نسب الكثير من المراقبين الاستقطاب الوطني الحالي إلى توقيت الانتخابات وتسلسلها وتصميمها الاشكالي في مرحلة ما بعد عام ٢٠١١.
ويستمر الجدل حول ما إذا كانت الأمم المتحدة وداعميها في الغرب على حق في دفع ليبيا نحو إجراء الانتخابات في تموز/يوليو ٢٠١٢، أي بعد أقل من عام على وفاة الرجل القوي معمر القذافي. فقبل ذلك، جادل المتشككون بأن البلاد تحتاج إلى مزيد من الوقت للتحضير للانتخابات ولتهيئة الظروف التي من شأنها تمكين نجاح البرلمان المنتخب حديثاً. وفي النهاية، اتضح عدم وجود ما يبرر القلق الأول بينما كان هذا الأخير بعيد النظر. وفي هذا الصدد، قامت اللجنة الانتخابية الليبية، بدعم من أخصائيين انتخابيين من الخارج، بتنظيم جولة اقتراع حظيت بالثناء العام. ولكن، بعد تنصيب البرلمان، سرعان ما ظهرت المشاكل حيث استغرق البرلمان شهوراً لانتخاب رئيس وزراء وتعيين حكومة. وقد أدى القانون الانتخابي المعقد، الذي قسّم المقاعد بين الأعضاء المنتسبين إلى الأحزاب والمستقلين، إلى ارتباك وخلل وظيفي.
ويجدر بالذكر أنه بين انتخاب "المؤتمر الوطني العام" في تموز/يوليو ٢٠١٢ وعملية انتخاب "جمعية صياغة الدستور" عام ٢٠١٤ وانتخاب "مجلس النواب" في حزيران/يونيو ٢٠١٤، انخفض التسجيل والمشاركة بصورة ملحوظة. ففي حين شارك ٦٢٪ من الناخبين المسجلين في انتخابات "المؤتمر الوطني العام"، إلا أنّ أقل من نصف هذا العدد سجّل [للاشتراك في التصويت] في أوائل عام ٢٠١٤، وقد أدلى أقل من الثلث بأصواتهم في انتخابات "جمعية صياغة الدستور". أمّا عملية انتخاب "مجلس النواب" التي جرت في حزيران/يونيو فقد حظيت بنسبة إقبال منخفضة أيضاً مع طعن في شرعية الأصوات. وفي النهاية، قاطع عدد من الأعضاء المقيمين في غرب ليبيا "مجلس النواب"، مما عجّل [في تشكيل] الحكومتين المنفصلتين اللتين ما زالتا قائمتان حتى اليوم على الرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للاعتراف بواحدة فقط.
تحديات لانتخابات عام 2018
على الرغم من أن "المفوضية الوطنية العليا" للانتخابات رفعت تسجيل الناخبين من ١.٥ إلى ٢.٥ مليون ناخب بحلول آذار/مارس ٢٠١٨، وهو عدد يقرب من الرقم المسّجل في عام ٢٠١٢، إلا أن هناك عقبات كبيرة أمام إجراء الانتخابات هذا العام، من بينها المسائل المتعلقة بالتسلسل، وإقرار قانون انتخابي، والأمن:
التسلسل. لم تحدد بعد "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" على وجه الدقة تطلعاتها لتصويت الليبيين في الانتخابات عام ٢٠١٨ وبأي ترتيب: استفتاء دستوري، أم برلمان، أم رئاسة. وفي الخطاب الذي ألقاه مبعوث الأمم المتحدة الخاص، غسان سلامة، في ١٣ نيسان/أبريل أمام وزراء الخارجية العرب، وصف الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية بأنهما على نفس القدر من الأهمية. وعلاوة على ذلك، ألقى على عاتق "مجلس النواب" و"المؤتمر الوطني العام" مسؤولية التوصل إلى اتفاق حول كيفية المضي قدماً بطريقة تسمح لأي من الهيئتين أو كليهما على نحو فعال بإبطال قانون انتخابي أو استفتاء متفق عليه. وبالمثل، أكدت المجموعة الرباعية المتألفة من "الأمم المتحدة" و"الاتحاد الأوروبي" و"الجامعة العربية" و"الاتحاد الأفريقي" في الاجتماع الذي عقدته في ٣٠ نيسان/أبريل على "أهمية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وفقاً للإطار القانوني المطلوب". ومع ذلك، لم يُحسم بعد ما إذا كان الليبيون سيمضون قدماً في إقامة الانتخابات قبل إجراء استفتاء دستوري أو بعده.
وسوف يتطلب الاستفتاء وضع قانون خاص به وحملة توعية عامة تُغطي كافة محتويات الدستور المقترح. وعلاوة على ذلك، قد يؤدي إجراء انتخابات برلمانية أو رئاسية قبل الاستفتاء الدستوري إلى المخاطرة بانتخاب هيئة قبل معرفة السلطات الدستورية التي ستتمتع بها. أمّا بالنسبة إلى ضيق الوقت الذي أشير إليه آنفاً، فلا يوجد في التقويم بعد رمضان ٢٠١٨ ما يكفي من الأيام لاستيعاب كل من الاستفتاء والانتخابات، مع السماح بفترات كافية للحملات، ناهيك عن المتطلبات اللوجستية لإعداد البطاقات الانتخابية وتوزيعها.
