- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3788
مفاوضات التطبيع مع إسرائيل والعلاقة الدفاعية الأمريكية السعودية
من خلال قيام السعودية بمناقشة التوصل إلى اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل، تضغط الرياض على واشنطن من أجل تعجيل حصولها على أسلحة أمريكية أكثر تقدماً.
أصبحت معالم اتفاق تطبيع ناشئ بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بوساطة أمريكية تتبلور علناً بالفعل. وتسعى الرياض بشكل أساسي إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة لبرنامجها النووي المدني، وتوسيع نطاق تجارتها (ربما يشمل ذلك اتفاق للتجارة الحرة)، والحصول على تنازلات لم يتم تحديدها بعد بشأن القضية الفلسطينية، فضلاً عن مجموعة من الالتزامات والتحديثات الدفاعية الأمريكية، من بينها نوع من الضمانات الأمنية وإمكانية الحصول على المزيد من المعدات العسكرية الأكثر تطوراً وتسهيل عمليات الشراء. وتملك واشنطن الكثير لتقدمه في هذا السياق - كما أظهرت اتفاقيات التطبيع السابقة - بشرط استيفاء شروط معينة.
أسلحة أفضل وأسرع
لطالما طالبت السعودية على نحو واضح ومباشر بالحصول على أسلحة أمريكية أكثر تطوراً، ومن غير المرجح أن تقبل الرياض بأقل مما تم التعهد به للدول العربية الأخرى مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولكن طلبها بتسريع حصولها على الأسلحة هو أكثر تعقيداً. فبالإضافة إلى صعوبات التعامل مع بيروقراطية الحكومة الأمريكية الشديدة التعقيد المتعلقة بتصدير الأسلحة، يواجه كل عميل أمريكي تقريباً أوقات انتظار طويلة، وتعقيدات في الإنتاج، وتأخيراً في التسليم. وفي مناقشات التطبيع، ستحاول الرياض استخدام نفوذها لحث واشنطن على الوفاء بتعهداتها السابقة بمعالجة هذه المعضلة، والوصول إلى المنظومات الأمريكية الأكثر تطوراً.
وقد يعكس طلب الأسلحة الأكثر تطوراً إحباط الرياض من التناقض في عمليات البيع بين إدارتي ترامب وبايدن. فخلال زيارة ترامب إلى السعودية في عام 2017، أَعلَن عن إبرام عقود أسلحة سابقة ومستقبلية محتملة مع المملكة بمليارات الدولارات. وعندما كان رئيساً، وافقت الولايات المتحدة على شراء السعودية منظومة الدفاع الصاروخية ذات الارتفاعات العالية الطرفية ("ثاد")، وطائرات هليكوبتر، وصواريخ لأنظمة الدفاع الجوي من طراز "باتريوت" التي تملكها، وذخائر جو-أرض، وصواريخ مضادة للدبابات، وأنظمة رادار، وفرقاطات. ولم يتم تسليم الكثير منها بعد، وقد عانى بعضها من تأخيرات في الإنتاج أو قيود في سلسلة التوريد.
وفي المقابل، اقتصرت مبيعات الولايات المتحدة للسعودية خلال إدارة بايدن على الأنظمة الدفاعية بشكل أساسي، مثل الصواريخ الاعتراضية لصواريخ "باتريوت" التي تملكها. أما الاستثناءات الملحوظة فهي الموافقة في عام 2021 على شراء 280 صاروخ جو-جو مقابل 650 مليون دولار (والتي لا تزال الإدارة الأمريكية تعتبرها دفاعية لأنها ستتناول التهديدات الجوية من اليمن)، والموافقة مؤخراً على شراء قطع غيار للمركبات المدرعة الحالية.
وتَعتبر الرياض على الأرجح محادثات التطبيع قناةً قد تكون مفيدة لاستئناف عمليات شراء المزيد من المنصات الهجومية. وعلى وجه التحديد، لن ترغب في الحصول على أقل مما تم التعهد به للإمارات العربية المتحدة مقابل اتفاق التطبيع الذي أبرمته مع إسرائيل، أي المقاتلة الهجومية المشتركة من طراز "إف-35"، وطائرات بدون طيار من طراز "إم كيو-9 ريبر"، ومجموعة متنوعة من الصواريخ الموجهة بدقة. وكان من شأن عمليات الشراء هذه مجتمعةً أن تكلف الإمارات 23 مليار دولار وتجعلها أول دولة عربية تستخدم طائرات "إف-35" و"إم كيو-9". ولكن إدارة ترامب فشلت في إكمال عملية البيع قبل تنصيب الرئيس بايدن، وانهارت الصفقة - التي وافقت عليها الإدارة الأمريكية الجديدة في البداية - بعد أن اكتشفت هذه الإدارة، وفقاً لبعض التقارير، بناء منشأة عسكرية صينية سرية في مجمع ميناء أبوظبي. وقد أدت هذه المنشأة، إلى جانب علاقات الإمارات الوثيقة مع الصين في قطاعات أخرى، ولا سيما الاتصالات، إلى عرقلة محاولة البلاد حيازة بعض منظومات الأسلحة الأمريكية الأكثر تطوراً. ولا يزال المثال الإماراتي يدور في أذهان المسؤولين السعوديين والأمريكيين على حد سواء. فقد أكد أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الديمقراطيين العام الماضي أن الرياض ستسعى على الأرجح إلى الحصول على طائرات من طراز "إف-35" أيضاً، ولكن يجب وضع ضمانات معينة بشأن الصين أولاً.