القانون الانتخابي والتصميم. أجريت كل واحدة من الانتخابات الثلاث السابقة في ليبيا بموجب قانون مختلف مع مبادرات توعية مختلفة للناخبين، وحملات سياسية، وإعداد صناديق الاقتراع. واحتفظ قانون عام ٢٠١٢، وهو الأكثر نجاحاً في تحقيق أعلى نسبة إقبال للناخبين، بـ ٨٠ مقعداً للأحزاب السياسية الوطنية و١٢٠ مقعداً للمستقلين في المحافظات التسعة والستين في البلاد. وشملت انتخابات "جمعية صياغة الدستور"، التي أجريت في شباط/فبراير ٢٠١٤، ٦٠ مقعداً فردياً للمرشحين مقسمة إلى ثلاث مناطق جغرافية. وضمّ التصويت لـ "مجلس النواب" بعد أربعة أشهر من ذلك التاريخ ٢٠٠ مرشح فردي موزعين على خمسة وسبعين دائرة انتخابية، مثّلت كل واحدة منها بين مرشح واحد و ١٦ مرشحاً. كما تم إجراء اقتراع إضافي لضمان تمثيل الإناث والأقليات إلى جانب التصويت من خارج البلاد. وبالنسبة للانتخابات المقبلة، من المرجح أن يكون لدى "مجلس النواب" و"المجلس الأعلى للدولة" تفضيلات مختلفة لنظام يتيح دور أكبر للأحزاب السياسية والمرشحين في المحافظات. على سبيل المثال، كان المرشحون المنتسبون إلى الإسلاميين أكثر نجاحاً في الترشح كمستقلين غير مرتبطين بحزب إسلامي.
الأمن. تشكّل العملية الانتخابية في ليبيا مشكلة أمنية خطيرة، كما أظهر الهجوم الإرهابي في ٢ أيار/مايو الذي استهدف مقر "المفوضية الوطنية العليا للانتخابات". فبينما يمكن ضمان أمن "المفوضية العليا" بشكل أفضل وتأمين مرافق تخزين البيانات الخاصة بها، فإن حماية أكثر من ١٥٠٠ مركز اقتراع - الرقم المستخدم خلال انتخابات "مجلس النواب" عام ٢٠١٤ - إلى جانب توزيع بطاقات الاقتراع وجمعها قد تؤدي إلى ضغوط لوجستية كبيرة. وسيُستمد الأمن حتماً من سلسلة من الترتيبات الظرفية المخصصة، مما يتيح فرصاً للميليشيات والإرهابيين المفسدين. وعلاوة على ذلك، لدى ليبيا حالياً جبهتا قتال فعليتان حول درنة وسبها. وبينما يمكن تأجيل الاقتراع في عدد قليل من الدوائر الانتخابية، فإن استبعاد أعداد متزايدة من الدوائر قد يشكك في الصلاحية الإجمالية للانتخابات.
البدائل
بدلاً من التحضير لثلاث عمليات انتخابية وطنية محتملة هذا العام، ينبغي على "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" - بمساندة شركائها الغربيين والإقليميين الرئيسيين، من بينهم الولايات المتحدة - أن تنظر في التركيز على تنفيذ مجموعة من المشاريع الطموحة بالفعل والمطروحة في صلب خطة عمل سلامة وهي: عقد اجتماع لمؤتمر وطني هذا الصيف لتطوير صورة أوضح عن الهوية الليبية والأولويات المشتركة؛ وتيسير الانتخابات البلدية، كما حدث في الزاوية في ١٣ أيار/مايو (تنتهي هذا العام صلاحية 75 من 104 مجالس بلدية في ليبيا)؛ وزيادة التمويل وعمل "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" ووكالات التنمية الأخرى لتنفيذ مشاريع البنية التحتية وتقديم الخدمات؛ ومواصلة الحوار مع الميليشيات، بهدف وضع خطة عمل متفق عليها لتوحيد الميليشيات فضلاً عن إطار للأمن الانتخابي. وفيما يخص هذا الأخير، لدى مصر سجلات مثيرة للشكوك لإبرام مثل هذا الاتفاق، بالنظر إلى تاريخها في دعم "الجيش الوطني الليبي" وخليفة حفتر، الذي زاد مرضه واختفاؤه إلى فرنسا في نيسان/أبريل من جعل الحوار أكثر إلحاحاً.
يجب على الولايات المتحدة دعم جميع هذه الجهود، وقد فعلت ذلك بهدوء في عدد من الحالات. وعلى وجه الخصوص، قدّمت واشنطن في الأسابيع الأخيرة الدعم الفني لـ "المفوضية الوطنية العليا للانتخابات" في ليبيا، ووقعت اتفاقية لتوسيع قدرة "الشركة العامة للكهرباء" في البلاد، وأيّدت الانتخابات المحلية في مدينة الزاوية. ومع ذلك، ينبغي أن تزيد من نطاق هذه الجهود. على سبيل المثال، يجب تطوير العمل السابق مع المجالس البلدية لكي تؤدي المجالس المنتخبة حديثاً دوراً أكبر في تصميم مشاريع التنمية وتنفيذها. يجب أن تساهم الولايات المتحدة أيضاً في حوار الميليشيات من خلال إرسال فريق يتألف من ضباط من ذوي الخبرة من العراق لتقديم المشورة للأمم المتحدة بشأن التوسط في التحالفات القبلية. ولكن الأهم من ذلك كله، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى مراجعة الحقائق إذا لم يتم الاتفاق على قانون انتخابي بعد رمضان، وحثّ البعثة وشركائها الأوروبيين على صرف الانتباه عن الانتخابات في عام ٢٠١٨ وتحويله في اتجاه بنود خطة العمل الأكثر إلحاحاً والمدرجة بالفعل في جدول أعمال الأمم المتحدة.
بين فيشمان، هو زميل مشارك في معهد واشنطن، وقدعمل مديراً لشؤون شمال أفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي في الفترة 2011-2013.