وفي الواقع، ستواجه الرياض عقبتين رئيسيتين تَحول دون حصولها على هذه الأسلحة الأمريكية المتطورة، وتتمثل العقبة الأولى بعلاقتها مع الصين. وعلى الرغم من أن علاقات السعودية مع الصين ربما ليست واسعة النطاق بقدر علاقات الإمارات معها، إلا أن السعودية تحافظ على علاقة وثيقة مع الصين في قطاعات تجارية حساسة مثل الاتصالات، وقد اشترت أسلحة متطورة من بكين، كما تعاونت مع الصين، وفقاً لبعض التقارير، في إنتاج الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية. ومؤخراً، تم إلغاء اتفاق بين شركة دفاع أمريكية وشركة دفاع سعودية، وفقاً لبعض التقارير، على خلفية علاقة هذه الأخيرة مع شركات الدفاع الصينية الخاضعة للعقوبات، وأصدر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تحذيراً مبطناً بأن المملكة قد تُكثف مشترياتها من الأسلحة من الصين. وتسعى بكين من جانبها إلى توسيع صادراتها من الأسلحة في أسواق الخليج المربحة، ومن الممكن فعلاً أن تنمو علاقاتها الدفاعية مع السعوديين بسرعة إذا رغبت الرياض في ذلك.
وتتمثل العقبة الثانية في المطلب الأمريكي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في أي عملية بيع للمنطقة. وسابقاً، أدت الاتفاقيات الإسرائيلية مع مصر والأردن إلى بيع أسلحة أمريكية متطورة إلى كل دولة، ولكن مع قيود لاحقة على قدرات التسلح. ومن المرجح أن تكون النقطة المحورية في هذه الحالة طائرة "إف-35" والمتغيرات والقدرات المرتبطة بها، نظراً إلى تصنيف الطائرة المقاتلة وواقع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تستخدمها في المنطقة. وبما أن إسرائيل ترغب في إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، يمكن الافتراض إلى حد معقول أنها ستخفف بعض الشيء من مخاوفها بشأن التفوق العسكري النوعي، علماً أنه سيبقى من الضروري تسوية تفاصيل عمليات البيع المعنية وفقاً للأنظمة الأمريكية.
ومع ذلك، فإن إيجاد آلية مبسطة لتسليم الأسلحة يطرح تحديات كبيرة. فالسعوديون هم في الوضع نفسه مثل سائر عملاء صناعة الدفاع الأمريكية تقريباً: فقد كشفت الحرب الأوكرانية عن المشاكل الكثيرة التي تعاني منها القواعد الصناعية الدفاعية في جميع أنحاء العالم، ومن بينها القواعد الأمريكية. وبينما يتزايد الإنتاج في بعض القطاعات، إلّا أنه لا يزال متخلفاً في قطاعات أخرى. وهذا المأزق ليس بالأمر الجديد على السعوديين. ففي حين تندرج منظومة "ثاد" ضمن المنصات التي يقال إنهم طلبوها مقابل التطبيع، إلا أنهم اشتروا في الواقع المنظومة في عام 2018 وينتظرون ببساطة تسلّمها (تشير بعض المصادر إلى أن عملية التسليم قد تحدث في عام 2026 تقريباً). ويعاني جميع عملاء الولايات المتحدة من تأخير في الحصول على الأسلحة، ويتأثر حتى أقرب شركائها بمفاعيل عملية التسليم البطيئة، ومن بينهم إسرائيل التي تنتظر تسليمها طائرات التزويد بالوقود "كيه سي-46"، وتايوان التي لديها ما يقرب من 19 مليار دولار من المشتريات المتراكمة. وفي غياب الاستثمارات المحلية الكبيرة في تطوير القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية والإصلاحات في عملية المبيعات العسكرية الأجنبية، سيستمر جميع العملاء بمواجهة أوقات التسليم المتأخرة.
ويَسهل التعامل مع هذه العملية مع الدعم التشريعي، إذ يمكن للكونغرس الأمريكي أن يؤخر أو يعقد عملية تمويل معينة لمبيعات الأسلحة وأن يسن تدابير للرقابة على استخدامها. وعلى الرغم من أن الكونغرس لم ينجح مطلقاً في منع عملية بيع أسلحة بشكل مباشر، إلا أنه كاد أن ينجح في ذلك، وكانت السعودية هي المستهدفة.
وفي عام 2019، اتخذت إدارة ترامب إجراءً طارئاً للمضي قدماً في عملية بيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار للسعودية والإمارات من دون إخطار الكونغرس. وعندما صوّت الحزبان الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح قرار يقضي بمنع البيع، استخدم ترامب حق النقض ودفع عملية البيع قدماً.
وفي أحيان أخرى، قام أعضاء الكونغرس الأمريكي بتأخير عمليات بيع الأسلحة أو تعقيدها. ففي الشرق الأوسط، تمت عرقلة رغبة تركيا في توسيع وتحديث أسطولها من طائرات "إف-16" في مجلس الشيوخ - حيث غالباً ما يُنظر إلى هذه العملية على أنها جزء من ترتيب لحشد دعم أنقرة لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي. ومن ثم، إذا تعهدت إدارة بايدن بتسهيل مبيعات الأسلحة إلى السعودية، فسيتطلب ذلك التنسيق مع شركات الدفاع بالإضافة إلى تضافر جهود البيت الأبيض والرياض لتحسين صورة المملكة في "الكابيتول هيل" (مقر المجلس التشريعي للحكومة الأمريكية) وإثبات سبب بقاء هذه المبيعات في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
وهذا مجال تتمتع فيه الولايات المتحدة ببعض النفوذ في مفاوضات التطبيع. وتشمل عناصر خطة "رؤية السعودية 2030" بناء قاعدة صناعية دفاعية مستقلة. وعلى غرار العديد من البلدان التي تعتمد على موردي الأسلحة الأجانب، لطالما انزعجت المملكة من الاضطرابات والتأخيرات المرتبطة بالشراء من مُورِّد واحد بشكل رئيسي، وفي هذه الحالة، الولايات المتحدة. ويشكل تطوير قاعدة صناعية دفاعية وسيلة لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية، وتعزيز النمو الاقتصادي، وربما إنشاء أداة أخرى لممارسة النفوذ في الخارج من خلال صادرات الأسلحة. وتتضمن "رؤية السعودية 2030" خططاً لزيادة الإنفاق على المعدات العسكرية المحلية من 2 في المائة إلى 50 في المائة من إجمالي الإنفاق، مع تكليف "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" (SAMI) و"الهيئة العامة للصناعات العسكرية" (GAMI) المملوكتين للدولة بالإشراف على هذه الجهود. وأعلنت الرياض أيضاً أنه اعتباراً من عام 2024، سيتعين على شركات الدفاع الأجنبية والشركات الأخرى أن يكون لها مقر إقليمي في المملكة.
من الناحية النظرية، يمكن لإدارة أمريكية متحمسة وكونغرس داعم أن يسهما إلى حد كبير في جهود تحديث الدفاع في المملكة. ويمكن لجهود مثل منشأة "الرمال الحمراء"، حيث يختبر البلدان بشكل مشترك تكنولوجيا مضادة للطائرات المسيّرة، أن تعزز الخبرة الدفاعية السعودية. ويتمثل خيار آخر بتصنيف السعودية كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج "الناتو". وفي حين أن هذا التصنيف لا يشكل معاهدة ولا التزاماً دفاعياً، فإن الدولة التي تم تصنيفها على هذا النحو تعمل بشكل كبير على تطوير علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وتتمتع الدول الحليفة الرئيسية من خارج "الناتو" بأولوية الوصول إلى البرنامج الأمريكي للمواد الدفاعية الزائدة (EDA) ، ويمكنها استضافة مخزون احتياطي الحرب الأمريكي، وتكون قادرة على إجراء "مشاريع بحث وتطوير تعاونية بشأن معدات الدفاع والذخائر" مع الشركات الأمريكية. وتشمل البلدان الأخرى في المنطقة التي تم تصنيفها كحليفة رئيسية للولايات المتحدة من خارج "الناتو" كلاً من مصر والبحرين وإسرائيل والأردن والكويت والمغرب وقطر وتونس. ويمكن لهذه الخطوة أن ترفع مستوى العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية وتوفر موارد إضافية لجهود المملكة الرامية إلى إنشاء قاعدة صناعية دفاعية خاصة بها.
الخاتمة
سواء صح ما يُذكر هنا أم لا، تنظر عادةً البلدان التي تشتري بشكل رئيسي من الولايات المتحدة إلى أنواع المنصات المعروضة عليها كمقياس لعلاقتها الدفاعية العامة مع واشنطن. فقد أصبحت شراكة واشنطن الدفاعية مع السعودية إحدى أكثر علاقاتها الدفاعية استقطاباً، وقد غذت الاضطرابات الناتجة من ذلك رغبة الرياض في البحث عن مورِّد آخر. ومن شأن اتفاق التطبيع مع إسرائيل بوساطة أمريكية إتاحة المجال لتصحيح مسار هذه العلاقة في زمن يتسم بالمنافسة بين القوى العظمى، مع ضمان بقاء واشنطن الشريك الأمني المفضل للرياض للسنوات القادمة.
جرانت روملي هو "زميل غولدبرغر" في "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع لمعهد واشنطن حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط". وفي الفترة 2018-2021، عمل مستشاراً لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأمريكي.